بن شملان : زعامة شعب أم زعامة سلطة
د.فيصل الحذيفي
د.فيصل الحذيفي

« إن لله وان إليه راجعون » : يقولها بحرقة وتأوه كل مؤمن مفتقد لعزيز. ويقولها كل مواطن إذا فجع بموت قريب أو صديق أو زعيم سياسي يحبه، غير أن كل مواطن له زعيمه الخاص. فثمة في بلداننا العربية نوعين من الزعماء : « زعماء شعوب ، وزعماء سلطة » .

1- زعماء السلطة : هم الرؤساء المتربعون على قمة هرم الدولة وبيدهم مقاليد الحكم والأمر والنهي ، ولكنهم الأشد بعدا عن شعوبهم ، لأنهم باقون على رؤوسهم دون رضاهم ، فهم دائما فائزون بالحكم سواء جرت انتخابات تعددية ، أو استفتاءات انتخابية للرمز الأوحد في الحافظة الأيدلوجية أو بقاءهم واستمرارهم في السلطة بدون انتخابات . زعماء السلطة يظلون موضع جذب ماداموا في مناصبهم وينساهم الناس مجرد فقدهم المنصب ، ينجذب الناس إلى زعماء السلطة بحثا عن مصالح بين أيديهم بمقتضى المنصب لا بمقتضى الشخصية، وبدون المنصب السلطوي فهم موتى.

2- زعماء الشعوب : هم أشخاص يحظون باحترام شعوبهم ويتمنونهم رؤساء سياسيين لهم سواء في مرحلة النضال السياسي أو التنافس الانتخابي، وبعضهم حالفهم الحظ بالوصول إلى السلطة فكانت زعامتهم لشعوبهم هي الشرعية التي يستندون عليها في حكمهم السياسي وزعامتهم التاريخية. زعماء الشعب يظلون موضع جذب لعموم الناس لشخصهم فقط إما لأخلاقهم أو ثقافتهم وعلمهم أو صدقهم ونضالهم وليس للمنافع الشخصية المأمولة منهم، وتعم فائدة الزعيم الشعبي عموم الأمة ولو كان البعض من أفرادها من أشد خصومه ، فقد كان خصوم غاندي مشمولين بنتائج تفرد هذا الزعيم النضالي ضد الاحتلال البريطاني للهند وتحريرها بعيدا عن العصبيات النفعية أو جذب الفئويات والتراكم النفعي لهم ولمن حولهم. وينطبق على زعماء الشعوب مقولة الشاعر :

« سيذكرني قومي إذا جد جدهم **** وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر »

أ- في اليمن : ظهر في تاريخ الشعب اليمني المعاصر ثلاثة زعماء فقط ، الأول : سالم ربيع علي في الجنوب ، والثاني : إبراهيم الحمدي في الشمال، وكلاهما تسنم منصب زعامة الشعب ورئاسة الدولة في آن واحد، وكلاهما خرجا من الحكم « شهيدين مغدورا بهما لايمتلكان رصيدا بنكيا ولا قصورا ولا تجارة ولاهم يحزنون» كلاهما خرجا من الدنيا بحب شعوبهم زعماء لا تمحو ذكراهم تقادم السنون رغما عن التآمر وتشويه الصورة. والزعيم الثالث للنضال الديمقراطي في اليمن الموحد هو المرحوم فيصل بن شملان الذي بدا على الأقل زعيما لأكثر من مليونين ناخب وناخبة : تغمده الله بواسع رحمته.

ب- في المشهد العربي: هذه النماذج اليمنية وجد منها في دول عربية أخرى ، مثل مصر عبد الناصر، وبورقيبة تونس، وهواربو مدين الجزائر، وكلهم يشتركون في خصائص بعينها : خرجوا من الدنيا :« لا قصور ولا أرصدة بنكية ولا تجارة» وكان رصيدهم الكبير مشاريعهم التنموية لشعوبهم وحب شعوبهم لهم فحظوا بمنزلة الزعامة التي لن تمحى مهما تجاهلهم الخصوم وتعاقبت الأجيال وامتد الزمن .

ج- في التاريخ الإنساني برز زعماء للشعوب دون سلطة سياسية، وقد تجلت هذه الزعامة التاريخية في شخصيات وطنية ذات سمعة نزيهة ونادرة وناصعة، يندرج في هذا السياق زعيم الشعب الهندي المهاتما غاندي والزعيمان التاريخيان في اليمن قبل الثورة: النعمان والزبيري، وفي كل بلدان العرب، تعاقبت زعماء شعوب لمراحل تاريخية كان إسهامهم جليا في صناعة التغيير والتحول حدث ذلك خارج سياق السلطة السياسية.

وإن كان من مقتضى الزعامة أن يتحلى الزعيم بصفة « الكريزما» بمعنى الشخصية الخارقة مثل الأنبياء والرسل والعباقرة والزعماء التاريخيين الأكثر أثرا. ويندرج ضمن هذه الصفة الشخصيات الواردة في كتاب للمؤلف اليهودي مايكل هارت تحت عنوان الخالدون في التاريخ وعددها مئة وفي مقدمتهم محمد صل الله عليه وسلم .

لذلك لا نستغرب أن ينعت الناس (فلسطينيين وعربا ومسلمين )الشيخ أحمد ياسين وعز الدين القسام وياسر عرفات كزعماء تاريخيين للشعب الفلسطيني بينما يظل عباس وحده رئيسا للسلطة، وهذا ينسحب في مصر وغيرها على سعد زغلول ومصطفى كامل وأحمد عرابي، والشيخ عبد الرحمن الكواكبي في الشام، وعمر المختار في ليبيا، وعبد الكريم الخطابي في المغرب، وعبد الحميد بن باديس في الجزائر. وكلهم كانوا زعماء تاريخيين لشعوبهم، مختلفين عن أي حاكم عربي جاثم على صدر شعبه مهما امتدحه منافقوه ودواشينه الإعلاميين في حين تقبع زعامات شعبية في دهاليز السجون .

وبمناسبة رحيل زعيم اثنين مليون ناخب من الشعب اليمني لمرشحهم فيصل بن شملان يستدعي هذا الرحيل أن اسرد لكم حكاية حصلت معي وذكرني بها موت زعيم النضال الديمقراطي المهندس بن شملان رحمه الله:

كنت ذات مرة قد استدعيت أحد أصدقائي على وجبة الغداء مع عائلته الكريمة وقد ظليت منتظرا وصوله حتى فات الموعد المحتمل ولم يتصل أو يعتذر، كنت غاضبا من تأخره لما بيني وبينه من موعد ودي وعائلي ، وقد فتحت التلفزيون لأسمع إعلان نبأ نعي والده رحمه الله مضافا إلى النعي أنه « قضى عمره في خدمة الوطن » وهو مواطن عادي بالكاد يعرفه جيرانه، وقد أثارتني هذه العبارة التي أصبحت تقال إعلاميا لكل متوف له وساطة وحظوة لإذاعة النبأ في الإذاعة والتلفزيون حتى وان كان شخصا لا رصيد له في أي نشاط اجتماعي أو سياسي، وكل من يعلن عن وفاتهم على هذا النحو كثيرون. مع أن الناشطين في المجتمع ومن اجل المجتمع هم وحدهم من يمكن وصفهم بأنهم قضوا معظم عمرهم في خدمة الوطن. ما علينا .... المهم :

يجب التنويه إلى الآتي : من حق كل مواطن يمني أن يتلى نبأ نعيه في وسائل إعلام الدولة باعتباره مواطنا أولا وشريكا في ملكيتها ثانيا دون تفريق بين زيد أو عمرو، وليس من الجائز أن يعزى البعض ويتغاضى عن البعض الآخر، وليكون الفرق في بيان العزاء، أن نتمنى للمواطن العادي الرحمة والغفران، بينما يضاف إلى نعي الشخصيات الاجتماعية تنويها بخدماتها الجليلة للوطن. لابد أن يكون ثمة معايير في نقل العزاء في وسائل إعلام الدولة التي هي دولة لكل مواطنيها بناء على معياري مبدأ المساواة بين المواطنين ، وشراكة المواطنين في الملكيات العامة ومنها وسائل إعلام الدولة.

وهذه التصرفات الإعلامية الانتقائية القائمة على تكريس التفاوت والتمييز بين المواطنين تثير استغراب الكثيرين، وينبغي على صاحب القرار أن يستوعب غضب الناس بسبب تجاهل وسائل إعلام الدولة التي ينتمي إليها المواطن الصالح ومناضل الديمقراطية فيصل بن شملان الذي قضى كل عمره في خدمة الوطن دون جدال، وتم – بقصد وإصرار - تجاهل إذاعة نبأ وفاته وتعزية جزء من الشعب المكلوم على موته فلقد أثار ذلك حنقا وغضبا شعبيا لايستهان به يقتضي تقديم اعتذار لهؤلاء المواطنين إن كان صاحب القرار يتمتع بالشجاعة وبمواصفات رجل دولة.

لقد توفرت في زعامة بن شملان رحمه الله صفة واحدة كانت سببا في تجاهله ولا توجد عند أحد غيره في نخبة السلطة والمعارضة على السواء، وهي قدرته على أن يقول :« لا» في الوقت الذي يجب أن تقال . بينما غيره يستطيعون القول بحميمية وبدون مناسبة « حاضر سيدي » في كل الأوقات وخارج سياق منطق العقل والقناعات.

طبعا إذا كان وزير الإعلام اللوزي والمستشار الإعلامي عبده بورجي فإن الرئيس الصالح بسبـبـهما وأمثالهما يخسر شعبه يوما بعد يوم إلى درجة من الغضب والغليان ليظل رئيسا منزويا للسلطة والحزب الحاكم بعيدا عن الشعب الذي من حقه أن يـُواســـــــــىفي مصائبه، علما بأن المعارضة وأنصارها هم جزء من الشعب اليمني وشركاء في الوطن . أفلا يستحقون العزاء ؟؟؟.

وهنا نتذكر تصرف الزعماء: كم كان عظيما الزعيم الأستاذ أحمد محمد نعمان الذي كان سباقا إلى نعي محمد البدر في وفاة أبيه الإمام احمد وهو خصمه وسجانه ومشرده، وكذلك أيضا فعل عبد الناصر وهو الخصم العنيد للرجعية التي يمثلها الإمام أحمد رحمه الله.

السؤال : متى سيكون عندنا دولة ؟ ليكون لدينا رجال دولة ؟. يتصرفون بمسؤولية بعيدا عن الحسابات الشخصية الضيقة وتجيير الدولة والسلطة وثرواتها وإعلامها لمصالحهم وعواطفهم الخاصة .

hodaifah@yahoo.com


في السبت 09 يناير-كانون الثاني 2010 05:02:00 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://mail.marebpress.com
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://mail.marebpress.com/articles.php?id=6314