كيف اكتسح حزب العدالة والتنمية تركيا
كونا

جمع حزب (العدالة والتنمية) لوحده ما يقارب نصف عدد الاصوات في الانتخابات التشريعية التاريخية التي جرت في تركيا والسؤال الان ما هو سر هذا النجاح.البعض كان يستخف باستطلاعات الرأي العام التي كانت تؤكد تفوق هذا الحزب بفارق كبير على منافسيه حتى حزب (العدالة والتنمية) نفسه لم يكن ليحلم بمثل هذه النتيجة التي لم تكن من نصيب أي حزب أخر منذ عهد رئيس الوزراء الراحل عدنان مندريس أي قبل 53 عاما. ونجح حزب (العدالة والتنمية) ايضا في ان يكون الاستثناء الوحيد في قاعدة السياسة التركية المعروفة من ان الحزب لا يمكنه ان يضاعف أصواته وهو في الحكم ليتولى السلطة مرتين على التوالي بأرقام قياسية.

هذا الحزب رفع أسهمه الشعبية في عام 2007 الى 8ر47 في المئة عن تلك التي حصل عليها في انتخابات عام 2002 وكانت 28ر34 في المئة ما يعني ان الارتفاع كان بمعدل 848ر10 في المئة خلال اربعة اعوام ونصف من حكمه البلاد الى جانب أصوات ستة ملايين اضيفت الى رصيده السياسي.

والسؤال هو كيف حصل ذلك ولماذا لم يخسر مع ان المشاكل الداخلية والخارجية وصلت الى درجة غير مسبوقة فالجواب عليه يمكن حصره في مجموعة من العوامل اولها تأكيد الحكومة التركية (حكومة حزب العدالة والتنمية) بعد الجولة الاولى من انتخابات الرئاسة على ان رئاسة الاركان هي مؤسسة تابعة وخاضعة لرئاسة الوزراء فهي المرة الاولى في تاريخ تركيا تجرؤ فيه حكومة على انتقاد الجيش بهذا الشكل العلني.ثانيا قرار المحكمة الدستورية من اجل الرئاسة الذي لم يكن ملزما لاي من تورغوت أوزال او سليمان دميريل ولا حتى احمد نجدت سيزار لكنه فرض قسرا على وزير الخارجية عبد الله غول بقوة القانون ليحرمه من الوصول الى كرسي الرئاسة.

الرئيس الحالي احمد نجدت سيزار انتخب في البرلمان كرئيس ب330 صوتا فقط لكن غول ورغم حصوله على نسبة أكبر أي 365 صوتا فانه لم ينتخب وعند هذه النقطة اختلف رجال القانون وانقسموا الى جبهتين لكن غالبية الاراء كانت باتجاه ان المحكمة الدستورية عصرت القانون عصرا لتصدر مثل هذا القرار بل ذهب بعضهم الى حد وصفها بأنها خرجت عن موقفها القانوني المعتاد وتحولت الى هيئة تنفيذية بمثابة السيناتور.ثالثا رجب طيب اردوغان الذي لا يمكن تجاهل دوره كخطيب سياسي مدهش وتأثيره القوي في الشعب كان دائما يتقدم في نظر الشعب على اصوات حزبه ومهما كان ينتهج في بعض الاحيان من اسلوب وصفه البعض بأنه "همجي" لكن الشعب كان يترجمه على انه واحد منهم ويتحدث بلسانهم لذا فان هذا الاسلوب السلس كان لصالحه بكل المقاييس ليجعله في عيون الشعب يتقدم خطوة على منافسيه حتى من قبل ان يدخل حلبة الصراع السياسي وحتى من كان يعارض اسلوب كلامه فانه كان في الوقت نفسه يقدر خطاباته الذكية وطاقته التي لا تنفذ وصبره الطويل وطموحه اللامحدود.

اردوغان لم يخف مشاعره بل كان يتقاسم الافراح والاتراح مع الشعب فهو لم يسكت بل رد الصاع صاعين لكل من هاجمه وان لقبه ب "قاسم باشلي" (وهي الحارة الشعبية التي ولد فيها) كانت العلامة الفارقة لاردوغان التي ميزته عن غيره من السياسيين وبذكائه كان يدرس نقاط الضعف عند منافسيه جيدا فينزل الضربة القاضية عليهم.رابعا الوعود الخيالية للاحزاب المنافسة لم تخيل على الشعب الذي لم ير اي بديل قوي عن حزب العدالة والتنمية الذي لم يتعهد بأكثر من الحدود والامكانيات المتوفرة لديه. فالشعب رأى في وعود الاحزاب المنافسة حتى دنيز بايكال الذي كان العلمانيون يراهنون عليه ويستبشرون فيه خيرا كانت اكثر من خيالية مثل خفض سعر الديزل الى ليرة تركية والغاء الامتحانات الجامعية وضرائب الدولة وتخصيص راتب محترم لكل ربة بيت وغيرها من الوعود المماثلة.خامسا تعاضد الاسماء الكبيرة في حزب العدالة والتنمية وحبك اللعبة السياسية وخوض الانتخابات بروح الفريق الواحد.

ومن الاسباب ايضا ملف تركيا والاتحاد الاوروبي فانه لاول مرة منذ 40 عاما تتخذ تركيا خطوات فعلية في مغامراتها مع الاتحاد وربحت حق التفاوض الرسمي معه على العضوية في مقابل تسريع عملية دخول الاستثمارات الاجنبية الى البلاد واستصدار قوانين من اجل الانسجام مع الاتحاد مثل تمدين مجلس الأمن القومي والسماح للتلفزيونات الخاصة بالبث بلغات أجنبية.وايضا من الاسباب المهمة التي رفعت اسهم الحزب الشعبية هو الاستقرار الاقتصادي وخفضه الفوائد ونسبة التضخم وزيادة في الدخل القومي فلاول مرة في تاريخ تركيا يسجل في عهد حزب العدالة والتنمية نمو مضطرد في الاقتصاد على عشرين مرحلة متتالية.ويمكن القول ان حزب (العدالة والتنمية) في سياسته واصلاحاته واجراءاته كان الخيار الوحيد لغالبية الشعب الذي شفع له لوحده بينما لم يسامح غيره من الاحزاب فحاسبها في صناديق الاقتراع وبكامل ارادته


في الثلاثاء 24 يوليو-تموز 2007 04:08:29 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=2199