التمذهب والإمامة نكبة الأمة
د. عبده سعيد مغلس

التمذهب والإمامة نكبة الأمة.

بتحديد واضح، وقول قاطع، بلسان عربي مبين، حدد الله أن دينه الإسلام، ولن يقبل الله دينا غيره، فهو سبحانه له الدين الخالص بقوله:  

﴿إِنَّ ٱلدِّینَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَـٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡیَۢا بَیۡنَهُمۡۗ وَمَن یَكۡفُرۡ بِـَٔایَـٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِیعُ ٱلۡحِسَابِ﴾ [آل عمران ١٩]

﴿وَمَن یَبۡتَغِ غَیۡرَ ٱلۡإِسۡلَـٰمِ دِینࣰا فَلَن یُقۡبَلَ مِنۡهُ وَهُوَ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِینَ﴾ [آل عمران ٨٥]

﴿أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّینُ ٱلۡخَالِصُۚ وَٱلَّذِینَ ٱتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ أَوۡلِیَاۤءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِیُقَرِّبُونَاۤ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰۤ إِنَّ ٱللَّهَ یَحۡكُمُ بَیۡنَهُمۡ فِی مَا هُمۡ فِیهِ یَخۡتَلِفُونَۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی مَنۡ هُوَ كَـٰذِبࣱ كَفَّارࣱ﴾ [الزمر ٣].

ولأن الله رؤوف ورحيم بعباده، جعل دينه الإسلام، خلاص للإنسانية ونجاتها، في الدنيا والأخرة، وإخراج لها من الظلمات للنور، ﴿هُوَ ٱلَّذِی یُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦۤ ءَایَـٰتِۭ بَیِّنَـٰتࣲ لِّیُخۡرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ بِكُمۡ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [الحديد ٩]، ومن رأفة الله ورحمته بعباده، يرسل رسله وأنبيائه لكل الأمم، مع تطور الإنسان الزماني، ﴿إِنَّاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ بِٱلۡحَقِّ بَشِیرࣰا وَنَذِیرࣰاۚ وَإِن مِّنۡ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِیهَا نَذِیرࣱ﴾ [فاطر ٢٤]، حتى أتم الله دينه، وأكمله، وختمه، بالرسالة الخاتم، التي بلّغها رسوله الخاتم محمد (ص) للناس كافة ﴿حُرِّمَتۡ عَلَیۡكُمُ ٱلۡمَیۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِیرِ وَمَاۤ أُهِلَّ لِغَیۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّیَةُ وَٱلنَّطِیحَةُ وَمَاۤ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّیۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُوا۟ بِٱلۡأَزۡلَـٰمِۚ ذَ ٰ⁠لِكُمۡ فِسۡقٌۗ ٱلۡیَوۡمَ یَىِٕسَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِن دِینِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡیَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِینَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَیۡكُمۡ نِعۡمَتِی وَرَضِیتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَـٰمَ دِینࣰاۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِی مَخۡمَصَةٍ غَیۡرَ مُتَجَانِفࣲ لِّإِثۡمࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [المائدة ٣]

﴿وَمَاۤ أَرۡسَلۡنَـٰكَ إِلَّا كَاۤفَّةࣰ لِّلنَّاسِ بَشِیرࣰا وَنَذِیرࣰا وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [سبأ ٢٨]

والله هو وحده رب الناس، والدين هو دينه وحده، ولا شريك له في ملكه ودينه، ﴿ قُلۡ إِنَّنِي هَدَىٰنِي رَبِّيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ دِينٗا قِيَمٗا مِّلَّةَ إِبۡرَٰهِيمَ حَنِيفٗاۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ (161) قُلۡ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحۡيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُۥۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ (163) قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِي رَبّٗا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيۡءٖۚ وَلَا تَكۡسِبُ كُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡهَاۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ (164) ﴾ [الأنعام ١٦١-١٦٤ ].

وأرسل الله رسله، لإبلاغ دينه للناس، دون تدخل منهم، بإضافة أو تحريف أو تبديل، وحذرهم وتوعدهم، من التبديل، والتحريف، والإضافة، والتقول، فمهمتهم هي البلاغ فقط، ويخاطب الله رسوله الخاتم (ص) بقوله ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغۡ مَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَۖ وَإِن لَّمۡ تَفۡعَلۡ فَمَا بَلَّغۡتَ رِسَالَتَهُۥۚ وَٱللَّهُ یَعۡصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَـٰفِرِینَ﴾ [المائدة ٦٧] وفي كتابه الخاتم تكرر ترتيل جذر "بَلَغَ" بمشتقاته حوالي ٧٧ مرة، وحذر رسوله الخاتم من التقول على دينه، ﴿ وَلَوۡ تَقَوَّلَ عَلَيۡنَا بَعۡضَ ٱلۡأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذۡنَا مِنۡهُ بِٱلۡيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعۡنَا مِنۡهُ ٱلۡوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنۡ أَحَدٍ عَنۡهُ حَٰجِزِينَ (47)﴾ [الحاقة ٤٤-٤٧].

وكتاب دين الله حق، أنزله الله، لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه ﴿لَّا یَأۡتِیهِ ٱلۡبَـٰطِلُ مِنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِیلࣱ مِّنۡ حَكِیمٍ حَمِیدࣲ﴾ [فصلت ٤٢]، وتولى الله سبحانه جمعه، وقرآنه على رسوله،(لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) القيامة ١٦-١٩

وتولى الله حفظ كتابه، من العبث والتحريف والإضافة ﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَـٰفِظُونَ﴾ [الحجر ٩]، وتولى الله تفصيل كتابه، وآياته، فلا يحتاج أحد لتفصيله:

﴿الۤرۚ كِتَـٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَایَـٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِیمٍ خَبِیرٍ﴾ [هود ١]

﴿كِتَـٰبࣱ فُصِّلَتۡ ءَایَـٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِیࣰّا لِّقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ﴾ [فصلت ٣]

﴿وَهَـٰذَا صِرَ ٰ⁠طُ رَبِّكَ مُسۡتَقِیمࣰاۗ قَدۡ فَصَّلۡنَا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَذَّكَّرُونَ﴾ [الأنعام ١٢٦]

﴿قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِینَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِیۤ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّیِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِیَ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا خَالِصَةࣰ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۗ كَذَ ٰ⁠لِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ﴾ [الأعراف ٣٢].

وبيّن الله كتابه، ببيان وتبيان واضح، ويسره لمن يدكره، ويرتله، ويتدبره، ويعقله، ويقرأه بمراد الله، لا بمراد الناس وأهوائهم، ﴿وَیَوۡمَ نَبۡعَثُ فِی كُلِّ أُمَّةࣲ شَهِیدًا عَلَیۡهِم مِّنۡ أَنفُسِهِمۡۖ وَجِئۡنَا بِكَ شَهِیدًا عَلَىٰ هَـٰۤؤُلَاۤءِۚ وَنَزَّلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡكِتَـٰبَ تِبۡیَـٰنࣰا لِّكُلِّ شَیۡءࣲ وَهُدࣰى وَرَحۡمَةࣰ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُسۡلِمِینَ﴾ [النحل ٨٩]

﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَیۡنَا بَیَانَهُۥ﴾ [القيامة ١٩].

دين الله هو الدين القيم الذي أمر الله رسوله باتباعه دون سواه ﴿فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّینِ حَنِیفࣰاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِی فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَیۡهَاۚ لَا تَبۡدِیلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰ⁠لِكَ ٱلدِّینُ ٱلۡقَیِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ﴾ [الروم ٣٠]، كتاب الله لم يفرط فيه الله من شيئ ﴿وَمَا مِن دَاۤبَّةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا طَـٰۤىِٕرࣲ یَطِیرُ بِجَنَاحَیۡهِ إِلَّاۤ أُمَمٌ أَمۡثَالُكُمۚ مَّا فَرَّطۡنَا فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مِن شَیۡءࣲۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ یُحۡشَرُونَ﴾ [الأنعام ٣٨]، ولم ينسى الله فيه شيئا ليذكره خلقه ويضيفونه لدينه ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمۡرِ رَبِّكَۖ لَهُۥ مَا بَیۡنَ أَیۡدِینَا وَمَا خَلۡفَنَا وَمَا بَیۡنَ ذَ ٰ⁠لِكَۚ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِیࣰّا﴾ [مريم ٦٤].

مما سبق نجد أن الله سبحانه لم يترك دينه للناس، ليفسروه، ويبينوه، بل فسره، وأوضحه، بتفصيل، وبيان، في كتاب وحيه، كما توضح آياته، ولم يكن الله نسياً، ليأتي احداً من البشر ليكمل ما نسيه الله، بل اكمل وأتم الله دينه، بكتابه الخاتم، وأمر رسوله أن يعلن أنه أول المسلمين من البشر، الذي آمن يالإسلام الكامل التام، ونحن بالتمذهب والإمامة، جعلناه إسلام ناقص وغير تام، بالاعتقاد بأن الفقهاء والأئمة أكملوا دين الله وبينوه، وبتعصبنا وعنصريتنا لدين التمذهب والإمامة، أصبحنا نُكَفّر بعضنا ونقتل.

وبعد هذا البيان والتفصيل، يبرز سؤلان تخاف الأمة من مناقشتهما:

١-هل التمذهب تبيان وتفصيل لدين الله؟ فإن كان ذلك، فأين سنذهب بآيات الله التي بيّنت وفصّلت، كتابه وآياته، وأين سنذهب بآيات منع الله لرسوله محمد (ص)، من التقول على الله في دينه.

٢- هل التمذهب دين بديل لدين الله؟

فإن كان كذلك، فهذا مخالف لدين الله،

فالله أمر رسوله وأمرنا، باتباع دينه القيم "الإسلام" وأن ما سواه باطل، واسماء سمّيناها نحن وأباؤنا.

لقد نشأ التمذهب والإمامة بعد وفاة الرسول، وبدأت إرهاصاتها بوقت مبكر، بلقاء العصبية والعنصرية والكراهية القرشية، لدين الله ورسوله، ومعهم  المنافقين، والكارهين من أهل الكتاب، فأوجد هذا التحالف أقوال أولت كتاب الله بغير مراد الله، وأقوال نُسبت زورا لرسول الله، وكانت جذور التمذهب والإمامة، وجعلتا التمذهب والإمامة، ديناً بديلاً لدين لله، وبهذا التوجه بدأت مشكلة الأمة، بتحول دين الله من دين رب الناس، إلى دين عصبية الناس، بمقولات منها:

" الأئمة من قريش"، "الإمامة والوصية"، "أهل البيت"، "آل محمد"، "منا أمير ومنكم أمير"، "نحن الأمراء وأنتم الوزراء" وبدأت حروب إرهاصاتها من الجمل، وصفين، وكربلاء، لحروب اليوم.

لقد نشأت العنصرية والعصبية القرشية أولاً، ثم العصبية والعنصرية الأموية ثانيا، ثم العصبية والعنصرية الهاشمية الطالبية والعباسية ثالثاً، ثم العنصرية والعصبية الإمامية رابعاً، ثم العنصرية والعصبية المذهبية خامساً ، وبهذا نشأ التمذهب والإمامة، ونشأ منهما العديد من الفرق والمشيخات المفرقة للدين، وكل منها تدعي أنها الفرقة الناجية، التي تُمَثّلُ دين الله الحق، وقد احصاها الدكتور عبدالمنعم حنفي في كتابه بعنوان (موسوعة الفرق والجماعات والمذاهب والأحزاب والحركات الإسلامية) ووصل عددها إلى ٨٠٠ مذهب، وفرقة، وحزب، وحركة، وبهذا الكم الهائل، عاشت الأمة نكبات وحروب التمذهب والإمامة، فتفرقت الأمة، وخسرت بذلك دينها ودنياها، وريادتها ودورها، ورسالتها واستخلافها.

واستمرت مأساتنا كأمة تعيش حروب التمذهب والإمامة، نتيجة لسببين: تعطيل العقل، وهجر القرآن.

إن أمة لا تستطيع أن تقرأ كتابها، الذي ستحاسب عليه، وهي جاثية أمام ربها يوم حسابها، لن تستطيع قراءة واقعها مطلقاً، فنحن أمة ميتة لا تحس، بسبب تعطيل العقل، وهجر القرآن،وجعل حياتنا يتحكم بها الموتى من الأئمة والفقهاء والأولياء، وانتقل محور الدين من الله وكتابه، إليهم وأقوالهم، فلم نعد نتبع كتاب دين الله،ولا رسولنا الأسوة الحسنة، الذي قرأ كتاب الله، ومارس من خلاله فهم حياته وزمانه ومشكلاته وحلولها، وأسس بقراءته تلك، دولة المدينة، دولة الإنسانية، لا دولة الدين، أو الجنس أو اللون، أو العصبية، أو العنصرية، فكانت النموذج الفريد، لدولة المدنية الإنسانية إسماً وواقعاً، ولا علاقة لها بالتمذهب والإمامة.

ونحن اليوم تركنا اتباع هذه الأسوة الحسنة ونموذج قراءتها لدين الله، واتبعنا قراءة فقهاء وأئمة موتى، ونسينا أنهم أمة ماتت وخلت، لهم ما كسبوا، ولنا ما كسبنا، ولا نُسأل عن أعمالهم، ﴿تِلۡكَ أُمَّةࣱ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [البقرة ١٣٤]، بينما الله قدوس حي دائم لا يموت، وكتاب دينه نص مقدس، حي دائم لا يموت، يحوي مطلق المعرفة، ولا يحتويه زمان، ولا مكان، يرافق البشرية هدى ونورا لها، وإخراج لها من الظلمات للنور، حتى يوم الحق، بينما الإنسان نسبي المعرفة، محدود بزمانه ومكانه، فلا يمكن أن تكون أقواله ومعارفه، صالحة ومناسبة لكل زمان ومكان، حتى قيام الساعة، وبتمسكنا بالفقهاء والأئمة جعلناهم مقدسين، وجعلناهم شركاء لله في الديمومة، والقدسية، الزمانية، والمكانية، والمعرفية. وجعلنا أرائهم نصوصاً دينية مقدسة، بديلاً لكتاب دين الله المقدس الوحيد.

إن أمةً لا تستطيع التفريق بين الكتاب الذي هو "هدىً للمتقين" والقرآن الذي هو "هدىً للناس"-وشتان بين المتقين والناس- لا يمكنها التفريق بين الحق والباطل، والصواب والخطأ.

لقد حرم الله قتل النفس إلا بالحق، ﴿وَلَا تَقۡتُلُوا۟ ٱلنَّفۡسَ ٱلَّتِی حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلۡحَقِّۗ وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومࣰا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِیِّهِۦ سُلۡطَـٰنࣰا فَلَا یُسۡرِف فِّی ٱلۡقَتۡلِۖ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورࣰا﴾ [الإسراء ٣٣]، لكننا نجد اليوم التمذهب والإمامة بنموذجها ولاية الفقيه، منذ وصولها للحكم في إيران، قد قتلت وشردت ملايين العرب والمسلمين، ودمرت الهوية الوطنية لأربع دول عربية،، بجيوشها ونسيجها الاجتماعي والوطني، وجعلت سُبل الكافرين تحيط بنا من كل جانب، دولاً وبحاراً، ووعد الله للمؤمنين حق، بأنه لن يجعل لهم علينا سبيلا ﴿…. وَلَن یَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَـٰفِرِینَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِینَ سَبِیلًا﴾ [النساء ١٤١].

التمذهب والإمامة ليسا من دين الله، ولا يعني انتشارهما أنهما حق وصواب، فالأكثرية في دين الله الحق مذمومة، فأكثرهم يؤمنون بالله وهم مشركون، كما نفعل اليوم بإيماننا بالتمذهب والإمامة، وأكثرهم للحق كارهون، وأكثرهم لا يعلمون، وأكثرهم لا يعقلون، وأكثرهم يتبعون الظن، وأكثرهم كاذبون، وأكثرهم لا يشكرون، وأكثرهم يجهلون، وبالتالي لا يعني أن وجود التمذهب والإمامة، في كل البلدان أنها حق، بل هو ضلال خارج عن دين الله الحق.

التمذهب والإمامة صناعة بشرية، ارتبطت بالعنصرية والعصبية-بهدف التسلط والحكم- فهي تضع الناس وتكريمهم خارج معيار الله "التقوى"، وخارج الحكمة من خلق الله الناس شعوباً وقبائل للتعارف، يقول الله ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ لِتَعَارَفُوۤا۟ۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرࣱ﴾ [الحجرات ١٣].

التمذهب والإمامة حولت الشعوب والقبائل لقتال بعضها، بدلاً من التعارف واليمن والعراق وسوريا ولبنان وغيرهما نموذج لذلك.

التمذهب والإمامة ضمن داء الأبائية، الذي حذرنا الله ونهانا من الوقوع فيه، يقول سبحانه ﴿وَإِذَا قِیلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا۟ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُوا۟ بَلۡ نَتَّبِعُ مَاۤ أَلۡفَیۡنَا عَلَیۡهِ ءَابَاۤءَنَاۤۚ أَوَلَوۡ كَانَ ءَابَاۤؤُهُمۡ لَا یَعۡقِلُونَ شَیۡـࣰٔا وَلَا یَهۡتَدُونَ﴾ [البقرة ١٧٠].

التمذهب والإمامة من وعود الشيطان، بالكراهية والبغضاء، والصد عن ذكر الله، يقول سبحانه﴿إِنَّمَا یُرِیدُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ أَن یُوقِعَ بَیۡنَكُمُ ٱلۡعَدَ ٰ⁠وَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ فِی ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَیۡسِرِ وَیَصُدَّكُمۡ عَن ذِكۡرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾ [المائدة ٩١].

 التمذهب والإمامة تفريق لدين الله لشيع وقد تبرأ الله ورسوله من ذلك، يقول سبحانه ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ فَرَّقُوا۟ دِینَهُمۡ وَكَانُوا۟ شِیَعࣰا لَّسۡتَ مِنۡهُمۡ فِی شَیۡءٍۚ إِنَّمَاۤ أَمۡرُهُمۡ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ یُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ﴾ [الأنعام ١٥٩].

التمذهب والإمامة اتباع للأهواء، فهي مخالفة لدين الله القيّم وفطرته، الذي أمر الله رسوله باتباعه فقط، وهي أيضاً وقوع في الشرك بالله، بجعل الناس أنداداً لله في دينه، يبدلون ويحرفون دينه الحق، ويفرقون دينه الواحد، لمذاهب وشيعاً، كل حزب منهم فرحاً بتمذهبه ودينه، وقد وصف الله خطر ذلك في كتابه الحكيم في سورة الروم من الآية ٢٩ حتى الآية ٣٢ بقوله سبحانه ﴿بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَهۡوَآءَهُم بِغَيۡرِ عِلۡمٖۖ فَمَن يَهۡدِي مَنۡ أَضَلَّ ٱللَّهُۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّٰصِرِينَ (29) فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ (30) ۞مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ (31) مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ (32)﴾ [الروم ٢٩- ٣٢].

التمذهب والإمامة تحويل الأخوة الإيمانية، إلى كراهية إيمانية، فكل متمذهب يؤمن بكراهية الأخر، مدعياً أنه يمثل الإيمان الحق والدين الحق، والله يقول ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةࣱ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَ أَخَوَیۡكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾ [الحجرات ١٠].

مأساة الأمة ونكبتها التمذهب والإمامة، كونهما دين الناس، لا دين الله، ولن يستطيعا تأليف قلوب الناس، وحده الله بدينه وكتابه، يؤلف القلوب ويوحدهم 

﴿وَأَلَّفَ بَیۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا مَّاۤ أَلَّفۡتَ بَیۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَیۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ﴾ [الأنفال ٦٣].

﴿وَٱعۡتَصِمُوا۟ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِیعࣰا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ۚ وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَاۤءࣰ فَأَلَّفَ بَیۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦۤ إِخۡوَ ٰ⁠نࣰا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةࣲ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَ ٰ⁠لِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَایَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ﴾ [آل عمران ١٠٣].

التمذهب والإمامة، تعصب للرأي والعنصرية، وليس للدين.

التمذهب والإمامة، تأليه للفقهاء والأئمة، تشبهاً بأهل الكتاب السابقين، ﴿ٱتَّخَذُوۤا۟ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَـٰنَهُمۡ أَرۡبَابࣰا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِیحَ ٱبۡنَ مَرۡیَمَ وَمَاۤ أُمِرُوۤا۟ إِلَّا لِیَعۡبُدُوۤا۟ إِلَـٰهࣰا وَ ٰ⁠حِدࣰاۖ لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَـٰنَهُۥ عَمَّا یُشۡرِكُونَ﴾ [التوبة ٣١].

إن خلاص الأمة هو بتفعيل العقل، والعودة لدين الله الحق، وقراءة كتابه، وفق زماننا ومكاننا ومعارفنا ومشاكلنا، فهذا وحده يمثل طوقاً للنجاة، من دين التمذهب والإمامة وحروبهما، وقد قامت رأسمالية التوحش، بتوظيف التمذهب والإمامة، لإبقاء الأمة في كراهية وحروب، لإبعادها عن دين الحق، ونهب ثرواتها.

وختاماً ماذا فعل التمذهب والإمامة في الأمة غير الحروب والاختلاف والكراهية، وتاريخ المسلمين القديم والمعاصر مليئ بمآسي حروبهما، لننظر لحال الأمة اليوم، كيف أهلك صراع وحروب الإمامة، الحرث والنسل، وساقت الأمة للاستعمار مجدداً.

وختم الختام المذهب رأي فقهي لا دين، حاول به أئمة المذاهب معالجة مشاكلهم بزمانهم ومكانهم، ولم يدعي أياً منهم أن ما قاله دين، بل هو رأي يحتمل الصواب والخطأ، ونحن بالتمذهب وعنصريته وعصبيته حولناه لدين، ولن نجد في دين الله آية تدعم التمذهب، أو الإمامة، أو العنصرية، أو العصبية، لأنها جميعها ليست من دين الرحمن.

ومسك الختام ليخبرني أحدكم أي مذهب وإمامة كان يتبع الرسول (ص)، والخلفاء الراشدين من بعده، رضي الله عنهم، ومن تبعهم حتى ظهور المذاهب والتمذهب.

جمعتكم وعي بخطر التمذهب والإمامة، على الأمة، فلن يجد أياً منا إمامه، ولا وليه، ولا شيخه، ولا فقيهه، يدافع عنه يوم البعث والحساب، كما لا يمكننا الاحتجاج بأقوالهم مقابل كتاب دين الله.

 
في الجمعة 02 فبراير-شباط 2024 06:45:05 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=46779