الشراكة مع «هنت » على الطريقة اليمنية!!
نشر منذ: 18 سنة و شهرين و 30 يوماً
الإثنين 26 ديسمبر-كانون الأول 2005 11:50 ص

* عبده سالم

حينما كان الأسطول السوفياتي الرابض غي جنوب اليمن يتأهب لاجتياح شمال اليمنللسيطرة على هذه الأرضعلى هذه الأرض الواعدة بالنفط، ومن ثم الوصول إلى آبار البترول في الجزيرة العربية، وحينما كانت الجبال اليمنية في الشطر الشمالي من الوطن لا تزال تشتعل ناراً بفعل الصدام الثوري المسلح للمشاريع الثورية والفكرية التي أفرزتها تداعيات الحرب الباردة على هذا الشطر اليمني المأزوم،وعندما كانت خطوط التماس الحدودي بين الشطرين في أطراف محافظة مأرب بين نقطتي "حريب" و"بيحان" لا تزال تعيش أجواء الحذر والترقب بعد أن شهدت أعنف المواجهات العسكرية بين القوات الجنوبية الأكثر تدريباً وتسليحاً وتنظيماً، وبين القوات الشمالية بشقيها النظامي والقبلي الأضعف حالاً والأكثر تفككاً والأقل تنظيماً، وفي الزمن الذي كانت فيه محافظة مأرب خالية من أي وجود عسكري مدرب أو أمني منظم يبسط سلطة الدولة، ويفرض هيبتها بالشكل الذي يبعث الاطمئنان لدى أي مستثمر يرغب في الاستثمار في هذه المحافظة، ناهيك عمّا كان يمثله وضع هذه المحافظة من قلق وخوف حتى لعابري السبيل من المواطنين المحليين.نعم في كل هذه الأحوال السالفة الذكر، والظروف البالغة التعقيد كانت شركة هينت الأمريكية قد اتخذت قرارها، وعقدت عزمها، وحزمت حقائبها للتوجه نحو صحراء مأرب اليمنية للتنقيب عن النفط اليمني واستخراجه غير آبهة بأجواء الصراع الدولي الملتهبة، ولا متوجسة من تعاظم المدّ الثوري القادم من الجنوب الذي لا يبعد عن ميادين نشاطها سوى العشرات من الكيلومترات، ولا هي خائفة من تداعيات الحروب الأهلية المشتعلة في ربوع الوطن اليمني، ولا هي وجلة من طبيعة الأوضاع الأمنية المختلة والصراع القبلي المتفاقم الذي يحيط بها من كل اتجاه.على عكس كل التوقعات التي كانت تتوقع بين لحظة وأخرى نتيجة لهذه الأوضاع البالغة التعقيد كانت أقدام هذه الشركة تترسخ يوماً بعد يوم، ودائرة نشاطها تتسع باستمرار وتباشير النفط القادم تتأكد لحظة بعد أخرى، ومؤشر الاطمئنان والسلام يرتفع درجة بعد أخرى، والأمل الاجتماعي المتطلع نحو الرخاء يزداد يوماً بعد يوم، وهو ما أدى إلى خفض هاجس الصراع الاجتماعي، والحروب الأهلية، ونذر الحرب الباردة إلى أدنى مستوياتها، وهو الوضع الذي انعكس بآثاره الإيجابية على صعيدي السلم الاجتماعي والأمن الدولي. بعد أقل من عامين تقريباً من أعمال الاستكشاف والتنقيب تمكنت شركة هينت من استخراج النفط اليمني الخالص من أعماق الأرض في محافظة مأرب التي كانت هي الأخرى على موعد مع السيد بوش الأب الذي قدم إليها من واشنطن لتدشين المرحلة الأولى من عملية استخراج النفط اليمني وتصديره إلى أسواق العالم، ومن ثم الإيذان بدخول اليمن سوق النفط العالمي في وقت كانت فيه الشركات السوفياتية التي عهد إليها السوفيات مهمة استخراج النفط في جنوب الوطن قد فشلت في تحقيق مهمتها رغم طول المدة التي استغرقتها في تنفيذ أعمالها الاستكشافية، الأمر الذي دفعها إلى حزم حقائبها والرحيل من أرض الجنوب.لاشك أن هذا النشاط المتفاوت في ميادين الاستكشاف النفطي بين شطري الوطن لكل من الأمريكان والسوفيات، وحجم الفارق بين المستويات التقنية والأداء العملي بين شركة هينت الأمريكية في الشمال، والشركات السوفياتية المقابلة لها في الجنوب قد أحيا أملاً اجتماعياً لدى فئات الشعب اليمني في شمال الوطن وجنوبه بمستقبل الشراكة الاقتصادية والتنموية مع شركة هينت الأمريكية؛ كما أحيا هذا الوضع آمالاً أخرى مصاحبة بأن مستقبل السلام في المنطقة قادم لا محالة، وأن ملفات الصراع الدولي في المنطقة في طريقها إلى الإغلاق بكل تأكيد.

لقد بات من الواضح في حينها بأن هذا الوضع المتفاوت بين الشطرين الذي كشفته شركة هينت عملياً من خلال نجاحها الباهر في إنجاز هذا المشروع الاقتصادي التنموي بهذه السرعة قد أسهم إلى حد بعيد في خفض منسوب الصراع الدولي، وتضييق دائرة الحروب الأهلية، والاستقطاب الاجتماعي، وهو ما أخل بشكل مباشر بميزان الصراع الدولي في المنطقة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة لصالح الأخيرة؛ ونتيجة لذلك فإن شعبنا اليمني في شمال الوطن وجنوبه ظل ينظر إلى هذا الإنجاز الاقتصادي التنموي لشركة هينت ليس باعتباره عملية اقتصادية مجردة فحسب، بل باعتباره حدثاً تاريخياً أعطى التباشير الأولية لنهاية أكيدة للحرب الباردة وإفرازاتها الطبيعية، ومن ثم حسم الصراع الأهلي في اليمن إلى الأبد.لا شك أن شركة هينت عندما حققت هذا الإنجاز الاقتصادي العظيم على أرض مأرب كانت بذلك قد فتحت الباب على مصراعيه للاستثمارات الدولية الأمريكية والأوروبية في مجالات النفط والغاز، كما فتحت أبواب التنافس والتدافع من قبل المستثمرين الدوليين بعد أن أكدت لهم شركة هينت عملياً من خلال تجربتها بعدم وجود ما يهدد مصالحهم الاستثمارية في هذه المنطقة، كما أن شركة هينت بتحقيقها هذا الإنجاز قد فكت الحصار وكسرت الاحتكار المفروض على اليمن من قبل بعض الدول والشركات النفطية التي كانت تمنع دخول الاستثمارات النفطية إلى اليمن، ناهيك على أن هذا الإنجاز قد تجاوز عملية فك هذا الحصار وكسر هذا الاحتكار إلى عملية إدخال اليمن الأسواق العالمية للنفط بدون أي وصاية من عمالقة النفط الدوليين، بل إن هذا الإنجاز قد تجاوز الوضع الاقتصادي إلى التأثير على مجريات السياسة الخارجية لليمن، حيث أصبحت العلاقة اليمنية الأمريكية علاقة مباشرة دون الحاجة إلى أي جسر إقليمي يمنح الدبلوماسية اليمنية أحقية العبور إلى العاصمة واشنطن.أختتم هذا الموضوع بالقول: بأنه من حق الحكومة اليمنية عدم تمديد العقد مع شركة هينت الأمريكية بعد انقضاء أجل هذا العقد، ومن حقها تعديل هذا العقد بشروط جديدة إن اقتضت مصالحها في ذلك، وهذا مالا ترفضه شركة هينت ولا غيرها من الشركات الدولية التي تحترم عقودها مع الغير، ولكن من حق هذه الشركة على الحكومة اليمنية طالما وقد تورطت معها بمصالح خارج إطار القانون وبرشوات ومحسوبيات غير مشروعة أن تعمل على أقل تقدير على صون العلاقة التاريخية لهذا الشركة مع الشعب اليمني وأن تحفظ لها مركزها الشرفي والتاريخي كركيزة اقتصادية تاريخية في اليمن، ومعلم نفطي رائد ارتبط بعض تاريخه بتاريخ خروج النفط اليمني.وبالتالي فإن إنهاء نشاط هذه الشركة بزوال العقد معها لا ينهي حقها الاعتباري والتاريخي كصاحبة فضل في إدخال اليمن الأسواق العالمية للنفط، وليس بالضرورة أن يترتب على هذا الحق أي آثار مادية قد تثقل كاهل اليمنيين ما دام هذا الحق يضمن نهاية مشرفة للنشاط الاستثماري للشركة، ويحفظ لها حقوقها التاريخية في اليمن. هذا الوضع هو الذي عادة ما تصنعه الحكومات والأنظمة المتمدنة والزعامات الوطنية ذات الأفق الحضاري والذوق الإنساني الرفيع مع شركائها التاريخيين، وهذا ما نفتقده في هذا الوطن المأزوم.** Email:salem210885@yahoo.com

الحكومة تؤسس لجنة مستقلة لمكافحة الفساد( والمفسدون بداخلها)
الإختطافات قضية محورية أم ممحاكات حزبية
ناشطة أميركية تروي تجربتها: 300 ألف دولار تكفي لبداية حل مشاكل اليمن
الإساءات الشخصية، والعبث المالي .. أخطاء صنعاء ومعارضة الخارج
اليمن: شهادة دولية في الفساد !
مشاهدة المزيد