المصالح الإقليمية والدولية في لعبة الحرب على القاعدة باليمن
بقلم/ عبدالسلام محمد
نشر منذ: 13 سنة و 11 شهراً و 27 يوماً
الثلاثاء 30 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 06:00 م

تدخل لعبة الحرب على القاعدة في اليمن مرحلة جديدة من مراحل استراتيجيات إقليمية ودولية ترى في هذا البلد المنهار سياسيا واقتصاديا مصالح مستقبلية.

ومنذ رأت إدارة أوباما الديمقراطية أن المصلحة الأمريكية تأجيل التدخل العسكري في اليمن إلى حين تتهيأ الظروف ظهر لاعبون دوليون وإقليميون بأساليب جديدة بعد فشلهم في إقناع واشنطن أن اليمن أصبحت مركزا دوليا للقاعدة ومهددا للأمن العالمي.

فبريطانيا لم يرق لها (الخذلان الأمريكي) خاصة وأنها أعلنت استعداد جيشها للدخول إلى اليمن، أما المملكة العربية السعودية فقد تناست الكادر والمال القادم من السعودية إلى اليمن لتواصل رسائلها الإعلامية التي تعتبر اليمن بيئة حاضنة لتنظيم القاعدة، في حين لا تتذكر جمهورية إيران الإسلامية التنسيق مع الأمريكان في أفغانستان والعراق لتشدد على أن القاعدة ليست سوى لعبة استخباراتية تجيد واشنطن صناعتها لتبرر مطامعها في اليمن .

قاعدة الجزيرة والمصالح السعودية

قبيل ساعات على إعلان السعودية فجأة عن تفكيك شبكة مكونة من 19 خلية والقبض على نحو 150 مشتبها في انتمائهم للقاعدة ، خرج مسئول الاستخبارات السعودي السابق ( تركي الفيصل) ليقول أن هناك اتفاقات بين قبائل يمنية لحماية القاعدة وأن اليمن أصبحت ملاذا آمنا لأعضاء التنظيم.

ورغم أن نحو 80% من المقبوض عليهم سعوديون إلا ان المملكة تصر على ارتباطات غالبية خلايا هذه الشبكة باليمن.

السعودية أكدت في وقت سابق محاصرتها وخنقها للتنظيم خلال الأربعة الأعوام الماضية خاصة وأن آخر عملية محسوسة الخسائر كان الهجوم على موقع أبقيق النفطي في 2006م، وهو ما يعطي مصداقية لمقولة المحللين السعوديين أن بلادهم تمكنت من إحداث اختراق استخباراتي لتنظيم القاعدة بالذات عقب عملية الاندماج بين فرعيها في اليمن والسعودية في 2009م، وهي الخطوة التي أصبحت إثرها اليمن خطرا على الأمن الإقليمي والدولي حسب ما يروج له الإعلام القريب من وجهة النظر الداعمة للتدخل الأمريكي عسكريا في اليمن.

وقد ساعد السعودية أن التنظيم المندمج استوعب كثير من السعوديين وهو ما أعطاها فرصة للاختراق الاستخباراتي الذي بدا واضحا حين كشفت واشنطن أن السعودية هي التي زودتها معلومات أفشلت عمليات الطرود المفخخة في منتصف أكتوبر 2010م .

والملاحظ أن الحضور السعودي داخل تنظيم القاعدة في اليمن بشكل رسمي كان قبيل الاندماج بالتحديد في العام 2008م حينما كان السعودي محمد بن نايف القحطاني مسئولا إعلاميا لتنظيم قاعدة الجهاد في جنوب الجزيرة التي يقودها زعيم قاعدة جزيرة العرب حاليا والسكرتير السابق لأسامة بن لادن ناصر الوحيشي.

أما بعد الاندماج فقد تبوأ السعودي والمعتقل سابقا في جوانتنامو سعيد الشهري نائبا للوحيشي في التنظيم الاقليمي للقاعدة والذي اتخذ اليمن مقرا له، بينما كانت عودة السعودي والمعتقل السابق أيضا في جوانتنامو محمد العوفي من القيادة الميدانية لهذا التنظيم في اليمن وتسليم نفسه إلى الرياض أهم الخطوات التي يعتقد أن أجهزة الأمن السعودية حصلت بموجبها على معلومات دقيقة ، لكن العوفي خرج ليدلي باعترافات مثيرة من بينها أن إيران تقدم تمويلا للقاعدة وأن هناك علاقات مع الحوثيين.

الحوثيون والمصالح الإيرانية

منذ ذلك الوقت أصبحت اليمن ساحة معلنة للمواجهات غير المباشرة بين الرياض وطهران ، فقد تحولت المواجهات بين المتمردين الحوثيين المتهمين بتلقي دعم إيراني في مواجهاتهم مع الحكومة اليمنية إلى عمليات تسلل إلى المملكة وهو ما جعل الأخيرة تدخل على خط المواجهة عسكريا استمرت لعدة أشهر رغم استخدامها مختلف الأسلحة المتطورة ضدهم.

والسعودية رغم إعلانها تفكيك خلايا إرهابية تستهدف أمنها إلا أنها لم تتهم طرف إقليمي كإيران أو جماعة محسوبة عليها كجماعة الحوثي بالوقوف ورائها .

وبالتزامن مع الإعلان السعودي إحباط عمليات لتنظيم القاعدة في الداخل تلقى الحوثيون لأول مرة هجمات انتحارية عبر سيارات مفخخة أودت بحياة ما يقارب من 25 شخصا منهم كانوا في احتفال بمناسبة دينية يقدسها الشيعة تسمى (يوم غدير).

ورغم أن العملية تحمل بصمات تنظيم القاعدة وتتشابه مع مثيلاتها التي نفذتها القاعدة ضد فرق موت الشيعية في العراق إلا أن الحوثيين ذهبوا باتهاماتهم إلى أن إسرائيل وأمريكا وراء تلك العمليات، وهي محاولة من الحوثيين في الحفاظ على التعاطف الشعبي والقبلي الذي كسبوه خلال معاركهم مع النظام طوال الست سنوات الماضية.

كما ان إيران التي ترى في أي مواجهة طائفية مصلحة أمريكية بالأساس وأن دعم الحوثيين للانتقام يسرع بهذه المصلحة دون وصول نصيب لها من الكعكة كما هو الحال في العراق.

إستراتيجية واشنطن وحلفائها

والمعروف أن الولايات المتحدة وحلفائها الأوربيين لم يضعوا جماعة الحوثي على قائمة الإرهاب كما هو الحال بشان تنظيم القاعدة بجميع فروعه ما يعني أن الحالة الأمنية الداخلية لليمن ليست المهم في السياسة الأمريكية بل هي المصالح، وهو ما يوصلنا إلى أن الحوثيين الذين يرفعون شعار (الموت لأمريكا ) لا يشكلون خطرا حقيقيا على المصالح الأمريكية حاليا، فالأمريكيون قد يرون في الحوثيين الشيعة داعما رئيسيا في حال تكرار سيناريو العراق وأفغانستان.

والأمريكيون يستغلون جيدا الأحداث بالذات في قضايا الارهاب كما عبر عن ذلك (تيم واينر) صاحب كتاب (إرث الرماد) الذي سجل اخفاقات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية( سي آي إيه) خلال الـ60 عاما الماضية.

فهذا الكاتب كشف تلاعبا سياسيا بموضوع القاعدة وزعيمها اسامة بن لادن حيث نقل عن مسئولين استخباراتيين سماهم أن هناك أكثر من فرصة كانت لقتل بن لادن لكن المصادر السياسية العليا توقفهم، كما أن ( جورج تينت) رئيس الوكالة آنذاك اعترف أن الوكالة اعتمدت على مصادر مضللة وغير موثوقة في 2003م بشأن أسلحة الدمار الشامل في العراق إرضاء للبيت الأبيض ورئيسه بوش.

ولأن اليمن حسب ويليم إنجدل - مؤلف كتاب (الديمقراطية الاستبدادية في النظام العالمي الجديد) ذات موقع يمثل نقطة اهتمام للمصالح الجيوسياسية للقوى الدولية، فإنه لا يستبعد أن يكون هناك تسابق إقليمي ودولي في السيطرة على بلد يعتبرون نظامه فاشل ومعرض للانهيار.

فاليمن تشرف على باب المندب الذي تقول عنه وكالة معلومات الطاقة الأمريكية إن إغلاقه سيمنع الناقلات النفطية القادمة من الخليج ومن البحر الأحمر والمقدرة بما يقارب ثلاثة ملايين ونصف برميل يوميا من الوصول إلى أوربا والولايات المتحدة الأمريكية وحتى الصين.

ولأن هناك عسكرة للممرات البحرية بحجة مكافحة القرصنة فإن إنجندل يقول أن هناك اهتماما أمريكيا باليمن من خلال شماعة تنظيم القاعدة الضعيفة والواسعة الانتشار كمنظمة إرهابية عالمية خاصة بعد حصول واشنطن على معلومات تفيد أن اليمن لديها من النفط ما يغطي احتياجات العالم لخمسين سنة قادمة.

ولنعرف أكثر حول حقيقة الإرهاب عند الأمريكيين يقول وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول متسائلا» ما هو أعظم تهديد يواجهنا؟ سيقول الناس إنه الارهاب ولكن الارهاب يمكنه قتل احدنا ، أو يدمر مبنى ما لكن لا أحد سوانا يستطيع ان يدمر نظامنا السياسي لذا يجب ان لا نخيف الناس حتى الموت من أجل التصويت أو ننشيء شبكة صناعة الارهاب».

فواشنطن مقتنعة أن للارهاب مسببات أخرى أشارت إليها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين اولبرايت في مذكراتها المعنونة بـ( الجبروت والجبار) عام 2008م حين اعتقدت أن أعضاء تنظيم القاعدة سيتخلون عن الارهاب في حال شعروا أن الديمقراطية مجدية لإحداث التغيير.

كما ان الولايات المتحدة لا تتعامل مع القبائل في اليمن كقبائل باكستنان وأفغانستان المؤدلجة فهي تنزل عند نصيحة سفيرها السابق في صنعاء (أدموند هول) الذي يقول « لا وجود لتبعية عميقة الجذور بين القبائل اليمنية وحركة القاعدة ، إذ تميل القبائل في اليمن أن تكون انتهازية وليست ايدلوجية».

والإستراتيجية الأمريكية لدخول أي بلد يجب أن تسبقها وسائل هي غير موجودة في اليمن الآن، فقد قالت السفير السابق لواشنطن في صنعاء (باربرا بودين) في تقرير أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي في 20 يناير 2010م « في اليمن لا توجد انقسامات أو فوارق عرقية ولغوية كتلك الموجودة في أفغانستان وباكستان، ولا يوجد عنف عشائري كما في الصومال».

وعلى ما يبدو فإن واشنطن وحلفائها أجلوا التدخل العسكري في اليمن إلى وقت يكون أكثر تهيأ وقابلية بعد ان يغرق في صراعات طائفية ومناطقية وعرقية وعشائرية بدت بوادرها من خلال تصوير التمرد الحوثي على أنه صراع شيعي سني والانفصال على أنه صراع مناطقي والتكتلات القبلية على أنه صراع عشائري.

ولأن السعودية وإيران قادرتان على إضعاف التدخل الأمريكي في اليمن من خلال التحكم في كثير من الصراعات الداخلية أقلها إيقاف الدعم المالي لجهات الصراع القبلية والمناطقية والمتمردين والانفصاليين ودعم الديمقراطية والاصلاحات السياسية فإن أي استمرار في تشجيع هذه الصراعات يجعلنا نتيقن أن هاتين الدولتين (إيران والسعودية) داعمتين بشكل مباشر وغير مباشر لاسقاط النظام اليمني او على الأقل متواطئتين تجاه ذلك إيمانا منهما في الحصول على مصالح متنافس عليها جربتاها في العراق سابقا.

* رئيس مركز ابعاد للدراسات

abaadyemen@gmail.com