الكهرباء بين لوبي الفساد وأدران السياسة
بقلم/ د.عبد الملك احمد الحاوري
نشر منذ: 11 سنة و 7 أشهر و يومين
الأربعاء 24 إبريل-نيسان 2013 04:16 م

لا أخفيكم سرا أني أكتب هذه الكلمات والظلام يحيط بي من كل جانب، وأمواجه العاتية تتقاذفني في كل اتجاه، وفي هذا المشهد القاتم تنتصب شمعة يتيمة بنورها الخافت تحاول أن تخترق بصعوبة جدار الظلمة الكالح لتعينني بخيوط ضوئها الواهنة على رسم حروف هذا المقال والتي قد تتعثر تلك الحروف تارة وتتبعثر تارة أخرى، لترتمي في أحضان أخواتها عن اليمين وعن الشمال، وتقفز أحيانا إلى الأعلى، وتسقط في أحايين كثيرة إلى الأسفل مخلفة كومة من الطلاسم التي يصعب – حتى على كاتبها - فك شفراتها ولملمة معانيها ومعرفة أولها من آخرها.

فلا يكاد يمر أسبوع وأحيانا يوم حتى تفاجأنا أخبارٌ عن اعتداءات على خطوط نقل الكهرباء القادمة من محافظة مأرب عبر محطاتها المختلفة إما \"بخبطات\" أو \"طلق ناري\" أو \"تفجير ناسف\" توقف المنظومة الكهربائية وتخرجها عن جاهزيتها، وذلك بلا شك يحمل الدولة أعباء مادية وقبلها يخسر المواطن الكثير جراء هذه الانقطاعات يدفعها من دم قلبه كما يقال، والأسئلة التي تطرح نفسها تلقائيا إلى متى سيستمر هذا المسلسل المرعب؟ ومن هم أبطاله الحقيقيون؟ وما الأسباب الكامنة وراء هذه الاعتداءات المتكررة؟ وما دور الحكومة تجاه هذه الظاهرة المتنامية؟

بداية لا يخفى على أحد أن اليمن ما تزال تعيش خارج دائرة الزمن ومرحلة ما قبل النور إذا ما قارناه بدول العالم الغني والفقير الأول منه والثاني وحتى الخامس، فالعالم أجمع تخطى هذه المشكلة بمراحل طويلة، فذاك البلد يحتفي بمرور مائة عام لم تنقطع فيه الكهرباء لحظة واحدة، وذاك يحتفي بإدخال الطاقة الشمسية كطاقة بديلة، وآخر بإدخال الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، وذاك يصدر طاقة فائضة عن حاجته المحلية ووو....الخ، أما نحن فنحتفي إنْ مر يومٌ – وذاك نادر – لا تنقطع فيه الكهرباء في بلد عمر ثورته أكثر من خمسين عاما، نحتفي بتسابق تجارنا ومعهم الدولة بصورة مباشرة وغير مباشرة في استيراد عشرات الآلاف من المولدات الصينية وغير الصينية ومعها الشموع والكشافات والفوانيس، نحتفي بأننا نستأجر طاقة من مستثمرين محليين وأجانب بأضعاف أضعاف قيمتها الحقيقية نظير عمولات كبيرة لمتنفذين في الدولة، وذلك الإيجار في نظر خبراء هو كاف لشراء محطات توليد تجعلنا نكتفي ونصدرُ لغيرنا، فحري بوزير الكهرباء الحالي -وهو رجل قانون ومشهود له بالجدية في محاربة الفساد والمفسدين- أن يستمر في اجتثاث منظومة الفساد ولوبي المفسدين الذين تعددت سقطاتهم وتجذر الفساد في داخلهم وغلبوا مصالحهم الذاتية على حساب الوطن والمواطن، فلا يعقل أن لا تفي إيرادات الوزارة بمرتبات موظفيها ناهيك عن إرفاد خزينة الدولة بعائدات اقتصادية.

إننا لو أمعنا النظر في مشكلة الاعتداء على أبراج الكهرباء لوجدنا أسبابا عدة بعضها ذات أبعاد مطلبية يسهل على الحكومة التعامل معها وبالتالي حلها، وبعضها ذات مؤشرات سياسية خطيرة في تقديري توحي بمزيد من تلك الاعتداءات بأساليب مبتكرة ومدفوعة الأجر، أما التي يسهل حلها فهي تلك التي منشؤها معاناة أصحاب المنطقة التي تزود المحافظات جميعها بالطاقة، فليس غريبا أن يتذمر بعضٌ من أهل مأرب من سياسة الدولة تجاههم فيما يتعلق بالكهرباء حين يرون محافظتهم تمد اليمن بهذه الخدمة فيما هم غارقون في بحر الظلام، وبالتالي فإن ذلك ينعكس في تصرفات بعضٍ من أولئك المتذمرين، وهذا ليس مبررا منطقيا في نظر العقلاء لممارسة تلك التصرفات، فهناك قنوات ينبغي أن يسلكها أصحاب تلك المنطقة للمطالبة بأبسط حقوقهم بشكل سلمي حضاري تعكس أصالة المأربيين وتحضرهم عبر بدائل مختلفة من الضغوط على الحكومة ومؤسسات الدولة المختلفة، أما أن يلجأ بعضهم إلى العنف فإن ذلك مرفوض دينا وعرفا ومنطقا وعقلا، لما يترتب على ذلك من استنزاف لمقدرات اليمن وخيراتها، وذلك في اعتقادي بعيد كل البعد عن أهل مأرب لما عرف عنهم من تحليهم عبر العصور بقيم عليا لا يمكن التفريط فيها ، وبالتالي فإن حل هذه المشكلة في يد الحكومة ومقدور عليه، أما الأسباب ذات المؤشرات الخطيرة فهي ذات المرامي السياسية التي يسعى مخططوها إلى إيصال رسائل لها أبعادها المختلفة، منها ما يهدف إلى إحراج الجهات الرسمية لتوصم بالضعيفة فاقدة القدرة على السيطرة وحماية منشئاتها، ومنها ما يهدف إلى زعزعة الاستقرار في اليمن وإظهار هذا الإقليم على أنه بؤرة للإرهابيين وقطاع الطرق وبالتالي تشويهه أمام المجتمع الدولي وعزله عن مراكز صنع القرار في المنطقة والعالم، فيما يهدف آخرون إلى الوصول بعامة الشعب إلى قناعات معينة تجاه طرف على حساب آخر من خلال عقد مقارنات بين نظام وآخر وحكومة وأخرى وصولا إلى قناعات مفادها أن النظام السابق رغم زلاته وإخفاقاته أفضل وأكثر نجاحا من اللاحق، بينما يسعى آخرون إلى إشغال الناس والمجتمع بقضية الكهرباء ليغفلوا عن قضايا أكثر أهمية ذات أبعاد وطنية مفصلية في تاريخ اليمن المعاصر، لها أولويةٌ في الحسم والمعالجة، كل تلك الأسباب وغيرها كثير يخطط لها سياسيون من داخل الوطن وخارجه وينفذها متهورون يتقاضون نظيرا لذلك أجورا زهيدة وملوثة.

أما الحكومة فإنها مطالبة باتخاذ إجراءات وخطط وقائية وعلاجية أكثر حزما وصرامة، ولا يكفي مجرد أن تقدم لنا كل يوم عريضةً بأسماء مخربي الكهرباء وصفاتهم ومقر إقامتهم دون أن تتخذ إجراءات عقابية تجاه مخططي العمليات ومنفذيها، فعليهم ( وزارة الداخلية والكهرباء والعدل ومحافظة مأرب) تقع مسئولية الضبط والربط والتعرية والعقاب والحماية والوقاية، ليعيدوا بذلك هيبة الدولة ومكانتها، وإلا فإن هذه المشكلة ستظل في تفاقم مستمر وتصاعد مخيف.

لفتة

منظر مرعب ومخجل لا يمكن أن تشاهده في عاصمة من عواصم القرن الحادي والعشرين إلا في صنعاء حين تفاجأ بانطفاء الكهرباء وأنت تتجول بأسرتك في أحد شوارعها (الراقية ناهيك عن العادية)، لتعلو على التو أصوات عالية ومزعجة مصدرها حنين آلاف المولدات الكهربائية وقبلها حنين وآهات وأنات أصحابها وسامعيها.