حرف سفيان، كيف احترقت مقرات الأحزاب وحلت محلها الحوثية
بقلم/ يحيى الثلايا
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 25 يوماً
الجمعة 27 يونيو-حزيران 2008 07:10 م
 قرار زيارة حرف سفيان يبدو ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً، منذ بداية الحرب فكرت بزيارتها لكن النصائح والاحتياطات تحول دون ذلك. تبدأ المخاوف وأنت ما زلت في صنعاء رغم أنك قد حسمت قراراك، إن مررت بعمران «مركز المحافظة التي تتبعها حرف سفيان» ربما تشعر بنوع من الشجاعة إذ ليس هناك ما يخيف كثيراً إن لم تختر الطريق الذي لا يمر من عمران، لكنك مضطر للمرور من خمر، ومنها ومن حوث تبدأ المخاوف والتحذيرات: «ارجع»، و»ما دخلك»؟ وكم تلقى هذه التخويفات من صدى في النفس ولكن «الردة تفض البنادق»..
 تظل أياماً في الحدود وأنت تب حث عن الدليل والراحلة وتبتكر أساليب التنكر والتخفي، ومن صباح يوم مشرق تكون قد توكلت على الله وركبت سيارتك التي بذلت جهداً في البحث عنها وعن صاحبها المغامر.. يفاجؤك جسر حوث الذي كان الحوثيون قد خططوا لتفجيره بداية الحرب قبل أن ينكشف تخطيطهم -إذا صحت الرواية- فالجماعة أصبحوا أكبر من مقاتلين محليين، إذ أن الألغام التي تقدر على نسف الجسر لا تمتلكها مجرد جماعة. بالتأكيد سيكون عليك ألا تشعر أحداً بأنك صحفي، فالخطر يكون حتمياً لكنك لن تعدم طريقة ولو تعبت في ذلك، والاحتياطات الأمنية تفرض عليك أن تفتش دواخلك وأن تكون قد توقعت كل الاحتمالات وأعددت لكل سؤال إجابة، وأول المنغصات سيكون انقطاع شبكة الاتصال التي تعزلك عن العالم. مع الحرب قررت الاتصالات إيقاف شبكة الاتصال للشركتين الأهليتين «سبأفون، MTN» وباعتباري من مستخدمي الأخيرة فلا اتصال، أما شركة «يمن موبايل» فقد صرفت أرقاماً خاصة لا يطالها الفصل لكن هناك من يؤكد أن الحوثيين يستخدمون من ذات الأرقام التي يملكها غيرهم من المحسوبين على السلطة فضلاً عن اتصالاتهم المتطورة.النقاط العسكرية كثيرة، والوقوف الإجباري للتفتيش يتعرض له المارة وسيواجهون أسئلة كثيرة، وأن تكون ملابسك نظيفة وشعرك لم يعفره التراب فذلك مدعاة للشك في هويتك ونوع زيارتك وغرضك، وفي ذات الوقت إذا كان أحد الراكبين إلى جوارك ذا شعر كثيف وأشعث أغبر فسوف يستوقفونك ويسألونه «ليش ما تحلق»؟
 حين سمعت هذه العبارة من أحدهم تدخلت بفضول صحفي «أنتم أصحاب مهمة أم أصحاب صوالين حلاقة»!؟ ولأني كنت مبتسماً فقد رد علي بالقول: «أصلاً الحوثيين تجي أشكالهم هكذا»!!
 التفكير في التصوير أمر خطير للغاية، وستجد حرف سفيان موحشة وخالية إلا من جنود يلبسون خوذات واقية من رصاص القناصة، وفي جو كهذا تبرر لذاكرتك إن استدعت:
 عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وصوت إنسان فكدت أطيرُ!!
 كنت أرقب صورة عبده القعود المرشح المعارض وأحاول أن أقتلعها من دكان معلق عليه لغرض نشرها لكن فوهات البنادق تحول بيني وبينها. تمكنت من التقاط صورة «الهمر» العسكرية المتعطلة خارج الحرف، ولكن إنجازي كاد يتعرض للفشل، كان خلفنا طقم عسكري مسرع وملفت للانتباه أن أنواره كانت مضاءة في وضح النهار، اعترض سيارتنا بطريقة فجة تشبه فجاجة الحرب وتقافز منه الجنود ورغم كثرتهم لم يكن هناك غير سؤال واحد: «وين صورة الهمر»؟
 تعاملت مع الأمر ببرود وبدأت أمتثل للأمر بالخروج من السيارة للتحقيق وخلالها أخرجت الذاكرة من آلة التصوير، وخلال الخلاف كنت متأكداً من أن الذين ركبوا معنا في السيارة -وهم مسلحون- لن يقفوا على الحياد، فالسائد لديهم «أن القبيلي لا يفلت رفيقه» وانتهت المشكلة عند توازن القوى.
 أدرك أحدهم عند وقوفنا أمام المسجد ومقر الإصلاح المحروق أننا معارضة، دار حديث بيننا من شاكلة «باقي أصحاب المشترك».. ويكون هناك من هو أكثر اطلاعاً حين يتدخل بالقول: «تشتي الصدق، الحوثي كان قد خرج من حزب الحق»..
 «انتوا يا أصحاب المشترك»، عبارة سمعتها لا للتهديد كما سلف لكن للاتهام بالتواطؤ وعدم الخروج على السلطة الظالمة!
 كنت قد خططت لعدة مقابلات أهمها مع مدير عام المديرية الشيخ العميد حميد مقبل القعود، والقيادي الحوثي عبد الله بن يحيى القعود، وكذا عضو المجلس المحلي عن المؤتمر القيادي الحوثي أمين كزمة، لكن المواجهات الشديدة في منطقة «الحيرة» البعيدة نوعاً ما عن مركز المديرية كانت تعرقل وصولنا إليهم.
 مواطنون وعسكر يتحدثون عن دور السلطة في دعم الحوثي وآخرون يتحدثون عن النهب والفيد الذي شهدته مدينة الحرف.. العسكر هنا ليسوا فرحين بالمشاركة في الحرب، هم في الغالب طيبون.. الخطأ هنا صنعه الساسة وليس العسكر.
 الرئيس يلتقي بالمشايخ وإعلام الحزب الحاكم يؤكد وقوفهم في صف الدولة فيما الاتهامات تقول إنهم تخاذلوا عن نصرة السلطة وحماية بلادهم.
 القبيلي ليس فرحاً بخراب بيته وتشرد أهله وكان بإمكانه أن يحمي أرضه ما استطاع، لكن خوفاً منعه، قد يقف الناس في وجه «الشباب» أن يحاربوا من أرضهم، لكن من يضمن ألا تخذلهم السلطة وتتركهم فريسة صراع قد يستمر بعد صلح مستعجل!؟
 انتخابات مسعد ومسعدة..ولكل ناخب خمس بطايق!
 إذا فتحت الحديث مع أي سفياني حول الانتخابات فسوف يذكرك بداية بالبرنامج الإذاعي الشهير «مسعد ومسعدة»!
 مقام التذكير هو الحلقة التي شكا فيها «مسعد» لـ:مَرَته مسعدة من شعوره بالتعب نتيجة الوقوف اليومي في طابور الباحثين عن البطاقة الانتخابية وكلما وصل الدور إليه «كملت البطايق»، وهنا قامت مسعدة بدور «البيت المَرَة» إذ نصحته أن ينزل يسجل في حرف سفيان ما يرجع إلا بخمس بطايق «سع غيره»!
 الناخب هنا يصوت بخمسة أصوات وله خمس بطايق إضافة إلى أن المنشورة صورهم على أغلفة بسكويت «أبو ولد» وأغلفة «الشامبو» والصحف كلهم يحضرون إلى الصناديق للاقتراع في الانتخابات.. يبلغ ناخبو الدائرة النيابية (280) أكثر من (46937) ناخب بزيادة آلاف عن إجمالي عدد السكان للمديرية!
 في المديرية (19) مركزاً انتخابيا أو دائرة محلية وفي الدائرة (30) مركزاً، أضيف إليها المراكز التي تتبع سفيان قبلياً وذيبين إدارياً وهي ثلاثة وأضيف من ذيبين عزلت «مرهبة» بكاملها والتي تضم مراكز «عرام، بن قمر، الدحضة، الكساد». ومن مديرية أرحب التابعة لمحافظة صنعاء أضيفت (4) مراكز انتخابية إلى دائرة (280) وهي «عيال موسى، قطوان، الركية، سوق الخميس».
 وفوق كل هذا الضم فإن التقسيم الانتخابي فصل مركز «نعامة الصوف: التابع إدارياً وقبلياً لسفيان وألحقه بالدائرة الانتخابية (292) مديرية المدان. باستثناء الانتخابات البرلمانية الأولى بعد قيام الوحدة (93) التي فاز فيها النائب الاشتراكي محمد مصلح الشهواني فإن كل العمليات الانتخابية اللاحقة أسفرت عن فوز كاسح لمرشحي المؤتمر الشعبي العام ابتداء من الدوائر المحلية للمجلس المحلي وحتى مرشح رئاسة الجمهورية.
 قد يفسر هذا الوضع أنه نتيجة سلبية للمواطنين تجاه المشاركة الانتخابية أو عدم تفاعل وهذا التفسير يدحضه الواقع.
 التنافس يكون دائماً شديداً والمرشحين يصلون إلى (9) وربما (10) على المقعد الواحد، لكن التنافس غالباً يكون بين الحاكم ومستقلين، إذ الوضع يعني سلبية أحزاب المعارضة وابتعادها عن هذه المنطقة.
 الحزب الاشتراكي ظهر في حرف سفيان مبكراً وتعود أول تشكيلاته لما قبل الوحدة، وبعد الوحدة ظهر رسمياً ليتمكن من الفوز بالمقعد النيابي، وكان هو الحزب صاحب الأغلبية الواسعة.وغادر النائب الشهواني البلاد مع حرب 94م التي انتهت بإقصاء الاشتراكي ليحل محله المؤتمر الشعبي العام «وارث من لا وارث له»!!
 الإصلاح افتتح مقر فرعه بحرف سفيان عقب إعلان الوحدة، وبدأ يمارس عمله في توسيع قاعدته الشعبية كحزب سياسي جديد، لكن حمى التجاذب السياسي حالت دون ذلك، إذ أن الإعلان أثار غضب خصوم المهندس صعتر وهددوا بالخطر في حال «نزل سفيان» حيث كان يتعرض لحملات إعلامية حينها، وبعد 94م خلت الساحة للمؤتمر ليمارس فيها هواية الإقصاء وكان الهدف المرحلي هو الإصلاح الذي وقفت كل آليات الدولة في وجهه، بل شهدت فترة ظهور «منتديات الشباب المؤمن» ونشأة «حركة الشعار» تحالفاً وثيقاً بين هؤلاء والسلطة، وقدمت لهم التسهيلات والدعم اللازم مقابل تغييب «الإصلاح».
 فرع الإصلاح بحرف سفيان حرص على تسجيل حضوره في كل الفعاليات بقدر ما يمكن، ويرأسه الشيخ جميل مطر حيدر، وخلال الانتخابات المتعاقبة كان يمثل الإصلاح في الترشح للبرلمان عن هذه الدائرة الأستاذ خالد حمود زمر وهو شخصية اجتماعية من أبناء قبيلة مرهبة التي تتبع حرف سفيان في الانتخابات النيابية، خلال الانتخابات الأخيرة «المحلية» قدمت أحزاب اللقاء المشترك عنها القيادي الاشتراكي «محسن عسكر وقاز» لمنصب ممثل الحافظة ثم قررت سحبه لصالح المرشح المستقل «عبده بن يحيى القعود» رحمه الله لما رأت له من حظوظ أوفر في الفوز.
  حرف سفيان.. الجغرافيا والإدارة
 مديرية حرف سفيان تبلغ مساحتها (2782) كم2 وهي أكبر مديرية بعمران.
 ذات تضاريس متوزعة بين الجبال والهضاب والقيعان، وتقتصر الزراعة فيها على القيعان الخصبة، أما الجبال والمنحدرات فهي قاحلة غبراء لا يمكن إقامة المدرجات الزراعية فيها كغيرها. يبلغ عدد سكانها حوالي (42480) وفقاً للتعداد العام للسكان لعام 2004م. مدينة الحرف هي مركز المديرية وهي عبارة عن سوق أخذ يتوسع حتى أصبح مدينة يسكنها حوالي عشرة آلاف فرد، يمثل السكان الأصليون «أهل الحرف» أكثر من 70% من السكان فيما البقية توافدوا إليها من أنحاء المديرية وعزلها وبعضهم من خارجها.
 كان في المدينة أكثر من ثلاثمائة منزل ومحل تجاري يسكنها القاطنون ويمر من منتصفها الخط الإسفلتي الذي يربط صعدة ببقية المحافظات (كان إلى وقت قريب هو الخط الوحيد) وهذا الخط هو خط دولي، إذ أنه يوصل اليمن بالسعودية عبر منفذي البقع وعلب. تمثل الحركة التجارية الوجه الأبرز لمدينة الحرف، إذ كانت عدة محلات تجارية «دكاكين» تباع فيها السلع الأساسية والثانوية إضافة إلى محلات قطع الغيار والورش التي توجد بشكل كبير وكذا المبيدات، وتشهد الحرف أسبوعياً سوقاً يتوافد إليها المواطنون من أنحاء القرى وتتوفر فيها الأغراض التي يطلبها الراغبون.
 التجمع اليمني للإصلاح، هدف الطرفين
 ظل ذلك المقر للإصلاح طيلة هذه المدة منذ ما بعد الوحدة في (90م)، ورغم كل عوامل التعرية عصياً على الاندثار أو أن «يشله السيل»، وجاءت الحرب بسيلها الذي لم يترك أمامه شيئاً ومنها مقر الإصلاح.. يؤكد الشيخ جميل مطر مسئول الإصلاح بحرف سفيان أن الحوثيين لما سيطروا على المدينة دخلوا المقر وعبثوا بمحتوياته ثم جمعوا ما بداخله إلى إحدى الغرف فأحرقوها.
 جعلت عند دخولي المقر أقلب الأوراق والقصاصات المتناثرة، بطائق عضوية لم يتح التوقيع عليها، استمارات وبطائق لعضوية منظمة فتية الإصلاح، صور للقعود وخالد الزمر ورموز اللقاء المشترك وصور المهندس فيصل بن شملان، وإلى هذا رأيت الرماد والدخان الذي غطى البيت وشوه لونه الأبيض.
 يتسع الجرح والألم حين تمر من أمام المنزل الآخر الذي يملكه جميل مطر وإخوانه وقد أصبح أطلالاً بعد أن قامت السلطة بتفجيره ليخبرك جميل: «قالوا لأن أخوي حوثي»!!
  الشباب المؤمن في حرف سفيان.. من البداية
 بدأ الوجود العملي للشباب المؤمن في العام 96م وتمثل انطلاقهم بافتتاح مدرسة الإمام زين العابدين «أي الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب» رضي الله عنهم أجمعين وهو بالمناسبة «زين العابدين» والد الإمام زيد بن علي الذي تنتسب إليه مذهبيا الطائفة الزيدية.
 في مدرسة زين العابدين في الحرف بدأ التدريس على يد مجموعة من المدرسين الشباب الهاشميين أبرزهم «شمس الدين» كما عمل في المدرسة أو أشرف عليها كل من محمد بدر الدين الحوثي مؤسس ورئيس منتدى الشباب المؤمن وعبدالكريم جدبان «النائب في البرلمان» وكان حسين الحوثي يزورهم في المناسبات الاحتفائية.
 وتقول المصادر إنه كان يأتي في الأعوام الأخيرة قبل الحرب، وهذا يدعم فكرة الانشقاق في التنظيم وهي الرواية التي يوردها محمد يحيى عزان الأمين السابق لمنتدى الشباب المؤمن.
 بعد إنشاء المدرسة التابعة للحوثيين في حرف سفيان بدأت ظاهرة الغدير تأخذ في التوسع في منطقة الحمزات بصعدة ومران وغيرها وهي ظاهرة أو فعالية لم تكن ذات وجود في حرف سفيان.
 لما أخذت هذه الظاهرة في التوسع مصبوغة بصبغة دينية تعبوية سياسية لدى «الشباب» بحثوا لهم عن «مُغدَّر» في حرف سفيان وهو الأمر الذي دفعهم لاختيار بلاد الشيخ السفياني الأبرز «حمود عزيز» الذي تعاون معهم في إعطائهم مساحة للمغدَّر في منطقة «المزحاط» وأقيم أول غدير في عام 97م.
 في سفيان حققت قيادة الشباب المؤمن ما لم تحققه أحزاب الساحة اليمنية حكومة ومعارضة إذ تمكنت من بناء قاعدة صلبة خلال سنوات، والغريب هو التنوع الواسع في الأتباع في منطقة حرف سفيان إذ أن طلابها وداعمي الشباب المؤمن في «الحرف» كانوا من كل الطبقات الاجتماعية الموجودة في تلك المناطق، فعلى خلاف ما هو الحال أن تمثيلهم وعناصرهم هاشميين فقط في المناطق الأخرى فهم في الحرف موزعون على كل الطبقات الاجتماعية؛ هاشميين وقبائل، وأصحاب المهن والحِرَف التي بسبب انتمائهم لهذه المرتبة يغيبون عادة عن الفاعلية والمشاركة في الشؤون العامة ومنها السياسية.
 لما انفجرت الحرب الأولى في مران وما تلاها من حروب في نشور والرزامات كانت «الحرف» بمنأى عن القاذفات والخنادق رغم أنها بوابتها الأوسع.
 اكتفى أعضاء الشباب المؤمن بالمشاركة في القتال بالجبهات الأخرى في صعدة وظلت «الحرف» تمثل امتداداً مادياً لهم، وفي الحروب التي شارك فيها «حوثيو الحرف» خارج بلادهم سقط (14) قتيلا منهم وفقاً للمصادر المتعددة التي قابلناها، وخلال الحرب الأخيرة في ضحيان كانت هناك ملامح و نذر توحي بانفجار الحرب في سفيان.
 اللواء العسكري المرابط في الجبل الأسود وجه الأوامر إلى أهالي الحرف بمغادرة منازلهم وتم ذلك ليقوم الجيش بالانتشار فيها وأقيمت «الأرتاب» فوق البيوت وفي مداخل الشوارع والحارات، وخلال أيام فقط عادت الأمور إلى الهدوء وتراجع الحوثيين عن فكرة فتح جبهة الحرف وعاد الناس إلى بيوتهم، وفي هذه المرة لاحظ الأهالي نذر الحرب قادمة بمؤشرات أكثر من سابقاتها.. يقولون بأن التعامل الرسمي كان دون المفترض تطمينات وتهويناً من شأن الأمر. دخل الحوثيون المنطقة وبدأوا في حفر الخنادق استعداداً للحرب فأبلغت القيادة العسكرية أهالي الحرف بسرعة مغادرة منازلهم بعد أن بدأت المواجهات.
 المواطنون أخرجهم الذعر إلى المجهول لا يحملون سوى الأطفال ظناً منهم أن الأمر أياماً ليعودوا إلى مساكنهم وأعمالهم ومتاجرهم لكن شيئاً من ذلك لم يتم فقد انتهى كل شيء.
  وثائق.. وأشخاص
 وثيقة من ضمن الوثائق التي وجدناها في حرف سفيان تحوي كشفاً به إحصائية ناخبي حرف سفيان في 2003م.
 النسخة أصلية مختومة وموقع عليها من كل من «محسن عسكر وقاز، جمال جميل حيدر، أمين أحمد كزمة» الثلاثة الأسماء تمثل على التوالي «الاشتراكي، الإصلاح، المؤتمر».
 الاشتراكي وقاز هو من ترشح عن المشترك للمحافظة في المحليات الأخيرة وحزبه بمحافظة عمران كان قد أصدر بياناً يدين الحرب ويطالب وقفها. أمين كزمة رئيس اللجنة ممثلاً عن المؤتمر هو أحد قياداته وقد فاز بعضوية المجلس المحلي بالمديرية عن المؤتمر الشعبي العام وكان يطمح في رئاسة لجنة الخدمات لكنه لم يتمكن.
 أمين هو أحد القيادات الآن في صف الحوثيين وقد سقط أخوه فيصل كزمة قتيلاً في إحدى المعارك.
 والثالث جمال جميل حيدر، شخص يحمل موضوعاً يستحق التوقف عنده: الاسم يحمل دلالة ثورية لمطابقته اسم الشهيد جمال جميل الضابط العراقي الذي ساهم في ثورة 48م، وأن تجد اسماً كهذا في منطقة حرف سفيان لهو أمر غريب ونادر.
 جمال الذي قتل قبل أعوام هو ابن مسئول الإصلاح بحرف سفيان ومن أسرة بني حيدر المعروفة هناك.
 في 96م تقدم جمال إلى المحكمة في مديرية حرف سفيان بدعوى يشكو فيها منع وعاظ ومرشدين من الخطابة في مدينة الحرف وشملت دعواه أسماء منهم محمد بدر الدين الحوثي!
 بدأ القاضي المعني بالأمر ينظر في القضية لكن نقله تم بسرعة وجاء القاضي الجديد الذي أصدر لجمال وريقة قضى فيها بعدم تدخل المحكمة لأن ذلك ليس من الإسلام في شيء!!
 عدنا.. خذلان الكاميرا وأمل الطماطم
 بعد رحلة بين الأطلال في الحرف ومجازفة بين الأخطار المهولة كانت العودة غير مفرحة بالقدر الذي يتوقعه المرء بعد مغادرته دائرة الخطر وحصوله على مادة تمثل سبقا صحفيا.
 النكد يظل حليفنا الأهم والمشاهد المروعة ما تزال تدور في مخيلتك ويكاد الغضب يعصف بك وأنت تدرك أن الكاميرا خذلتك في المهمة وتكره يوما عرفت فيه اللغة الإنجليزية حين تقرأ وأنت تقلب الصور تلك العبارة السخيفة (File Eroor).
 لكن منظر المزارعين الفتيان الذين رغم كل أشباح الحرب ظلوا حريصين على جني محاصيلهم من الطماطم من منطقة دائرة الخطر لن تنساه ولن يزول من ذاكرتك حرصهم على أن يعطوك جزء من محاصيلهم «هدية».
 إنه الأمل الباعث على طلب متكرر.. نتوجه به إلى الجميع من طرفي الحرب (السلطة والحوثيين) ومعهم الأحزاب والقوى السياسية وكل الخيرين في البلد وحتى الطابور الخامس وتجار الحروب الذين لا يخلو منهم أي مجتمع.
 أقول لهم، فلتعملوا على حماية البشر، أسهموا في إشاعة الصلح والأمن، وحينها ستذوقون جميعا طعم السعادة والرخاء الذي تفتقدونه منذ زمن قديم.
  دعائم الحرب لدى السلطة والحوثي مقارنة بين أهم عناصر الحرب لدى الطرفين
 لدراسة الحرب في سفيان بين السلطة والحوثيين يجب التوقف عند عناصر القوة والآليات والتكتيك والإمكانات لدى كل طرف ويمكن عمل ذلك في مقارنة عابرة.
 -العنصر البشري:
 * تقاتل السلطة في هذه المنطقة بعنصر بشري أهم ما فيه اللواء العسكري المرابط في الجبل الأسود والذي يتبع المنطقة العسكرية الشمالية الغربية.
 وخلال الحرب تحدث البعض عن تعزيزات بشرية من الألوية العسكرية في المناطق القريبة وتردد حديث حول مشاركة وحدات من القوات الخاصة والحرس الجمهوري.
 إلى جانب الجيش شارك متطوعون من أبناء قبيلة سفيان فقط وأغلبهم ممن لهم علاقة رسمية بالدولة مثل المشايخ وممثلي المديرية ومديريها.
 أبرز المشاركين «قيادات تتبعهم قبائلهم» الشيخ صغير حمود عزيز عضو مجلس النواب، والعميد حميد مقبل القعود مدير عام المديرية، ومن منطقة المجزعة بالحرف، والشيخ محسن معقل أمين عام المجلس المحلي والشيخ جابر سليمان رئيس لجنة الخدمات بمحلي حرف سفيان والشيخ أحمد حسين حبيش «قتل» والشيخ بكيل عبده حبيش.
 الحوثيون:
 العناصر التي تقاتل في صف الحوثي وفقاً للتقديرات من أكثر من شخص تبلغ حوالي (سبعمائة فرد).
 من هذا العدد التقريبي يقال إن حوالي مائة وخمسين شخصاً هم من أبناء المديرية ممن درسوا في المدرسة أو ممن التحقوا بالحروب السابقة ومن لم يلحق بها.
 البقية وفقاً للمصادر هم عناصر قدمت من نشور وآل سالم وضحيان ومطرة والجوف ومناطق أخرى.
 أبرز قياداتهم في حرف سفيان هو «عبد الله بن يحيى القعود» من القعدان، وكان يمثل القيادة حتى مجيء القائد المكلف من لدى الحوثي «عزيز طالب» المعروف «بالسحاري» نسبة إلى سحار صعدة فيما هناك قول إنه من منطقة خولان بن عامر بصعدة، والشيخ أمين كزمة عضو المجلس المحلي وإلى هؤلاء ترددت أخبار عن مشاركة القائد الميداني الحوثي «يوسف المداني» وفي حالة مشاركته فبالتأكيد سيكون هو القائد الأول لمبررات عدة منها أدواره السابقة إضافة إلى كونه «سيد» أحق بالولاية.
  -السلاح:
 * استخدمت السلطة مختلف الأسلحة.
 * كان الكلاشينكوف «الآليات العادية» أكثر الأسلحة استخداماً لدى الحوثيين ويتم استخدامه في الاشتباكات والقنص وهو عدة أنواع منها المتطورة التي لا توجد لدى الجيش والتي يقال إنها استيراد خاص بهم وكانت الذخيرة موجودة بكثرة.
 واستخدمت قذائف الـRBG المعروف عنها فاعليتها في مواجهة الدبابات كما استخدمت الألغام المتنوعة وبعض الرشاشات متوسطة الحجم.
 -التكتيك العسكري:
 * اعتمد الجيش ومعاونوه على الأسلوب الهجومي المكثف والقصف المباشر ومحاصرة الطرف الآخر والتمشيط.
 * الحوثيين تعاملوا مع الحرب وفق أساليب حروب العصابات والشوارع التي تعتمد على القنص والمباغتة وكذا الكمائن والخدع الحربية، كما استخدموا خلال حربهم أيضاً أسلوب الاستنزاف من خلال نصب الأهداف الوهمية للجيش، وكذلك أنشؤوا خنادق قتالية داخل الشوارع وجوار البيوت.
  -الإعلام:
 التغطية الإعلامية الميدانية للحرب ظلت غائبة كلياً بين الطرفين، فالسلطة تعاملت مع الحرب بسياسة التكتم والتعتيم الإعلامي حتى بعد تحقق التقدم، والحوثيين أيضاً لم يقوموا بالتغطية خلافاً لما عليه الحال في جبهات القتال الأخرى إذ أن مكتب الحوثي الإعلامي يقوم بتغطية كاملة وفيما موقفهما يثير التساؤل فإن الوسائل الإعلامية الأخرى ظلت في مواقع الخوف والعجز، أو «الهبش» في أحسن الحالات، وأقصد الاعتماد على الأخبار المستعجلة وشائعات الشارع.
 -الضحايا:
 كلا الجانبين يتعاملان بحذر مع نشر أسماء الضحايا، فالسلطة ترى ذلك تثبيطاً من معنويات الأفراد وتضخيماً لحجم الخصم، والحوثيون لذات الأسباب ينكرون أي قتلى بينهم مبررين ذلك أن الله يحميهم.
 بعد تمكن الجيش في سوق الحرف كانت الجثث بالعشرات وأصبح التعرف على هوية أصحابها صعباً!
 النازحون.. الألم المتجدد بغياب الإغاثة
 حين تدخل إلى مدينة الحرف وأنت تشاهد الأطلال يصيبك الشرود إذ لا مؤنس ولا مألوف هنا ولا بشر إلا أفراد من القوات المسلحة أصابعهم على الزناد بفعل هاجس الحذر والكمائن المبيتة.سيكون السؤال الذي يشغلك ويقلقك «أين أهلها» لكنه سؤال لا تقدر على البوح به ولكن الإجابة يرددها الفضاء من حولك «إنهم نازحون».
 «النازحون» مأساة الحرف التي قد تطول وتمتد آثارها، آلاف من البشر في لحظة ملعونة خرجوا لا يحملون على أكتافهم غير أرواحهم التي كانت مهددة بالخطر الذريع، فروا باتجاه المجهول.
 تشتت المجتمعون وتفرقت الأسر والأرحام بين المناطق المجاورة والبعيدة من كان له قريب فر إليه أو صديق استعان به، تركوا الفرش والملابس والممتلكات وخرجوا يحملون أطفالهم، كثير من الذين التقيتهم في خمر وحوث ووادعة سألتهم عن أسرهم وعن إخوانهم؟ وكانت الإجابة: «لا ندري».
 سلسبيل طالبة الصف الأول الأساسي ونوال الطالبة في الصف السادس الأساسي كانتا ومعهما عبد المجيد في الصف الثاني قد أعدوا أنفسهم للامتحان النهائي، يجيبون عليك ببراءة قتلتها سياسات اللعب بالنار «الحرب» حين تسألهم عن سبب تخلفهم عن الامتحان؟
 هيكل.. رغم ما حصل ما زال يظن أنه سيدخل امتحان الصف التاسع الأساسي لقيناه قبل أيام من بدء الامتحانات سألناه عن مركزه الامتحاني أين سيكون؟ لكنه رد: لا أدري.. الغريب أنه رغم ذلك ظل يذاكر!!
 لو فكرت أن تسأل النازحين عن جهود الإغاثة والمنظمات الإنسانية في التخفيف من كارثتهم ستبدو أمامهم أبله، فلا إغاثة حصلت أو فكرت بالنزول. وعلمنا أن قافلة جهزها الهلال الأحمر فلما وصلت مديرية حوث قام اثنان من قيادة المؤتمر الشعبي العام بنهبها واغتنامها بدلاً عن إيصالها للنازحين.
 حملني كثير منهم نقل مأساتهم وإطلاع الرأي العام على صورة وضعهم عبر الصحافة علهم يفيقون.. من يدري؟!
* نقلا عن ألأهالي