اليمن ينزلق للفوضى والتشرذم
بقلم/ عبدالوهاب العمراني
نشر منذ: 10 سنوات و شهر
السبت 25 أكتوبر-تشرين الأول 2014 10:19 ص

نحو أربع سنوات والمجتمع اليمني ينزلق لتبعات وإفرازات الربيع العربي فحدة الانقسامات والاستقطاب في النسيج الاجتماعي دفع الى نشوب نمط من النزاعات ذات الطابع الاجتماعي الطائفي والمذهبي ، ورب قائل ان اليمنيون لا يعرفون الطائفية والصراع المذهبي وهذا صحيح بل ولكن في الشهور الأخيرة تجلت في حنق الكثيرون من الحالة المزرية  بسوء الخدمات وانعدام الأمن وهشاشة الدولة ، وهو الامر الذي ساعد على بروز وصعود حركة (أنصار الله) التي استطاعت استقطاب البعض رغم اسلوب العنف الذي تنهجه وشن الحروب المتواصلة من صعده وعمران وإسقاط صنعاء والتوجه لتهامة وأب وتعز وربما غدا محافظات أخرى . الرئيس السابق يمثل لولب الأحدث المأساوية غداة الربيع العربي فلم يكتفي بالحصانة ونهب الأموال ، بل ضل يمثل رقما أساسيا في المشهد اليمني ومتفرغ تماما للتأمر بحيث اصبحت القيادة برأسين ، وفي الوقت الذي نجح في تقسيم المجتمع سياسيا ، فقد تمكن أنصار الله بنهجهم المتطرف وأساليب العنف أن يقسموا المجتمع مذهبيا ومناطقياً ، على النحو الذي سنتناوله في هذه التناولة .

البسطاء من اليمنيون يرجعون أساب الفتوحات المتلاحمة وسقوط المدن تباعاً بأنها معجزة الهية ، وكأن قائد المسيرة القرآنية هو المنقذ لهذه الأمة والمهدي المنتظر والذي سيعم الارض عدلا بعد ان ملئت جوراً !

والحال انه وقياسا للمنطق بأنه خارج رؤية هذه النظرية البسيطة لما جرى ويجري فالشعب اليمني لاشك قد تجرع الأمرين من فساد الحكومات المتعاقبة وما فشل آخر حكومة مقالة إلا نتاج فساد متراكم لعقود مضت قد لا يصلحه العطار بهذه السهولة ، وهو الأمر الذي جعل الكثيرون من محافظات شمال الشمال يرحبون بأي رؤية مغايرة ، الأمر الاخر بأن اجتياح صنعاء لايعكس بأي حال قوتهم ولا حتى صواب رؤيتهم فكل الأحزاب والحركات على مدى التاريخ تحمل مبادئ معلنة براقة وتأتي غالبيتها بحلول نظريا لا تمت للواقع بصلة ، وقد استغل هؤلاء ضعف الدولة وتصارع أركانها والأحقاد الشخصية للاعبين الأساسيين الذي كانوا متحالفين بالأمس ومختلفين اليوم ، والعكس صحيح فأنصار الله قفزوا لواجهة الأحداث بمساعدة ابرز خصومهم ومن قتل قائدهم لكن السياسية تتغلب على العقيدة والايدولوجيا ، وكان بعض الساذجين وأنا منهم يعتقد بأنهم بأنهم يستهلون انتقامهم برأس زعيم الفساد ، والا فماذا يعني بقاء الرئيس السابق في صدارة الأحداث بل وحمايته ، وهذا مايؤكد بما لايدع للشك بأنه أمر قد رتب بليل وليس مصادفة ، ، فقد تواردت الإنباء عن الاتصالات السرية بين صنعاء وطهران وأفرزت الزيارات المكوكية على إعطاء أنصار الله الضوء الأخضر لدخول صنعاء لتوجيه ضربات قاضية لحزب الإصلاح بل وجره الى حرب اهليه وهذه كانت خطة بعض مراكز القوى في الداخل مطبخ الرئيس صالح مع بعض بلدان مجلس التعاون الخليجي ولكن الإصلاح أدرك هذه الخطة وانسحب بهدوء بغض النظر عن صحة رؤيته ونهجه إلا انه أدرك مبكرا بأن كل القوى تتربص به في سياق حملة إقليمية ودولية ضد الإخوان في مصر وغيرها ، وهو الأمر الذي أحبط خطتهم ، وبعد بضع أسابيع بدأت مؤشرات مقاومة في أكثر من منطقة في اليمن والغالب ليسوا من الإصلاح ولا القاعدة على الأقل أكثرها وإنما قبائل تلك المناطق ، وإلا لكان خصومهم قاوموهم من أول يوم ، وبغض النظر عن بعض المنابر التي تروج لأنصار الله وتصور الصراع بأنه قاعدة وأخوان من جهة وانصار الله من جهة أخرى ، فالمتابع الفطن وأكثر اليمنيون يدركون حجم المؤامرة التي بدأت شفرتها برفع الدعم عن المشتقات النفطية وبنسبة كبيرة غير ما تم الاتفاق عليها مع المسئول الإقليمي في الشرق الأوسط للبنك الدولي فكان رفع الدعم ذلك بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير كما يقولون ، وكانت الجرعة القاتلة التي ركب أنصار الله موجة هموم الشعب وقد تؤدي لتفكيك اليمن وإدخاله في حرب أهلية بسبب تلك الجرعة !

ومهما يكن من أمر فسوء إدارة الرئيس هادي ، وفشل مساعديه ، سوى بقصد او بدونه فقد خلق مبررا لزحف (الحوثيين ) تجاه العاصمة ، واحتلالهم لمفاصل الدولة بما فيها القوات المسلحة والبنك المركزي والإذاعة والتلفزيون وتحول هادي في بضع ايام من رئيس شرعي إلى موظف لدى أنصار الله ويذكرنا ذلك بالجيش (الانكشاري) في القرن الاخير من عهد الدولة العثمانية حيث كان يتحكم في قرارات السلطان العثماني بل وجعل بعض السلاطين العوبة بيدهم مع الفارق ان هادي اشد وهناً وليس مجال للمقارنة ، بل وتصريحات الرئيس هادي نفسه بأن ما جرى هو مؤامرة وكيف يقر بهذه المؤامرة ويوقع في نفس الوقت اتفاق ( سلم وشراكة ) مع أصحاب الموأمرة ، والذين بعد التوقيع لم نرى سلم ولا شراكة !

وقد اكد ذلك رئيس جهاز الأمن القومي لصحيفة السياسة الكويتية ، عندما كشف خبايا السقوط اللغز ، وبأن كل من في المشهد هم مجرد بيادق في رقعة الشطرنج وعجبي لمن يكابر بأن ماجرى هو ثورة وليس انقلاب على الاتفاقات والتشريعات السابقة وندينهم من أفواههم فالناطق باسم الحوثيين يقول غداة إسقاط صنعاء "إن المبادرة الخليجية ولت إلى غير رجعة" مفتتحا بذلك عصرا جديدا لليمن ذات الذي تحرر من التبعية للرياض وانتقل لزاوية اخرى طهران ودول ( الممانعة) الان انهم يبدو انهم قد انقلبوا على اتفاقيات (ابوظبي) و(مسقط) السرية كما يقول الكاتب اليمني الشهير عارف ابوحاتم فقد رفضوا كل ، الاتفاقيات المبرمة مع اللاعبين السياسيين الكبار في تلك العاصمتين ، حيث كان أحد أهم بنود الاتفاق أن تسلم الحركة كامل السلاح الثقيل لأفراد الحرس الجمهوري المشاركين معها في إسقاط صنعاء، تمهيدا لإعادة العميد أحمد علي عبد الله صالح إلى واجهة المشهد السياسي.

الأمر الآخر فتطور الأحداث في صنعاء قد انعكس على مزاج الحراك الذي كاد او ايقن بمخرجات الحوار على مضض ولكنه عاد للواجهة بعد انقلاب الحوثيين وهاهم قد اعطو سلطات صنعاء مهلة الى أواخر نوفمبر لتقرير المصير وفك الارتباط .. استيلاء أنصار الله على السلطة بقوة السلاح قلب الموازين وقلب الطاولة ومن عليها وفرض امرا واقعا من ضمنها إمكانية فصل الجنوب وإعادة النظر في الفدرالية التي كانت نفسها قد قوبلت بردود افعال غير متحمسة من القوى الرئيسية المؤتمر والحوثيين والحراك .

الرأي العام يفهم ويدرك جيدا تسريبات بعض الابواق حول ماجرى ويجرى ، فالمحافظات الوسطى كانت أمنة قبل ان تهجم عليها جحافل انصار الله ، وتدرك ما تعني كلمة لجان شعبية تفرض عليهم ، فمنطقيا اللجان الشعبية تشكل من أهالي كل منطقة وليس لها حاجة في حال عدم وجود قوات مهاجمة تزحف من صعدة إلى كل المحافظات ، وتوقع هذه الحالة من التشرذم المجتمعي في يمن ما بعد سبتمبر 2014 م لم يكن ضربا من الخيال او المبالغة فطالما حذرت دراسات محايدة منطقية من الوصول لهكذا حالة ، ولم تكن تلك نبوءة ، كما انها ليست قدرا محتوما بقدر ماهي قرأه في سياق متواصل من الفشل افضى في نهاية الأمر الى خاتمة معلومة على النحو الذي نشاهده اليوم ، فقد غدت حقائق وأحداث يومية لوجستياً في أكثر من محافظة في اليمن ابتداء من صعدة مرورا بعمران صنعاء والحديدة وانتهاء بتعز واب ، فالحقيقة الذي يحاول البعض رفضها باتت مجسدة بدرجة كبيرة تفرض نفسها في جغرافيا ما بعد الربيع العربي سواء في اليمن او بلدان عربية اخرى عصفت بها ثورات الربيع العربي .

لامناص من ان المواقف الدولية والإقليمية تجاه ماحدث ويحدث في اليمن يخرج عن سياق المعلن ، فقد غدت اليمن والمنطقة عموما ضمن لعبة الامم وإستراتيجية دولية تتجدد صيغتها وفقا لمتغيرات لوجستية وعمليه على مر الزمن منذ مطلع الستينيات ، وثمة رؤيتان وخطان للسياسة الأمريكية تجاه جنوب الجزيرة العربية الاول هو الاستنزاف للقوى الداخلية والإقليمية وهي الإستراتيجية البديلة لسياسة الاحتواء والية انتهجتها واشنطن تجاه كل من بغداد وطهران بعد الثورة الإيرانية ، وهي سياسة أمريكية اتبعت ربما في أكثر من بؤرة في العالم ، وقد قامت تلك الإستراتيجية على خليط من الاجرأت العسكرية والاقتصادية بهدف انهاك الطرف الآخر لدفعه للاستسلام غير ان هذا النمط قد توارى بعد ان اثبت فشله ولاسيما بعد شن الحرب على العراق وكلف واشنطن الكثير ماديا وبشريا . وهو الأمر الذي دفع الغرب وواشنطن تحدديدا الى اعادة ترتيب النظام الإقليمي من ناحية إعادة ترتيب صياغات كيانات مقسمة أي تقسيم المقسم اصلا وهو الذي بداء اليوم عمليا في أكثر من بؤرة عربية كردستان العراق وبني غازي في ليبيا والفدرالية المقترحة في اليمن والتي رغم إقرارها فأن جميع المتحاورين في الحوار الوطني كانت لهم رؤى مختلفة ويبدو ان الأحداث الأخيرة ستعيد صياغة الرؤية للتقسيم ربما على أساس طائفي بحيث يختزل تقسيم اليمن الى ثلاثة أقسام عوضا عن ستة أقاليم ، اقليم يضم المحافظات الزيدية مع ساحل البحر الأحمر وآخر يضم المحافظات الوسطى والجنوبية وثالث حضرموت ، وهذا ليس ضربا من الخيال بل ان محددات الواقع وما يجري على الارض تشير إلى ذلك فلوجستيا يتجه أنصار الله لتحقيق ذلك لإثارة أحلام الحراك الجنوبي مجددا لتقرير المصير خلافا للتصريحات المعلنة لأنصار الله التي تشير إلى عكس ذلك.