التظاهرات الايرانية مصيرها وتعامل النظام معها
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: سنتين و شهرين
الجمعة 23 سبتمبر-أيلول 2022 07:10 م
 

التظاهرات الإيرانية اليوم بمطالب حقوقية على خلفية مقتل الشابة مهسا أميني بعد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في طهران بسبب "ارتدائها لباسا غير محتشم"ما كان لها أن تتوسع وتنتتشر لولا وجود احتقان شعبي كبير بدوافع اقتصادية وحقوقية ، فرغم أن العقوبات الأمريكية قد تراجعت بشكل كبير ما أدى إلى زيادة عائدات تصدير النفط والمكثفات بنسبة 580% إلا أن المواطن الإيراني لم يلمس أية تغييرات إيجابية في الواقع ينعكس على حياته .!

مثلا : تركيا كدولة لا تمتلك حتى 20% من الثروات النفطية التي تمتلكها جاراتها إيران أو العراق ومع هذا فلا مقارنة بين الاقتصاد التركي القوي واقتصاد ايران الضعيف رغم انه يمتلك مقومات النهوض و كذلك اقتصاد العراق المتردي رغم ثروات بلاد الرافدين ورغم أن العراق لا يخضع لعقوبات أمريكية والسبب في نجاح تركيا يعود لامتلاك قيادتها لرؤية ومشروع استراتيجي وطني للنهوض والتنمية ، وإدارة سليمة ، وإرادة قوية ، ومشروع ناجح لمحاربة الفساد وتجفيف منابعه ، وتشجيع الإستثمار وتنميه الموارد ، وفرض النظام والقانون على الجميع من الرئيس حتى أصغر موظف ، بينما جاراتها إيران والعراق تنام فوق بحيرات من النفط وتمتلك الموارد المتنوعة والوفيرة وتعيش في فقر وأزمات متواصلة ووضع معيشي صعب وهي مفارقة ملفتة للنظر ولكن عندما تمتلك الدول مشروع استراتيجي وإدارة متميزة وإرادة قوية تحول الصحراء إلى جنة وتوجد موارد من العدم والعكس .!

الإيرانيون ملوا من حديث المسؤولين المتكرر منذ عقود عن مؤامرات " الشيطان الأكبر " أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهم ضد ايران ، حيث تحولت العقوبات الأمريكية إلى ما يشبه مشجب يعلقون عليه فشلهم وشماعة

جاهزة لتبرير كل فشل وفساد وغياب للرفاهية فالمواطن في النهاية يريد أن يعيش ولو في الحد الأدنى ، بينما النظام يريد مد نفوذه وتحقيق مشروعه الإقليمي والدولي ولذا ينفق مليارات الدولارات لدعم حلفائه في المنطقة رغم أزمات الداخل ومعاناة المواطن الإيراني وهو ما ولد نقاشا ساخنا في الداخل الإيراني ، في نقاشات النخبة وفي سخط الشارع الذي تجلى في هتافات غاضبة في المظاهرات العديدة خلال السنوات الماضية ولكن للنظام حساباته بعيدة المدى سواء رضي الشعب أم سخط . هناك فشل حكومي مزمن وفساد كبير وبيروقراطية ومؤسسات وجهات وشخصيات كبيرة لها ما يشبه الحصانة ولا تخضع للرقابة والمساءلة وخصوصا تلك المؤسسات التابعة للحرس الثوري أو تلك المحسوبة على المرشد الإيراني الأعلى السيد علي خامنئي وكذلك تلك الشخصيات المقربة منه والتي جمعت بين المناصب الرفيعة والتجارة في مجالات عديدة وهذا بسبب التداخل والازدواجية في بنية النظام الإيراني وحماية المرشد لهذه المؤسسات ومنع أي رقابة عليها أو مساءلة لها ، فالتداخل بين مؤسسات الثورة ومؤسسات الدولة عمل على تقييد مؤسسات الدولة والحد من دورها وفاعليتها وهذه الازدواجية هي من أكبر عوائق التنمية في إيران ومن أبرز أسباب الفشل الإقتصادي والسياسي فيها فهي تحول دون تطبيق مبدأ الرقابة والمحاسبة على هذه المؤسسات والشخصيات وتعرقل تطبيق النظام والقانون على الجميع .

أقول: هذه التظاهرات سواء انطفأت شعلتها أم تواصلت وزادت اشتعالا فلن تسقط النظام بأي حال من الأحوال كما سنوضح لاحقا ولكنها تخصم مما بقي له من رصيد وشرعية لدى الشعب ، كما أن النظام الإيراني قد اكتسب خبرة كبيرة في القمع وتفريق المحتجين والبطش بالمتظاهرين باعتبارها مؤامرات خارجية ، وفي مظاهرات البنزين بلغت حصيلة القمع أرقاما كبيرة ومفزعة .! أقول : لن يسقط النظام الإيراني لأنه لا يوجد بديل مناسب ومقنع للشعب الذي لا يريد حتى الآن تغيير النظام بقدر ما يريد تحقيق مطالب خدمية مشروعة ، كما أن خصوم من واشنطن إلى الرياض لا يريدون تغيير النظام بقدر ما يريدون تغيير سلوكه فالغرب ـ

كما قلنا من قبل ـ لا يريد تغيير النظام الحالي في ايران ، بل ويعتبره الحليف الأهم في المنطقة ، وغاية الأمر أنه يسعى للاتفاق معه حول تقاسم النفوذ في المنطقة .

النظام في إيران يعول على رفع العقوبات الكاملة المفروضة على ايران ورفع تصدير النفط إلى 4 مليون برميل يوميا كإحدى ثمار المفاوضات حول الاتفاق النووي الإيراني والتي تعثرت مؤخرا بسبب بعض الخلافات حول بعض ملفات المنطقة ، إضافة إلى الشراكة مع الصين ، حيث تبني إيران آمالا كبيرة في انتشال الإقتصاد الإيراني من أزماته ، وعودة العمل بالاتفاق النووي الإيراني ، وعودة السياحة في إيران وانتهاء العقوبات الأمريكية بشكل كامل ، وعودة أربعة مليون برميل من النفط الإيراني إلى أسواق الطاقة العالمية في حين يشهد العالم أزمة طاقة بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، وحينها سيتغير الأوضاع إلى الأفضل ، ولكن تحقق هذه المعطيات أمرا ليس مضمونا في كل الأحوال ، وسيظل الوضع في إيران على صفيح ساخن على المدى القريب على الأقل .