رق من نوع جديد!!!!
بقلم/ سلطان الذيب
نشر منذ: 15 سنة و شهر و 3 أيام
الخميس 22 أكتوبر-تشرين الأول 2009 05:19 م

لم يهتم دين سماوي بتحرير العبيد ونبذ الرق والعنصرية كما اهتم الإسلام، فمن أول وهلة لظهور الإسلام في مكة نجد أبو بكر الصديق رضي الله عنه يشتري العبيد والأرقاء الذين دخلوا في الدين الجديد لا ليستعبدهم وينتفع منهم ويجني من ورائهم الأموال سنوياً ولا ليعملوا بمزارعه وتجارته ليس من هذا كله وإنما ليقل لهم جملة واحدة فقط (أذهبوا فأنتم أحرار لوجه الله) رضي الله عن الصديق .

وهكذا انتشر الدين الجديد في أوساط الناس وأصبح له كيان ودوله يرأسها المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه واله وسلم وأصبح الرق والعصبية المقيتة في تهاوي ونقص ، ولعلكم تدركون مدى اهتمام النبي صلى الله عليه واله وسلم بتربية ذلك الجيل على نبذ العنصرية، نجد جانبا من ذلك في قصة بلال مع أبا ذر رضي الله عنهما وقول المصطفى صلى الله عليه واله وسلم لأبا ذر عندما عير بلال بأمه وقال له يا ابن السوداء قال عليه الصلاة والسلام : يا أبا ذر أعيرته بأمه .. إنك امرؤ فيك جاهلية .!! فبكى أبو ذر رضي الله عنه.. وأتى الرسول عليه الصلاة والسلام وجلس .. وقال يا رسول الله استغفر لي .. سل الله لي المغفرة ! ثم خرج باكيا من المسجد .. وأقبل بلال ماشيا ..فطرح أبو ذر رأسه في طريق بلال ووضع خده على التراب .. وقال : والله يابلال لا ارفع خدي عن التراب حتى تطأه برجلك .. أنت الكريم وأنا المهان ..!! فأخذ بلال يبكي..وأقترب وقبل ذلك الخد ثم قاما وتعانقا وتباكيا .

هذه هي حياتهم يوم تعاملو بالإسلام رضي الله عنهم أجمعين وهكذا تربى الصحابة والتابعين من بعدهم .

وبعد الفتوحات الإسلامية العظيمة كان هناك أسرى حرب لكن بمجرد دخولهم الإسلام كانوا يحصلوا على العتق ولقد نبغ من هؤلاء وأبنائهم الكثير وأصبحوا من العلماء الذين يشار إليهم بالبنان وكلنا نعلم أن والد الحسن البصري كان مولى وأمه أيضا وبما أننا ذكرنا الإمام التابعي الجليل الحسن البصري الذي بدوره حارب الرق والاستعباد ونصح الناس بخطبة البليغة ومواعظه الصادقة فلنا معه قصة في هذا السياق ففي يوم من الأيام يأتيه بعض أرقاء البصرة ويقولون له يا إمام أننا نتعب كثيرا في حين لا نحصل من الأجر إلا القليل فأخطب في الناس ورغبهم في العتق ، فقال لهم خيرا أن شاء الله سأفعل، ومرت ما يقارب الأربعة أشهر فخطب الإمام البصري خطبة جامعة عصماء مدوية لقت آذانا صاغية وقلوبا واعية وجوارح عاملة ومطبقة لما سمعت في أوساط المجتمع المسلم فيذكر المؤرخون أنه بعدها لم يبقى في البصرة رقيق واحد ، ويأتيه أولئك النفر الذين أتوه بشأن تلك الخطبة من قبل ويقولون له لما ذا تأخرت يا إمام ما ذا كان رده أكان من أجل أخذ أذن من الوالي أم الوقت غير مناسب أم هذا عصيان لولي الأمر ليس من هذا القبيل ولكن أمامنا قال لهم أنكم عندما أتيتموني لم أكن أملك مالا لأشتري عبدا ثم أعتقه لأبدا بنفسي ثم أدعو ا الناس ليكتب الله لدعوتي قبولا أرئيتم الفرق بيننا وبينهم وعلمائنا وعلمائهم هذا هو ديننا و هولاء هم سلفنا .

ولا زلنا نردد المقولة الشهيرة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ((متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا )).

 تعايش الناس في المجتمع الإسلامي تعايش أخوي ومزيج من كل الأجناس عرب وعجم وبربر لكنهم كلهم تجمعهم كلمة لا اله إلا الله وحديث معلمهم وقدتهم صلى الله عليه واله وسلم ((الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى )) فكانوا سواسية حتى في العطايا والأجور الذين يتقاضونها من الدولة المسلمة فلم يكن الجنس أو لون معيارا للزيادة أو النقصان وإنما السابقة والعلم ومن يقدم أكثر، بهذا المبادئ وغيرها سادوا الدنيا وبلغوا ذروة المجد.

لكننا وللأسف الشديد مع هذا التراث العظيم والأخلاق النبيلة نعيش اليوم انتكاسة غير عادية في هذا الجانب أنه رق من نوع جديد لا يقل بشاعة عن رق الجاهلية لكن بمسميات مختلفة (كفالة-فيزا تأشيرة) .

إن نظام الكفيل و الكفالة في بعض الدول الخليجية هو صك العبودية واسترقاق للحر وقد حرمه الإسلام تحريم استرقاق الحر

بمعنى أن الشريعة حرمت الاستيلاء على الضعفاء وغيرهم فحرم على أي إنسان أن يأخذ حرا فيسترقه  قال تعالى في حديثه القدسي

" عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله:ـ( ثَلَاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يوم الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى منه ولم يُعْطِ أَجْرَهُ " ( .

 ولكي نتعرف أكثر على ماهية هذا الرق الجديد نقف على بعض التفاصيل من واقع اطلاع ومشاهدة للواقع فما أن يصل ذلك المسكين المسمى زورا وبهتانا أجنبي وهو شقيق عربي مسلم في الأصل لكنها شنشنة العنصرية أصبح الأخ في الدين والجنس أجنبي فما أن يطأ البلاد التي أخذ منها التأشيرة تلك حتى تتوالى عليه الهموم والبلايا فهل يبحث عن عمل مناسب ليقضي ديون تلك التأشيرة ويرسل لأسرته وأهله ما يحتاجونه من القوت الضروري أم يذهب إلى سيده عفوا كفيلة ليقدم له القرابين والهدايا والرشوات والعبارات الجميلة لنيل رضاه ويعطيه التفويض اللازم لأحد المعقبين وما أدراك ما المعقبين هم الوجه الآخر للاستعباد والذل..... ذئاب في أشكال معقبين وهم أيضا الوجه الآخر للمعاناة فما أن يصل صاحبنا المكفول بورقته تلك ويستمع إلى طلباتهم من مبالغ باهظة وأشياء خيالية . ولن يتوقف الحد عند هذا فقط لكن وعودهم لاستلام تلك الإقامة المشؤمة أشد من مواعيد عرقوب التي أصبحت مثلا إما نتيجة لإهمال مفرط أو مقصود ليُقال للمسكين أن الفترة انتهت ولابد من دفع غرامة التأخير ولا داعي للنقاش أنت أجنبي ونحن أصحاب البلد أعلم بذلك فيدفع المسكين مغلوب على أمره وتستمر خيوط المعاناة عندما يحتاج صاحبنا إلى ورقة ما لجهة ما أو تعريف ما ..الخ يعني مجرد ورقة مختومة من الكفيل لأن أي جهة حكومية أو أهلية لا تتعامل مع ذلك المسكين إلا من خلال سيده وولي أمره وكفيله لأنه أدرى بمصلحته ولان استئذانه واجب شرعا فيذهب المسكين إلى ذلك الكفيل ليخبره بالأمر فيبرم ذلك الكفيل ما هذا ضروري ورقة وختم... هولاء ما عندهم ضمير يتعبونك بهذا التعب ويتعبوني أنا أيضا فالسجل مغلق والختم يبغى صيانة فلابد من دفع مبلغ ولو بسيط لأجهز لك الورقة بسيط يعني 50 أو100 ريال لا وأين بسيط لكن مش قيمة حب (فصفص) تكلف من 350 إلى 500 هذا لمجرد ورقه مختومة وتتفاوت الورق حسب الأهمية .

 تمر الأيام وتنتهي السنة وتنتهي معها إقامة المسكين فالعالم يحتفل برأس السنة الجديدة لكنه في مأتم لانتهاء إقامته ويعيد الكرة من جديد من كفيل إلى معقب ..إلى.. ولكن هذه المرة يزيد شيء جديد أيضا وهو دفع مبلغ مقطوع للكفيل نفسه لأنه من كرمه أول مره ما يأخذ شيء لأنه لا يأكل إلا الحلال الخالص قليل الدسم، طيب المبلغ هذا ليش أنا اشتريت التأشيرة ب 16 ألف ريال لا هذا ضروري وكل الناس تدفع أنسيت أني بعد الله كنت سببا في دخولك البلاد أنسيت أني كفيلك وفي مقام والدك ما هذا العقوق ألا تخاف الله الست مسلم فينصاع المسكين لتلك التهديدات والنصائح ويدفع المبلغ المطلوب.

 تمر الأيام إلا والمسكين يجد وظيفة لا بأس بها في شركة معينة لكن تلك الشركة بحاجة إلى نقل كفالة يذهب المسكين إلى كفيلة مرة أخرى ويشرح له الوضع ..لا هذا ما يصير وأنت تعلم أنك دخلت باسمي وأنت مصدر من مصادر رزقي تريد أنت تقطع رزق أولادي لا.. لا ينظر المسكين يمين وشمال ما ذا يعمل .فجأة إلا والكفيل يناديه الحمد لله جاء الفرج يبدو أن الكفيل أخذته الرحمة ليعطيني التنازل ما الأمر.. أنك ولد حلال وإنسان طيب.. ومسلم فسأعطيك التنازل بشرط تدفع بعض الأتعاب و...و..و كم ..لا تخاف مبلغ وقدره....طبعا قد يصل إلى نصف قيمة التأشيرة و هذا من باب التعاون والإخوة والإنسانية .

جاء رمضان مع هموم العمل والغربة ورغبة في ما عند الله شعب صاحبنا يعتكف العشر الأواخر من رمضان فذهب إلى مسجد كبير في المدينة ليجد له مكان يعتكف فيه تلكم العشر فإذا به يفاجئ بطلب ورقة مختومة ومعمدة من الكفيل، صُدم المسكين وظن أنه أخطاء المكان ودخل مقر مؤسسة أو شركة ما رجع إلى الوراء قليلا وينظر يمين ويسار وإذا هو المسجد فعلا فذهب وهو يصرخ ويصيح حسبنا الله ونعم الوكيل حسبنا الله ونعم الوكيل حتى الصلاة تبغى ورقة من الكفيل ونحن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل.

لم يكن هذا مقالا للتسلية او قصص خيالية لا تمت للواقع بصلة بل هي الواقع بعينه واطلعت بنفسي على أغلب التفاصيل المذكورة آنفا وليس هذا فحسب بل هذا جزء يسير وإلا فهناك أشياء يندى لها الجبين ويدمى لها القلب، فهناك من يأخذ نسبة من ربح العامل الحلال وأيضا التحكم في العامل نفسه وفي تصرفاته فليس له حرية التنقل سوى من مدينة إلى أخرى او إلى بلده وليس له الحرية في شراء سيارة أو امتلاك رخصة إلا بأذن من ذلك الكفيل وهذا هو عين الاستعباد, ولست أدري ما الفرق بين النظام هذا المسمى زورا وبهتانا- الكفالة- وبين العبودية!، فهذا الإجراء لا يُعد فقط مخالفا لأوامر ديننا الحنيف بل أيضا يُعد مخالفة للقوانين الدولية التي «تحظر فرض قيود لمنع الأشخاص من التنقل والسفر»، كما جاء في المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ويتقاضى «المكفول» أجراً مقابل إنجاز العمل المطلوب منه، ويمكنه أن يتقدم بشكوى إلى الجهات المعنية، في حال تعرضه لمخالفات أو انتهاك لقوانين العمل، لكن كثيرين يقولون إن السلطات عادة ما تقف إلى جانب مواطنها الكفيل.

هذا ونحن نشتكي من ظلم اليهود والنصارى واستباحة العرض المسلم لكن قد لا يلاموا أكثر لأنهم أعدائنا وعدائهم واضح كالنهار في ديننا لكن المصيبة أن يظلم العربي أخوه العربي والمسلم أخوه المسلم فكما قال الشاعر :

وظلم ذوى القرباء اشد مظاظة على المرء من وقع الحسام المهند

ثم أن المشاهد في تعامل ذلك الكفيل لذلك المكفول يرى العنصرية بكل جوانبها فمهما كانت قيمتك الاجتماعية ودرجتك العلمية أن لا زلت أجنبي وغريب فأنت في الدون فالسواد الغالب لهولاء الكفلاء وغيرهم يرون وكأنهم ملائكة أو بشر فوق البشر وغيرهم بشر عاديين هذا بالنسبة للأخوة العرب المسلمين أما المسكين البنغالي أو الهندي وغيرهم من جنسيات شرق أسيا فحدث ولا حرج فحسبنا الله ونعم الوكيل.