ثوار اليمن : من ساحات الحرية إلى ساحات الحرب مسيرة ثورة مغدور بها
بقلم/ أحمد عايض
نشر منذ: 8 سنوات و 9 أشهر و 10 أيام
الأحد 21 فبراير-شباط 2016 04:53 م
 

نظم مركز سبأ الإعلامي ندوة سياسية بعنوان ثورة 11فبراير الواقع والتحديات والتطلعات وبرعاية محافظ محافظة مأرب الشيخ سلطان بن علي العرادة .

وفي الندوة قدم رئيس تحرير موقع مأرب برس ورقة بعنوان شباب ثورة 11 فبراير .. من ساحات الحرية إلى ساحات الحرب ,, مسيرة ثورة مغدور بها .

يعيد مأرب برس نصها :

مقدمة .

عندما نتحدث عن ثورات الربيع العربي تبرز الثورة اليمنية , كواحدة من ألمع وأنصع ثوراته نقاوة وحماسة بعيدة كل البعد عن عوامل العنف والسلاح , وقودها حماسة الشباب وصدورهم العارية .

يومها راهن الكثيرون على فشل هذه الثورة السلمية,التي استماتت في الحفاظ على سلميتها ونأيها عن أساليب العنف والسلاح , نظرا للخلفية الذهنية التي صدرها النظام السابق وإعلامه السيئ الذي لعب دورا محوريا في تشويه صورة اليمني أمام الرأي المحلي والدولي بصفته مجتمعا موغلا في التعلق بالقبيلة وثقافة العنف , ودائما يلجأ في حسم قضاياه بلغة السلاح .

ثورة الشباب اليمنية أو ثورة 11 فبراير هي سلسلة من الاحتجاجات الشعبية اندلعت في اليمن في 27 يناير 2011 منادية بإسقاط منظومة حكم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح .

لقد مثل انضمام كبار القادة العسكريين من النظام السابق وفي مقدمتهم اللواء علي محسن الأحمر , منعطفا جديدا في الإيحاء العسكري وأهميته لاستكمال الثورة , حيث خاضت الفرقة الأولى مدرع، اشتباكات متقطعة مع الحرس الجمهوري، والأمن المركزي وقيامها بواجب حماية شباب الثورة في ساحات الثورة بالعاصمة صنعاء .

دخول التيار العسكري المؤيد للثورة ودعم الأحزاب السياسية لها, مثلا دعما لوجستيا ومباشرا في مسيرة وصمود الشباب بكل توجهاتهم .

نستطيع القول أن دخول المسار السياسي عبر تحالف اللقاء المشترك الذي كان يومها يمثل شريحة واسعة من شباب الثورة , مع النظام السابق , والتوصل إلى إبرام إتفاق سياسي خرج حينها تحت مسمى المبادرة السياسية .

حيث وُقع على تلك المبادرة في 23 نوفمبر 2011 م فارضة في مضامينها على كل القوى السياسية العسكرية في التعامل مع معطيات هذه المبادرة التي عُطل بموجبها الدستور واُعتبرت المبادرة مرجعية دستورية لإدارة البلاد، ومُنح المخلوع صالح حصانة من الملاحقة القانونية..

كانت ساحات الثورة الشبابية في اليمن , ترسم في أعماقها الفكرية والعاطفية ملامح المستقبل المشرق , للعيش بكرامة وحرية , في ظل دولة مدنية تكفل الحقوق وتتعاطني مع كل ذي حق لمنحه حقه .

لكن السنوات التي تلت تلك الثورة, بدأت تكشف حجم الركام المخيف وحجم الهوة المخيفة بين حقيقة الدولة العميقة التي صنعتها وسيطرت عليها أسرة صالح وبين تطلعات شباب الثورة الشبابية الذين واجهوا عنفوان ذلك النظام بصدور عارية رغم وحشية القمع والمجازر التي تعرضوا لها .

كلفة الخسارة وحجم المأساة :

كشف تقرير صادر عن وزارة حقوق الإنسان اليمنية أن أكثر من 2000 شهيد قد سقطوا خلال الثورة الشعبية السلمية التي تفجرت في اليمن منذ فبراير 2011 كان بينهم 143 طفلاً و20 امرأة، بالإضافة إلى 22 ألف جريح.

وهي كلفة باهظة مقارنة بالامتيازات التي منحت لهذا النظام من حصانة تمنع عنه الملاحقة القانونية .

 ظلت أمال شباب الثورة , تتسامي يوما بيوم خاصة بعد نجاح هادي وسلطته الانتقالية التي لاقت دعما دوليا منقطع النظير, ونجح في زحزحة هوامير الدولة العميقة خاصة تلك الرؤوس ذات الامتداد العائلي لصالح , كنجله أحمد قائد من قوات الحرس الجمهوري وبقية فتيان الأسرة الذين كانت تمثل مناصبهم وشخوصهم عصب السيطرة الحديدة لدولة العائلة .

لكن تلك الطموحات التي كانت تتعالي ملامحها على محيا شباب الثورة , وإن كانت تمر بهدوء وبطريقة دينامكية تثير حولها الشكوك , قد بدأت تتلاشي تدريجا بعد بروز ملامح الثورة المضادة التي أعلن المخلوع في ذات لقاء أنهم عائدون للسلطة , محددا عام 2014 هو عام عودة العائلة لإسترداد الدولة .

تحالف العودة إلى الخلف :

مثل التحالف الحوثي عفاش في عام 2014 منعطفا جارفا في نسف كل ما تحقق من طموحات وتطلعات لشباب الثورة , بل أرجع الأوضاع بكل مناحيها وتصوراتها عشرات السنين إلى الخلف .

تداعيات ونتائج ذلك التحالف قيض كل معالم الجمهورية ونسف كل أهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر.. التي كانت تنادي بـ

1- التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتها وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات.

2- بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها.

3- رفع مستوى الشعب إقتصاديا وإجتماعيا وسياسياً وثقافياً.

4- إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الاسلام الحنيف.

5- العمل على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربية الشاملة.

6- إحترام مواثيق الامم المتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الايجابي وعدم الانحياز والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم.

رؤية بين أهداف الثورتين :

عند التأمل بعمق إلى أهدف الثورة الأولى نجد أن إنقلاب الحوافيش أعادوا اليمن إلى الوراء أكثر من خمسين عاما .

وهو ما مثل بحد ذاته تراجعا في الطموحات والتطلعات ليس لشباب 11 فبراير فقط وإنما حتى لشيوخ ثورة 26 سبتمبر, وتلاشت طموحات الدولة المدنية , إلى طموحات الحصول على حق الحياة والحرية , وهي حقوق منحتها الشريعة الإسلامية لكل فرد قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام لكنها تلاشت في عهد هذه الطغمة الطامحة للحكم .

كما مثل ذلك التحالف المظلم مسلكا للعودة باليمن إلى نصف قرن من الزمن وتوقف بسببه مسيرة الحياة وعجلة التنمية ودخل الوطن منعطفا مؤلما من التصفيات والملاحقات وفتحت السجون , وعززت الكراهية والطائفية في المجتمع .

وتم تصفية الحرية بكل أنواعها وصورها لتصنف المجتمع ضمن قاعدة إن لم تكن معنا فأنت ضدنا .

ومن هنا انزلقت اليمن إلى دوامة العنف ,وأُفرز واقعا جديدا يهدف إلى تدمير كل شيء جميل في اليمن , للإبقاء على هذه السلطة المظلمة.

إغتيال حلم وطن :

 أن طموحات شباب ثورة 11 فبراير قد أُغتيلت طموحاتهم وتغيرت أولوياتهم , حول الدولة المدنية والحرية والرقي الإقتصادي إلى أبسط الحقوق التي نهبتها تلك العصابات الموحشة في الإجرام والإرهاب ضد كل من خالفهم حتى في الرأي .

أن شباب الثورة اليوم وقفوا طويلا أمام شعار ثورتهم القديم "سلمية سلمية " وتيقن لهم أنه لم يعد اليوم إلا جانبا من الذكريات العزيزة في ذلك الزمن الجميل .

شباب ثورة 11 فبراير كانوا هم أهدافا للتصفية والتهجير والتعذيب والزج بهم في معتقلات السجون , لا لشئ إلا أنهم خرجوا يوما وهم يهتفون " أرحل " ..

عند الوقوف أمام قراءة لأرقام وإحصائيات شباب الثورة في كل محافظات الجمهورية نجد أن الغالبية العظمى من ذلك الصنف قد نالهم النصيب الأكبر من عمليات التهجير والتعذيب والملاحقات , مما تسبب في اللجوء إلى النزوح القسري سواء عبر النزوح الداخلي أو الهجرة خارج البلد هربا من الموت والملاحقات.

حتى مؤذني الصلاة في ساحة الحرية من شباب ثورة 11 فبراير لم يسلموا من الإعتقالات والتعذيب .

إنقلاب في الرؤية والتطلع لاستكمال الثورة :

أجدني كواحد من هولاء الشباب الذين عايشت يوميات الثورة بكل أحلامها وآلامها في ساحة الحرية بالعاصمة صنعاء وواحدا ممن دون يومياتها لحظة بلحظة , وناشرا لكل حدث عنها طيلة كل مراحلها , أجد اليوم أن كل من لقيتهم من رفقاء الساحات وناشطي الثورة , قد تغيرت الكثير من قناعاتهم وتطلعاتهم تجاه أولويات ثورتهم , وتولدت قناعات جوهرية وأهداف مرحلية يفرض واجب اللحظة عليهم التأقلم الفوري مع الواقع الجديد لإنقاذ ثورتهم المختطفة من عصابات الأسرة والعائلة – عائلة صالح وأسرة الهاشميين .

المتابع لقوائم المقاومة الشعبية وكشوفات الجيش الوطني يلاحظ تدفقا كبيرا وتسابقا من قبل شباب ومناصري ثورة 11 في الانضمام إليها , مهما كانت كلفة النتائج في هذا الخيار المسلح .

إن شباب الثورة سواء القادمين إليها من المدن أو الأرياف أو حتى من الأحزاب والمؤسسات والمنظمات , باتوا على قناعة واحدة , حتى رواد عاصمة المدنية في تعز والعاصمة صنعاء أو غيرها من المدن كعدن قد أصبحوا على يقين تام على أن ما يجري هو إختطاف مسلح لثورتهم السلمية . ولا يمكن إرجاع الثورة أو تحرير اليمن أرضا وأنسانا من ذلك الاختطاف إلا بقوة الحديد والنار .

من ساحات الحرية إلى ساحات الحرب :

وعطفا على كل ما ذكر ,برزت مرحلة جديدة في حياة هذا الجيل الثوري , تتمثل على أنه لا مجال للشعارات السلمية أو الصدور العارية , وإنما مرحلة تحمل فيها السلاح للدفاع عن حرية الفرد وحرية الوطن .

وكما قدمت ثورة 11 فبراير فاتورتها الباهظة من حياة أبنائها يستكمل اليوم ثوارها تحقيق أهداف الثورة الأولى 26 سبتمبر للوصول إلى طموحات الغد الباسم.

طموحات تتحدى الصعاب :

إن ما يقوم به اليوم الجيش الوطني والمقاومة الشعبية التي يعد جيل 11 فبراير" هو الدم الأبرز ديناميكية وحركة في مفاصلها هو انتشال وطن مختطف من عصابات متخلفة, لا تؤمن بمدنية أو ديمقراطية , ولا تؤمن بحق الحياة لأي مغاير لها في الرأي والعقيدة.

طموحات شباب الثورة ,اليوم , هو التوبة من عثرات وزلات نتائج 11 فبراير , فلا مكان لكل حاقد أو ظلامي في صناعة أحلامنا ومستقبلنا القريب .

علمتنا ثورة 11 فبراير أن التعامل مع القتلة والمجرمين بحسن نوايا لا يمكن إلا أن يولد واقعا متخما بالعصابات والمرجفين, وعلية فلا بد من إسقاط عدالة السماء والأرض بشريعتها السماوية وقانونها الأرضي بالدستور والقانون .

يجب أن تقدر تضحيات هذا الجيل الثوري وأن تأخذ نصيبها في عجلة التغيير والحياة , عبر ضخ الدماء الحية ,التي تؤمن بحياة الكرامة والعزة والمدنية إلى مشهد صنع القرار والمشاركة فيه بفاعلية وحضور بارز .

تأكدوا أن منح القتلة وذوي القلوب المريضة مساحات من المشاركة في مستقبلنا لن يثمر إلا جروحا وآلاما ونكسة لكل أمل وطموح .

فصل الحرب وفاصل الثورة :

علينا وفق هذا التناغم الثوري الذي قادتنا الآلام والجروح والغدر إلى حمل البندقية والسلاح , أن نؤكد لأنفسنا ولمن هم يرقبون مسيرتنا وتحركنا أن ما يجري هو فصل حرب وفاصل ثورة
منعطف أرغمنا على التعاطي معه كواحد من واجبات المرحلة التي أكدت عليها ديانات السماء وشددت عليها شرائع الأرض عبر المواثيق والدساتير وهو الحياة حق الدفاع عن الحرية .

مستقبل وطن وأحلام ثورة :

نؤكد أن طموحنا القادم هو تصحيح مسار الثورة الأولى ووضع لبناتها الصحيحة , عبر أهدافها الستة التي أوتينا من قبلها عبر خيانة من نظام عائلي خان الله والتاريخ والوطن والثورة .

إننا نعتقد أنه لو تم تحقيق الأهداف الكبرى للثورة الأم 26 سبتمبر فإننا سوف نصل عبر تناغم حياتي لكل طموحات وتطلعات 11 فبراير .

أن شباب الثورة يعلمون مدى الكلفة الكبيرة التي تنتظر مستقبلهم جراء الشرخ الاجتماعي المؤلم الذي وسعت جروحه هذه المليشيات وأدمت نسجيه الأخوي .

ترميم العلاقات ومعالجة الجروح:

أننا نحتاج اليوم إلى سنوات طوال لمعالجة هذه الجروح التي صنعها الإنقلابيون في حياة الشعب اليمني .

أن من أهم أوليات شباب الثورة , وحكومات المستقبل هو العمل الجاد لردم هذه الهوة داخل المجتمع والعمل على لملمة الجراح , والتعاطي بمعطيات نتناسى به آلام الماضي وفتح صفحات جديدة مع المجتمع المغدور به .

لا يمكن لمجتمع الوصول إلى أهداف سامية وثورة ناجحة وهو يسمح لنفسه أو لمنتسبة في ممارسات أعمال الانتقام أو الثأر , وهو ما يعني فتح جبهات جديدة تعمل على تسوية ملفات الماضي وفق نزعات البشر وهوى الشيطان .

إننا نشدد على أن معالجات الماضي لن تكون إلا عبر طرقها الرسمية , عبر القضاء والسلطات القضائية بشكل ووفق عدالة السماء وقانون الأرض .

إن قناعتنا بأن قلوب هذا الشعب العظيم هي كما أخبر عنها المصطفى صلى الله علية وسلم قبل أكثر من 1400 عام " أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا وأرق أفئدة" .. وبموجب ذلك سيعمل شباب الثورة بكل قواهم ومؤسساتهم المستقبلية على زراعة الحب والتسامح في هذا البلد , لنعيش كما كنا نعيش أخوة أحباء .

على الجميع أن يعلم أنه لا مكان لأي مليشيات مسلحة مهما كانت وتحت أي مسمى تكون .

لأن قبضات البنادق وجنزاير الدبابات لن تكون إلا في أيادي الجيش الوطني , ولن تكون السلطة بكل مؤسساتها الرسمية لن تكون إلا في ألأيادي المدنية , بعيدا عن سلطة العسكر وسطوة رجال الجيش .

نحن نعلم أن هناك الكثير من الجهد الموكل على عواتق الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في استكمال عمليات تحرير هذا الوطن وتحرير بقية محافظات الجمهورية التي مازلت ترزح تحت سيطرة المخلوع ورجل الكهف, لتبدأ بعدها عملة بناء الحياة و بناء البلد وانتشاله من بين أكوام الخراب والدمار .

حفظ الله اليمن وأهلها , ومكن لرجالها الأوفياء العمل لهذا الوطن الجريح ..

ورقة مقدمة من :

 أحمد عايض – رئيس تحرير موقع مأرب برس

  
ابو الحسنين محسن معيضليتكم من المملكة تتعلمون
ابو الحسنين محسن معيض
مشاهدة المزيد