بين حداثة العهد بالسلطة واستخدام القوة
بقلم/ حسين اللسواس
نشر منذ: 4 سنوات و 5 أشهر و 4 أيام
الأربعاء 24 يونيو-حزيران 2020 05:06 م

حين ندقق في الاساليب والطرائق التي يجري بها ممارسة السلطة من جانب الحوثيين في صنعاء نجد نقاطا كثيرة تستوجب التوقف امامها ملياً.

من تلك النقاط على سبيل المثال الميول اللافت والواضح من جانب الحوثيين نحو استخدام لغة القوة والسلاح والقهر العسكري في التعاطي مع العديد من القضايا والملفات التي كان بوسعهم معالجتها بطرائق اخرى تعتمد على الحكمة والتعقل والتروي.

في تكتيكات فن ادارة السلطة لا تلجأ السلطات الحاكمة عادةً الى استخدام لغة القوة والقهر العسكري الا في مواقف بعينها وهي تلك التي لا نقول استعصى وانما استحال علاجها بالوسائل والطرق السلمية على طريقة اخر العلاج الكي، غير ان الحوثيين ومع الاسف الشديد لا يلقون بالاً للموجبات التي تفرضها هذه التكتيكات اذ نراهم يلجأون بشكل مباشر ودونما تروي او تعقل الى استخدام لغة القوة والقهر العسكري في معظم القضايا الواقعة في اطار سلطتهم وتلك الماكثة بين ايديهم.

ليس كل شيء يمكن معالجته باستخدام القوة مبدأ سلطوي بديهي نجد ان الحوثيين يحيدون عن العمل بمقتضاه ففي اساليبهم البعيدة كليا عن النهج القويم والحكيم في ادارة دفة السلطة نجد حضورا وميولا طافقا لاستخدام القوة في مواقع ومواطن شتى الامر الذي يظهرهم كجهات غير ذات جدارة في ادارة البلاد وقيادة دفة السلطة.

 

حداثة العهد بادارة السلطة

 

يعلم كثيرون ان الحوثيين ورغم مرور خمسة اعوام على استيلاءهم على السلطة في صنعاء مازالوا وفق قرائن شتى يبدون (كحديثي عهد بادارة دفة السلطة والدولة) حيث انهم على امتداد تاريخ نشوء الحركة الحوثية الضئيل والمتقارب لم يسبق لهم ان شاركوا في ادارة الدولة تماماً مثلما هو الحال مع المشاركة حديثة العهد –قبل الاستيلاء على صنعاء- من جانبهم في الحياة السياسية الموؤدة في واقعنا الراهن.

لذا نجد توافداً غير اعتيادي للمشاكل وسوء ادارة للامور واستعصاء في معالجة القضايا والازمات الناجمة عن ممارستهم للسلطة دون خبرة مسبقة.

بالنسبة لحديثي عهد بادارة دفة السلطة يتعين انتهاج اساليب التعلم والتلقي ممن كانوا على علاقة وطيدة بادارة دفة السلطة كالرئيس صالح مثلا او اي انموذج سلطوي سياسي في الداخل او الخارج متمتع بالحكمة والدهاء السياسي بصورة تكفل تطوير اداءات الحركة الحوثية واساليب تعاملها مع مختلف القضايا وبالاخص تلك التي تتطلب تكتيكا ودهاءً سياسياً.

 

فداحة استخدام القوة في ردمان بالبيضاء

 

في قضية داعي النكف بمحافظة البيضاء مثلا نجد ان الحوثيين ولتعليلات تتصل بحداثة العهد في ادارة السلطة وانعدام الخبرة في التعامل مع الملفات الشائكة اقدموا على التعاطي مع القضية بلغة العنف والقوة عبر تفجير الموقف عسكريا على تخوم مديرية ردمان ال عواض.

كان الاولى بالحوثيين اعتماد تكتيك مغاير في التعاطي مع هذه القضية لتعليلات عديدة، فالشيخ ياسر العواضي لم يكن -حين بداية الازمة- من مؤيدي الشرعية الذين هم في حالة عداء مطلق مع الحوثيين كما انه –اي الشيخ ياسر- اثناء تشكيل المجلس السياسي الاعلى بصنعاء كان من حلفاء الحوثيين ابان الشراكة مع المؤتمر الشعبي العام وبالتالي فالتعامل مع حليف سياسي سابق وقيادي غير مرتبط بالشرعية ينبغي ان لا يتم عبر لغة القوة والسلاح والمواجهة العسكرية بل عبر التفاهم والوساطة وتداول الرأي والمرونة ان لم يكن لابانة رغبة الحركة الحوثية في السلام فعلى الاقل تقديرا لمواقف العواضي غير المؤيدة للشرعية وهي مواقف كافية للتعاطي معه بمنتهى الاحترام والاجلال والتقدير من جانب الحوثيين.

 

تشوية صورة الحوثيين جماهيريا

 

بالنسبة لجماعة حريصة على ديمومة وجودها في تموضع ادارة دفة السلطة وذات تطلعات بائنة تتغيا البقاء في صدارة القوى الباحثة عن البقاء في السلطة والهيمنة على الدولة يتعين عدم التواجد في وضعية الميول الى استخدام القوة واستبدال ذلك بالظهور في بزة الحكمة والتعقل والتروي في ادارة مختلف الامور والقضايا المتداخلة والمتشابكة والمستعصية وهو امر من شانه عدم المساس بما تبقى من سمعة الجماعة الحوثية والحفاظ على اي مكانة جرى تحقيقها قبل مدة من الزمن لدى مختلف فئات الشعب اليمني (عدم الانجرار الى تشوية صورة الحركة الحوثية جماهيريا وتخفيف اوزان حضورها شعبياً).

لاشك ان اللجوء الى استخدام القوة دون المرور الاولي والبديهي بالاساليب السلمية المفترضة لمعالجة شتى القضايا والملفات المختلفة امر من شانه الحاق واقع من التشوية لسمعة الحركة الحوثية ومكانتها لدى المجتمع وعامة الجماهير.

ان اللجوء الى استخدام القوة يظهر الحركة الحوثية في بزة موغلة بالسوء الا وهي التعطش للدماء وبالتالي عدم الاهلية في حكم وادارة وطن باكمله على اعتبار ان ادارة الاوطان تستوجب قبول الاخر وعدم مواجهة المتضادين مع الحاكمين في السياسة والفكر والمذهب بالسلاح والقوة استنادا الى النظرية الشهيرة "الدين لله والوطن للجميع".

فليس كل شيء يمكن معالجته باستخدام القوة والقهر العسكري الذي يفترض ان لا يتم انتهاجه سوى بعد استنفاذ كل الوسائل السلمية وتحديدا لحظة استعصاء واستحاله تلك الوسائل السلمية.

 

دورات تاهيلية لمشرفي الوزارات والمحافظات

 

حتى وان كانوا –اي الحوثيين- حديثي عهد بادارة دفة السلطة فينبغي عليهم التعلم والاقتداء والنهل من معين تجارب سياسية عديدة سواء في الداخل او الخارج فيما يتصل باسلوب معالجة المشاكل ذات التعقيد البالغ.

 وهنا كان ومازال يتعين على الحوثيين عقد دورات تاهيلية لمشرفيهم الذين يديرون الوزارات والمحافظات تكفل تاهيلهم قياديا واداريا في اساليب ادارة الامور بحكمة وعدم الانجرار الى لغة العنف والقوة وبالاخص في القضايا التي يمكن معالجتها دونما حاجة الى خيارات العنف.

حين نتحدث عن ضرورات تاهيل رجال الحركة الحوثية ومابات يُعرف "بالمشرفين" فاننا نشير الى الوسائل التي من شانها جعل الحركة الحوثية جديرة بادارة وطن باكمله وما تفرضه هذه الجدارة من حكمة وتروي وتعقل في ادارة شتى الملفات وبالاخص تلك المتصفة بالتعقيد البالغ.

ان غايات البقاء في سدة الحكم واستمرار ادارة دفة السلطة تستوجب درجات عالية من التاهيل لدى رجالات الميدان ولا اعني هنا ميادين الوغى وانما ميادين الادارة التنفيذية لهيئات ومكاتب السلطة في الوزارات والمحافظات.

وبالتالي يتعين استحداث واقع من التاهيل لما بات يُعرف "بالمشرفين" ولو تطلب الامر حد الاستعانة باي قوى على علاقة بحركة الحوثيين في الداخل او الخارج للقيام بادوار التاهيل المنشودة.

لو ان مثل هذه الدورات جرى عقدها منذ زمن لما شهدنا قيام مشرفي الحوثي بحادثة جهاد الاصبحي التي هزت اركان المجتمع اليمني من اقصاه الى اقصاه.

 

الحكمة في التعاطي مع ياسر العواضي

 

وعليه فمنطق الحكمة كان يفترض على الحوثيين عدم تفجير الموقف عسكريا ضد الشيخ ياسر العواضي ومن معه من قبائل النكف بصورة تؤدي الى حل القضية الاساسية –حادثة مقتل الشهيدة جهاد الاصبحي- بحكمة وتروي عبر تقديم تنازلات تكفل معاقبة الفاعلين المباشرين لحادثة قتل الشهيدة وبالتالي تجنبيب الحوثيين مزيدا من الاعداء وضمان امكانية عودة الشيخ ياسر العواضي الى تموضع الحليف الاستراتيجي او على اقل تقدير عودته –اي الشيخ ياسر- الى تموقع الحياد الايجابي لاسيما وهو اي الشيخ ياسر لم يكن يوما من مؤيدي الشرعية او من المناصرين لها -بشكل واضح ورسمي- كما انه بالاضافة الى كل ما سبق جرى تعيينه من جانب المؤتمر الشعبي والحوثيين كوزير للتخطيط والتعاون الدولي في حكومة صنعاء.

ورغم ان الحوثيين قد اقدموا على تفجير الموقف عسكريا وتمكنوا من دخول اجزاء واسعة من ردمان ال عواض في البيضاء خلال الايام الماضية الا ان ذلك لا يشكل حائلا دون اعادة إعمال لغة العقل والمنطق عبر تفعيل دور الوسطاء وتسليم قتلة جهاد الاصبحي الى العدالة والافراج عن نجل الشيخ ياسر "الشيخ رامي" واخيه والانسحاب من ردمان وتمهيد الاجواء لمفاوضات تكفل عودة الشيخ ياسر الى ردمان لاسيما اذا ما علمنا ان وجود الحوثيين فيها او عدم وجودهم لا يشكل فارقا جوهريا اذ انها ليست منطقة نفطية وليست ذات اهمية استراتيجية كبيرة من الناحية العسكرية تستوجب حرص الحوثيين على المكوث فيها –وجود الحوثيين فيها او عدمه سيان- وهو امر من شانه مضاعفة الخيارات -المحدودة اصلا- لدى الشيخ ياسر وعدم دفعه لمساندة الشرعية وبالتالي زيادة عدد الاعداء للحوثيين في وقت يبدون شديدي الحاجة الى حلفاء اقوياء ومتمكنين سياسياً وذوي قواعد شعبية.

خطوات من هذا النوع يمكن ان تتصف بذكاء من شانه درء تهمة التعطش للدماء واثبات رغبة الحوثيين في التعقل والتروي والحكمة وبالاخص عندما يكونون في تموضع القدرة على فرض اي واقع يريدونه فهل نتوقع انتهاج الحوثيين للغة العقل والحكمة ام ان حداثة العهد بالسلطة ستقودهم الى استكمال خطوات استخدام القوة وبالتالي اعطاء انطباع سيء عن الحركة الحوثية برمتها والتاثير على ما تبقى لديها من شعبية وجعلها تبدو كما لو انها لا تفقه شيئا عن فنون واساليب ادارة دفة السلطة وتكتيكات وطرائق قيادة الدولة.

 

زيادة معدلات الاعداء

 

ليس من الحكمة في شيء اتجاه الحوثيين الى زيادة معدلات الاعداء وانقاص الاصدقاء والحلفاء وقائع شتى تؤكد حاجة الحوثيين الى زيادة عدد الحلفاء وليس التمادي في تنمية حضور الاعداء على تموضعات ادارة الفعل العسكري في مختلف الجبهات.

لاشك ان الاتجاه الى انماء تعداد الاعداء من شانه التاثير على سير المعارك في الجبهات اذ ان الجماهير في مناطق الاقتتال والاشتباك العسكري عادة ما تتاثر بما يجري للقيادات البارزة في مناطقها وبالتالي اضعاف مستويات الفاعلية العسكرية بالنسبة للحركة الحوثية.

وهو امر يستوجب ضرورة ان تسعى الحركة الحوثية بكل السبل لعدم خلق اعداء جدد والاتجاه الى كسب مزيد من الحلفاء في مواجهة الشرعية التي تشكل مع التحالف العدو التقليدي للحوثيين.

 

مراجعات حوثية شاملة

 

بالنسبة لجماعة ترغب وبشكل فج وواضح في الاستمرار في تموضع ادارة السلطة ودفة الدولة بشكل منفرد او مع شركاء عقب اي مفاوضات جادة قادمة مع الشرعية عبر الامم المتحدة –اقتسام السلطة- يتعين التعلم من تجارب الماضي وعدم إعمال لغة القهر والقوة سوى في حالة واحدة الا وهي تعذر كل وسائل الحل السلمي على طريقة اخر العلاج الكي.

مما حدث في ردمان ال عواض ينبغي على الحوثيين الخلود الى الذات لاجراء مراجعات شاملة تكفل اظهار الحركة في تموقع استحقاق ادارة دفة السلطة وهي مراجعات تجعلهم مجبرين على التخلي عن ميولات استخدام القوة في معالجة القضايا الشائكة واعتماد لغة الحكمة والتروي والخلود الى تكتيكات الادارة الحكيمة في ادارة الامور داخل المحافظات والمديريات الخاضعة لسلطتهم.

فهل يتعلم الحوثيون الدرس مما جرى في ردمان ال عواض بصورة تكفل تخليهم عن استخدام القوة في قضايا بعينها -وهو نهج سيئ من شانه التسبب في انحدارات متوالية سواءً لشعبية الحركة وجماهيريتها او لواقع صمودها وثباتها عسكريا- واعتماد لغة الحكمة والعقل والتروي في التعاطي مع مجمل الاحداث والقضايا في المناطق الخاضعة لسيطرتهم..

وهل نتوقع ظهور الحركة الحوثية في بزة الادراك الحقيقي لمعاني ان تكون حاكما لوطن باكمله وممسكا بتلابيب الادارة السلطوية وهو ادراك من شانه السيطرة على التدهور الحاد والملحوظ في شعبية الحركة لدى اليمنيين والحفاظ على ما تبقى لديها من مكانة لدى عموم الشعب اليمني، تساؤل متروك على طاولة من تبقى من العقلاء والحكماء في جماعة الحوثي وكفى!

مشاهدة المزيد