حكومة الظل ورئيس الرئيس
منير الماوري
منير الماوري

مأرب برس - خاص

طرح الأستاذ علي الصراري القيادي الكبير في اللقاء المشترك قبل شهور قليلة فكرة تشكيل حكومة ظل من المعارضة اليمنية أسوة بما هو معروف في كثير من الدول تكون مهمتها " تعليمهم كيف يحكمون". وقبل الأستاذ الصراري طرحت الإعلامية اليمنية جميلة علي رجاء الفكرة نفسها كما تحدث عنها آخرون، ومازالت الفكرة قائمة حتى الآن، وقابلة للتنفيذ. ورغم أني كنت من بين من استحسن الفكرة عند طرحها، إلا أني وجدت نفسي بعد تمعن، أخالف أصحابها لسبب واحد فقط وهو أن لدينا حكومة ظل حقيقية معلنة يرأسها معالي الدكتور علي مجور، ولسنا بحاجة لحكومة ظل جديدة. وبما أن الدكتور مجور يرأس حكومة ظل لا تقرر ولا تنفذ، لا تقدم ولا تؤخر، فلن يكون موضوعي هو الحديث عن هذه الحكومة وإنما عن الحكومة الحقيقية التي تحكم البلاد فعليا ولم تتغير منذ أكثر من ربع قرن رغم التغيير الدائم في حكومات الظل المتلاحقة.

رئيس الحكومة الحقيقية أو "الحكومة الخفية" هو الأستاذ علي محمد الآنسي المعروف تجاوزا بصفة مدير مكتب رئاسة الجمهورية ورئيس جهاز الأمن القومي.
هذا الرجل يدير البلاد عن طريق التوجيهات ويتواصل مع نافذين في مختلف الوزارات والمؤسسات ولا يمكن مقارنة صلاحيات رئيس الوزراء المعلن وهي محدودة جدا بصلاحيات رئيس الوزراء الحقيقي، وليس أمام رئيس وزارء الظل المعلن علي مجور سوى التوقيع على قرارات اتخذها رئيس الحكومة الخفي في مكتب رئاسة الجمهورية.

الرجل الثاني في الحكومة هو الأستاذ عبده علي بورجي المعروف بصفة نائب مدير مكتب الرئيس للشؤون الإعلامية وقد كنت أظنه مجرد وزير إعلام خفي، أو حتى نائب رئيس وزراء، ولكني أكتشفت وفقا لتأكيد مصادر عديدة أن الرجل تجاوز كل ذلك وأصبح هو نائب رئيس الجمهورية الفعلي إن لم يكن هو رئيس الرئيس، لأنه بهدوئه وحنكته، أصبح يتخذ قرارات مصيرية، ويصوغ التوجيهات، وقد بدأ تاريخه السياسي المجيد باستحسان الرئيس لخطه الجميل ولغته السليمة للاستعانة به في صوغ توجيهات الرئيس، ولكن مع مرور الأيام واستمرار العشرة مع الرئيس تطور الأمر ولم يعد بورجي بحاجة إلى سماع التوجيهات والقرارت من الرئيس فهو يعرف كيف يفكر الرئيس ويعرف ماذا يريد الرئيس ويعرف مصلحة الرئيس أكثر من الرئيس نفسه، ولم يعد هناك داع أن يضيع بورجي وقته الثمين في انتظار توجيهات الرئيس التي لا معنى لها، ومع عليه إل ا كتابتها بصورة لها معنى ليوقعها الرئيس دون أدنى تساؤل عن مضمونها بسبب إفراطه بالثقة في الأستاذ" عبده". والمشكلة هنا تظل أن الدرجة الرسمية التي يشغلها لأستاذ عبده هي درجة نائب رئيس وزراء وليس نائب رئيس جمهورية ومن هنا بدأت تظهر بعض الاحتكاكات مع من يفترض أنه رئيسه المباشر وهو الأستاذ علي الآنسي، ولم نعد نعرف من يرأس الآخر، هل علي الآنسي يرأس عبده بورجي أم أن عبده بورجي يرأس علي الآنسي بل إن مقولة رئيس الرئيس لها صحة أيضا إذ أني مازلت أذكر إجابة الزميل الصحفي الأستاذ اسكندر الأصبحي عندما التقيت به صدفة في شارع حدة قبل سنوات طوال وسألته عن أخبار صديقه عبده بورجي، فأجابني سريعا " عبده أصبح رئيس".

وإذا كان الأستاذ عبده بورجي قد تجاوز منصب وزير الإعلام الخفي الذي شغله طويلا فمن هو يا ترى وزير الإعلام الحقيقي؟ هل هو حسن اللوزي؟! هل هو علي الشاطر؟! هل هو نصر طه مصطفى؟! لا أعتقد أن أيا من هؤلاء يمكن أن يخلف عبده بورجي في منصب وزير الإعلام بعد تولي الرجل منصب نائب الرئيس، أو بالأصح منصب رئيس الرئيس، فقد أصبح هناك وزيرا جديدا للإعلام تحت التدريب يفترض فيه أن يتولى إيصال توجيهات الرئيس ونائب الرئيس إلى مدراء المؤسسات الإعلامية الخفيين وهو الشاب أحمد الأكوع، ولكنه إلى درجة كبيرة من التهذيب والأدب والثقافة والأخلاق لا تتماشى مع المؤهلات المفترضة في صاحب المنصب ولهذا يتجاذب صلاحياته وزير إعلام الظل حسن اللوزي، ووزير الإعلام العسكري علي حسن الشاطر، وأحيانا يضطر عبده بورجي لممارسة االصلاحيات بنفسه بل إن الفندم رئيس البلاد شخصيا يضطر أحيانا للتدخل في الإشراف على منتجة خطاباته بنفسه للتلفزيون. وقد روى لي مصدر في التلفزيون اليمني أن الرئيس كثيرا ما يتدخل لحذف عبارات وتقديم وتأخير عبارات يكون قد خانه التعبير في قولها ارتجالا أمام القبائل. وبسبب تدخله السافر الذي لا يجروء حتى نائبه عبده بورجي على مناقشته فيها فإن نتيجة المونتاج تظهر على الشاشة ملخبطة بشكل عجيب يشبه لخبطة السياسة اليمنية العليا، المعروفة بوصف " سياسة الرقص بين الثعابين".

وقد أوردنا وزارة الإعلام لأنها في اليمن من الوزارات السيادية بل أهم وزارة سيادية حيث أن الحكم في اليمن يجري بالصيت لا بالواقع، ولا يغطي على هشاشة النظام الآيل للسقوط، سوى شيئين اثنين، أولهما هشاشة المعارضة، وثانيهما وزارة الإعلام العظيمة. والوحيد في تاريخ اليمن الذي استطاع أن يجمع بين وزارة الإعلام الخفية ووزارة إعلام الظل في في وقت واحد على عكس من تلاه من وزراء، هو الأستاذ عبد الرحمن الأكوع صهر الرئيس، ووربما أن الجمع بين المنصبين هو الذي أدى للإطاحة به من الإعلام ولم يطيح به إدراجه في قائمة الوزراء السبعة من خصوم الراحل فرج بن غانم رئيس الوزراء الوحيد الذي حاول أن يتحول من رئيس وزراء ظل إلى رئيس وزراء فعلي فلم يستطع وآثر الإستقالة.

ودعونا من وزارة الإعلام العظيمة لننتقل إلى الوزارت السيادية الأخرى وأهمها هنا وزارة الدفاع، ولأني لا أتذكر أسماء وزراء الظل فإني لم أعد أعرف من هو وزير الدفاع الحالي المعلن، وكل ما أتذكره عنه أنه من جماعة عبدربه منصور نائب الرئيس الشكلي لشؤون الإحتفالات، وكان في فترة من الفترات مسؤولا مثل عبدربه بالضبط عن صرف "الفول والبيادات" بحكم منصبه كمدير للتموين العسكري، ومازال يؤدي نفس الوظيفة كوزير ظل للدفاع أما الوزير الفعلي الذي يتواصل مع قادة الوحدات ويحرك الأطقم إلى "الشارع" وإلى "الوسط" وإلى الشمال وإلى الجنوب فهو " أحمد علي عبدالله صالح" قائد الحرس الجمهوري، ويساعده في مهمته طارق محمد عبدالله صالح، قائد الحرس الخاص، وهناك رئيس أركان لا يقل قوة عنهما إن لم يزد و هو اللواء علي محسن الأحمر، ورغم أن رئيس الأركان لا يعترف بصلاحيات وزير الدفاع، ويعتبره أقل شأنا منه بحكم أقدمية الأخ اللواء رئيس الأركان على الأخ العميد " وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة، إلا أن شعورهما بأن الخلاف بينهما قد يؤدي إلى صدام بين وحدات القوات المسلحة، أدى إلى تأجيل المواجهة على الأقل احتراما للرئيس الأب الذي لولاه لما تنعم لا وزير الدفاع ولا رئيس الأركان بكل هذه النعم التي يتنعمون بها في الدنيا، ولما جرت ترقية الإبن من عقيد إلى عميد بين ليلة وضحاها.

وبعد وزارة الدفاع تأتي وزارة الداخلية في الدرجة الثالثة من الأهمية، ووزير الظل هو الدكتور المتعلم رشاد العليمي، لكنه لا يستطيع أن يحرك طقما واحدا داخل وزارته أو خارجها إلا بعد الرجوع لوزير الداخلية الحقيقي العميد يحيى محمد عبدالله صالح الذي يعمل في الظاهر بصفته المعلنة أركان حرب الأمن المركزي، وهو صاحب القرار الحقيقي إضافة إلى صفته كرجل أعمال وسياحة وسفر، ورحم الله أبيه الذي كان يأتي إلينا نحن المجندين في الأمن المركزي ليأكل معنا الفول والكدم بكل أريحية ويفترش الأرض معنا، ويعلمنا الزحف بين الأشواك، ويحدثنا عن العمليات الجراحية المنتشرة في جسدة، ليشجعنا على الصبر والتحمل. وفي كل الأحوال فإن وزير الداخلية لا يستطيع حتى أن يعقد مؤتمرا صحفيا قبل الاسترشاد بآراء رئيس الرئيس عبده بورجي، أو حتى وزير الإعلام بالنيابة علي الشاطر.

وبعد وزارة الداخلية هناك تأتي وزارة المالية التي غادرها السلامي والعسلي وجاء إليها شخص عينه وزير الدفاع الخفي، ولكن تبقى الوزارة في يد وزيرها الفعلي حامل حقيبة الرئيس المالية علي علي مقصع، أما وكيل الوزارة الأول، فهو عزيز الأكوع، يليه محافظ البنك المركزي الذي تصب خيرات اليمن كلها في خزنته وهو مطهر الحجري. وهؤلاء الثلاثة مقصع والأكوع والحجري، هم من أقرباء الرئيس المؤتمنين وأموال اليمن كل اليمن تصب بين أيديهم، أما وزارة مالية الظل، فلا عمل لها سوى تسليم رواتب المتقاعدين في الجنوب وتسليم رواتب الطلبة اليمنيين في المغرب وتونس وألمانيا والهند والأردن. ولو أن الطلبة أو المتقاعدين يتمتعون بشئ من الذكاء لتواصلوا مع مقصع أو عزيز الأكوع أو مطهر الحجري وليس مع وزارة المالية الشكلية، ولما تأخرت رواتبهم يوما واحدا. ومن الوزارات السيادية أيضا وزارة الخارجية التي مازالت بدون وزير حتى الآن لأن الأستاذ علي الآنسي رئيس الوزراء يصر على جعل الوزارة من اختصاصاته تقليدا لرئيس الوزراء الأسبق الأستاذ محسن العيني الذي لم يكن يرغب أبدا بالتخلي عن الخارجية لأي شخص آخر، بل يجمع بينها وبين رئاسة الوزاراء وهو ما يفعله حاليا الأستاذ علي الآنسي في تواصله مع السفراء والسفارات في الخارج متجاوزا وزير الظل الدكتور أبو بكر القربي الذي كثيرا ما يجد نفسه في حرج بسبب القرارات والمذكرات والمراسلات والإتصالات والفاكسات التي تتدفق أمام عينيه حول قضايا تخصه وهو لا يدري عنها شيئا.

ونأتي إلى الوزارات الخدمية وعلى رأسها وزارة الإتصالات التي يديرها الأستاذ علي معوضة من تحويلة الرئاسة، ولا صوت يعلو فوق صوت علي معوضة، ولا شئ يخيف أكبر مسؤول في اليمن من أن يتلقى إتصالا من علي معوضة لأنه بعد سماع صوت علي معوضة يأتي مباشرة صوت الفندم المجلجل، وما دام أن لدينا "تحويلة" في الرئاسة فلم يعد هناك أي داع لوجود وزارة للمواصلات لأن علي معوضة يدير كل ما له علاقة بالإتصالات.

والوزارات الخدمية لا دور لها ولا وجود لها فقد شاخت وزارة "الصحة والعافية" وأصبح اليمنيون يتعتمدون على المستشفيات والمستوصفات الخاصة، كما شاخت وزارة التربية والتلقين، وتكلست وزارة الزراعة والثروة الحيوانية، وأوشكت هذه الوزارات وغيرها من الوزاراة الخدمية على الوفاة، ولكن توجد وزارة خدمية واحدة تعمل بجد ونشاط وهي وزارة الأشغال بعد أن جرى خصصتها وشرائها من قبل آل الكرشمي، وكانت في السابق من الممتلكات الوقفية للراحل الكبير عبدالله الكرشمي، لكن جرى فيما بعد تحريرها وتوريثها لنجله عمر الكرشمي وإخوانه الذين يعملون جميعا في مناصب قيادية في الوزارة بقرارات جمهورية، وهو الأمر الذي يثبت أن التوريث من أنجح الوسائل لإيقاظ الوزرات من سباتها وجعلها متحركة ونشطة مثل وزارة الكرشمي، أقصد وزارة الأشغال.

ولن أتطرق للوزارت الأخرى لأن المساحة المخصصة لهذا المقال لم تعد تكفي ولكن خلاصة القول إن الحكومة الخفية التي تحكم البلاد بسوط علي عبدالله صالح وبعلمه ومعرفته تتألف من عدد محدود من الأشخاص، وهم كما أسلفنا رئيس الرئيس عبده بورجي، ورئيس الوزراء علي الآنسي، وزير الدفاع أحمد علي يسانده طارق محمد عبدالله صالح، ورئيس الأركان علي محسن، وزير الداخلية يحي محمد عبدالله صالح، يسانده أخيه عمار نائب رئيس جهاز الأمن القومي، ووزير المالية علي مقصع يساعده كل من الصهرين مطهر الحجري وعزيز الأكوع، ووزير الإعلام مع وقت التنفيذ أحمد الأكوع، وهناك شخصيات نافذة أخرى سيتم تناول أدوارها في مناسبة لاحقة.

almaweri@hotmail.com


في الأربعاء 15 أغسطس-آب 2007 03:48:53 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=2336