الوزير في لعبة الشطرنج
بقلم/ عبدالحكيم هلال
نشر منذ: 16 سنة و شهرين و 3 أيام
الإثنين 22 سبتمبر-أيلول 2008 04:51 م

فجأة اختزل به الرئيس ثقته.. ومؤخراً بات الرجل الهادئ خارقاً وقادراً على التحرك في كافة الاتجاهات.. وفيما يبدو فإن رأس النظام أرسى عليه الدور هذه المرة، واختاره ليصنع منه "رجل المرحلة".. استنزاف العليمي كوزير "شطرنج"

الوزير في لعبة الشطرنج هو القطعة الأقوى من بين (16) قطعة أخرى، بما فيها الملك.. فهو لديه من قوة الحركة ما يفوق تحركات الملك نفسه.. لكن اللعبة لا تنتهي بموته. يقدم التضحيات ويموت من أجل أن يبقى الملك على قيد الحياة.

الدكتور اللواء رشاد العليمي، من الواضح أنه يخضع لعملية تأهيل للقيام بدور أكبر من الموقع الذي يشغله في الوقت الحالي.

في التعديل الحكومي الأخير(مايو 2008) تم سلبه موقع وزير الداخلية والاكتفاء به كنائب لرئيس الوزراء لشئون الأمن. حينها اعتقد الكثير أن الرجل شاخ سريعاً وانتهت خدماته إذ لم يعد بمقدوره تقديم شيء..

ما اتضح لاحقاً كان أمراً آخر تماماً، فالدكتور بات أكثر قوة من أي وقت مضى، ويتم تأهيله كـ "وزير شطرنج" يوجه في كافة الاتجاهات ضمن المربعات السوداء والبيضاء.

يمر الدكتور بمرحلة عمرية يلتقي فيها عام مولده (1954) مع عمره الحالي (54). ربما يكون لهذا الأمر أساس من حيث حركة الكون والتنجيم، فهو فيما يبدو يمر في أفضل أيامه وبروز نجمه بقوة خلال هذه المرحلة.

في مربع الحوار مع القوى السياسية، مر الرجل من أمام جميع أقرانه، ومن سبقوه، كمنقذ مثل الفرصة الأخيرة للرئيس. ومثل نجاحه في توقيع اتفاق سياسي (مشروع تعديلات قانون الانتخابات) مع أحزاب اللقاء المشترك، خطوة إضافية لمزيد من الألق والبروز. وإن كان الاتفاق السابق تم وأده سريعاً على مستوى التنفيذ، لكنه مثل شيئاً مهماً في حياته السياسية، بعد أن عجز سابقوه من عتاولة الحزب الحاكم عن زحزحة الأمور بأي شكل يحسب لهم في إطار اللعبة السياسية بالغة التعقيد.

أدوار هامة و.. محرمة

حينما كان وزيراً للداخلية، كانت حركته السياسية الحزبية محدودة –إلى حد ما- بحكم الموقع العسكري الذي كان يتبوؤه. لقد اقتصرت حركته غالباً على تكليفه بمنطقته وما حولها أثناء الانتخابات، وتحييز القوات العسكرية لمصلحة الحزب الحاكم.

أما اليوم فقد أصبح بالإمكان نقله من مربع إلى آخر ضمن رقعة الشطرنج دون حرج. فقد صار بإمكانه أن يكون نائباً لرئيس الجمهورية ليلقي خطاباً في محفل عسكري (مثل هذا الدور تعودنا أن يقوم به نائب رئيس الجمهورية) لكن الواضح أن الدور الذي كلف العليمي القيام به – في هذا المحفل ذو الغطاء العسكري، بعد أيام من تجدد الأزمة مع المعارضة - كان دوراً مزدوجاً. فهو إلى جانب تسنمه دور نائب الرئيس، كان أيضاً يؤدي دور رئيس الحزب الحاكم بمهاجمة المعارضة وتهديدها بقوات الجيش والأمن التي ستتصدى بقوة لكل من يحاول الخروج عن محددات الحزب الحاكم (في النظرة الشمولية لما يجب أن تكون عليها مقاسات الديمقراطية والانتخابات).

وعلى الرغم من تجريم القانون ممارسة العمل الحزبي في الجيش والأمن، إلا أنه بات بإمكان القائد العسكري – الحاصل على شهادة دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة عين شمس – القاهرة، 1988 – أن يخوض في العمل الحزبي ويقوم بدور أمين عام الحزب الحاكم في الحوار السياسي، وإلقاء خطابات المواجهة والردود السياسية الموجهة نيابة عن رئيس الحزب الحاكم ضد المعارضة.

إنه دور محرم، وكان بإمكان قيادات المؤتمر السياسية القيام به، لكنه ربما كان مهماً للرئيس لانعدام ثقته بالتكوين القيادي الحالي لحزبه. (في السابق كان دوراً مثل هذا يدخل ضمن نطاق عبد القادر باجمال – أمين عام الحزب – ومن قبله الدكتور عبد الكريم الإرياني – الأمين العام السابق – غير أن الاثنين باتا في حكم الأموات بعد أن استنفدوا وقدموا تضحياتهم في سبيل بقاء "الملك" - بالعودة إلى لعبة الشطرنج-، وبقاء الرئيس – بحسب النظام الجمهوري القائم).

وبالتالي كان لابد –ربما- من التفكير في صناعة قيادات جديدة أكثر قدرة وموثوقية، و.. حماسة. الأمر الذي تطلب "غمس" الرجل بالعمل الحزبي واختبار قدراته وبالضرورة "ولائه" بعد أن كان مقلاً من مثل هذا العمل الحزبي خلال الفترة الماضية حتى من خلف الكواليس.. أو ربما تطلب الأمر تمريسه على القيام بمثل هذا الدور الحزبي لإسناد مهمات قيادية حزبية إليه خلال المرحلة القادمة: إن بشكل رسمي – كما هو عليه نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الحزب، اللواء عبد ربه منصور، أو حتى اللواء يحيى الراعي - الأمين العام المساعد للحزب – فهما على الرغم من الصفة العسكرية، إلا أنهما يضطلعان بصفات حزبية عليا. أو ربما يتطلب الأمر إعداده كقيادة ظل قوية داخل الحزب مع إبقاء الصفة العسكرية دون إضفاء أي توصيف حزبي له. كل الاحتمالات ممكنة، أو ربما لاشيء من ذلك البتة..!! المهم أن شيئاً ما - بخصوص الرجل - يتم الإعداد له بشكل واضح..!!

التوجه نحو المنطقة الخطرة:

وفيما يعتقد أن مثل هذه الإسنادات الكبيرة والكثيرة للعليمي - خلال الفترة الأخيرة – قد ترجع إلى اكتشاف متأخر لعقلية الرجل وقدراته، إلا أن هناك من يرى أنها تأتي ضمن قدرات النظام في صناعة ما يسمى بـ "رجل المرحلة".. ويرى هذا الرأي أن العليمي يخضع لعملية تصنيع بآلة النظام ليتحول إلى وزير "شطرنج" خارق يتحرك في جميع الاتجاهات. وربما سيكون الفرق الوحيد بين لعبة الشطرنج والواقع أن وزير"الشطرنج" لا يمكنه أن يخالف القوانين المفروضة على اللعبة، بعكس بعض الأدوار والتحركات المطلوبة من الوزير العليمي.

وفيما يمكن نقد التحركات السياسية والحزبية السابقة الذكر، فإن بعض الأدوار المسندة للرجل – سنأتي على ذكرها لاحقاً – لا يمكن الوقوف عليها كمحرمات، غير أن كافة تلك الأدوار (ما سبق الإشارة إليها وما تبقى) تلفت الانتباه أن الرجل يؤهل لدور كبير في المستقبل، قد يرفع من شأنه كثيراً، لكنه حتماً سينتهي بتقديمه التضحيات، كما انتهى سلفه الأقوياء..!!

الأسبوع الفائت كلفه الرئيس – عقب اجتماع اللجنة الأمنية العليا – بالنزول إلى محافظة صعدة، وإعادة عبد القادر هلال – وزير الإدارة المحلية – إلى عمله في رئاسة لجنة إعمار المحافظة، بعد أن كان أقيل منها لأسباب لم تتضح بعد. وهناك عقد الرجل اجتماعا بالمكتب التنفيذي للمحافظة، بحضور هلال ووزراء الداخلية والدفاع والأشغال. وفي اللقاء قال الرجل كلاماً لم يقدر عليه أحد منذ أبرم الاتفاق الثنائي (17 يوليو الماضي) بين الرئيس وعبد الملك الحوثي، لإيقاف الحرب. لقد كلف الرجل بقول ما كان النظام يتستر عليه على مدى الأيام التي أعقبت التهدئة..!! هاجم الحوثي بقوة واتهمه بالاستمرار بالتوسع واحتلال المواقع التي تركها الجيش، وهدد بإيقاف عملية الإعمار إذا ظل الحوثي في توسعه وعدم تنفيذ الاتفاقية. ورغم أن الاجتماع كان حكومياً خالصاً، إلا أن تصريحات الرجل سريعاً ما تناقلتها وسائل الإعلام بطريقة تعكس الرغبة في إيصالها للجميع وعلى رأس المستهدفين الحوثي نفسه. وهي رغبة من الواضح أن النظام أرادها أن تأتي على لسان الرجل، الذي كان يدرك تماماً أنه دور يجب أن يقوم به هو دون سواه(كان من المنطقي أن تأتي تلك التصريحات على لسان هلال، باعتباره رئيس اللجنة) وقياساً بالمسئولين المعنيين – بشكل مباشر – عن هذا الملف، كانت تصريحات العليمي شجاعة، وجريئة. وهو ما يمكن تفسيره بشكل آخر، أنه ربما بات مشرفاً رئيسياً على الملف، وبالتالي عليه أن يتحمل أوزاره. وهو ما كان.. فسريعاً جاء الرد من الحوثي بتكذيبه شخصياً – لا بتكذيب الحكومة ككل– ويعني ذلك أنه بدأ فعلاً بتحمل العواقب التي قد تنتج عن ذلك الدور الاستثنائي، وتلك التصريحات التي وصفها مصدر من الحوثيين أنها "مقلقة" – بحسب موقع "نيوزيمن".

وزير شطرنج في كافة الاتجاهات:

هكذا فجأة – هل من الممكن أن يخضع الأمر للمصادفة، من دون تخطيط – بات الأستاذ الجامعي الهادئ المستتر دوماً، مسئولا عن كل شيء، ويتحرك في كافة الاتجاهات. وبعد أن كان يتهم بالضعف أثناء قيادته وزارة الداخلية، وقبلها إدارة أمن تعز، أصبح هو الرجل القوي في النظام. أو هكذا يبدو. يهدد ويتوعد ويقول ما عجز الأقوياء عن قوله..!!

للتمعن، هاكم الأمر بدون تفاصيل: انتهى كرجل حزبي "سلمي" من الحوار مع الأحزاب السياسية، ثم لما أفشل الاتفاق السياسي، انتقل مباشرة في ذات الأسبوع – كقيادي عسكري – إلى خطاب التهديد العسكري ضد المعارضة. وفجأة، كان هو الذي يلقي بالحجر في المياه الراكدة في ظل أجواء الهدوء القائمة في صعدة، أو بالأحرى الأجواء التي تسترت عليها السلطة وجعلتها هادئة حتى الأسبوع الماضي، إلى أن جاء دور العليمي ببدء المواجهة. إذ أن مثل تلك التصريحات من شأنها أن تبعث القلق، وبالتالي إفقاد الثقة بالنوايا المبيتة من الطرفين.

ومثلما وقف باجمال – ذات يوم – ليلقي خطاب الحرب مع أبناء الحراك الجنوبي (حينما قال إن الحكومة ستسلح الشارع لمواجهة دعاة الانفصال)، هاهو العليمي اليوم يقوم بالدور ذاته ليكشف عن نذر حرب سادسة، ربما سيتوجب عليه تحمل وزرها ووزر ما بعدها، إن هي عادت، مع تمنياتنا أن لا تعود. 

وكان لافتاً – قبل أيام من نهاية الأسبوع الماضي، وعقب عودته من محافظة صعدة – تلك الأخبار الرسمية التي أشارت إلى اللقاءات الدبلوماسية التي عقدها العليمي مع سفراء دول أجنبية والسفير الأمريكي، وسفراء من دول الخليج. واللافت في الأمر أن مثل هذه الأخبار نادراً ما كانت تحظى بتركيز إعلامي – كما هي الآن - حينما كان الرجل يقوم بها وقت أن كان وزيراً للداخلية.

لم تكن ملفات السياسة والتنظيم والأمن والحرب والدبلوماسية هي فقط في يد الرجل، فهو إلى جانب ذلك كله كان كلف بملف "خليجي 20" لتصفيات كرة القدم التي تقرر – حتى الآن – أن تكون في اليمن عام 2011، وقد عين العليمي – في وقت سابق - رئيساً للجنة الإشرافية العليا لها. وبالرغم من أن هذا الملف رياضياً لا كسابقه، إلا أن هناك الكثير ممن يصنفون الملف على أنه سياسي وشائك من الدرجة الأولى. كونه متعلق بأهم إنجاز يمكن لليمن أن تحققه إذا ما استطاعت إدارة الملف بكفاءة، قد يرفع من أسهم اليمن أمام مجلس التعاون الخليجي، وتوسيع عضويتها فيه. وهو ملف شائك من جهة التشكيك بقدرة اليمن على استضافة البطولة بكفاءة، مقارنة بالبطولات السابقة التي نفذت بإمكانيات هائلة من قبل دول الخليج..!! وهو كذلك، في ظل ما رافقه من خلافات في القيادة العليا للرياضة اليمنية المتأخرة عن ركب الأشقاء..

مصنع أسلحة المواجهة.. يمنحهم القوة، ليستنفدهم

ومع أن كل ذلك يمكن أن يعكس حجم الثقة التي بات الرجل يحظى بها من قبل الرئيس، وخصوصاً بعد تخليه عن الكثير ممن كان يثق بهم من قبل.. إلا أن ما يدعو إلى القلق ليس هو تلك النهاية التي غالباً ما انتهى إليها الكثير من أولئك الأقوياء الذين تم التعامل معهم على أنهم "رجال مرحلة" فقط، بل من المصير الآخر الذي يؤول إليه الضعفاء المستقوون بثقة رأس النظام بهم، لا بالشعب أو على أقل تقدير بـ "القبيلة" أو"العشيرة" أو"المنطقة". ذلك أن أول من سيكون عليه مواجهتهم، قبل الجميع، هم مراكز القوى المحيطة بالنظام، التي توجد في كل نظام قبلي، عائلي، عشائري، مبني على المصلحة الفئوية. ومن شأن تلك القوى أن تتكاتف وتحيك المؤامرات بهدف إعادة المواقع الهامة التي أسندت لغيرهم فيما يعتقدون أنهم الأولى بها. (باجمال نموذجاً للرجل الضعيف الذي استقوى بثقة الرئيس به إلى جانب تلك القوة التي استمدها بإحاطته بأسرار النظام العليا التي اعتبرها سلاحاً ناجعاً يمكن أن يعتمد عليه في مواجهة مراكز القوى. لكنه في نهاية الأمر آل إلى ما لم يكن يعتقد أنه سيئول إليه..!! لقد كانت مراكز القوى أقوى من قدرات الرجل الخارقة).

لم يكن ظهر القائد العسكري المحنك (عمل في كلية الشرطة في نفس عام حصوله على البكالوريوس في الكويت 1975)، والدكتور الجامعي اللواء رشاد العليمي (عمل أستاذاً في جامعة صنعاء العام التالي لحصوله على الدكتوراه عام 1988)،.. لم يكن قبل اليوم، محملاً من الملفات الشائكة سوى ملف الإرهاب، وكان معنياً به أمام أمريكا والمجتمع الدولي فقط. غير أن ظهره اليوم أضحى محملاً بأهم الملفات الشائكة التي ناء بحملها كبار القوم وأكابرهم من قبله.

نهاية الأسبوع الماضي، كلف الرجل الالتقاء بمشايخ مأرب، والجوف، نيابة عن رئيس الجمهورية، في إطار الأمسيات الرمضانية، التي كان الرئيس يحضرها بشكل سنوي، حتى باتت كفريضة نظامية – خلال السنتين الأخيرتين – يستمع فيها الرئيس لمشاكل القوم، ويقدم الوعود المهدئة.

يصنع النظام من يريده من الرجال الأقوياء، كأسلحة مواجهة، ثم حين تصدأ وتعطب تحال إلى "خردة".

باجمال الذي كان هادئاً ويمشي "جنب الحيطة"، قبل أن يقذف به إلى أضواء المواجهة، هو اليوم الدكتور رشاد العليمي ربما في مرحلته الثانية من التخصيب.

لقد صعد باجمال، كما الدكتور العليمي، من وراء الكواليس المظلمة إلى الأضواء اللامعة سريعاً. مرقا من جوار أقرانهما بشكل ملفت وباعث للشك. وفيما الأول استنفد في كافة الاتجاهات داخلياً وخارجياً (كان الرئيس معجباً بقدراته الشاملة والخارقة في كافة المجالات والتخصصات، وكان هو كالأراجوز، يحاول أن يثبت قدراته المتنوعة إلى جانب ولائه وطاعته حتى أقصى حد).

بشكل ملفت وسريع أيضاً، تحول العليمي من رجل أكاديمي متزن وراسخ، إلى "سوبرمان" يقوم بأدوار خارقة ومتعددة، كان الرئيس يعتمد فيها على كوكتيل من الشخصيات مثل: نائبه، أمين عام حزبه، مستشاريه، وزير الداخلية، وزير الدفاع، وزير الخارجية، وأيضاً.. علي محسن الأحمر..!!

بعيداً عن نظرية المؤامرة وتحليلات الصحافة.. يمكن النظر إلى الأمر بكل بساطة: أن الرئيس قرر مؤخراً أن يكون بخيلاً، ويضن بتوزيع ثقته على أن يختزلها بشخص واحد. وهو هنا بدون شك: الدكتور الجامعي – سابقاً - و القائد العسكري لاحقاً، والقائد السياسي مؤخراً: رشاد محمد العليمي. وهو من أبناء محافظة تعز.

لا تستغربوا فقد يكون الأمر أبسط من ذلك بكثير..!!

هناك أمرآخر: في لعبة الشطرنج قد يتوجب أن يُقدم الوزير على التضحية بعد دقائق قليلة من البداية، من أجل الحفاظ على "الملك" حتى تستمر اللعبة فترة أطول.

   & صحيفة : المصدر