تواطؤ أوروبي مع إرهاب الموساد
بقلم/ عبد الباري عطوان
نشر منذ: 14 سنة و 9 أشهر و 7 أيام
السبت 20 فبراير-شباط 2010 07:47 م

عملية 'الموساد' التي تمثلت في اغتيال الشهيد محمود المبحوح، احد مؤسسي كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة 'حماس'، لم تفضح فقط بعض الاجهزة الامنية في السلطة الفلسطينية، وتعاون بعض عناصرها وقياداتها مع المخابرات الاسرائيلية، وانما فضحت الدول الاوروبية وتواطؤها مع الارهاب الاسرائيلي، خاصة ان هذا الارهاب موجه فعلا الى العرب والمسلمين.

فوجئنا بصمت الحكومات الغربية التي استخدمت وحدة 'الموساد' جوازات سفر عدد من مواطنيها لتنفيذ عملية الاغتيال هذه في مدينة دبي، وفوجئنا اكثر بالتقارير التي نشرتها صحف بريطانية صباح الجمعة، وتقول ان الاسرائيليين ابلغوا نظراءهم البريطانيين ان عملاءهم سيستخدمون جوازات سفر بريطانية، الامر الذي يؤكد ان الاجهزة البريطانية متواطئة اولا، وتشجع الارهاب الاسرائيلي ضد العرب.

صحيح ان الحكومة البريطانية سارعت الى نفي هذه التقارير الصحافية، ولكن عدم اقدامها على اتخاذ اي اجراء ضد الاسرائيليين، يؤكد ان الغضب البريطاني الرسمي الذي شاهدناه من خلال استدعاء السفير الاسرائيلي الى مقر وزارة الخارجية البريطانية كان مسرحية سيئة الاخراج والتمثيل معا.

' ' '

السيدة مارغريت ثاتشر رئيسة الحكومة البريطانية السابقة طردت 13 دبلوماسيا اسرائيليا، واوقفت التعامل الامني مع اسرائيل عام 1987 عندما استخدم 'الموساد' جوازات سفر بريطانية في تنفيذ عمليات ارهابية مماثلة، ونشك ان يقدم غوردون براون، رئيس الحكومة وأحد أبرز المؤيدين لاسرائيل، ورئيس جمعية اصدقائها الاسبق، على خطوة كهذه.

ان هذه المواقف المخجلة والمتواطئة من قبل حكومات اوروبية استُخدمت جوازات سفرها، يؤكد لنا ان المسؤولين الاسرائيليين كانوا على حق عندما قالوا 'انها زوبعة في فنجان'، وسرعان ما يهدأ غبار هذه الضجة، وتعود المياه الى مجاريها بعد اسبوع على الاكثر. فكل ما يتطلبه الامر هو 'اعتذار' اسرائيلي ويتم طي هذا الملف.

اسرائيل استخدمت اسلوب الاعتذار نفسه مع كندا ونيوزيلندا عندما استخدمت جوازات سفرها في عمليات مماثلة (محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان عام 1997)، ومع ذلك لم تتأثر العلاقات الكندية ـ الاسرائيلية مطلقا بل ازدادت قوة وصلابة.

انه ارهاب اسرائيلي، يتساوى مع كل ارهاب آخر بما في ذلك ارهاب تنظيم القاعدة، ان لم يكن اخطر، لسبب بسيط وهو ان 'القاعدة' ليست دولة عضواً في الامم المتحدة، ولا تتدعي انها الديمقراطية الوحيدة وعنوان الحضارة الغربية في المنطقة العربية.

الارهاب الاسرائيلي الذي يمارس بمساعدة غربية هو الذي يعطي المبررات، اتفقنا معها او اختلفنا، لتنظيم 'القاعدة'، وكل التنظيمات المتشددة الاخرى لتجنيد الشباب المسلم المقهور والمهان لتنفيذ عملياته بتفجير الطائرات ومحطات القطارات. وهذا لا يعني تبرير اي نوع من الارهاب.

' ' '

جهاز 'الموساد' الاسرائيلي يتصرف وكأنه فوق جميع القوانين، يرسل القتلة الى عواصم دول معتدلة حليفة للغرب، ينتهك سيادتها في وضح النهار، وينفذ جرائمه وهو مطمئن الى دعم الولايات المتحدة الامريكية واوروبا حتى لو استخدم جوازات سفرها دون علمها.

الدول الغربية تنفق مئات المليارات تحت ذريعة محاربة الارهاب العربي الاسلامي، لكنها تفقد المصداقية والاصدقاء الذين لا يمكن ان تنجح بدونهم عندما لا تحرك ساكنا امام الارهاب الاسرائيلي، الذي هو ابو الارهاب العالمي وأمه، ما يجعل هذه الاموال هدرا وبلا فائدة.

نطالب الحكومات العربية بمعاقبة الدول المتواطئة مع هذا الارهاب الاسرائيلي بصمتها على انتهاك سيادتها، واستخدام جوازات سفرها في تنفيذ عملية ارهابية في امارة مسالمة معتدلة، بتهديدها بوقف كل اشكال التعاون الامني معها اذا لم تتحرك بسرعة لمعاقبة اسرائيل، والضغط عليها لتقديم القتلة الى العدالة في اسرع وقت ممكن، ولكننا نعرف جيدا ان معظم الحكومات العربية فاقدة السيادة، عديمة النخوة، ترضخ بالكامل لتعليمات الغرب واملاءاته.

بقي ان نقول ان السلطة الفلسطينية التي ثبت تورط اثنين من ضباطها السابقين في هذه الجريمة الارهابية، فقدت كل ما تبقى لها من هيبة او مصداقية، وهي لا تستحق ان تمثل حتى لو فلسطيني واحد، اذا لم تبادر فورا، وتعاقب الرؤوس الكبيرة، وتنظف صفوفها من كل عملاء الموساد وفي اسرع وقت ممكن.

فضيحتان في اقل من اسبوع، واحدة متورط فيها جهاز مخابرات من المفترض ان يعمل ضد اسرائيل ولمصلحة حماية المواطن الفلسطيني، تحول الى اداة للتجسس على المواطنين الفلسطينيين، بل ومسؤولي السلطة انفسهم، بهدف الابتزاز، وبما يخدم المصالح الاسرائيلية، والفضيحة الاخرى العمل لمصلحة 'الموساد' من اجل تصفية احد المناضلين الشرفاء الذي سخر حياته لخدمة قضيته ومواجهة الاحتلال.

' ' '

عملية اغتيال المبحوح كانت مؤلمة ومهينة في الوقت نفسه، مؤلمة لانها طالت شخصية وطنية مجاهدة، ومهينة لانها وقعت في بلد عربي، ولكن 'لعل الخير يأتي من باطن الشر'، فقد كانت مفيدة لانها عرّت السلطة وبعض قياداتها العاملة لمصلحة اسرائيل، مثلما كشفت النفاق الغربي في ابشع صوره واشكاله.

ان الذين يدعمون الارهاب الاسرائيلي، ولو بغض الطرف عنه، لا يمكن الا ان يكونوا ارهابيين.

الحديث في واشنطن او لندن او اي عاصمة غربية اخرى حول مكافحة الارهاب سيتحول الى مادة للسخرية، طالما ان هذه العواصم تشارك بشكل غير مباشر في الارهاب الاسرائيلي.

الدول الغربية تستعد حاليا لفرض عقوبات اقتصادية على ايران، وهي التي لم تمارس او تدعم عملية ارهابية واحدة، ووضعت ليبيا تحت حصار ظالم، وحاصرت العراق 13 عاما، ووضعت 'حماس' على قائمة 'الارهاب' وهي التي لم تنفذ عملية عسكرية واحدة خارج الاراضي المحتلة، فلماذا لا نرى حصارا على اسرائيل، وعقوبات اقتصادية ضدها، وهي تمارس الارهاب ليل نهار وتعتدي على دول آمنة بصفة دورية؟

متى نرى نهاية لهذا النفاق المفضوح؟.