مدنية الدولة: رجاءً أوقفوا الحفلات التنكرية
بقلم/ عبدالله عبدالكريم فارس
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 26 يوماً
الإثنين 30 يناير-كانون الثاني 2012 04:07 م

abdulla@faris.com

سأبادر للقول بلا تردد: "لم يعد لدينا ما نفقده، غير يأسنا وبؤسنا ومذلتنا وهواننا على الناس ".

" الدولة المدنية الصرفة" بحاجة إلى وقفة تاريخية، لأنها ضرورة وجودية من أجل وطن من نوع جديد، وللبدء في بناء بلد ينطلق من رؤية حضارية بمشروع نهضة واسع النطاق. وكذلك لإستـنبات مجتمعاً جديداً نضراً وطرياً، وسط قلب المجتمع القديم، يحوّل حراك الشعب من ظاهرات صوتية تعج بالشكوى وحبيسة ثقوب الماضي السوداء، إلى مشاريع تنموية هائلة .

فبجانب أن "المدنية" نبراس أمل لليمن، ومفتاح إستئنافه للحياة كعضو طبيعي بين أمم الأرض، فهي أيضاً عنوان المواطنة الحاضنة لملايين اليمنيين، ونهاية النفق للمؤمنين بحتمية الخروج من شرنقة التخلف وتمكين هذه البلدة الطيبة التي تختزن طاقة حيوية هائلة، ومخزون بشري مبدع ومنتج. ومن أجل إعدادها جيداً لتكون قاعدة إنطلاق صلبة لأبناءها الواثقين من قدراتهم، والتواقين لدخول حلبة السباق لصناعة موعد اليمن الجديد مع القدر .

- كما أنها الضمان الوحيد لإنجاز الوحدة الوطنية والهوية اليمنية الواحدة .

وحتى لا يُفهم قصدنا خطأ، نؤكد أنه لا تعنينا المصطلحات، فالعلمانية والليبرالية، ليسوا موضوعنا وليستا عقائد، وليذهبا إلى الجحيم لأننا لانميل إلى تقليد أي منهما، ونتحيز بفخر وإعتزاز ليمنيـتنا وعروبتنا وإسلامنا، لكننا في المقابل لانرى في الخوض بإسم الدين في تشكيل المستقبل اليمني إلاّ تنكباً للطريق وخروجاً عن جادة الصواب .

إذ أن المشكلة اليمنية اليوم سياسية وإقتصادية، وطرق حلحلتهما دنيوية، وليس سهلاً على البادئين في عصر العمالقة، دخول مهنة صناعة الحضارة والنهضة من باب الفتاوى وصناعة الأحاديث، وإقحام "حفظة تراث التدوين" فيما هم ليسوا أهلاً له ولا صلة لهم به. وتعليق "الدين" من عرقوبة في سوق النخاسة، إنما هو بمثابة إنزال "المقدس" موطن "المدنس"، كما أشار إليه قلم السالمي ذات مرة .

في الواقع يكفينا ما يجرى في السودان إلى درجة تفكيكه. ويكفينا وزيادة الموت الصومالي، وتطويف العراق، ومصير الإفغان على يد طالبان، وإنحدار مستوى الأصوليين في ليبيا، وثارات الحسين في كربلاء صعدة، والإنتقام من الغزو السوفيتي في أبين، ومقارعة أمريكا في رداع. وهو المنوال والمصير الذي سيواجه اليمن - أرض المدد - بلا شك في ظل إتجاهات تبني أحكامها على المزاج، والفرضيات الغيبـية، والتحيز لفكر ماضوي تائه، لا إلى التحليل العلمي الدقيق المستند إلى صلب الواقع، ولا إلى المعطيات الكونية التي تتغير بين دقيقة وأخرى .

كما أن الأصوليات الدينية ليست طارئة على اليمن، فنحن لتوّنا في زمن الثورة الأولى من ستينيات القرن العشرين، وفي لحظة من اليأس الفائض، قاتل جيل الآباء بروح إستشهادية عالية، وهم حفاة عراة، ملاحم بطولية إستـثنائية دفاعاً عن اليوم وجيل اليوم، حتى أخرجونا من أكفانها بعد مائة والف سنين عجاف من سيادة أئمة البؤس واليأس، وسجون العيش في حظائر تشبه الموت تماماً، تحت حكم ديني مقيت، والذي لم تبرح آثار جروحه المتقيحة جسد اليمن بعد .

فالمجاهدون الآباء، إنماّ عملوا كل ذلك حتى لا يتعرض لسعير نارها فلذات أكبادهم مرة أخرى، الذين هم نحن وأطفالنا، حتى يرث الله الأرض ومن عليها. - وعلينا عدم خذلان نضالهم وتضحياتهم الجسام .

لا أخفي حقيقة أن عندي قدر كبير من التحفّظ حيال الإرتماء في أحضان "دولة مدنية" هلامية بلا معايير ولاشخصية واضحة تجبل البشرية على إحترام مبادئها وإجلال مؤسيسها. وحتى نتجنب حساسية البعض تجاه إستخدام تعبير "العلمانية"، فإماّ ان تكون "دولة مدنية صرفة" كغيرها من الدول الصاعدة، بدستور يبدأ بالتأكيد على "سعادة وحرية وكرامة" الإنسان، دون إستثناءات ولا مواربة أو لف ودوران، أو إعمال نص الآية: "أدعوهم لآباءهم هو أقسط عند الله"، أي تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، "دويلة دينية"، "دويلة مؤتمرية"، "جمهوصعلكية صالحية"، إلخ… على الأقل من باب الحياء والخجل من جرأة أغلب الأحزاب الإشتراكية المنقرضة، والتي كانت لا تتخذ من "التقية" أسلوباً، فكانت تنسب الأوطان، أرضاً وشعباً، دون خوف أو وجل إلى قائمة أصول الحزب وممتلكات قيادات مكتبه السياسي !

وإذا كان من اهم اهداف "الدولة المدنية" هو إنهاء ظاهرة تدخل الجيش في الشأن السياسي وحياديته، بإعتباره مؤسسة سيادية طبقاً للعقد الإجتماعي الدستوري، بحكم أنه جيش كل الوطن. فإن من الأولوية بمكان إسقاط نفس المطلب على الجانب الروحي أيضاً .

فكما نطالب بحيادية الجيش، ونسعى لبقاءه جيش دفاع محترف دون ولاءات، فإن حشر الدين وبلبلات المذاهب في الأمور السياسية أمر مرفوض قطعياً، لأنه دين كل الشعب ويجب أن يظل دون ولاءات لغير الله تعالى .

ومن حق كل أتباعه بكل فئاتهم وإنتماءاتهم الدفاع عنه، والغيرة عليه، ورفعه إلى مكانته الروحية السامية التي تليق به، والتأكيد على الحق المشروع المشترك للجميع والغير قابل للتصرف في ردع أولئك الذين يوردونه غير موارده، وحق كل مسلم في منع الأصولية السياسية من إختطافه، والإستئثار به، والتدليس من خلاله، وإستغلاله من قبل الذين يكرسون تلك الصورة النمطية المشوهة عن إرتهان الدين الإسلامي الحنيف للمذهبية، وللتعصب، وللغلو، وللعنصرية، وللإرهاب الفكري والسياسي .

من الفطنة ومن ابجديات البقاء - نقيض الإندثار - الوقوف بحزم في وجه الأصوليات المتسربلة "بعباءة الدين" عند كل منعطف يحاولون من خلاله التسلل المريب إلى دوائر "الإمارة" مرّة أخرى، قبل إعلان توبتهم وبراءتهم من التشوية والإساءات المتعمدة والمتكررة بحق الإسلام، ديننا العظيم، وعقيدة الشعب اليمني بأكمله .

كل "حفلة تنكرية" مشبوهة لهم وهم يرتدون أقنعة دين زائفة، يجب أن تدق في وعينا ناقوس خطر صارخ، يوقظ الحواس ويذكى الهمم ويطلق إنتفاضات الروح. ـ وهو وعي موجود بطفرة كافية، وقواه في طريقها لإعادة التشكل والتنظيم والإكتمال، لكن للأسف لم تتوافر بين فئاته حتى اللحظة الأصوات المسموعة والحضور اللاّزم بدرجة متكافئة بعد، بإستثناء قلة من الشجعان الذين لايخشون في الله لومة لائم .

فالأصولية الدينية قادرة على أن تحول المجتمعات إلى غبار بشري. فما ظهرت الأصولية وتدخل رجال الدين والكهنوت في امور "دنيوية"، وفي امور السياسة، وفي الإدارة، وبحشر التقويلات المفبركة في رحم الأنظمة والقوانين، إلاّ واصبحت في عداد ظاهرة تدخل "العسكر" في شؤون الدولة والمجتمع، من خلال إنحيازهم لفريق سياسي ضد آخر، أو التدخل في العملية الإنتخابية على السلطة، من حيث فرضهم لحكومات بعينها أو إسقاطها .

- الثيوقراطية الدينية، كما العسكرتاريا، بل أسواء منها، ملطخة بالدماء وكوارث التاريخ، ما وطئت اقدامها في أرض إلاّ وأنتجت خلاء وحشي مسكون ببؤر التطرف والتناحر، وشواهدها عبارة عن قبور لا تروي شيئاً غير آثار الجيف ونثار البطون المبقورة، بعد إفتراس أعناق الجياع وإمتصاص نخاعهم وتجفيف ينابيعهم، فتـتقهقر الشعوب المنكوبه بها وتنكمش نحو التلاشي، ... وما أن يتم نبذ تلك الآفتين حتى تنطلق الأمم وتنهض نهوض العمالقة .

-وما يُعنينا هنا هو فضح ذلك النوع من الحفلات التنكرية، ومن هذا المنطلق لا بد أن نضع الحقيقة المجردة أمام أبناء شعبنا وأمتنا :

إن ثورة، أو إنتفاضة، أو حراكاً شعبياً في أي بلد لن تجدي، في حين أنه لا يضع الحريات العامة وحقوق الفرد في قمّة أولوياته، ولا يفصل بين عقيدة المواطن وإدارة الدولة، لا يمكن له إلاّ أن ينحرف، ويسرقه الانتهازيون. وسوف لا يلبث شعبه أن يكتشف بأنه حمل إلى الحكم "طغاة" جدد يعيدون إنتاج نفس الخطاب التضليلي .

فيجد بعد فوات الأوان بلداً منهوباً، مأجوراً، مُفسَداً. وبأثر رجعي، مجر إستنساخ للسودان الإسلاموي الأكثر إنكساراً وبؤساً وتشطراً بين الدول، بإعتراف الذين يحكموه، أو عراقاً مذهبياً آخراً، ينافس الأمم على الأولوية من حيث الترتيب في الفساد عالمياً .

ولإن كان لإفتئات الشيخ الزنداني على الدين والسياسة معاً من خلال التصريح الذي أستفرغة في وجوهنا، ومجمله أن: من يريد دولة مدنية فعليه "مراجعة دينه"...!، وردود الأفعال التي أثارها، ثم المقال الذي تلاه بعنوان "الدولة المدنية والإسلامية.. جدل مُفتعل"، بقلم نجل الشيخ الزنداني "عمر"، فإن البعض اعتبر مقال الزنداني الإبن تدليساً لصرف الأنظار عن تصريحات الزنداني الأب. فيما كنت أنا ولا ازال ممن استحسنوا طرحه واعجبت به، بل وتساءلت عماّ إذا كان بإيعاز أبوي أو تنظيمي لإصلاح الضرر، أم من منطلق فكره المستقل؟

- بيد أن آخرين تمنوا على الشيخ العمل بنصيحة شخصه أولاً، وبمراجعة دينه هو قبل الآخرين !… لأن ماتقوّل به، لا يمت بصلة لإسلام الفطرة المعروف عند كثير من الثوار وغالبية الشعب اليمني المسلم .

أنا شخصياً لم أصدق بعد "فرية" قبول الأصوليات والحزبية المؤدلجة بـ "مدنية الدولة الجديدة"، ولم اشم من خلفها سوى رائحة نتـنة تنزل الدين غير منازله. ولا يمكن لعاقل تجاهل أدبيات الإسفاف الذي يمعن فيه البعض بإقحام الدين في مسارات سياسية ترتبط بسجالات بشرية وتدافعات دنيوية، حدّ تولي كبرائهم إضفاء صبغة القداسة الدينية على أسلمة نظام الحكم، والتبشير بأنها سوف تفضي إلى خلافة إسلامية كبرى، رغم أنها حلم بعيد المنال وقيامها مرهون أولاً بوحدة إندماجية بين "الإصلاح والحوثيين، وشيعة قم مع وهابية القصيم، وتنظيم القاعدة مع البهائية "!

ومهما كانت إغراءات أصحاب "الهلوسة"، فلا يجوز مطلقاً أن يتم تطبيق تلك الباقة من النظريات المهجوسة بالخرافات المجحفة على حساب الشعب اليمني، وتحويله إلى حقل تجارب، كالفئران والخنازير، خاصة وان وحدته الحالية بحد ذاتها مهددة بالإنقسام والتشطر نتيجة ماض أليم ساهم أساطين الأصولية المحلية في تمزيق نسيجها، ولايزالون في الواقع يؤرقون سلامة البلاد العقلية .

يستفسر اليمنيون: أي دين تحدث عنه الشيخ. وواحدة من دواعي التساؤل أيضاً هو: لماذا ذلك الإصرار العجيب على جعل العصمة والحل والعقد بيد فقهاء الدين، وهو منحى يجعل المكونات الأخرى تشعر بالريبة فتتجه نحو التمترس خلف الإحتفاظ بخيوط اللعبة السلطوية، فتذهب ريح الدولة المدنية المنشودة وتصير إلى الفشل قبل أن ترى النور .

وماضاعف من جريرة المتأسلمين ودفعنا للإنتباه والحذر هو، لماذا بلع الشيخ لسانه بعد لغطه المثير للجدل؟ هل تغير الرجل، أم فكر الجماعة هو الذي تغير؟ وهل لا يزال عند إصراره المناهض لروح الإسلام العظيم، بإستماتته في سبيل "أسلمة" العنصرية المقيتة وجعل العنصرية من الثوابت الإسلامية التي تؤسس على الفوارق بين البشر على أساس العقيدة، في حين أن كل أتباع الديانات السماوية مسلمون، وغبن تحامله بناءً على جندر المرء، رغم أن التكريم السماوي للإنسان كان مطلقاً، ومن يخالف هاتين اللاّزمتين، فعليه "مراجعة دينه"، أو اللجوء إلى أقرب مصحة عقلية !

هل هناك تراجع عقلاني لدى القوم، أم أن المسألة لاتعدو مسألة توقيت، ليس إلاّ؟، وماهي حيثيات إلالتفاف الحزبي على ذلك التصريح دون إعتذار أو توضيح؟ وماهو سبب إنقلاب أدبيات التنظيم عبر أدوات إعلامه الموجهة صوب الرأي العام لإعادة تدوير كلمة "المدنية" الفضفاضة؟

-أسئلة كثيرة لا نجد لنشوءها مبررات أصلاً، ولا هم يمتلكون إجابات عليها. والإعتقاد الأكثر ترجيحاً، هو أن كل التموضعات مسـيّسة بالغالب من باب التقية، أو بالدارجة "التمسكن حتى التمكن"، بإعتبار قبول عنوان "الدولة المدنية" دون الجوهر، يعني بالتلبيس ضمنياً "دولة دينية مشرعنة ".

لذا فإن الإنصاف يقتضي تعرية مسلكهم، إذ أن المسافة بين الأولى "المدنية"، والأخرى "الكهنوتية" توازي بُعد المشرق عن المغرب. بما يعني أن طرحهم المستحدث ليس سوى تدليساً مقصوداً، وليس عن جهل. فيصبح من الموضوعية، ومن باب لزوم ما يلزم، واجب التعريج في المجمل على غواية تظاهر الأصوليون على أنهم مع "الدولة المدنية"، وهم ليسوا كذلك .

-نحن نثق بأن شعب اليمن لن يتوه وراء مضلليه، وسيعلي من حقه في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة، وأن ثوراته ودولته المدنية وعروبته وإيمانه سيبقين في ضميره وفي وعيه وفي سويداء قلبه .

وهو وقد أصبح شبابه على قدر عالي من الثقافة والوعي، صار يعي غرائب ما يسوقه تجار التراث الفقهي والأصوليون من أمور الدنيا والدين، كذلك الإعتراض المضحك والمثير للدهشة حول تغيير يوم الراحة مؤخراً من الخميس إلى السبت من أجل أن يتسنى للحكومة والقطاع الخاص والبنوك العمل في إطار عالمي وبالذات ضمن المعاملات الخارجية والدبلوماسية مع الجهات الدولية. ولا غرابة في ذلك، فمواقفهم كلها تنزل من قدر عقيدته الإسلامية ولا تعليها، واطروحاتهم أقرب للهشاشة منها إلى الصلابة، وأقرب إلى الوهم منها إلى الواقع، واقرب إلى السراب منها إلى الحقيقة. كما أن إشعال الحرائق الوهمية، وافتعال المعارك الخيالية هي صناعتهم المميزة… وهي ذات الأدوات التي ستصيبهم في مقتل عند إنقشاع الضبابية التي تحجب رؤية الإسلام الحقيقي .

مما دفع الكاتبة "هناء الحارثي" الى الإستغراب من موقف "كهنة المعبد" الذين أوجدوا مبرراً فقهياً هو "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" لقبولهم قانون يمنح حصانة للقتلة !، لكنهم خاضوا في سفاسف الأمور ولم يقبلوا بتغيير يوم الراحة الأسبوعي، بحجة أن السبت هو عطلة من هم على ديانة سيدنا موسى ولا يجوز إتباع اليهود ولا النصارى، وكأن يوم الخميس «المبارك» أهم من تلك الدماء البريئة. ولأنه ليس هناك مانع شرعي من اختيار أي يوم للراحة الأسبوعية، طالما ويوم الجمعة مازال هو يوم العطلة الرسمية ومكانته محفوظة، فأضافت: "أقول لناقصي العقول يا من اعترضتم على تغيير يوم الراحة إلى يوم السبت، أقول لكم أنه ليس للخميس حرمة ولم تتنزل بحرمته آية ولا حديث لمباركته وأن جميع الأيام هي أيام الله ".

الأصوليون مردوا على الجدال العقيم، فهم يقولون بغير برهان ملموس ويعارضون بغير إثبات محسوس. وللأسف فإن بضاعتهم الوحيدة هي توزيع فوائض الفتاوى وصناعة منكر الأحاديث، والإتكاء على تقولات ركيكة للسلف الصالح منهم والطالح على حد سواء، على ظن أن ذلك يكفي لإغلاق الأفواه .

وذلك هو سبب موقفنا المبدئي والثابت تجاه إفتراءاتهم الممنهجة بإسم الله، ومن إيماننا أيضاً بعدم جدوى دفن الرؤوس في رمال الجهل، وإستمراء الغش والتسيـيس العقائدي الذي يتعرض له المجتمع بشكل عام، والنشء الجديد بشكل خاص. وضروة علاج أمراض مجتمعاتنا وواقعنا بكل علاته ومآسيه. وهو ينبع أيضاً من خشية الإسترسال في التدليس الديني على الناس، حتى لا يأتي فيه يوم تنقلب فيه الأجيال القادمة على الدين الإسلامي الحنيف ذاته، كنتيجة للتوظيف السياسي المقيت للدين من قبل بعض التنظيمات الأصولية والفكرية والإسلاموية الحزبية، وذلك ليس بجديد .

يجب أخذ العبرة التي لسنا بمعزل عنها، وإن أدعينا عكس ذلك، كالإجتياح الإلحادي الذي انتشر في كامل الجسد الأوروبي، كرد فعل في جزء منه على إرث القساوسة ورجال الكهنوت، فأدى إلى تلك الموجة المعروفة التي وصل صداها إلى عقر دار بعض الدول العربية والإسلامية. أي ذلك التمدد الشيوعي الخبيث الذي استقر في شرق قارتها، بعد أن تبنتها أنظمة وقيادات بعض البلدان من أبناء عصرها كعقيدة رسمية، واستمرت إلى أن انهارت المنظومة الإشتراكية ذاتها. ولاتزال سمومها وبعض تداعياتها موجودة حتى اليوم .

وخلاصة القول، علينا أن نشير إلى أن حياتنا كبشر على هذه البسيطة قصيرة جداً، ومن يريد تجريب المجرب مراراً، علّه يصيب هذه المرة، وعملاً بمبدأ "لاضرر ولاضرار"، عليه الإنزواء في جزيرة نائية قبل التلاعب بمصير شعب برمته، والقيام بإنشاء دولته المتخيلة وتجريب "إختباراته التنظيرية والحزبية اللاهوتية" على رعاع رعيته أولاً، شريطة أن يكونوا هناك بعيداً عنا .

فإن أصابت التجربة وصارت تنافس رأساً برأس اليابان وكوريا الجنوبية في معدلات التنمية والتقدم والإختراق التكنولوجي، أستوردناها وأخذنا بها وأقمنا لها المعابد والمعالم والمزارات، وذبحنا لها القرابين وتمسحنا بأهداب كهنتها، أماّ إن ظلت تتخبط في مستنقع الفشل الذريع كسابقاتها، ربطناها ذيلاً بذيل مع عصبة أمم جمهورية صومالي لاند وإمبراطورية طالبان. وحمدنا الله على السلامة، وعلى نعمة العقل !