طهران وواشنطن ..الطريق إلى المفاوضات المباشرة والشاملة ؟
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 4 سنوات و 11 شهراً و 12 يوماً
الخميس 12 ديسمبر-كانون الأول 2019 07:48 م
 

رغم تصاعد حدة التوتر بين طهران وواشنطن إلا أن جهوداً كبيرة بذلتها الحكومة السويسرية وشخصيات أميركية وإيرانية وشخصيات وجهات أخرى قد نجحت يوم السبت الماضي 7 ديسمبر كانون الأول بإتمام صفقة لتبادل السجناء بين البلدين لأول مرة منذ سنوات، حيث أفرجت واشنطن عن العالم الإيراني الموقوف لديها مسعود سليماني وبالمقابل أفرجت طهران عن المواطن الأميركي المحتجز فيها "شيوي وانغ" لتعيد هذه الصفقة الجدل والنقاش حول إمكانية حدوث مفاوضات جزئية أو شاملة بين واشنطن وطهران.

الجزم بأن هذه الصفقة ستقود إلى مفاوضات شاملة ومباشرة بين إيران والولايات المتحدة على المدى القريب هو قفز على الواقع المزروع بالكثير من الألغام والعقبات والحواجز ولكن من المؤكد أن هذه الصفقة فتحت أبواباً مغلقة وأنعشت الآمال بمواصلة المفاوضات المتعثرة والشاقة ـ والتي لم تنقطع بشكل نهائي ـ ولو بشكل جزئي وتدريجي وبما يفضي إلى النتائج والثمار المرجوة للبلدين إذ من المؤكد أن تكرار تبادل السجناء بين واشنطن وطهران سيخفف كثيراً من حدة التوتر بينهما وقد يمهد الطريق لإجراء مفاوضات مباشرة بين إيران والولايات المتحدة.

   كيف استفاد ترامب من صفقة تبادل السجناء؟

الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال- في بيان سابق السبت الماضي- إن "وانغ" عاد إلى الولايات المتحدة بعد أن قضى 3 سنوات في الاعتقال في إيران مضيفاً: "نشكر شركاءنا السويسريين على مساعدتهم في التفاوض مع إيران بشأن إخلاء سبيل السيد وانغ".

كما شكر ترامب إيران على هذه "المفاوضات المنصفة جدا" ووجه خطابة للإيرانيين: هل رأيتم؟ نستطيع إنجاز اتفاق معاً وأبدى سعادته بهذه الخطوة متعهدا بالعمل على تحرير كل المعتقلين الأميركيين "المسجونين بشكل غير شرعي وراء البحار" حسب وصفه.

ولا شك أن ترامب قد أستفاد من هذه الصفقة بشكل دعائي إذ حاول الظهور أمام الرأي العام الأميركي بأنه يبذل جهودا كبيرة ويعمل على إعادة الأميركيين إلى وطنهم وخصوصاً وهو يحاول تعزيز رصيده السياسي قبيل الاستحقاق الانتخابي القادم مطلع نوفمبر تشرين 2020م، لكن المكاسب التي جنتها إيران من وراء هذه الصفقة هي أكثر وأكبر كما سنوضح ذلك لاحقا.

   لماذا رفضت طهران دعوات ترامب للمفاوضات؟!

الرئيس الأميركي/ دونالد ترامب، سبق أن وجه دعوات عديدة لقيادة إيران للمضي بمفاوضات مباشرة يسعى من خلالها لإنجاز صفقة جديدة تفضي لاتفاق نووي جديد معدل عن الاتفاق السابق واتفاقات حول برنامج إيران الصاروخي وسياستها في المنطقة بحيث ترفع واشنطن العقوبات الأميركية المفروضة على إيران وتقدم إيران بدورها تنازلات لواشنطن وحلفائها في المنطقة وهي صفقة في حال إنجازها ستزيد من أسهم ترمب في الانتخابات الأميركية القادمة ولكن كل الدعوات التي وجهها ترامب قوبلت بالرفض من قبل قادة إيران الذين فقدوا ثقتهم بترامب بعد انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو أيار 2018م واتخاذه سياسة الضغوط القصوى مع إيران وتوقيعه أقصى العقوبات الأميركية ضد إيران ولذا أجمع قادة إيران على شرطين للعودة إلى المفاوضات المباشرة مع واشنطن وهما : عودة واشنطن للاتفاق النووي وإلغاء كافة العقوبات المفروضة على إيران وهذين الشرطين من المستبعد أن تستجيب واشنطن لهما لكنها قد تقدم على خطوات تلطف الأجواء نوعا ما مع إيران وتخفف من حدة العقوبات المفروضة عليها.

   إيران المستفيد الأكبر من صفقة تبادل السجناء

لا تقدم إيران على أي خطوة إلا إذا كانت ستخدمها من جوانب ومجالات عديدة ولذا فإن ثمن إفراج طهران على المواطن الأميركي السجين لديها شيوي وانغ ليس إفراج واشنطن عن العالم الإيراني الموقوف لديها مسعود سليماني فحسب بل لقد كشفت صحيفة "وطن إمروز" الإيرانية في عددها الصادر اليوم الاثنين الماضي ، بعض التفاصيل "السياسية "لصفقة تبادل السجناء بين طهران وواشنطن حيث أشارت الصحيفة إلى أن " الإدارة الأميركية أعطت الضوء الأخضر لليابان لإنجاز وتنفيذ اتفاقيات اقتصادية مع إيران ولذا سيقوم الرئيس الإيراني حسن روحاني بزيارة مرتقبة إلى اليابان خلال الأسابيع المقبلة لإنجاز هذه الاتفاقيات ".

إيران وهي تعاني من التدهور الشديد في اقتصادها كنتيجة للعقوبات الأميركية المفروضة عليها ما اضطرها لرفع سعر المشتقات النفطية مما أدى إلى تظاهرات عارمة وتزايد السخط الشعبي إضافة إلى الانتفاضة الشعبية في العراق وهو متنفس اقتصادي كبير لإيران التي وجدت نفسها بأمس الحاجة لمثل هذه الاتفاقيات التي ستفتح لها أبواب السوق اليابانية وهي من أهم مستوردي النفط الإيراني والتي خسرتها بفعل العقوبات الأميركية ها هي تستعيد هذه السوق الهامة كثمرة لإنجاز صفقة تبادل السجناء مع الولايات المتحدة كون هذه الصفقات ستعزز الاقتصاد الإيراني المتدهور وتفتح الأبواب لتتشجع دول وجهات أخرى لإنجاز مثل هذه الصفقات الاقتصادية مع إيران.

صحيفة " وطن أمروز "الإيرانية أشارت إلى أن" من ضمن تلك الاتفاقيات أيضا موافقة أميركية على دفع اليابان عوائد النفط المستورد سابقا من إيران أو جزءاً منها على الأقل وهي عوائد تتحدث تقارير إعلامية عن أنها تبلغ 20 مليار دولار منع الحظر الأميركي للمعاملات المالية والمصرفية من وصولها إلى إيران ".

   عن مستقبل المفاوضات بين واشنطن وطهران

من المؤكد أن هناك رغبة لدى البلدين لتبادل بقية السجناء كبداية لإجراء مفاوضات بينهما وهو ما تجلى في الكثير من التصريحات والتلميحات ورسائل الشكر المتبادلة لكن نجاح مساعي البلدين في السير بطريق المفاوضات وهو الطريق المزروع بالأشواك والألغام والحواجز يتوقف على مدى جدية الإدارة الأميركية في إنجاح هذه المساعي وحاجتها إليها ومدى وجديتها في تخفيف العقوبات الأميركية المفروضة على إيران ولو بشكل جزئي وتدريجي لان ترامب في كل الظروف والأحوال لا يستطيع تجاوز الضغوط الإسرائيلية ولا يريد خسارة الأموال السعودية ولذا لن يجازف بتقديم الكثير لإيران دفعة واحدة ولكنه قد يقدم تنازلات تفضي إلى تخفيف العقوبات على إيران وتفتح لنفطها أسواق بعض البلدان وتجعلها تستعيد بعض أموالها المجمدة في بنوك العالم وكذلك يتوقف الأمر على مدى مرونة إيران وجديتها في تقديم بعض التنازلات في ملفات المنطقة ومدى تحرك الوسطاء وبذلهم مساعي جادة لإنجاح التفاوض.

كما أن استضافة اليابان للرئيس الإيراني روحاني في العشرين من ديسمبر كانون الثاني الجاري وهي أول زيارة لرئيس إيراني لليابان منذ قرابة عقدين وإنجازه اتفاقيات اقتصادية كبيرة معها ونجاحه في استعادة 20 مليار دولار مجمدة في بنوكها او حتى جزء كبير منها سيعيد الثقة إلى قيادة إيران بجدوى التفاوض مع الجانب الأميركي وسيشجع روحاني على الضغط على قيادة إيران لإبداء المزيد من المرونة في هذا المجال كونه يحقق مصالح إيران في وقت يعيش اقتصادها تدهورا حادا جعلها بأمس الحاجة لهذه الاتفاقيات والمليارات إضافة إلى كونه سيعيد أبناء إيران إلى وطنهم ويحقق كذلك مصالح سياسية لإيران.

وصول واشنطن وطهران لمفاوضات مباشرة ما يزال أمامه طريق طويل لكن الأقدام قد تحركت في هذا الطريق الطويل وقطعت خطوات فيه، لكن إلى أين ستصل هذه الخطوات؟ وهل ستتعثر؟ أم ستواصل سيرها؟ وهل ستصل إلى نهاية الطريق وتتجاوز كل العقبات والألغام والحواجز؟

كل هذه التساؤلات ستجيب عنها الأيام والأشهر القادمة. 

*باحث في الشأن الإيراني