خفايا الحرب الباردة بين أولاد الأحمر وغلمان القصر الرئاسي
بقلم/ أحمد عايض
نشر منذ: 11 سنة و 7 أشهر و 5 أيام
الأحد 21 إبريل-نيسان 2013 01:25 م
ندلعت الثورة الشبابية السلمية في اليمن تحت شعار «سلمية سلمية»، ونجحت في تحقيق مكاسب كبيرة على الصعيد المحلي والإقليمي, كما مثلت جمعة الكرامة الشرخ الأكبر في نظام صالح وعملت على غربلة الدولة إلى قسمين: إما مع أنصار الثورة وإما مع أنصار النظام, ولقد كانت أسرة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر من السباقين في الانضمام للثورة.

الراصد للصراع بين أباطرة آل الأحمر وأباطرة سنحان في القصر الرئاسي يجد خلال السنوات الماضية ثمة أشياء وتداعيات خطرة قد برزت على السطح.

وما جرى من تداعيات إنما هو انعكاس لمشاهد الصراع القبلي المطعّم بدهاء السياسة ونكهة تبادل الأدوار الذي كانت تعيشه اليمن؛ نتيجة لغياب دولة المؤسسات.

تناول كاتب هذه السطور قبل خمس سنوات في مقال تحليلي تحت عنوان « بيت الأحمر والسنحانيون في القصر وجهًا لوجه» تنبأ فيه بحصول ما أسماه يومها بتفجر الوضع بين غلمان القصر الجمهوري، وقصد بهم يومها كلًا من «أحمد وطارق وعمار ويحيى»، وبقية أنجال الشيخ عبدالله, لكن العقبة التي كانت تحول دون ذلك هي «حكمة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر» وعلاقاته مع الرئيس السابق.

إن الحديث عما جرى خلال الثورة الشبابية في اليمن وانضمام أسرة آل الأحمر إليها لم يكن هدفه فقط الدعم لقناعات وخيارات الثورة بقدر القناعات المحتقنة بين «أباطرة القصر وأباطرة القبيلة», لكن ثمة أسباب حقيقية جعلت أسرة آل الأحمر تقف وبقوة إلى جانب الثورة ، وهي أن أبناء الجيل الثاني من سنحان وأطراف موالية في الحزب الحاكم لم تقبل أن تكون أسرة الأحمر شريكًا لها في التواجد السياسي عبر الحزب الحاكم في اليمن, بل عمدوا جاهدين إلى إقصاء هذه الأسرة والعمل على تصنيفها ضمن الإطار العام للمعارضة, واستعدائها واستهداف مصالحها.

زفاف مبطن بإعلان النصر السياسي والعسكري

لم يكن حفل زفاف نجلي الشيخ حميد الأحمر، الذي أقيم قبل أيام، عرسًا عابرًا بقدر ما كان يحمل في طياته رسالة سياسية قوية، مفادها: أن أفراح آل الأحمر هي إعلان رسمي بانتصارهم سياسيًا وعسكريًا في المواجهات التي جرت بينهم وبين خصومهم من أسرة صالح، التي كانت مدعومة بمكونات الدولة ومؤسساتها العسكرية».

الفخامة والترتيبات التي أقيمت في حفل زفاف نجلي الشيخ حميد، الذي حاول أن يضفي عليها حضورا رسميا ودبلوماسيا كبيرا, حيث كان في مقدمة الحضور عدد من سفراء الدول الخليجية والعربية والأجنبية المقيمة بصنعاء, إضافة إلى حشود جماهيرية كبيرة من مختلف محافظات الجمهورية، فضلًا عن حضور عدد من كبار مسئولي الدولة، ومختلف الشخصيات السياسية والاجتماعية .

قاعة الزفاف التي احتضنت العرس والموقع الجغرافي لها أعطى إيحاءات مباشرة في الرسالة القوية من حميد الأحمر الخصم الشرس لـ صالح ونجله الذين جرت بينهما مواجهات ضارية عبر وسائل الإعلام وفي ساحات المواجهات الدامية خلال السنوات الماضية, حيث توعدت أطراف من داخل أسرة صالح بتصفية حميد جسديًا, ولذا لم تكن الحرب التي اندلعت في حي الحصبة هينة البأس والمراس، بل كانت شرسة الطبع والمواجهة حيث أسفرت عن سقوط أكثر من 125 قتيلا من مناصري آل الأحمر من رجال القبائل وأكثر من ألف جريح.

القاعة التي احتضنت حفل زفاف نجلي حميد كانت قد تعرضت للإباحة من قبل صالح ونجله لبلاطجتهم، ووجهوا بنهبها بكامل مكوناتها، مكبدين الشيخ الأحمر خسائر مادية تفوق المليار ريال - حسب مصادر مقربة من الشيخ حميد الأحمر.

ناهيك عن الموقع الجغرافي الذي تتواجد فيه القاعة كانت مسرحًا لأنصار صالح وقوات الحرس الجمهوري ومنطقة محرمة على الثوار ومناصريهم إبان اندلاع المواجهات المسلحة في العام 2011م.

الانتقام بالتدمير

يمتلك الشيخ حميد الأحمر أكبر قصر شُيّد في اليمن, درة معمارية هائلة, وهو القصر الذي كلفه مئات الملايين في بنائه, ويتموضع في أرقى أحياء العاصمة صنعاء في مساحة شاسعة, لكنه لم يهنأ كثيرًا بذلك القصر.

نجل الرئيس السابق وقائد الحرس المنحل لم يستطيعا أن يشفيا غليلهما من خصمها السياسي، الذي وقف لهما ندًا قويًا سوى أن يدك قصره بالمدفعية من على رؤوس الجبال، وحقًا فعلها العميد لكن كل ذلك لم يغير في المعادلات على الأرض شيئًا.

وعلى الجانب الآخر برز الشيخ صادق الأحمر كقائد مقاتل ومتحدٍ لصالح، رافضًا الخروج من منزله أو التزحزح منه قيد أٌنملة, حينها لم يدم صبر عائلة صالح طويلًا، فكانت الحرب الضروس التي كشرت عن أنيابها بين قوات النظام وبين رجال القبائل من أنصار الشيخ الأحمر، فتعرض منزل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر لهجوم جوي وبري, وكشف تقرير أعدته المنظمة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات عن استخدام عائلة صالح كل أنواع الأسلحة الثقيلة في قصف المنزل حيث، رصد التقرير قصف البيت بأكثر من 23 نوعًا من الأسلحة الثقيلة ابتداء من دبابات 75 أمريكية الصنع، ومرورًا بصواريخ الكاتيوشا، وانتهاء بدبابات تي 75, والرصاص الخارق الحارق.

تاريخ الخلافات ليس جديدًا

الطموحات التي تولدت لدى غلمان القصر الرئاسي في عهد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح جعلتهم يعيشون كالهوام الهائمة في غابة تصوروا أنفسهم في لحظات عابرة من النشوة أنهم ملوكها، وأن لا منازع لهم سوى شباب من أسرة أخرى مدعومة بسند قبلي موغل في القوة وتستند إلى امبراطورية مترفة في الثراء والدعم الخارجي ممثلًا بدعم المملكة العربية السعودية.

لحظتها تحول غلمان القصر للتصرف كالأطفال في محاولة إبعاد أنجال الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر من داخل مكونات الدولة ومؤسساتها الحزبية بهدف الزج بهم خارج أسوار القصر وإبقائهم في مربع المعارضة وليس في مربع صنع القرار.

لقد مثلت انتخابات المؤتمر السابع للمؤتمر الشعبي العام الذي عقد في مايو 2009م الطريق الأنسب لإقصاء حسين الأحمر القيادي المؤتمري ف ي حينها, وترحيله من داخل المؤتمر بأسلوب مغلف بالديمقراطية تدريجيًا من أي مناصب قيادية في الحزب الحاكم يومها بهدف إقصائه مستقبلًا من أي منصب ذات صلة بالمؤتمر الشعبي العام ، باعتبار أن التنظيم هو الطريق إلى تعزيز نفوذ أي طرف داخل مؤسسات الدولة ، وهو ما لم يرضه أبناء الجيل الثاني من سنحان كونهم ينظرون إلى الدولة أنها مملكة خاصة بهم ، ولن يقبلوا بأي شريك قبلي بحجم قوة ونفوذ بيت الأحمر, ولن يجدوا مانعًا من مشاركة أي طرف آخر بشرط أن يكون خارج نطاق تلك الأسرة .

غلمان القصر الرئاسي في سنحان حاولوا مرارا تأديب أنجال الشيخ عبدالله الأحمر عبر الوسائل الرسمية التي كانوا يتحكمون بزمامها، حيث حاولوا أكثر من مرة تجريدهم من سلاحهم الشخصي ومنع التجوال به في شوارع صنعاء تحت مبرر منع حمل السلاح, حيث مورس عليهم ضغوطات كبيرة تحت هذا المسمى.

بعد ترحيل حسين الأحمر الذي قاد مشاغبات حامية مع صالح ونجله, غاب عن المشهد الثوري كلية وظل غائبًا طيلة أيام المواجهات متنقلًا بين فنادق القاهرة وبيروت في رحلة استجمام مطولة.

حسين يومها حاول أن يرد الكيل مكيالين لعائلة صالح عندما عمد أثناء تأسيسه لمجلس التضامن الوطني إلى نقل إحدى فعالياته القبلية التي كان دائمًا يمولها بسخاء فاحش أسالت لعاب الكثيرين من المحيطين بغلمان القصر الرئاسي إلى منطقة خمر بقلب قبيلة حاشد, أحد منطلقات القوة التي كان يستند إليها آل الأحمر في تاريخهم السياسي والنضالي, وقد فجر حسين يومها إعلانًا قويًا ضد أسرة صالح عندما أعلن، وأمام عشرات الآلاف من قبائل حاشد بكل أطيافها، أن الرئيس علي عبدالله صالح لا ينتمي إلى قبيلة حاشد.

وهي رسالة قوية وعنيفة يشعر بها كل من يعرف معنى الاعتزاز بالقبيلة مهما كانت مكانته العلمية أو الرسمية.

قبل خمس سنوات وثلاثة أشهر, قلتُ في مقال لي كتبته بعد رحيل الشيخ عبدالله الأحمر: «لا أبالغ إن قلت أن أكثر الخاسرين والمفجوعين برحيل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر هو الرئيس علي عبدالله صالح, فثلاثة عقود مرت من حكمه كان الشيخ الأحمر حاضرًا في كل مشاهدها بقوة, وفي معظم الأحيان كان الشيخ هو الحاسم الحقيقي والداعم الرئيس في معظم المعضلات التي واجهت الرئيس علي عبدالله صالح طيلة العقود الماضية ، كان آخرها الموقف الذي أزعج الحزب الذي ينتمي إليه ويرأسه الأحمر ، وهو التجمع اليمني للإصلاح ، وذلك من موقفه من الانتخابات الرئاسية التي خالف فيها إجماع الإصلاح ووقف في صف آخر إلى جوار حليفه التاريخي علي عبدالله صالح».

لقد كان الشيخ عبدالله هو العصا التي  كان يتكئ عليها في حكم اليمن حتى أتقن الرقص على رؤوس الثعابين كما كان يقول صالح يومها.

برحيل الشيخ عبدالله الأحمر عن الحياة مثل إزاحة العائق الأوحد أمام أنجاله الذين كانت لهم طرقهم الخاصة في تعاملهم مع صالح ، التي كانت تعتمد على المواجهة ونقل الصراعات علنًا بخلاف أبيهم الذي كان يرفض أية مواجهة مع حليفه.

الرئيس السابق نجح طيلة فترة حكمه من تصفية خصومه السياسيين الأقوياء من داخل قبيلة سنحان عبر الإقصاء أو التصفية النهائية كما حصل مع محمد إسماعيل وأحمد فرج وغيرهم, لكنه وقف حائرًا وعاجزًا في ذات الوقت كيف يتم التعامل مع أسرة آل الأحمر, ففي حين كان الشيخ عبدالله هو العصا التي مهدت له الكثير من العقبات المرهقة في اليمن جاء أنجاله كأحد أكبر التحديات له ولمشروعه التوريثي, ولذلك حاول جاهدًا أن يظل على علاقة وفاق ولو من بعيد مع تلك الأسرة ولقد كان الأمل الوحيد الذي علق صالح آماله عليه هو الشيخ صادق بن عبدالله شيخ مشايخ حاشد الحالي, حيث لوحظ اصطحابه معه في العديد من المناسبات يومها ، كان آخرها في زيارته لوالده في أحد مستشفيات بريطانيا, لكنه خسر تلك الأسرة كلية مع تفجر الثورة الشبابية.

حاول صالح مرارًا وجاهدًا في بناء علاقات جديدة مع أباطرة آل الأحمر حتى يتمكن من إحداث توازن في العلاقات المستقبلية لكنه خسر صنع تلك العلاقات في ظل زيادة تنامي الحرب الباردة بين «أباطرة سنحان من الجيل الثاني وأباطرة حاشد», حيث تنامى مسرح خفي من الصراع بين هوامير السلطة وهوامير القبيلة والمال ، وتطور الخلاف إلى منافسات وحرب في مجال الاقتصاد والثروة وسباق محموم على المناقصات التجارية والحصول على التراخيص ، حتى تطور إلى ساحات الحرب على النفط وحق الامتيازات الخاصة والتنافس الساخن في مجال الاتصالات.

كما مثل التهديد بإيقاف شركة سبأفون وسحب الترخيص عنها من قبل الجيل الثاني من عائلة صالح تحديًا استفزازيًا ، خاصة وهي الشركة التي حققت أعلى نسبة من المشتركين ومن أوائل المشغلات التي انطلقت بقوة ، وكان انطلاقها في فبراير 2001م ، وأضفى حديث الخاصة للخاصة أنه لن يتم التجديد لعقد الشركة الذي سينتهي في العام 2015م.

كانت الحرب الباردة بين التيارين كفيلة بزرع جبال من الخلافات على كل الصُعد فيما بينهم ، خاصة وأن شركة "سبأفون" تعد «البقرة الحلوب» التي تضخ دخلًا مهولًا على مدار الثانية لهذه الأسرة ، فمن ذا الذي يفكر بإيقافها؟

مصاهرة لم تتم بعد

تحدثت مصادر عائلية مقربة من عائلة الرئيس  السابق أن أحمد علي عبدالله ، وبعد حصوله على شهادة البكالوريوس في علوم الإدارة من إحدى الجامعات الأمريكية في أوائل التسعينيات ، كان ينوي مصاهرة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ، لكن تلك المصاهرة لم يُكتب لها النجاح.

أفراد من أسرة صالح كانت تنظر إلى أسرة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر نظرة إعجاب ، لأنها تعد الأسرة الأولى في اليمن حسبًا ونسبًا ومالًا وجاهًا, وتحركت في البعض منهم حديث الذات ليخلصوا الى أن القوة التي تتمتع بها أسرة صالح كانت بقوة العساكر وليس لها أي دعم شعبي, وهنا كانت عقدة النقص التي لازمت أسرة صالح حتى آخر طلقة أثناء المواجهات وآخر توقيع لرحيل صالح من السلطة عندما اشترط لتوقيعه على المبادرة الخليجية عدم حضور أي من أنجال الشيخ عبدالله الأحمر مراسيم توقيع المبادرة الخليجية.

المشهد لم ينتهي بعد

يلوح مشهد من القناعات الخاصة لدى الأطراف التي تم ترحيلها من عروش السلطة والملك وتحديدًا أحمد علي عبدالله صالح أن ما حدث لم يكن سوى معركة أو مؤامرة قادها «جهّال الشيخ عبدالله» ، مستغلين ما يسمى "ثورة الربيع العربي" لتصفية خلافات خاصة بهم, أسفرت عن ترحيل كلي لهم, لكن الجرح لم يندمل بعد, فهناك أحاديث يتم التهامس بها ، مفادها: أن أحمد سوف ينتقم يومًا ما من أولئك الذي أجادوا فن اللعبة ، وتمكنوا من تسديد الضربة القاضية في الوقت المناسب والمكان المناسب, حتى انقلبت موازين اللعبة بالكامل.

وفي لحظة من تسارع الأحداث وتداخل المواقف السياسية والإقليمية وجد الشاب الطموح يومًا على التربع على عرش أبيه مرميًا على عتبات «الدبلوماسية اليمنية» ، مرحّلًا عن وطنه ومسقط رأسه تحت مسمى سفير؛ ليتحول العميد أحمد علي عبدالله صالح ، الذي كان يقود أقوى قوة ضاربة في اليمن إلى معالي الأستاذ أحمد علي سفيرنا في الإمارات.. هناك بقية لمشهد خاص قد يُرسم قريبًا أو بعيدًا ، وربما يكون موجعًا لأحد الطرفين..