اليمن آخر معاقل الإرهاب الآمنة
بقلم/ نجيب غلاب
نشر منذ: 15 سنة و شهر و 15 يوماً
الإثنين 09 فبراير-شباط 2009 05:07 م

أعلن تنظيم القاعدة من الأراضي اليمنية مؤخرا في شريط مصور أن تنظيمي اليمن والسعودية أصبحا تنظيما واحدا، وقد أعلنت القيادة الجديدة أن تحرير القدس يمر من صنعا والرياض، هذا الظهور الإعلامي المعد بدقة ليس إلا بداية لتدشين مرحلة جديدة في إستراتيجية القاعدة في مواجهة النظام السياسي اليمني الذي كفره زعيم التنظيم الجديد ناصر الوحيشي وطالب في مقابلة نشرتها الصحافة المحلية ببناء تحالف داخلي لإسقاطه، ومن جهة أخرى بداية لتحويل اليمن إلى قاعدة لتنفيذ عملياتها في السعودية والخليج، ونتيجة تركيز التنظيم على التواجد الأجنبي في بحر العرب والبحر الأحمر فإن نقل مقر القيادة إلى اليمن هو بداية مرحلة جديدة كليا لممارسة الإرهاب البحري، ولم تكن القرصنة البحرية إلا البروفات الأولية لإرهاب البحار الذي تخطط له القاعدة.

وانتقال التنظيم إلى اليمن له دلاله ذات أبعاد متعددة البعد الأول: أن الضربات القاصمة الأمنية والفكرية التي تلقاها التنظيم في السعودية أجبرته على الانتقال إلى بيئة أكثر أمنا، وهناك احتمال أن التنظيم أراد أن يمعن في التخفي فنقل القيادة إلى الأراضي اليمنية يهدف إلى خلق ستار ضبابي حتى يتمكن من إعادة بناء نفسه في المملكة، واليمن كفيل بمدّ التنظيم بالقوة المقاتلة والمدربة لتنفيذ عمليات نوعية، أما البعد الثاني: أن التنظيم في اليمن بلغ من القوة التي جعلته يعلن اليمن كمقر للقاعدة في الجزيرة العربية حيث أكد قيادي في القاعدة لصحيفة محلية ان تنظيمهم في اليمن في أقوى مراحله وأنه تمكن عام 2008م من إرسال ثلاثمائة مقاتل إلى أفغانستان والعراق والصومال بما يعني أن هناك بنية تنظيمية قوية ومتماسكة ومنتشرة وقادرة على العمل وبفاعلية.

ومن يتابع أنشطة القاعدة في اليمن خلال العشر السنوات الماضية رغم أنها من المرتكزات الآمنة للقاعدة كما تؤكد القاعدة وكثير من المحللين ظلت رغم العمليات المتقطعة في حالة سكون ولم يتبنى التنظيم المواجهة مع النظام وضرب مفاصل الاقتصاد الوطني إلا خلال الفترة السابقة حيث ركز على ضرب المنشآت النفطية والسياحة وقتل الأجانب وتفجير السفارات والتهديد بالاغتيالات، وهذا دفع الدولة إلى تكثيف المواجهة وإعادة ترتيب إستراتيجيتها وتبنى مواجهة شاملة ضد القاعدة وفكرها وضرب كل ما له علاقة بالإرهاب بيد من حديد كما أكد الرئيس اليمني مؤخرا في اجتماعه بالقيادات الأمنية لبلاده وقد تمكنت الأجهزة الأمنية خلال العام الماضي وبداية العام الحالي من ملاحقة أعضاء التنظيم وكشف الخلايا التي كانت في طور الاستعداد لتنفيذ عملياتها في اليمن والسعودية.

ومن يقرأ الواقع اليمني بإبعاده السياسية والثقافية والاجتماعية وطبيعته الجغرافية وموقعه الجيواستراتيجي سيجد أن اليمن هي الحلقة الأضعف بين دول المنطقة وأن بيئتها ربما تمكن القاعدة من تفعيل إرهابها بما يهدد أمن المنطقة والعالم فالحدود البحرية اليمنية مفتوحة وواسعة وتتميز اليمن بسلاسل جبلية وعرة بإمكانها ان تخفي جيش من الإرهاب كما أن صحراءها واسعة إضافة إلى ذلك فإن الدولة تواجه تحديات تنموية وأمنية كبيرة والنخب السياسية متنازعة وعلى وشك أن تتقاتل فيما بينها، ونقائض الدولة في المجتمع كثيرة تبدأ بالقبيلة وزعمائها وتنتهي بالحركات السياسية المتحدية لشرعية النظام السياسي ولوحدة الدولة.

إلى ذلك رغم الجهود المبذولة خلال الأربعين سنة الماضية إلا أن اليمن لم يتمكن من التخلص من عوامل التخلف فمعدلات الأمية مرتفعة جدا والفقر منتشر والبطالة في أعلى معدلاتها ويمثل الانفجار السكاني ومحدودية الموارد وهيمنة القوى التقليدية القبلية والأصولية على المجتمع ومع معضلة الصراعات السياسية فإن اليمن غارق في أزمات متلاحقة أضعفت الدولة وأفقدتها هيبتها وتحول الفساد إلى معضلة غير قابلة للحل فالتنازع على السلطة والثروة يجري بين قوى تؤسس لشرعيتها الواقعية على قيم تقليدية تتعامل مع الدولة كغنيمة.

الوضعية السابقة هي البيئة الملائمة التي تساعد الإرهاب على النمو ومن يتابع تاريخ القاعدة سيجد أنها لا تنمو إلا في المجتمعات المتأخرة والمغلقة على نفسها والمعزولة عن العصر والتي تغلب عليها ثقافة القبيلة الثأرية وتسيطر عليها ثقافة أصولية مؤدلجة وأيضا في المناطق الرخوة التي تتصارع النخب على المصالح بمعزل عن المجتمع.

وعند تناول تنظيم القاعدة في اليمن قد يعتقد البعض أن الصراع الداخلي الذي بلغ أوجه خلال الثلاث السنوات الماضية بين النظام وبعض أقطابه المهمة وبينه وبين المعارضة هو من يهيئ البيئة اليمنية للإرهاب، حيث يؤكدوا أن التوجهات الجديدة للنخبة السياسية في تبني سياسات أكثر عقلانية في مواجهة العالم وتبني سياسات حاسمة في مواجهة نقائض الدولة قد دفعت جزء من النخبة السياسية المؤثرة في المعارضة والمشاركة في الحكم إلى تحريك أدوات القاعدة لتخويف وتهديد النخبة الحاكمة بالفوضى العامة أن لم تتفهم مصالح الآخرين.

هذا الطرح في تصوري ليس إلا تغطية وتمويه عن الحقيقية التي تؤكد أن القاعدة ظلت تعمل خلال السنوات الماضية بهدوء ومارست الكثير من الخداع، وهي تتحرك وفق إستراتيجيتها الخاصة وقد حان وقت تحويل اليمن إلى مركز لانطلاقتها الجديدة بعد محاصرتها عالميا وأن التأخر في ظل التوجهات الراهنة للنظام ربما تعيق إستراتيجيتهم.

فالمتفحص لوضع النخبة السياسية الفاعلة بكافة تفرعاتها الفكرية والسياسية سيلاحظ عدم إمكانية بناء تحالف مع القاعدة أو تستغل النخبة القاعدة لتحقيق بعض أجندتها، ومن يشير لعلاقة جزء من النخبة بالقاعدة لا يدرك طبيعة الصراع الداخلي ولا طبيعة القاعدة، وهذا لا يعني أن القاعدة لا تجد بعض التعاطف الداخلي من بعض القوى السياسية المتخوفة من سياسات الرئيس صالح ومن اتجاهات الجيل الجديد من أبناء النخبة الحاكمة ذا التوجهات الانفتاحية والقومية والذي يستند في وجوده على السلطة كمحدد جوهري لنفوذه ويعمل على فرض إرادة الدولة بالقوة في مواجهة نقائضها من خلال اللجوء إلى بناء المؤسسة العسكرية المحترفة والأجهزة الأمنية الفاعلة والعمل على تفعيل الحزب الحاكم وبناء تحالفات تجارية واجتماعية مصالحها مع دولة قوية ومهيمنة وقادرة على ضرب من يتحدى شرعيتها.

وأكثر المتخوفين من الإستراتيجية الجديدة للقوى الشابة في السلطة هم أما قوى تعتمد في قوتها على التحالفات القبلية وعلى خطاب وطني مستند على رؤية أصولية معادية للقوى الغربية خصوصا الولايات المتحدة أو قوى معارضة اسلاموية، وأيضا الحركات الرافعة لشعارات انفصالية، إلا أن المراقب المتفحص لواقع تلك القوى سيجد أن القاعدة تتناقض مع مصالح الأطراف كلها.

ورغم الواقع المؤكد أن القاعدة تحركها إستراتيجيتها الذاتية مستغلة الواقع إلا أن البعض يرى أن جزء من هذه القوى هي القوى المستفيدة من الفوضى الذي بإمكان القاعدة أن توسع من نطاقها والتي ستحاصر النخبة الحاكمة وتهيئ الظروف لاستمرار الدولة الضعيفة والهشة مما يسهل لها تحقيق أهدافها أما بالانقضاض على الدولة أو بالانفلات من سيطرتها، وفي أحسن الأحوال إعادة بناء توافق لا يهدد مصالحهم.

ويؤكدوا هذا التفسير بالإشارة إلى مقابلات صحفية أجرتها بعض الصحف المعارضة مع زعيم تنظيم الجهاد ناصر الوحيشي وتغطية أخبار الإرهاب وربطها بالحزب الحاكم وبالقوى المؤيدة له، وأيضا من خلال التلميحات التي تحاول استغلال الوضع في الضغط على الحزب الحاكم لتقديم تنازلات لصالح بناء توافق، وتخويف الداخل والخارج بأن إصرار الحزب الحاكم على سياساته الانفرادية في خوض الانتخابات دون توافق مع المعارضة و في إدارة البلاد هي من يهيئ البلاد للفوضى باعتبارها المدخل الرئيس للقاعدة.

السؤال الأكثر أهمية: أين يكمن الحل لمواجهة مخاطر الإرهاب ومحاصرته والقضاء عليه؟ يمكن القول أن الأمر بحاجة إلى حزمة قوية ومتماسكة يمكننا أن نشير إلى بعضها، فلابد قبل كل شيء من حملة منظمة وواسعة وحازمة لمواجهة الأفكار المتطرفة والأفكار التي تقود إلى التطرف مسنودة بتطوير القدرات الأمنية لليمن، وثانيا: لابد من مؤتمر وطني لمواجهة الإرهاب يؤسس لبناء تحالف واسع بين القوى الاجتماعية والسياسية أيا كانت تناقضاتهم لمواجهة العناصر الإرهابية ومواجهة أي طرف داخلي سياسي أو اجتماعي يسهل تحركات الإرهابيين أو المتعاونين معهم. وثالثا: لابد من توسيع التعاون الأمني بين اليمن والسعودية ودول الخليج. ورابعا: يمثل إضعاف سلطة زعماء القبائل لصالح الدولة من المداخل الرئيسية في الحرب على الإرهاب. وخامسا: التركيز على توسيع العملية التعليمية في المناطق القبلية بمساعدة دولية وإقليمية وتنمية هذه المناطق وإخراجها من عزلتها.

أما على المدى البعيد فإن تبني مشاريع صناعية عملاقة على طرفي الحدود اليمنية السعودية سوف يجعل من مناطق الحدود أكثر أمنا وجاذبة للقوى القبلية الشابة، سواء في شبوة أو مأرب أو الجوف التي أطلق البعض عليها مثلث الشر وأيضا في صعدة وحجة. ويمثل إخراج اليمن من مشاكله الاقتصادية بتعاون إقليمي ودولي ضرورة أمنية إقليمية وعالمية، ومن المهم في الراهن مساعدة اليمن على بناء قوة بحرية قادرة على حماية سواحلها الطويلة.

وبالتوازي مع ذلك لابد من تدعيم قوة الدولة اليمنية على أسس عصرية متوافقة مع الواقع اليمني ولابد من حكم محلي كامل الصلاحيات وهذا يتطلب بناء مؤسسة عسكرية وأمنية محترفة، ويمثل نقل العاصمة اليمنية من صنعاء إلى عدن وتحويل حضرموت إلى منطقة اقتصادية حرة تجعل اليمن حلقة ربط الخليج بإفريقيا وآسيا من الحلول الإستراتيجية التي بإمكانها أن تعيد ترتيب التحالفات وتشكيل نخبة سياسية متماسكة وقوية تجمعها المصالح والأفكار المتنورة. وكل ذلك سوف يساعد على حل أزماتنا الوطنية الراهنة ويرسم لليمن مستقبلا أمنا وزدهارا.