هل تأكل الثورة عمر ؟
سارة عبدالله حسن
سارة عبدالله حسن

كانت ليلة مخيفة تشهدها تعز في الثلاثين من نوفمبر 2011 – لم تكن الليلة المخيفة الوحيدة في تلك الفترة -كانت المدينة و خاصة شارع جمال تشهد قصفاً عنيفاً بغرض عرقلة قيام الثوار بالاحتفال بعيد الاستقلال في صباح اليوم التالي في الشارع نفسه وكانت الأخبار تتوارد عن عزم قوات ضبعان اجتياح وسط المدينة.

شكل الثوار ليلتها مجموعات حماية لشارع جمال على طوله إصراراً منهم على إنجاح الحفل رغم القصف الليلي العنيف وكان الثائر عمر الصمدي ابن الواحد وعشرين ربيعاً ممن يترددون على المجموعات وخاصة مجموعة جولة وادي القاضي التي كانت تتعرض لأعمال قنص من جهة جولة المرور ومنازل تابعة لأنصار المخلوع ، وفي صباح اليوم التالي كان عمر من المشاركين في ترتيب المجموعات الشبابية الجاهزة للعرض الشبابي وفجأة جاءه اتصال ان هناك إصابات في صفوف مجموعة جولة وادي القاضي بسبب القنص من جهة احد المنازل التابعة لأنصار المخلوع فأسرع الى المكان حيث استشهد حينها الشهيد أسامة الوافي وآخرون وعندما حاول عمر مع رفاقه إسعاف المصابين كان الرصاص لا يزال ينهال عليهم وعندما أرادوا الاقتراب من المنزل وطرد المتمركزين فيه انهالت عليهم الأعيرة النارية وكانت إصابة عمر بعيار ناري في الفقرة ال12من العمود الفقري أدت الى حدوث ضغط وإصابة للحبل الشوكي مما سبب له الإعاقة و قد أجريت له عملية اسعافية في حينه لكنها لم تعالج حالته

لم تقدم له أي جهة أي منحة علاجية رغم خطورة حالته فاضطرت أسرته ان تسافر به الى الهند للعلاج على نفقتها الخاصة التي وصلت الى حوالي 38 الف دولار و قد أجريت له عملية كان شرط نجاحها هو استمرار العلاج الطبيعي بعدها في مركز متخصص مما يعني تكاليف باهظة أخرى لم يعد بمقدور أسرة عمر الكريمة ان توفرها الأمر الذي أدى مع مرور الزمن الى انتكاس حالته و عدم تحقيق حلمه في الوقوف و الحركة مجددا.

عمر الصمدي أنموذج لحالات كثيرة لم تلتفت لها الحكومة و لم تبال بها لا جمعيات خيرية ولا مؤسسات وطنية ولا دكاكين المجتمع المدني التي لا نجد معظمها أبداً في كل هذه القضايا والأوضاع المستعصية التي يعاني منها أبناء الوطن في حين ان هذه الدكاكين من منظمات مجتمع مدني ومؤسسات وطنية قامت على أساس معالجة هذه المشاكل لكن معظمها تكتفي فقط بأخذ المساعدات المحلية و الدولية باسم هؤلاء أو باسم الدفاع عن قضايا أخرى دون أن تقوم بالواجب المنوط فعلاً بها في هذا الإطار.

من النماذج الأخرى الواضحة حالتها وحاجتها للعلاج في الخارج الى جانب حالة عمر الصمدي حالة الثائر شاكر الخطيب الذي أصيب أثناء مشاركته في مسيرة ( مجلس الوزراء ) مايو 2011 م بطلقة رشاش معدل دخلت من الخد وكسرت عظم الفك ومزقت جزء من الحنجرة وكسرت عظام الصدر واخترقت الرئة واستقرت أسفل الصدر... ومازال شاكر إلى الآن بدون علاج وغير قادر على الكلام ويعاني من آلام بالصدر والتقارير الطبية تنصح بسفره إلى الخارج للعلاج مواجهاً حتى اللحظة تجاهل اللجنة الوزارية لعلاج الجرحى.

وهي نفسها اللجنة التي لم تعلم بعد بحالة عمر وربما يستدعي الأمر شهوراً أخرى أو سنوات حتى توجه بسفره للعلاج في الخارج حيث وبسبب انتكاسة حالته لم يعد ينفع علاج الوضع المتدهور والصعب الذي وصلت اليه إلا في مركز متخصص بالعلاج الطبيعي يوجد في ألمانيا.

ومثل عمر الصمدي وشاكر الخطيب هناك حالات كثيرة لا يعلم بها الا المولى عز و جل و حكومتنا الرشيدة هي أخر من يعلم بالتأكيد ، فكيف يمكن - ونحن نعاني مالياً - ان تهتم الحكومة الرشيدة بتسفير جرحى الثورة من الشباب للعلاج و هي مشغولة بترشيد النفقات في قضايا و هموم وطنية كبيرة من مثل إنفاق الملايين على وفد وزارة الشباب والرياضة الكبير الذي كان سفره للمشاركة في خليجي 21 لمشاهدة مباريات كرة القدم أهم من سفر الجرحى للعلاج ، كم ان صرف المليارات الذي تم ولا يزال على هذه الوزارة ذاتها هو أهم خاصة انه يتم لإقامة مشاريع لم نلمس ان الشباب قد استفادوا منها فعلاً أو ان هذه المليارات قد نجحت في تأسيس منتخبات يمنية ناجحة نفاخر بها بقدر ما نجحت في تأسيس ثروات ونفخ كروش و أوداج أشخاص بعينهم !!

ليست وحدها وزارة الشباب من تنفق المليارات في حين يموت الشباب او يتم التخلي عن علاجهم بعد حملهم لراية التغيير الذي كانوا يحلمون به ويحلمون من خلاله أن يقتلعوا عقبات الفساد المتوحشة التي تقف في طريق أحلامهم.

هناك أيضاً من يمارس الفساد نفسه في وزارات أخرى و إنها لكارثة ان صحت الأخبار مؤخراً عن موافقة احد الوزراء على شراء سيارتين لمسؤولين في وزارته بمبلغ يقارب من المليون دولار وحتى ان لم يصح الخبر فإن الإنفاق غير الرشيد من الحكومة الرشيدة يجعلنا نندهش ونتعجب ونصاب بصدمة موجعة عندما يصل الأمر بها ان تقف عند قضايا الجرحى لتخرج الورقة والقلم وتحسب بدقة وحرص بخيل مقدار ما ستنفقه على علاج من كانوا سبباً لوصول هؤلاء المسئولين إلى كراسيهم؟

عندما أرى هذا التعامل القاسي في حق هؤلاء الأبطال و في حق الذين افتدوا الوطن بحياتهم وأرواحهم من أجل تحقيق الحرية والعدالة والعيش الطيب لأبناء اليمن جميعهم فيقابلوا ممن صعدوا على أكتافهم بالجحود والنكران أو بالتقصير أتذكر قول الثائر الفرنسي جورج دانتون عندما قال وهو أمام مقصلة الإعدام ( ان الثورة تأكل أبناءها ).

ولكن ثورتنا لم تفعل ذلك و لن تفعل مهما حاول البعض ان يظهرها انها هي من فعلت ، طالما و هناك منا من سيظل يقارع الفساد و يصر على ان نستكمل مشوار التغيير الذي لن تعود عجلته الى الوراء مهما كان ...

و لا أجد شيئاً أختم به سطوري هذه أجمل من أمنيات الثائر الجريح عمر الصمدي الذي سردها لي كالتالي :

أمنيتي أن أرى اليمن كما كنت أحلم بها مع إخواني وزملائي الثوار ونحن في المسيرات السلمية

أمنيتي يمن يجمع كل شتات أبنائه تحت مظلة العدالة والحياة الكريمة

أمنيتي وطن بلا فساد

أمنيتي مؤسسات تعليمية تبني الإنسان اليمني وخدمات صحية تغني المرضى عن العلاج في الخارج

أمنيتي كهرباء بلا كلفوت وماء بلا وايتات وطريق لا يقطعها بني فلان أو علان.

وأمنيتي الخاصة أن ينعم الله عليَّ بالصبر على البلاء وأن أحصل من حكومتنا الموقرة على فرصة علاج أستعيد بها عافيتي وقدرتي على الوقوف والحركة بإذن الله كي أواصل المسيرة في خدمة وطني بعد إكمال دراستي بإذن الله.


في الإثنين 20 مايو 2013 05:04:08 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=20481