بن فريد .. من أرض العوالق
بقلم/ محمد أحمد البيضاني
نشر منذ: 16 سنة و 3 أشهر و 25 يوماً
الثلاثاء 05 أغسطس-آب 2008 05:38 م

مأرب برس – خاص

قرأت قصة بن فريد المتداولة في يومنا هذا في المواقع ، وقد أدت قصة هذا الفلم الغريب الكاذب الدور المرسوم في شارع بلادنا ، وأقتسم الناس بين مصدق ومكذب ، وبين شاتم وصامت ، إنها خطة جهنمية في تحطيم معنويات أمة تطالب بالحرية والإستقلال ، وإظهار رموزها بمظهر الخونة والضعفاء ، هذا الفلم الساذج ليس غريبآ على من درس وعرف تاريخ هذه العصابة الآثمة التي جعلت الجنرال التركي سنان باشا ، يقف بذهول من هول و تآمر هذه العصابة الجهنمية عبر العصور ، لقد وصلت قوات الإمبراطورية التركية إلى مقربة من أبواب فيينا في النمسا ، وأحتلت أجزاء كثيرة من أوروبا ، ولكن ذرفت دموعها عند باب اليمن ، لقد قتلوا 300000 جندي تركي بكل غدر ، وفي زمننا هذا ، وحين وق عت الحرب الأهلية بين النظام الملكي والنظام الجم هو ري ، أستدرجوا القوات المصرية التي جاءت لتحريرهم من ظلم الإمامة ، لقد تآمروا عليها وقتلوا بكل وحشية 35000 جندي مصري في الجبال ، وسببوا عجز مالي في دولة مصر ، وكانوا السبب الرئيسي في موت عبدالناصر كمدآ ، لقد سببوا في هزيمة الجيش المصري في حرب 1967 ، والتي كانت أكبر هزيمة في تاريخ العرب . لقد حولوا حرب التحرير ، إلى حرب إرتزاق وبيع الضمير والسلاح . منذ سقوط سد مأرب ، والمنطقة تموج في الحروب والفتن ، وتُحكم تحت عدة مسميات ودويلات ، وخلال هذه الفترة نشأت عصابة متمرسة في الجريمة ، تحكم هذه المنطقة عبر عقود من الزمن ، هذه العصابة التاريخية التي لا يقدر عليها أحد ، سوى أرحم الراحمين أو بيت حميد الدين .

بن فريد شاب في مقتبل العمر ، مناضل من أرض العوالق .. أرض الجنوب العربي .. بلادنا وهويتنا عبر الآلاف السنيين ، بن فريد ليس شمسون الجبار ، وما حدث له ليس غريبا في تاريخ منطقتهم ، أنه سجين في أحقر سجون الدنيا ، إنه في يد عصابة مات فيها القلب والضمير ، لماذا تستعجل الأمور والتسرع في الحكم ، إن هذه العصابة تريد أن تفتح ثغرة في جبال صمودنا وثورتنا ، إنهم خبراء في الخيانة والمكر وعلينا التريث والإنتباة . الإعتذار في سجون الظلم والإرهاب ليس جديدآ ، فقد أعتذر الرجل العملاق والسياسي المخضرم مصطفى أمين ، لجمال غبدالناصر ، وجعل جمال في حيرة من خبث ونذالة " صلاح نصر " ، لقد ذاق مصطفى أمين الأهوال في سجون صلاح نصر ، الذي أنتهى أيضا إلى هذه السجون الحقيرة . هل أحد يعرف ماذا حدث لأبطالنا ، لماذا نستعجل الأمور ، يومآ ما سنعرف الحقيقة ، كما عرفناها من مصطفى أمين حين خروجه من سجن الإرهاب ، إن هذه العصابة التاريخية تستطيع أن تجعل يوسف الصديق يتعرف بكل الخطايا التي على وجه الأرض ، فلماذا التسرع في الحكم على المناضل الشاب ، ابن فريد العولقي .. أبن العوالق الباسلة .. ابن الجنوب العربي ، لقد أصبح ابن فريد أسطورة من أساطير الكفاح في تاريخنا ، وتريد هذه العصابة أن تحرم شعب الجنوب العربي من عطر التاريخ .

إن مشكلة عصابة صنعاء نسيان وعدم قرأت التاريخ . وهذا هو شاعر وفيلسوف وقاضي ومعلم ثورة 1948 ، 1955 ، 1962 .. الشاعر محمد محمود الزبيري ، يعتذر للإمام يحي بن حميد الدين ، في قصيدة من أروع القصائد في المديح ، يقول في مطلعها : من أين يأتيك الردى .. والأرض من حولك تتشيع . قالها يعتذر ويتملق لمن كان يحاربه . هل كان الزبيري جبان ؟ وكان الشاعر المعلمي في سجن حجة الرهيب ، يرسل يوميا قصيدة إعتذار إلى الإمام أحمد في تعز ، وقد أعتذر بالقصائد كل من القضاة والعلماء والثوار : النعمان ، والإرياني ، والمعلمي ، والشامي ، والحضراني والبردوني ، هل كان كل هؤلاء كلهم خونة يا عصابة صنعاء ، كانوا جميعا أشداء وفي سن النضوج ، وبن فريد شاب في مقتبل العمر ، والشرع الإسلامي يسمح بنطق الكفر ، حين لا مفر من ظالم ، ولكن ينطق باللسان وليس بالقلب . علينا أن لا نتسرع ، وفي الأيام القادمة ومهما طال الزمن ، سوف تظهر الحقيقة وسيكتب شعب الجنوب العربي التاريخ الخالد ، في ذكر أبناء قبائل الجنوب العربي الباسلة.

إن ما يدعو للأسف أن يتحدث الإنسان عن التاريخ وعظماء الرجال ، دون أن يعايش الفترة الزمنية للتاريخ ، أو حتى بقراءة ما كتبه العلماء في الكتب . في الخمسينيات حين بدء الإزدهار والحركة التجارية الضخمة في بلادي عدن ، وتسابق الناس في بناء العمارات والكسب التجاري في عصر عدن الذهبي ، كان هناك الشيخ الجليل والعالم التقي السياسي محمد علي الجفري ، والمحامي المثقف الثائر شيخان الحبشي ، والشيخ الكريم عبدالله صالح المحضار والصحفي العبقري عبداللطيف كتبي ، جميعآ قد تركوا التجارة وكسب المال ، وقاموا بمناوشة السلطات البريطانية في عدن ، وطالبوا بالحرية للوطن . وفي المحميات تحدى سلطة بريطانيا العظمى ، آل فريد الكرام في أرض العوالق ، وضربت بريطانيا منازلهم وقلاعهم بالطائرات ، كان ذلك قبل 70 سنة من عمر الزمن .. أين كان هؤلاء زعماء عصابات القتل والإرهاب ، الذين يكتبون التاريخ المزور ، ويكذبوا على الأجيال الحديثة التي لم تعايش التاريخ ، ويشتموا قبائل الجنوب العربي ، ويدمغوا أبنائها بالخيانة والضعف والتخاذل ، ليطمسوا تاريخنا ، نقول لهم لا ، نحن سنكتب التاريخ ، إنه تاريخ بلادنا و علمائنا وثوارنا وقبائلنا ، نحن شعب مثقف يستطيع القراءة .

نورد مرة أخرى قصة تاريخية من قصص الإعتذار المر – الشجاع . في عام 1948 وحين فشل إنقلاب الوزير ، قتل الإمام أحمد كثيرآ من الثوار ، وسجن الآخرين في سجن حجة الرهيب، وفي أحد الأيام هرب من السجن اثنان من الثوار، وقفزوا من سور السجن ، مات أحدهم والآخر هرب ووصل إلى عدن وفي اليوم التالي ، عاد هذا الرجل إلى تعز ، لظروف لا يعرفها أحد ، سوى الله وضمير هذا الرجل . دخل هذا الشجاع إلى مجلس الإمام أحمد المكتظ بالناس فذهل الإمام والحاضرين ، فتقدم نحو الإمام وقال : ليس معي ما أقول لك ، سوى ما قاله الشاعر النابغة وهو يعتذر لنعمان إبن المنذر : فأنك كالليل الذي هو مدركي .. وإن خلت أن المنتأى عنك واسعُ . ضحك الإمام وعفا عنه ، وبعد فترة قام بتعينه قاضي في منطقة إب . هل هذا الشجاع ، جبان وخائن ؟ . وذُكر أيضا ، إن يزيد إبن معاوية إبن أبي سفيان قد قال يومآ يخاطب أباه : والله يا سيدي إني أراك تبدو أحيانا في موقف الجبان ، ضحك معاوية المشهور بالحلم والدهاء العبقري ، قال : نعم يا يزيد ، أكون جبان حيث لا يكون لي مخرج . إنها عبقرية الحلم والسياسة ، عند هذا الرجل المؤسس لأول إمبراطورية إسلامية . نحن نتساءل هل معاوية جبان ! ومنذ متى كان معاوية جبان .

إن أعظم عادة متواجدة في مجتمعنا ، وفي تاريخ قبائلنا الشجاعة في أرض بلادنا الجنوب العربي ، هي عدم استعمال الكلمات البذيئة والسفه ، وهذه من صفات الرجولة ونبل الأصل في الإنسان ، وقد قرأت في يوما من الأيام ، إن في اللغة الأمهرية ، لا توجد كلمات " البذاءة والشتم " ، والغريب في الأمر قد ذُكر أيضا ، إن في اللغة الإيطالية يوجد أكبر قاموس للشتم والسفاهة في عالم اللغة ، ونحن شعب الجنوب العربي لا يشتم ، إن عصابة صنعاء قد صنعت هذا الفلم الساذج بدقة متناهية ، ونحن أمة لديها العقل والضمير ، ولن نكون في تسرع الرعاع والغوغاء ، إن أرض العوالق هي أرضنا وبلادنا ، وصدق من قال : شدت خيول العوالق .. يا ليتني عولقي . نعم كلنا من العوالق ونفتخر بكل عولقي ، ونقول لأخوتنا وأهلنا مرة أخرى ، يجب عدم التسرع في الحكم ، ونقول لهم ، فيما قاله طرفة بن العبد في معلقته :

وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً على المرء من وقع الحسام المهندِ

ستبدي لك الأيامُ ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبــار مـن لم تزودِ

ويأتيك بالأخبار من لم تبـع له بتاتاً ، ولم تضرب له وقت موعدِ

سلام قولٌ من رب رحيم .. سلامٌ عليكم آل فريد .. سلامٌ عليك أرض العوالق .. سلامٌ عليك عدن .. عاصمة الجنوب العربي .. بلادي .. وبلاد أمي وأبي .

محمد أحمد البيضانــــي

كاتب و مؤرخ سياســي

masada_1943@yahoo.co.uk