العلاقة بين التحالف و«الشرعية»
بقلم/ مصطفى أحمد النعمان
نشر منذ: 6 سنوات و 9 أشهر و 20 يوماً
الأحد 04 فبراير-شباط 2018 10:10 ص
 

تكون العلاقات السياسية متعددة الأطراف محددة الأهداف والالتزامات بحيث لا ترتبك المسارات وتشتبك المصالح وتتضارب الرؤى، كما أن هذه العلاقات لا تبنى بحسن النوايا، فالدول ليست جمعيات خيرية للدفاع عن الدول الفاشلة والمسـؤولين فيها من أصحاب الاحتياجات الخاصة، وليست صناديق لتوزيع الأموال والهبات إلا في حدود ما سيعود عليها لتأمين مصالحها المشتركة والدفاع عنها وضمان أمنها واستقرار بلدانها، ولا تنحصر في ودائع مالية هي في الواقع قروض لا هبات، كما أنها ليست خالية من الحقوق والواجبات، أي أنها ليست مجرد حساب مفتوح الرصيد.

كانت الأحداث التي شهدتها مدينة عدن خلال الأيام الماضية نتيجة لعوامل عدة، منها عدم وضوح العلاقة بين دول التحالف والحكومة الشرعية، فالتدخل العسكري الذي بدأ في ٢٦ مارس ٢٠١٥ جاء بطلب من الرئيس هادي لاستعادة (الشرعية) وواضح أن السرعة التي تمت بها تلبية الطلب حملت رسائل عدة إلى جانب ما تقدم به هادي، وأهمها العامل الإقليمي الذي مثله تهديد إيران المعلن بجعل صنعاء العاصمة الرابعة التي تسقط داخل دائرة نفوذها وسيطرتها، فشكل هاجسا يؤرق المسؤولين في دول المنطقة ومسألة حيوية في منظور صانعي القرار في عواصم دول التحالف لا يمكن التغاضي عنه، وبناء على ذلك قدرت أن الوقت صار هو العامل الأكثر حسما وأن العملية العسكرية لا يمكن تأجيلها، وجاء العمل دون الدخول في تفاصيل تأسيس علاقة واضحة التفاصيل بين دول التحالف و(الشرعية)، ومرد ذلك أن العملية ما كان مقررا لها الاستمرار لفترة طويلة، إذ إنها كانت غير معروفة القوة العسكرية التي تمكن الحوثيون من الاستيلاء عليها وتشكيلها خلال السنوات التي توارت فيها سلطة الدولة وغاب الجميع عن متابعة ما يحدثونه من تغيير في البنية الاجتماعية والقبلية وتجهيزات عسكرية.

خلال السنوات التي سبقت الحرب انشغلت (الشرعية) بأمور عادية وتوزيع المواقع وصارت رهينة رغبات شخصية لا علاقة لها بإعادة ترميم الدولة وبناء المؤسسات، وبعدها - خاصة بعد إخراج ميليشيات الحوثيين من عدن ومحافظات جنوب اليمن - لم تتمكن الحكومة من اكتساب «الحضور» عند المواطنين وبقيت لفترة طويلة تعيش خارج البلاد ما جعلها عرضة لانتقادات قاسية، ولكن أغلب العبء وقع على كاهل التحالف الذي كان يرى بعض اليمنيين بأنه قادر على كبح جماح الحكومة ولا يتعامل كشريك صريح وعضوي في هذه المعركة، وسبب ذلك هو عدم رغبة الرياض وأبو ظبي التصرف كأنهما المسيران لكل ما يمارسه ويفعله ممثلو الشرعية المناط بهم المسؤولية الأخلاقية والوطنية تجاه الناس، وتسبب ذلك بأن صارتا في مرمى النار دون رغبة منهما في الإملاء أو حتى الحديث حول ما يجب على الشركاء التفاهم عليه، والأمثلة لا حصر لها حين تسببت (الشرعية) في إرباك التوجه نحو استقرار الأوضاع الداخلية بتغييرات جذرية في قمة الدولة وتعيينات بلا حصر كانت كلها في نطاق الأقارب وبعض المقربين. وتغاضت العاصمتان عن كل مخاطر الخطوات التي اتخذت دون سابق تفاهم وكانت مربكة ومثار غضب مكتوم ينفجر إعلاميا بين فترة وأخرى، ولم تعالج أياً من آثارها في حينها، فتراكمت الأخطاء وصار الغضب موجها نحو «التحالف» بداية لأهداف حزبية واضحة.

إن أي تحالف متعدد الأطراف يستوجب وجود تواصل سياسي دائم، وأن تكون الاتفاقات واضحة النصوص وأن يتم التشاور في كل القضايا التي تؤثر على سير الأحداث، ومن المهم أن تدرك العاصمتان الأكثر تواجدا في «التحالف» ضرورة الحديث بصوت مرتفع عن أهمية التنسيق في كل الإجراءات التي تتخذها (الشرعية)، وليس في الأمر خروج عن المألوف، ولكن تواصل الصمت والكتمان سيشكل نواة انفجار ستذهب شظاياه في كل اتجاه، كما يجب الانتباه إلى أن ما جرى في عدن والدمار النفسي الذي أحدثته لن تتوقف آثاره هناك، بل ربما تلقي بظلالها على مناطق أخرى، وعلى العاصمتين التعامل بحزم شديد وبسرعة فهما شريكتان وليستا مجرد أدوات بيد فريق بعينه، ولا يجب عليهما القبول بتصويرهما أنهما حليفتان لطرف وأنهما تعملان لصالح فصيل يمني موال لهما ضد آخر، إذ لم يكن ذلك هدف تدخلهما ولا الغاية منه.

ما حدث في عدن درس قاس يجب ألا يتكرر، وملزمٌ من أجل العمل النشط والجاد في المناطق الواقعة خارج سيطرة الحوثيين لتأسيس نموذج نظام حكم يهتم بقضايا الناس وخدماتهم وأعمالهم ليعيد للمواطنين الثقة في (الشرعية) وفي المؤسسات القائمة، وعدم الاكتفاء بالضجيج الإعلامي.

مشاهدة المزيد