أمريكا وإيران ثنائية المُختَلِف/المُؤتَلِف
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 14 سنة و 11 شهراً و 15 يوماً
الخميس 10 ديسمبر-كانون الأول 2009 07:47 م

آية الله نجاد في طهران يتخاطب مع المهدي المنتظر في خلواته التأملية، والقديس بوش الثاني كان يقول إنَّ الله يكلمه، وإن الله أمره بغزو أفغانستان والعراق. لا يفوت آية الله نجاد أن يـُذكـِّر القديس بوش بحجم المساعدة التي قدمتها قوات "نائب الإمام" لقوات "ظل المسيح" في العراق وأفغانستان، تمهيداً لعودة المسيح وتعجيلاً لفرج المهدي.

نجاد مسلم ثوري يمهد لخروج المهدي بمزيد من الرعب والفتن والحروب، وبوش مسيحي محارب يرى أن الفوضى والحرب لازمتان لعودة المسيح. وهما يغوصان في البحر ذاته الذي يمتزج فيه الشعور الديني بالحس القومي، فبوش مثلاً كان غارقاً حتى أذنيه في غيبيات المسيح الذي سيعود ليـُخلص المسيحيين ال خـُ لـَّص (جماعة القديس بوش بالطبع) من شرور العالم (التي تسببوا هم فيها)، وآية الله نجاد غارق حتى مفرق شعر رأسه كذلك في غيبيات المهدي الذي اقترب فرجُهُ حسب أهل الكشف والخلوات في طهران، ليخلص شيعته (جماعة نجاد طبعاً) من عالم ملئ بالفتن (التي أسهم حرس ثورة آيات الله في نشرها).

كان بوش يتحرق شوقاً لعودة المسيح الأمريكي أو للنسخة الأمريكية من المسيح الذي سيهلك أعداء المسيحيين جميعاً (ولسوء حظ العرب فإنهم وفق هذه التصور من أعداء هذا المسيح)، وبالقدر نفسه يتحرق نجاد لخروج المهدي الإيراني أو لنقل لإخراج النسخة الإيرانية من المهدي، الذي سيهلك أعداء الطائفة المنصورة (ولسوء حظ العرب أيضاً أنهم أعداء هذا المهدي في نسخته الإيرانية). 

أحمدي نجاد وبوش إذن يأتلفان إئتلافاً يكاد يصل حدَّ التطابق التام. الرجلان يتحركان بشعور ديني على مسرح ضخم يجلس في كواليسه مخرجون لا علاقة لهم البتة بالسماء وأهلها لكثرة انشغالهم بالأرض وما فيها. مخرجون يعيشون في وهم الأمجاد الامبراطورية التي يسعون لتحقيقها بوسائل أبرزُها-وليس كلـَّها-الوسائلُ الدينية والميتافيزيفية.

أنا أعتقد-ولك الحق أن تخالفني عزيزي القارئ-أن القديس بوش كان لا يختلف عن آية الله نجاد إلا بالقدر الذي يميز الدولة الثيوقراطية المسيحية التي لم يعد لها وجود عن دولة الولي الفقيه الثيوقراطية الموجودة في طهران.

وفوق ذلك فإن تماهي الشخصيتين في الأحداث الدرامية الكبرى التي يشهدها المسرح العالمي يتجلى كذلك في تعامل هذين المُختـَلفـَين/المُؤتـَلفـَين تجاه العالم العربي، فالرجلان يتشابهان في أن كليهما حريص كل الحرص على هذه البقعة الجغرافية من العالم. فقد كانت رسالة بوش تكمن في نشر الديمقراطية وفرضها على البلدان العربية. وهذا يذكرنا برسالة نجاد في تصدير الثورة الخمينية إلى العالم العربي. طبعاً غني عن القول أن بوش يخلو من الأطماع في النفط العراقي خلوَّ نجاد من الأطماع في خيرات أقليم الوسط والجنوب الذي يطالب به في العراق وكلاء الآيات في بغداد، الذين يدعون إلى أن يعوض العراقُ إيرانَ عن حرب السنوات الثمان بين البلدين، بينما يطلبون من العرب التخلي عن مطالبتهم بديونهم المستحقة على العراق.

بوش إذن يحاول أن يحرر العالم العربي من ديكتاتورياته بنشر قيم الحرية والديمقراطية، والهدفُ نفسه يعلنه نجاد الذي يدعو نظامُه إلى تحرير العرب من ملوك الجور الذين توارثوا الظلم من أيام الأمويين والعباسيين.

وجهٌ آخر للتشابه بين "القديس والآية" هو أن الأول جاء إلى العراقيين بقواته خدمة للشعب العراقي، وزايد عليه الثاني بإدخال فِرَق من فيلق القدس لملاحقة أعداء العراقيين من الرموز الفكرية والعلمية في بلاد الرافدين.

والعجيب أن الرجلين يتطابقان في التعامل مع مكونات الطيف السياسي في العراق، فبوش يدعم حكومة المالكي، كما يدعم قوات الصحوات التي لا يبدو أن المالكي يكن لها شيئاً من الود، أما نجاد فإنه كذلك يدعم حكومة المالكي بل ويباركها بما لديه من تعاويذ مهدية، وهو في الوقت نفسه يدعم مقتدى وجيش المهدي وجماعة "المـُمَهـِّدون" وما إلى ذلك من أسماء وألقاب في ذلك العراق الموعود بفيوضات النسخة الأمريكية للمسيح والنسخة الإيرانية من المهدي.

ومن الغرائب أن بوش أيضاً كان يقول أنه لا يتدخل في الشأن العراقي ، وكأن 150 ألف جندي أمريكي يرابطون في شوارع نيويورك وواشنطن، وليسوا يجوسون خلال شوارع بغداد وديالى. لا عجب، فنجاد أيضاً يقول إن إيران ليس لها وجود غير دبلوماسي في العراق، وكأننا سنصدق أن فيلق القدس ينفذ عمليات الاغتيال السياسي والتصفيات الجسدية ضد شعبي غينيا الاستوائية أو ميانمار. ألا يذكرنا ذلك بالتصريح القاطع على الطريقة الإيرانية أن إيران هي الدولة الوحيدة التي لا تتدخل في لبنان، وكأن آية الله نجاد يريدنا أن نصدق أنه لا يعادل دعم إيران لربيبتها في لبنان حسن نصر الله إلا دعمُها للشيخ سعد الحريري. ذكرني ذلك التصريح الطريف ببسمات السفير الإيراني الدافئة التي يوزعها على مسؤولي حكومة صنعاء بينما آثار أنفاس الثعلب الإيراني لا تزال تفوح من جبال صعدة.

وبعد...

هل اقتنعت أيها القارئ أن "الأصولي المهدي" نجاد هو صورة معدلة لـ"الأصولي المسيحي" بوش، ألا ترى كذلك أن النسخة الأمريكية من المسيح الموعود تطابق-إلى حد كبير- النسخة الإيرانية من صاحب السرداب؟

حسناً.. بالنسبة لي إن كنت معي فهذا أمر جيد، وإن لم تكن معي فإنني لن أصنفك ضمن محور الشر ولن أدعي أنك الشيطان الأكبر، بل سأشكرك لتجشمك عناء قراءة هذه الكلمات.

*كاتب يمني مقيم في بريطانيا