إلى عدن .. خواطر قلبي الجريح
بقلم/ ابو الحسنين محسن معيض
نشر منذ: 14 سنة و شهر و 3 أيام
الأحد 24 أكتوبر-تشرين الأول 2010 04:43 م

أكرمني الله بخمسة أبناء أربعة منهم مصابون بأمراض وراثية مابين ضمور في خلايا المخ وعلل في أعصاب الأطراف وهم أحب إلي من الدنيا وما فيها .. ولقد تعودت سنويا في مراجعة الطبيب المختص بهم والذي دائما ما يهز رأسه متعاطفا ومبينا أن الوضع سيبقى على ما هو عليه والعمل على عدم زيادة الأمر سوءا .. وهذا العام سافرت بهم من شبوة إلى عدن .. وخلال هذه الرحلة وجدت نفسي أقف متأملا في عدد من المواقف وانقلها كخواطر للقارئ الكريم :

1 ـ تدهور الخط الذي يصل بين النقبة وشقرة لأسباب أمنية حيث كثر الحديث عن التقطعات القبلية المؤسفة والتي بدأت باحتجاز السيارات الحكومية ثم تطورت للقطاع الخاص أو المؤسسات الكبيرة وانتقلت بعدها للمواطنين العاديين من الشمال وفي أخر مراحل تطورها لم تعد تفرق بين الموطنين فالكل سواسية حتى بلغت ذروتها في التعدي حتى على سيارات العائلات وهي سابقة خطيرة لا تعرفها بلادنا مطلقا .. وصار للأسف اسم باكازم قبائل العز والشهامة مرادفا لقطع الطريق وترويع الناس والفساد في الأرض وهي أمر يحتاج علاجا من قبائلها الكريمة !! ولو تطلب الأمر تفريغ العسكريين من أبناء هذه المناطق لحفظ الأمن على طرقاتهم وان تقوم الدولة إن كانت صادقة بدعم هذا المشروع ماديا ومعنويا وبالمشاريع الحيوية للمنطقة

2 ـ رؤية العديد من البنايات والمواقع العسكرية والأمنية على طول الخط مهجورة ومهدمة وقد غادرها جنودها البواسل مما يضع علامة استفهام كبيرة على دولة لم تعد تمارس مهامها في مناطق مختلفة من الوطن الحبيب وتركت الحبل على الغارب لكل من أراد العبث بأرواح وأموال عابري السبيل الآمنين في نفس الوقت الذي تجهز 30000 جندي لحماية ضيوف خليجي 20 بغرض السمعة الخارجية بينما تفرط في امن أبنائها وتتركهم عرضة لكل شر وفتنة وتطلب من جنودها ترك مواقعهم لأن الأمر لا يستحق أن يضحي جندي واحد بروحه من اجله !!!

3 ـ في شقرة استوقفتنا مسيرة طلابية بسيطة تدور حول نفسها في دائرة مغلقة وتحمل علم اليمن الديمقراطي وصورا لعلي ناصر والعطاس والبيض وتردد شعار ثورة ثورة ياجنوب .. وحقا لا ادري أي ثورة سيصنعها تلاميذ الابتدائية الذي تم إخراجهم لهذا الغرض للأسف ما زال الحراك يفكر بعقلية السبعينات والثمانينات وإخراج طلاب المدارس لاستقبال الزعماء الزائرين

والمبادرات الجماعية وغيرها .. حقا لا أراه يساير المرحلة ولا يأخذ بأسباب القوة الحقيقية

4 ـ في حسان أبين نقطة عسكرية وبها شرطة نسائية وهو منظر جميل يستحق الإشادة به من حيث وجود المرأة تعمل في تخصص لها مع النساء ولكن ما أحب توجيهه أنهن يبالغن كثيرا في عملهن حيث تم تفتيش سيارة عائلية تحمل لوحة السعودية تفتيشا ليس له معنى إلا إظهار القوة واستعراض العضلات .. فلا باس من أداء العمل ولكن بروح القانون وشفافيته .. إلا إذا كانت شرطتهن قد بدأت لعبة ( خارج نفسك تتخارج ) .. ولانشغالهن به فقد أمرني الجندي بالانطلاق

5 ـ في نقطة العرقوب وضعت سلاحي ومخزن الذخيرة وأخذت إيصالا به وللأسف نسيت مخزنا قديما بقي فيه اقل من 10 رصاصات في علبة القفازات ( الخانة الأمامية ) وفي يوم الأربعاء 20 أكتوبر الساعة 5,30 مساء استوقفتنا نقطة تفتيش للأمن المركزي في إحدى الجولات على طريق التسعين ووجد الجندي المخزن حيث نسيته وكأنما لقي كنزا حينما تهللت أساريره وطلب الوقوف بجانب الخط وأحالنا إلى جندي أخر .. العجيب أن الجندي وبعد شرحي له إن السلاح في نقطة العرقوب بدأ في التفاوض حول الكيفية من الخروج من هذا الوضع قائلا : طيب وكيف تشوف , قلت : أرى أن تعيد لي مخزني ما دام أنني قد وضعت السلاح خارج المدينة .. فقال : على كيف ؟! قلت : على أنها غلطة مني وان كان الأمر دائما على غير ذلك حيث تبقى مخازن الذخيرة مع المواطن .. فرد قائلا : أصلا هذا المخزن والرصاص مصادر تلقائيا ولكن كيف تخارج نفسك حتى لا أرسلك إلى مقر الأمن المركزي .. شارحا لي خطورة الوضع هذه الأيام ومدى التشدد والحزم في مثل هذه الأمور وما سأتعرض له .. ولمعرفتي بحجم المعضلة التي سأضع نفسي فيها هناك فقد تعلمت الدرس من مواقف سابقة ومن شرح العديد من الأصدقاء أن الأفضل الخلاص من قريب وإلا فانك ستتعرض إلى مزيد من الدفع والتأخير .. ولأنني على موعد للذهاب للطبيب بعد المغرب لأخذ العلاجات اللازمة فقد حاولت الاستعانة بأحد زملائه شارحا له الوضع وأبدى تفاعله وحاول مع زميله إرجاع المخزن ولكنه اليمن وقاعدته الشهيرة ( الفساد يغلب الصلاح ولا مكان للشرفاء بجوار المفسدين ) فقد رفض الأخر الأمر ووضع المخزن في حقيبته قائلا : قدنا تعبانين من الصبح هانا !! وولى بدون إعطائي إيصالا بمصادرة ما هو لي .. وعند سؤالي قال نرسلك إلى مقر القيادة وهناك يعطوك اللي تريد وأحسن لك تتخارج من هنا .. وذهبت رصاصاتي لأجل تخزينة قات , وخلال مروري في كثير من النقاط أرى مدى تعرض كثير من الناس لهذه الحملة التي تعتبر أولا وأخيرا مصدر رزق وكسب لكثير من حماة الوطن وصناع المجد .. فأعان الله أهل عدن وزوارها على هذا الوضع الجديد , ويلاحظ جليا أنه كلما تم رفع الجاهزية الأمنية في أي محافظة كان هذا معناه زيادة الدخل للقائمين عليها والمزيد من الابتزاز والرشوة أكثر مما يعني الحفاظ على أمن الوطن .. فكم من مسدس وألي كان ثمن إرجاعه ألاف من الريالات ولا مكان للقانون أو المصادرة الحقيقية .. المهم ادفع المستحق وخذ بندقيتك وصاروخك .. فاليمن كما أنه لا يحتمل مواطنا بلا سلاح ولا قنابل ولا صواريخ فهو أيضا لا يطيق قانونا أو نظاما لا يعود على منتسبيه بالنفع المادي والمكسب العظيم .. وليذهب الوطن والمواطن إلى الجحيم !!