المستقبل السياسي لحزب المؤتمر بعيداً عن الزعيم
أحمد عايض
أحمد عايض
 

يعد حزب المؤتمر الشعبي العام واحدا من أهم الأحزاب العميقة التي ترعرعت في "رحم الدولة" في اليمن , وحضي برعاية عربية وإقليمية طوال السنوات الماضية, وهذه واحدة من أهم العوامل الخطيرة في حياة الأحزاب التي حكمت في الوطن العربي, حيث تعتمد قوة الحزب الشعبية والتعبوية على قوة الدولة وسطوة الفرد المؤسس أو الزعيم القائد. 

في صورة غير متوقعة تشظى حزب المؤتمر الشعبي العام بُعيد مقتل رئيسه وزعيمه السابق , وأنقسم على نفسهِ أجنحةً ثلاث ,تباينت وتباعدت المسافات فيما بينها لتباعد ما بين القلوب والأجندة .

الجناح الأول وهو الجناح الشرعي صاحب الأغلبية والثقل القيادي, والجناح الثاني هو الجناح المنبطح حاليا الراغب في الاستمرار في التحالف مع الحوثيين , والجناح الثالث هم مجموعة من الفارين عقب مقتل زعيمهم سواء إلى مناطق الشرعية أو خارج الوطن وهو جناح فك ارتباطه بالحوثيين لكنه يرفض الاعتراف بالشرعية عموما, أو شرعية حزب المؤتمر الذي يقوده الرئيس هادي "خصوصا" .

في هذا المنعطف التاريخي يعاني حزب المؤتمر الشعبي العام من أزمةٍ قياديةٍ داخلية , فكل طرف ينظر إلى نفسه أنه هو الأولى بقيادة المرحلة وأنه الكل في الكل , وهذا نتيجة للتعبة الخاطئة داخل الحزب في المرحلة الماضية, التي لعبت دورا سلبيا في تنامي "شعور الكراهية " من طرف ضد طرف أخر, وتحديدا حصل هذا الانقسام بين الأطراف بعد توقيع المبادرة الخليجية .

شخصيا أُلخص أزمة حزب المؤتمر في هذه المرحلة إلى مشكلة "الشتات النفسي" بين قيادات الحزب التي تحولت إلى أجنحة " كلٌ يغني على ليلاه" وكل طرف لديه استعداد أن يتصدر المشهد السياسي والقيادي للمرحلة دون مراعاة للوائح وأنظمة الحزب الداخلية.

أعتقد أن هذا البعد النفسي ظهر جليا بعد مقتل صالح وقبل أن يجف دم "الزعيم " حيث ظهرت أدوات التصدر للمشهد القادم عبر ثلاث قنوات فضائية تحت مسمى "اليمن اليوم" في أقل من 72 ساعة .

قنوات "اليمن اليوم" الأولى وهي المغتصبة من قبل الحوثيين ويتم حاليا إداراتها من قبلهم وأخرى يديرها طرف من الشرعية وثالثة وجدت لنفسها تمويلا خارجيا وانطلقت من القاهرة دون سابق إنذار. 

في أسوأ السيناريوهات القادمة لحزب المؤتمر الشعبي العام أتوقع مستقبلا مشابهاً للحزب الوطني في مصر, إذا ظل على هذا التشتت والضياع في ظل غياب الروح القيادية "الجماعية " التي تستند في عملها على أسس وبرامج الحزب الداخلية . 

مشكلة الأحزاب التي تولد في رحم الأنظمة هو هشاشتها وسرعة تلاشيها من الواقع السياسي لارتباطها بأشخاص وليس بإستراتيجيات أو أهداف حزبية .

الحزب الوطني في مصر كان الحزب الذي لا ينازع صيتا وقوة ودعما لأنه كان يستمد قوته من آليات الدولة وليس آليات الحزب , ولذلك رأينا كيف كان سقوطه سريعا بعد رحيل حسني مبارك الذي زج به الربيع العربي في أحد سجون القاهرة , وبعد عدة أشهر من سجن مبارك لفظ الحزب الوطني المصري أنفاسه الأخيرة.

الحزب الوطني المصري تأسس عام 1978 على يد الرئيس الراحل أنور السادات وتم حله رسميا غداة حكم قضائي في 16 إبريل2011م , أي أن عمره السياسي كان 33 عاما , في حين تأسس حزب المؤتمر الشعبي العام في عام 1990 كحزب سياسي , ما يعني أن تجربته السياسة حتى يوم نكبتة (4 ديسمبر 2017م يوم مقتل صالح) هي 27 عاما .

وهنا نتساءل هل سيصمد حزب المؤتمر الشعبي العام في البقاء في واجهة الحياة السياسية بعد مقتل مؤسسه وزعيمه , أم سيكون التشظي هو الموت القادم لهذا الحزب . 

يمتلك حزب المؤتمر الشعبي العام الكثير من مقومات البقاء, شريطة وجود قيادة موحدة للحزب , وفي مقدمة ذلك هو رغبة الشركاء السياسيين في الوطن وفي مقدمتهم الخصوم التقلديين للحزب وتحديدا "حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي أعلن مبكرا عن رغبته في المضي في شراكه سياسية قادمة مع حزب المؤتمر الشعبي العام ومع بقية الأحزاب الأخرى.

ثانيا هناك رغبة خليجية لدعم مسيرة الحزب في المرحلة القادمة , إضافة إلى أن هناك رسائل إيجابية من كافة الدول العظمى وتحديدا دول "19" المشرفين على المبادرة الخليجية ليكون شريكا في المرحلة القادمة بعد الحرب.

"الأزمة الداخلية" التي تتصاعد حاليا داخل أروقة "حزب المؤتمر" إذا لم يتم تجاوزها ولملمة جراح الحزب وشتاته فإنه سيفقد حاضنته الشعبية والجماهيرية , وحينها سيبدأ في المضي في مرحلة الذوبان والتلاشي من ذاكرة الشعب , بمعنى تحوله مستقبلا إلى أحد الأحزاب الصغيرة التي تملك قناة فضائية وصحيفة ومقرا على غرار النهج الذي تبناه "الحزب" أيام زعيمه في تكوين أحزاب صورية تم تقديمها كديكور سياسي أمام الرأي المحلي والخارجي . 

على كل نأمل من القيادات العليا لهذا الحزب, إزاحة ترسبات المرحلة الماضية ,وفتح صفحة جديدة مع كل الشركاء والأصدقاء, وعقد تحالفات سياسية جادة بعيدا عن ممارسات الإقصاء ونفسية التسلط "القهري" في السلطة . 

على حزب المؤتمر الشعبي العام أن يرتقي بوعيه السياسي والشعبي إلى أن القادم في مستقبل اليمن سيكون مرهونا بخيارات الشعب وليس بخيارات المال وسلطة الدولة ,مع التأكيد للجميع أن تلك مرحلة قد مضت وأغلق بابها وملفاتها, ولم يعد لتلك النزاعات في قاموس العمل السياسي في اليمن متسع أو قبول.

نتمنى أن يعجل الأخوة بحزب المؤتمر في تنظيم صفوفهم وسياساتهم الجديدة نحو المرحلة القادمة فالكل يتطلع أن يكون الجميع شركاء في صناعة المستقبل المشرق لليمن الجديد.

 
في الجمعة 05 يناير-كانون الثاني 2018 06:30:56 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=43330