فساد البعثات
بقلم/ محمد طاهر
نشر منذ: 16 سنة و 7 أشهر و 4 أيام
الأحد 20 إبريل-نيسان 2008 06:58 ص
K

مأرب برس – خاص

لا شك أن مكافحة الفساد في بلادنا بحاجة إلى إرادة صلبة وإجراءات صارمة وإمكانيات تمكنها من مقارعة الفاسدين الذين تتسع دائرتهم لتشمل الأراضي والأرصدة والوظائف والمنح ويتصدرون المناصب ويستحوذون على المشاريع ولهم القدرة على لي عنق القانون واستعراض العضلات المفتولة إذا لازم الأمر .

قبل أسبوع حاول عدد من المسلحين اختطاف مدير عام البعثات في وزارة التعليم العالي من أمام مقر عمله وسط العاصمة في وضح النهار ، ولولا تدخل أفراد حراسة الوزارة والناس لكان هذا الموظف رهينة في منطقة ما للحصول على منحه لطالب قضى وقته وجل عمره في مرافقة الشيخ على حساب أخر قضى أيامه بين المدرسة والكتب والسهر والقلق معلقاً على جدار ذاكرته "من جد وجد ومن زرع حصد ".

هذه الحادثة لم تعلم بها الصحافة لكنها حالياً في ملعب هيئة مكافحة الفساد التي تدخلت لحماية الموظف من غضبة أحد المشائخ وذلك بتوجيه رسائل لوزارة الداخلية والنيابة باتخاذ الإجراءات حيال الخاطفين الذين سقطوا في قبضة الناس .

ولعلها هذه الحادثة تنبئ عن معركة شرسة مع حيتان الفساد ، فقطاع البعثات طالما كان مستنقعاً لفساد كثير من المسئولين والمشائخ فئة " خمسة نجوم" الذين اعتادوا على تمرير رسائلهم ووساطاتهم دون تلكؤ ، فطالما استشعر الموظف أنه سيكون ضحية لمكالمة واحدة مع الوزير ويصبح الرضوخ وقبول الرشوة خياراً وحيداً للحفاظ على قوت أطفاله وسلامة جسده .

ليست البعثات نافذة الفساد الوحيدة في هذه الوزارة قبل باصرة بل تزوير ومصادقة شهادات جامعية وطالما كانت المبالغ الباهظة التي تتكبدها الحكومة للمقاعد الدراسية في الخارج ومعونات الدارسين عرضة للاستثمار الدبلوماسي، وأصبح القائمين على هذه الوزارة بعيدين عن هموم التخطيط وإصلاح مخرجات الجامعات التي تصب في خانة البطالة ، وهو ما استدعى من باصرة قلب الطاولة وإعادة هيكلة قطاعات الوزارة من جديد .

وأمام هذه الحادثة أجدني متعاطفاًَ مع الدكتور صالح باصرة..هذا الرجل الذي تنهال عليه الأوامر والتوجيهات والوساطات من فوقه " مَنزَل مَنزَل" حتى أعضاء المجلس المحلي في المديريات وذلك منذ اليوم الأول لإعلان المنح في الصحف الرسمية بخلاف ما كانت تسير عليه الإجراءات في السابق والمحاطة بتكتم شديد ووفقاً لمعايير الفيتامينات التي تسببت في إيفاد الآلاف من الطلاب الذين أمضى بعضهم عشر سنوات في تحضير البكالوريس في الشريعة أو علم النفس أو اللغة العربية أو ماجستير ودكتوراة دراسات إسلامية في الصين وروسيا على سبيل المثال لا الحصر !!!.

ولعلك إذا اطلعَت على كشوفات المتقدمين للابتعاث إلى الخارج ستدرك سر تعاطفي الشديد مع معالي الوزير ، فهناك ملفات مزودة برسائل الشيخ فلان والضابط العسكري علان وتوقيعات معظم الوزراء تذيل فئة من الرسائل والمذكرات ، وستجد أعضاء مجلس النواب يتهافتون على الوزارة الواحد تلو الأخر ، فيما الطلاب الأوائل وأصحاب المنح الحقيقيون يتململون في أروقة الوزارة يعلقون أملهم على جدية هذا الرجل الذي استخدم ذكاءه برمي الكرة في ملعب هيئة مكافحة الفساد كما يؤكد أحد أعضائها المحامي محمد المطري .. الذي قال:" أن باصرة وجه بحصر المنح والوساطات أيضاً والمستحقين وسلمها للهيئة التي أقرت استبعاد جميع الوساطات والتوجيهات وباشرت عمل آلية للإشراف والمتابعة بحث تذهب جميع المنح لمستحقيها " وهو ما شكل صدمة لدى هؤلاء الذين اعتادوا على سرقة حقوق الناس والمناكفات بأخطاء الحكومة و، و ، و..... الخ .

ولعل ماركة الفساد الخام انتقلت إلى الخارج عبر السلك الدبلوماسي والملحقيات التي صارت جيوباً للفساد و"الحِراف" تلاحق سمعة البلاد وأبنائها في الخارج وذلك باستثمار المليارات لحسابات خاصة ، كما تقول تقارير الهيئة التي تخوض حرباً شعواء ضد قرابة (45) ملحقية ومسئولين صاروا بمثابة الوكلاء الوحيدين لنشر السمعة السيئة والخلافات على حساب المغترب اليمني في الخارج .

وعليه فإنني أؤيد مقترحات الدكتور باصرة بإنشاء هيئة وطنية للابتعاث ومستحقات المبتعثين للدراسة في الخارج على غرار مكافحة الفساد والمناقصات ، حتى لا تصبح الوزارة شباك للإيفاد إلى الخارج على حساب مخرجات جامعية متدنية يلفظها سوق العمل المحلي والاقليميى وعبئاَ على رصيف الفقر والبطالة يساهم في إنتاجه العابرون فوق القانون من مسئولين ومشائخ و قيادات معارضة ورفع معدلاته وهم لا يشعرون!! .

إننا يجب أن ندرك حقيقة أن الفساد في بلادنا يتربع مستويات متفاوتة متغلغلاً بنفوذه في أروقة المؤسسات والمصالح الحكومية والحزبية ، ومن الصعب.. بل من سابع المستحيلات.. أن نحد منه في غضون عام أو عامين ، ما دام هناك من يراهن على فشل النوايا والجهود ، بل يجب على الجميع في السلطة والمعارضة مساندة حملة مكافحة الفساد.. بوقف فسادهم أولاً !! ،فلطالما شرَع الفساد السياسي الأبواب لضعفاء النفوس التحلل من قيم الولاء والضمير ولطالما زعزعت المناكفات والمكايدات روابط الوطنية والانتماء لهذا البلد الجميل .