هل أصبحت صعدة أقرب إلى صنعاء منها إلى الرياض!؟
بقلم/ أحمد محمد عبدالغني
نشر منذ: 14 سنة و 3 أشهر و 13 يوماً
السبت 14 أغسطس-آب 2010 12:01 ص

العلاقات اليمنية السعودية.

من قمة غزة في الدوحة إلى معركة العمشية في سفيان!

عندما أعلنت القيادة اليمنية مقاطعتها لقمة غزة في الدوحة (يناير 2009م) بعد أن كانت قد وافقت رسمياً على الحضور، نظر المراقبون إلى هذا الإعلان كنتيجة لعملية مفاضلة شاقة قامت بها صنعاء في تلك اللحظة بين كل من الدوحة والرياض، خاصة أن هذا الموقف جاء بعد حوالي اثنتي عشرة ساعة من مكالمة هاتفية جرت بين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس علي عبدالله صالح.

ومع أن هناك من اعتبر أن هذا الموقف هو إعلان رسمي أرادت منه صنعاء القول إنها أصبحت تقف بشكل واضح وجلي ضمن ما يُسمى «محور الاعتدال» بشأن القضية الفلسطينية، فقد كان لابد أن يتساءل الناس حينها عن مدى استراتيجية وصوابية هذا الموقف في ظل حساسيات العلاقات اليمنية الخليجية بشكل عام؟ وهل يعني ذلك أن صنعاء قد فقدت أدوات ووسائل التوازنات التي كانت تستخدمها من قبل؟ وآخرون تساءلوا أيضاً: هل رأى النظام اليمني أن الانضواء تحت عباءة محور الاعتدال يمثل ضمانة مستقبلية لخدمة المصالح اليمنية بشكل عام، أم أن الهدف الأساسي يتركز في الضمانات التي تخدم النظام فقط وذلك بالنظر إلى الدور الذي يمكن أن تلعبه بعض الأطراف الإقليمية الفاعلة ضمن هذا المحور!؟

وفي ضوء هذه التطورات كان من الطبيعي أن تهتز العلاقات اليمنية القطرية، حيث انعكس هذا الاهتزاز بشكل واضح على كثير من القضايا والمواقف، واستطاعت الدوحة بهدوء تسديد العديد من الضربات السياسية والإعلامية الموجعة كتعبير عن استيائها من السياسات اليمنية تجاهها..

وفي المقابل تعززت العلاقات اليمنية السعودية في جوانب محدودة لم تصل إلى المستوى الذي يمكن اعتباره حالة من التعويض المُرضي..

وبعد اندلاع الحرب السادسة في صعدة (أغسطس 2009م) أعلنت الحكومة اليمنية إلغاء اتفاقية الدوحة وانتهاء العمل بها. وبقدر ما بدا أن الهدف من هذا الإجراء هو تحقيق رغبة الرياض في إزاحة الدور القطري عن موضوع صعدة وسحب الملف من بين يديها بصورة أساسية ورئيسية، فقد أرادت الحكومة اليمنية من هذا الإعلان التقرب أكثر من الرياض واستدرار الدعم المالي والعسكري والسياسي لمواجهة ما سُمي محور طهران الدوحة.. وفي هذا السياق ظل الخطاب السياسي والإعلامي اليمني طوال فترة الحرب السادسة (أغسطس 2009م - فبراير 2010م) يعمل جاهداً على تهويل الدور الإيراني في دعم الحوثيين والتركيز على خطورة هذا الدور تجاه المملكة وذلك لمواصلة استدرار الدعم وتكثيفه.

محاولة اللعب بنفس الورقة!!

وفي بداية شهر نوفمبر 2009م دخلت المملكة العربية السعودية في خط حرب صعدة بشكل مباشر وذلك من خلال مواجهات حربية بين الجيش السعودي وجماعة الحوثي الذين قاموا بالتسلل إلى جبل دخان..

وكان لهذا المنعطف صداه الواسع في إثارة الجدل حول مستقبل الصراع ومغازي هذه التطورات، خاصة أن دخول الحوثيين إلى الأراضي السعودية جاء بعد أسبوع من سقوط مديرية رازح الحدودية (الاثنين 26 أكتوبر 2009م) وسيطرتهم على عدد من المواقع العسكرية فيها، بما تحتويه من معدات وآليات وأسلحة، كما تناقلت ذلك العديد من وسائل الإعلام المحلية حينها، وبعد أربعة أيام من بدء المواجهات الحوثية السعودية قال الرئيس علي عبدالله صالح إن الحرب بدأت الآن وأن ما جرى في السنوات الماضية لم يكن سوى بروفات (السبت 7 نوفمبر 2009م)، حيث تعزز ذلك الجدل من خلال طبيعة التفسيرات التي كانت تطرح هنا وهناك.

ومع تواصل المعارك الحربية الشرسة بين الجيش السعودي والحوثيين، وجدت المملكة نفسها غارقة في مستنقع جديد، وأخذ الإعلام السعودي يشير بشكل واضح إلى وجود تآمر يمني رسمي، فالمكر الصنعاني الذي تحدث عنه عبدالرحمن الراشد في صحيفة الشرق الأوسط مثلاً، كان أخف لهجة من الاتهام الصريح الذي ورد في صحيفة الوطن السعودية تحت عنوان: هل في الحكومة اليمنية من يعمل ضدنا؟

ونظر الكثيرون إلى أن تنامي مثل هذه المشاعر في أوساط النخبة السعودية ستؤدي إلى مزيد من السخط الرسمي، وبالتالي التفكير باتخاذ مواقف انتقامية مضادة.

وطوال فترة الحرب السادسة كان من اللافت للانتباه صلابة التواجد الحوثي في جبهة حرف سفيان وعدم تأثره بما يجري في مختلف الجبهات الأخرى، حيث ركز السعوديون في ضرباتهم على تأمين الشريط الحدودي.. وظهر أن كلاً من الجيش اليمني والجيش السعودي ظلا يتحاشيا ضرب بعض مواقع تواجد الحوثي الرئيسية كما هو الحال بالنسبة لمنطقة النقعة مثلاً.

وبدا أن الرياض أخذت تلعب بنفس ورقة صنعاء، فاستمرار الحرب لا يمنع من إجراء اتصالات واتفاقات مع الحوثيين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال الوسطاء. واستمرار الحرب لا يمنع من التغاضي عن إبقاء جبهات معينة تظل شوكة خانقة للطرف الآخر وتكون قابلة للاستخدام كورقة ضغط في أوقات تالية. وهكذا، ما إن تم الإعلان عن وقف الحرب السادسة (11 فبراير 2010م) حتى بدأت حرب أخرى أخذت في شكلها الظاهري طابع الصراعات الثأرية وفي مقاصدها الرئيسية تصفية حلفاء السلطة وخلخلة ركائزها القبلية.

فالرياض تعي أن أطراف الصراع في حرب صعدة بمختلف تشكيلاتهم الرسمية والقبلية والمذهبية، هم حلفاؤها التاريخيون منذ عام 1934م وحتى الآن، وهم الذين ينعمون بخيراتها حتى في لحظات وقوفهم وتحالفهم ضدها، وبالتالي فإنها لن تعدم الحيلة من أجل إعادة التحريك ورسم التموضع في الأوقات الضرورية بالنسبة لها.

الدوحة والرياض في حرف سفيان

وفي ضوء ما جرى من تطورات خلال الأشهر اللاحقة لوقف الحرب السادسة شعرت صنعاء بحجم الضغط الجديد الذي أخذت تمارسه الرياض على مستوى الميدان، بما في ذلك تحجيم الدعم الذي يعتبر هماً أساسياً بالنسبة لرموز السلطة ومراكز اتخاذ القرار في اليمن..

ولذلك برز التوجه نحو تعزيز العلاقة مع دولة قطر، كمحاولة للخروج من المأزق، واستخدام اتفاق الدوحة كورقة للمساومة.. وهنا جاءت زيارة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر إلى صنعاء (13/7/2010م) لتؤكد أن قطر مستعدة للعب دور جديد، ولكن ليس بالصورة التي تريدها صنعاء، فالتصريحات الصحفية التي أدلى بها الشيخ حمد في ذلك اليوم كانت تحمل في مجملها رسالة واضحة تقول لصنعاء إننا مستعدون لإعادة العمل باتفاقية الدوحة والقيام بدور إيجابي في هذا الإطار، لكن مشاكلكم لم تعد محصورة في موضوع صعدة فقط، وهناك قضايا أخرى يجب أن تأخذ حقها من الاهتمام.

ثم جاءت زيارة أمير دولة قطر إلى الرياض مباشرة لتقول لصنعاء أيضا، إن الدوحة مستعدة لأن تقوم بمساعي خيرّة وأن تكون وسيطاً محلياً أو إقليمياً في خدمة الأشقاء، ولكنها ليست مستعدة لأن تستخدم كرتا مؤقتا وورقة للابتزاز متى ما يريد الآخرون، فالسياسة بقدر ما هي وسيلة لتحقيق مصالح آنية فهي تقوم على أسُس واستراتيجيات وأبعاد أوسع من الرؤى والأهداف الضيقة التي يسعى البعض إلى تحقيقها في لحظات الشدة.

وفي الوقت الذي بدأ يتسع فيه الحديث عن عودة اتفاقية الدوحة وعن احتمال قيام طرفي الصراع بإرسال وفديهما للتباحث حول آليات التنفيذ، في هذا الوقت تواصلت عملية التصفيات الانتقامية وتمشيط الحلفاء بصورة أكثر شراسة، حيث ظهرت منطقة حرف سفيان وكأنها بوابة حرب التناقضات ومن خلالها برز الرد سريعاً على موضوع محاولة النظام التوجه نحو قطر لإعادة العمل باتفاقية الدوحة من جديد، فجاء سقوط معسكري الزعلاء واللبداء وخروج الشيخ صغير عزيز من العمشية (يوم الاثنين 26 يوليو2010م) بعد أسبوعين فقط من زيارة أمير دولة قطر لليمن.

وفي هذا السياق ربما أرادت الرياض من مجمل التطورات التي حدثت في حرف سفيان، توجيه رسائل عدة إلى القيادة اليمنية، أهمها: التأكيد بأنها قادرة على خلط الأوراق وإعادة تحريك مسار التموضعات، واستخدام نفس الأساليب التي يستخدمها النظام في توظيف التناقضات، وإلا فماذا يعني تخلي قبائل سفيان عن الشيخ صغير بن عزيز من الناحية الاجتماعية التي تربطهم به (قبيلة بكيل)؟ وماذا يعني تخلي أولاد الشيخ عبدالله عن الشيخ بن عزيز من ناحية التحالف السياسي الذي يربطه بهم؟ ثم ماذا يعني تحالف أولاد الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر مع الحوثي ضد بن عزيز في موضوع يعتبر بالنسبة لهم خطاءً استراتيجياً؟ وكيف تحول قائد الجيش الشعبي القبلي الذي أنشأته السلطة لمحاربة الحوثيين، إلى وسيط بين الحوثيين والسلطة نفسها؟

أما الرسالة الثانية التي ربما أرادت الرياض توجيهها أيضاً، فهي أن ما حدث في جبل دخان لن يُنسى، وأنه بقدر ما لدى النظام من ثغرات فإن لديها الكثير من الأدوات، وكأنها أرادت هنا التذكير بما سبق أن تحدث عنه السعوديون خلال الحرب السادسة، أن مواجهاتهم مع الحوثي لا تعني نهاية المطاف، لأن صعدة تظل في كل الأحوال أقرب إلى صنعاء منها إلى الرياض. وسواء قُصد بذلك قرب صعدة الجغرافي أم قرب الحوثيين المذهبي والاجتماعي، فلا شك أن التطورات التي حدثت قد كشفت بوضوح حجم الاختلالات التي تعاني منها علاقات البلدين، وضحالة ما يطرح من عبارات وخطابات تجميلية وديكورية هنا وهناك، وبالتالي عدم قدرة طرفي الحكم الانتقال بهذه العلاقات إلى مستويات متقدمة تحظى بالقبول والرضا الشعبي. فالمملكة منذ اعترافها بالنظام الجمهوري ( يوليو 1970م) لم تستطع تجاوز الموروث التاريخي، وظلت تكرس نفس الأخطاء في علاقاتها مع اليمنيين، وبقيت السياسات التي اتبعتها قبل قيام الوحدة، هي نفس السياسات التي اتبعتها بعد قيام الوحدة مثلاً.

ورغم ضخامة المنعطفات والأحداث التي هزت المنطقة خلال الأربعين سنة الماضية، فقد تجاهلت المملكة أهمية التركيز على مختلف المكونات والأنساق الاجتماعية، وتعزيز عوامل الانسجام والتكامل، بما يخدم حاضر ومستقبل شعوب منطقة الجزيرة العربية والخليج بشكل عام. ولذلك من الطبيعي أن يجد الجميع أنفسهم اليوم أمام حقائق مؤلمة ومقلقة في نفس الوقت، لأن ازدواجية المعايير التي ظلت متبعة وانعدام الشفافية والوضوح في مسار العلاقات لم تؤد إلى نتائج إيجابية، بقدر ما عملت على بناء الحواجز النفسية وزرع العراقيل والعقبات، وتحويل إمكانيات وفرص التوافق إلى ثغرات خلاف وبؤر صراع.