أرحب بن الدعام .. كرامة اليمني وعنفوان الثائر
بقلم/ عمار التام
نشر منذ: 3 سنوات و 3 أسابيع و يوم واحد
الإثنين 01 نوفمبر-تشرين الثاني 2021 06:46 م
 

" *بين يدي الموضوع*:

اليمن أرض الرسالات والانبياء ومهد الحضارات، لذلك كان اليمنيون في حالة انتظار لبعثة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستجابوا له.

 

 وكان رسولهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي آمنوا به واتبعوه ليس له أبناء في عقيدتهم أبدا.

 

بل جاء برسالة سماوية فهم اليمنيون مضامينها، وحملوا لواءها، فكانوا خير من عبَّر عن روح الإسلام الحضارية لشعوب الأرض رضي الله عنهم اجمعين .

 

وفي ضوء ذلك نستطيع ان نتصور كيف ترجم اليمنيون كل أبعاد حبهم واخلاصهم للدعوة الاسلامية وآمالهم وطموحاتهم الوطنية والقومية التي علقوها عليها تحت قيادة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

 

والتي كانت سنوات خلافتهما بعد الرسول عليه الصلاة والسلام هي بحق العهد الذهبي لا بالنسبة لليمنيين فحسب، بل بالنسبة للتطبيق الحقيقي لجوهر الدعوة الاسلامية ومثلها وأخلاقياتها النقية على النطاق السياسي والاجتماعي والديني الذي كان يطمح إليه اليمنيون.

 

وظل اليمنيون كذلك حتى بعد عودة الارستقراطية التجارية والاقطاعية الاموية نهاية حكم عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبشكل نهائي في عهد معاوية الذي يُعتبر عهده مفترق الطرق بلارجعة.

 

ولكن اليمنيين لم يتراجعوا عن القيام بواجبهم المقدس تجاه الرسالة المحمدية وحملها للعالم حتى بداية النصف الثاني من القرن الثالث الهجري وتجاوز نصابهم خلال حركة الفتوح هذه ثلثا قوام الفاتحين جيشا وأمراء وعلماء مفكرين.

 

وفي المقابل أين كانت البيوت القرشية والعباسية والعلوية والفاطمية خلال تلك القرون من حركة الفتوح، كانوا في حروب وصراعات بينية تنازعا على الحكم بالاعتماد على القرشية والقرابة.

 

 ولويت أعناق النصوص القرآنية وأدرجت نصوص بكتب السنة المطهرة لدعم أحقية كل من حكم منهم بالسلطة التي صادروها على الأمة وحقها في اختيار حكامها بنظرية الملك العضوض.

 

لكن محنة اليمن كانعكاس لذلك الصراع المحموم على أحقية الخلافة يختلف عن بقية بلاد العالم الإسلامي، فما حدث بعام النكبة إن جاز لنا وصفها 284هجرية عندما دخل الرسي يحيى بن الحسين بصحبة أوباش الطبريين والديلم يفوق التصور في حق اليمن واليمنيين.

 

فنظرية حكم البطنين التي افترى بها الرسي على الله وخلقه كانت سببا ودافعا مباشرا في اقتراف خرافة الهاشمية أبشع الجرائم بحق اليمنيين وإلى اليوم.

 

وهذه الكذبة بحد ذاتها من أكبر الظلم الذي قد يقترفه إنسان في حق الله وخلقه "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم".

 

 وبذلك فإن يحيى بن الحسين الرسي ليس سوى دجال سفاح عليه جرمه بحق اليمنيين وجرم ووزر نظرية البطنين بقر الله بطونهم جميعا في جهنم.

 

 جرائم هذه الفكرة اللعينة لازالت غائبة عن عموم الامة في مراحلها التاريخية التي دمرت تطلعات اليمنيين ومحاولة استعادتهم لأمجادهم إلى وقتنا الراهن.

 

تحول الطبريون والديلم ممن قدموا مع الرسي ومئات من بقايا الفرس ناصروا دعوته حين قدم اليمن ، تحولوا جميعهم بقدرة قادر إلى منتسبين لخرافة الهاشمية أو آل البيت زعما.

 وأهدي لهم بعهد السفاح عبدالله بن حمزة مشجرات النسب الهاشمي الرافض للإندماج في المجتمع اليمني أكثر من ألف عام.

 

وبسبب ذلك ظلت عقدة النقص لديهم  تشكل دوافع للانتقام والحقد التاريخي على اليمنيين، إلا من استجاب لأنسانيته منهم وتبرأ من خرافتهم ليصبح مواطنا يمنيا له مال اليمنيين وعليه ماعليهم.

 

ولم يكن من عادات المجتمع اليمني المضياف المتعايش أن ينقب عن الانساب ، أو ينفي نسب مدعى من الوافدين إليه، أو يرفض مواطنة فرد أو مجموعة من الناس استوطنوا اليمن أبدا،بل كان يحتفي بهم ويكرم وفادتهم .

 

 هذه القيمة الإنسانية العظيمة بقدر ماهي ميزة للمجتمع اليمني، بقدر ماكانت ثغرة اجتماعية تسلل من خلالها المنتسبون لخرافة الهاشمية بحقد لاختراق المجتمع والدولة، واعادة تموضعهم وانتاج خرافتهم قبل وبعد كل جولة من جولات الصراع مع اليمنيين.

 

لقد قتلت خرافة الهاشمية ملايين اليمنيين، ودمرت دولتهم الوطنية، وأفشلت محاولات نهضتهم المتكررة طيلة ألف ومائتي عام، كما لم يحدث لأي شعب من شعوب الأرض.

 

أصبحت الخرافة الهاشمية هي لعنة اليمنيين التاريخية التي لن يعودوا كما كانوا أصحابُ حضارةٍ ومجدٍ إلا بطي صفحة هذه الخرافة وللأبد.

 

لقد طال صبر اليمنيين عليها وتسامحهم معها إلى حدٍ يفوق السذاجة، كما يذكر الدكتور الشاعر عبدالكريم العفيري بقوله معلقا على من يقلل من خطرها:

لم يعد لنا كيمنيين قدرة على الصبر على خرافة"البطنين" الهاشمية بعد ألف ومائتي عام،

فهذا نبي الله نوح عليه السلام لم يتحمل أكثر من الف عام، ودعى الله بإهلاك الكفار جميعا وإغراق الارض،"رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا "

"رب لاتذر على ارض اليمن من..............." .

عقدة النقص لدى المنتسبين لخرافة الهاشمية كان دافعا مبدئيا لشن حرب تشويه وشيطنة اليمنيين وخاصة الرموز الذين تبنوا مواجهتهم، وحرصوا على تغييب الذاكرة التاريخية لليمنيين، وحاولوا محو تاريخهم المجيد،ليسهل تطويعهم كخدم وعكف لسلالتهم.

 

وقد حققوا من أهدافهم مستويات متفاوتة على مدار الصراع مع اليمنيين، لكنهم لم يستطيعوا السيطرة الكاملة على اليمن طيلة وجودهم، بل حكموا أجزاء من اليمن كل فترة ولمدة قصيرة يسقطهم اليمنيون حينهاويرجعونهم إلى صعدة.

 وقد حدث ان الضحاك وأرحب بن الدعام بمواكبة حركة علي بن الفضل حرروا صعدة وهدموا بيوت الرسيين وطردوهم من اليمن نهائيا بعد موت الرسي. 

"" *الدعام بن إبراهيم*

يصر منتسبوا خرافة الهاشمية على تمكين رواياتهم التاريخية المكذوبة لقيام كيانهم السلالي عليها بكل مرحلة تاريخية لشرعنة وجودهم من جانب، وفصل اليمنيين عن حقائق التاريخ من جانب آخر، إذ لا يتحقق لهم شيء الا بهذه المنهجية المتبعة لديهم تاريخيا.

 

من أهم المواضيع التي تستهدفها أكاذيبهم التاريخية تشويه وشيطنة الرموز اليمنية ذات النفوذ والتأثير وخاصة تلك التي وقفت أمام مشروعهم المتورد وأطماعهم الظالمة.

 

الدعام بن إبراهيم أبو أرحب زعيم همدان وهو غير الدعام الأصغر جد أرحب مره بن الدعام الذي من أجداده الدعام الاكبر 200م وتنسب إليه قبيلة أرحب.

 

يقول عنه في سبعينات القرن الثالث الهجري موسوعة اليمن الهمداني بالاكليل: 

ابراهيم بن الدعام سيد همدان في عصره والزائد على من تقدمه نجدة وفروسية وجودا وحلما وهو الذي قام على آل يعفر... ".

 

حدث أن ابو يعفر بن محمد بن يعفر لطم الدعام في حادثة مشهورة كما يذكر الهمداني مكملا حديثه عن الدعام بن إبراهيم:.... وهو الذي قام على آل يعفر فاستلب المملكة منهم وملك بلدهم وتأمر بصنعاء وجبيت له اليمن الى ساحل عدن، ولم يطل ذلك وكان مكينا حظيا عند محمد بن يعفر فلما قتله ابنه ابو يعفر ابراهيم بن محمد قدم عليه الدعام معزيا له ومزريا عليه فيما ارتكب من ابيه وعمه فأمر بإيصاله فوجده منشيا فلما كلمه قال وتقابلني بهذا لحقيق ان تلطم فخرج منه الدعام ضغينا وقد احمسه الغضب" الاكليل،،

فخرج الدعام وكاتب همدان'حاشد وبكيل' واستولى على الحكم حتى سواحل عدن وجيبت له زكاة عدن وسبب عدم اطالته في حكم اليمن هو العباسيين الذين كانوا يخافون من صعود القادة اليمنيين كما يبدوا وأرسل الخليفة العباسي شخصا اسمه جفتم من العراق لاستلام ماتحت يد الدعام ورأى الدعام تجنيب اليمن المواجهة مع العباسيين وأبقى همدان تحت حكمه،وكان قتل محمد بن يعفر على يد ولده واستيلاء الدعام بن إبراهيم على اليمن عام 270هجرية.

 

يواصل الهمداني حديثه عن الدعام وبن محمد بن يعفر بعد لطم الدعام:

"....... فلما صحى ابو يعفر خبر بما كان منه فأعتذر اليه وقربه وراسله ولاطفه فقال له الدعام .: لن ترقع كرامة اليوم هوان أمس، ولن تعلق قادمة الخير بذنابي الشر.

دارت السنون وفشل جفتم ومن جاء معه من بغداد في إدارة اليمن واتسع الخلاف بين وزراء بني يعفر أبوالفتوح الخولاني وطريف بن ثابت وميمون بن الحجاج فاستدعى أهالي خيوان الإمام العلوي يحيى بن الحسين الرسي للصلح بينهم عام 281هجرية.

 

ثم بتواطؤ وزيرين منهم دعي الرسي لدخول صنعاء بعد مجيئه صعدة طامعا في جعل اليمن منطلقا لتوليه الخلافة بخلفية نظرية البطنين عام 284هجرية.

 تحالف مع الرسي قبائل من صعدة وحاشد، وعلم الدعام بتحرك الرسي الى صنعاء كما يذكر صاحب كتاب سيرة الرسي وبن عمه،فالتقوا بخمر بعد ارسال الرسي النكف لبعض قبائل حاشد وكانت معركة بينهم لم ينتصر فيها أحد،ثم كان الصلح بينهم بعد معرفة الدعام لدعوة وزراء،بني يعفر للرسي بدخول صنعاء وهو ماسهل له دخولها، وكان من بنود الصلح تسليم اثافت وبيت ذؤد مناطق في مديرية حوث للرسي.

 

حشد الرسي حشود كبيرة من صعدة وحاشد ليهاجم أثافت حين علم ان الدعام خارج إليها وقد تجهز الدعام للخروج البون، ليتمركز الرسي بعدها بغولة عجيب، والدعام بمنطقة'حمده' ثم كانت معركة هُزم فيها الدعام وانسحب فيها إلى ورور.

 

"" *ارحب بن الدعام يقلب الموازين*

بعد المعركة التي هزم فيها الدعام وبدأ النداء للصلح مع الرسي توجه البطل أرحب بن الدعام وبعض المصادر تذكر ان اسمه محمد ولقب بأرحب تيمنا بأرحب بن الدعام الذي تنسب إليه ارحب لكن الهمداني يذكر محمد شخص آخر ويؤكد على إسم أرحب بن الدعام .

 

كان قد جهز أرحب حشود مقاتلة من بني سليمان وهي عزلة من عزل أرحب تسمى اليوم'شعب بني سليمان' وتوجه إلى اثافت بمنطقة حوث فعلم الدعام والده بذلك فتحرك من ورور ليلتحق بولده البطل أرحب الذي رفض الصلح مع الرسي.

 

ذكرنا سابقا المعطيات بعد قتل محمد بن يعفر واستيلاء الدعام على الحكم من صنعاء حتى سواحل عدن وأمر العباسيين بتسليم صنعاء وغيرها لجفتم في ظل بني يعفر ودعوة الوزراء للرسي بدخول صنعاء كل ذلك جعل الدعام يقبل بالصلح مع الرسي.

بعد سنوات من دخول الرسي صنعاء قام وزير اليعفريين بن طريف بالتواصل مع آل الضحاك وغيرهم لقتال الرسي يحيى بن الحسين وكانت معركة بمنطقة'توه' بأرحب استنجد فيها الرسي بالدعام وجاء إليه بعض اصحابه لإقناعه بمناصرة الرسي الذي كان من بين انصاره ابوالعتاهية والي صنعاء لبني يعفر وقد ارسل خمسين فارسا للرسي في معركته مع الدعام عند خروجه للبون وتمركزه بمنطقة'حمده' مديرية عيال سريح حاليا فقال لهم الدعام:

 

أليس من العجب أن أصبحت مسوَّدا'شعار بن العباس' كناية عن معارضتهم له لحكم اليمن وعدم خروجه عليهم،وأصبح أبوالعتاهية مبيَّضا شعار الرسي،'كناية عن كونه تابعا لبني العباس واصبح في صف من تمرد عليهم، كانت هذه المعركة بعام 290هجرية رفض فيها الدعام مناصرة الرسي وهزم الرسي بهذه المعركة بشر هزيمة ومات وقد انحسرت دولته في مدينة صعدة وبعض ضواحيها.

""" *منهجية إمامية متبعة في التشويه*

كان للدعام ولولده أرحب ثقل كبير على قبائل همدان التي كان سيدها وبقية القبائل الاخرى وكان وجوده يشكل قلق للرسي وخرافته الناشئة سواء في حربهم او صلحهم فسعى

لتشويهه حيا، ومن بعده سلالته المزعومة ميتا ففي سيرة الإمام الهادي يحيى بن الحسين، التي رواها ابن عمه علي بن محمد عبيدالله العباسي العلوي، تشويه لليمنيين وزعمائهم، ومن ذلك أنهم حاولوا تشويه الشيخ الدعام بن إبراهيم - وهو زعيم قبيلة همدان ومن أهم الشخصيات اليمنية في حينه التي وقفت ضد يحيى حسين الرسي- ووصفوه ومن معه بأنهم "جُندٌ فسَّاقٌ، يشربون الخمورَ، ويركبون الذكور، ويفجرون بالنسَاء عَلانية..".

وأضاف العلوي أوصافًا مشوهة لقبيلة همدان منها قوله:"إنَّه كان في عَسْكر الدعامِ في "بيت ذؤد" أربعمئة امرأة فاجرة، يظهرون الفجور علانية، لا يَستترون بذلك؛ بل يتحاكمُ العسْكرُ فيهن إلى سَلاطينهم وعُمَّالهم، وكانوا كل عَشية يجتمعون إلى بابِ سُلطانهم الفاسقِ فيلعبنَ بين يديْه، وينشرن شُعورهن، ويُبدين زينتهن، ويُظهرن محاسنَهن، ويلبسنَ أرقَّ ما يقدرنَ عليه من الثياب، ليبْدوَ ما خفي من أبدانِهن، فيأتي العَسكر، فإذا هَوى الرجلُ منهم واحدةً، دفع إليها دراهمَ بحضرةٍ من يحضرُ معهم، فلعلها لا تروح إليه تلك الليلة، فإذا أصْبح أتى إلى السُّلطان، وأعلمَه أن ملعونته لم ترح إليه، وقَدْ أخذتْ دراهمَه، فيأمر سُلطانه عند ذلك بأدبها، وبأن تصيرَ إلى صَاحبِها". (انظر سيرة الإمام الهادي يحيى بن الحسين، رواية: علي بن محمد عبيدالله العباسي العلوي، تحقيق: سهيل زكار، د. ت، 94).

 

وسارت النسخة السلالية الحالية والأخيرة على ذات النهج ففي الحلقة 19 والحلقة 20 (الأخيرة) من المسلسل الكرتوني"الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين" المنتج بخبرات وامكانات إيرانية، يصفون الدعام وابنه أرحب، بأنهم قطاع طرق وقتلة وخونة، وهو سلوك متبع لخرافة الهاشمية مع كل الرموز اليمنية والمعالم التاريخية والحضارية ليس مستغربا لمحتلين متوردين يعادون اليمن حضارة وأرضا وانسانا.

لكن يبقى المستغرب كيف يذهب في صفوفهم ويقاتل معهم من يدعي الريحبة او الانتساب لهمدان او لليمن، كيف لن أن نصف اولئك المغيبين من اليمنيين في صفوف خرافة الهاشمية المتوردين الرافضين للاندماج كمواطنين يمنيين، ألا يخجل من يفتخر بالانتساب لارحب وهمدان واليمن وهو في صفوف من يسيء لأجداده ورموزه التاريخية، لازلنا نننتظر لحظة اسيقاظ لروح ارحب وهمدان واليمن بداخلهم ليغادروا صفوف خرافة الهاشمية المتوردين.

*أرحب بن الدعام وأبيه وكل أقيال اليمن وعظماؤها* :

 *كبرياء وشموخ وإباء* في دم كل أرحبي وهمداني ويمني حر كريم يسير على خطى أجداده الكرام، يرفض الضيم ويواجه الكهنوت، حتى يطهر اليمن من رجس خرافة الهاشمية "البطنين" تحية لكل اليمنيين القابضين على الزناد والجمر معا، على امتداد جغرافيا اليمن ودول المهجر والشتات .