لماذا توقفت حرب صعدة؟!
بقلم/ منير الماوري
نشر منذ: 16 سنة و 3 أشهر و 25 يوماً
الأربعاء 30 يوليو-تموز 2008 11:29 ص

سألت الزميل الصحفي موسى النمراني عن سبب توقف حرب صعدة فأجابني بأسلوبه الساخر، " ولماذا بدأت أصلا؟"، ثم قال: "عندما نعرف لماذا بدأت فسوف نعرف لماذا توقفت". هذه الإجابة البليغة لم تمنعني من البحث والتواصل مع بعض المصادر لاستطلاع أسباب الإعلان المفاجئ للرئيس بإيقاف حرب صعدة. وقد توصلت إلى معلومات ربما لا تشفي غليل الباحثين عن الحقيقة الكاملة ولكنها قد تفسر جزءا من غموض الأيام الأخيرة قبل إيقاف الحرب وسألخصها في النقاط التالية:

أولا: لابد من التذكير بأن عبدالملك الحوثي تعهد بتقديم هدية للشعب اليمني في 17 يوليو، وعلى ما يبدو فإنه كان يقصد إيقاف الحرب، وبما أن الإعلان عن وقف الحرب ورد على لسان الرئيس ولم يصدر من الحوثيين فمعنى ذلك أن الحوثي والرئيس جمعتهما قناة اتصال مفتوحة طوال الأسابيع التي سبقت إيقاف الحرب، ومن المؤكد أن هناك تفاهمات معينة أدت إلى هذه النتيجة التي بشر بها مكتب الحوثي في بيان منشور قبل إعلان الرئيس بأيام. وطبقا لما أكده مصدر مطلع فإن خبر صحيفة الوسط عن اتصال هاتفي بين الرئيس وعبدالملك الحوثي كان خبرا صحيحا 100% رغم النفي الرسمي للمكالمة. ويقول المصدر إن الحوثيين يحتفظون بتسجيل صوتي للمكالمة لبثه على الانترنت وقت الحاجة، وليس هذا فحسب بل إن مصدرا آخر على صلة وثيقة بقيادتهم في الخارج أكد لكاتب العمود أن لديهم ضمانات خطية في رسالة وصلت إلى عبدالملك الحوثي من الرئيس شخصيا عبر وساطة مشائخية، ويقول المصدر إن الرئيس طلب ردا خطيا ولكن الحوثي رفض ذلك مفضلا الإكتفاء بالقبول الشفوي لعرض الرئيس.

ثانيا: أكد مصدر مطلع لكاتب هذا العمود أن الرئيس غضب غضبا شديدا من وجود الشيخ إبراهيم الحديثي القائم بأعمال اللجنة الخاصة السعودية في صنعاء، ولقاءاته طوال أربعة أيام مع مشائخ وقادة مجتمع وضباط، ويبدو أن الرئيس شعر أن الحديثي يذكره بدور الملحق العسكري السعودي الراحل صالح الهذيان الذي لعب دورا فاعلا في تعيين رؤساء لليمن وتصفية آخرين، ومهد الطريق للرئيس صالح نفسه كي يعتلي عرش اليمن. والذي أثار غضب الرئيس على وجه التحديد هو توزيع الحديثي للهبات السعودية بشكل مباشر إلى المعنيين من ممثلي مراكز القوى، دون المرور عن طريق الرئيس. كما شعر الرئيس أن السعودية تسعى لتأسيس جيش شعبي لمقاتلة الحوثيين بتمويل كامل منها بشكل قد يشكل خطرا على حكمه في المستقبل، فآثر أن يوقف الحرب لقطع الطريق على السعوديين من التأثير المباشر على الأحداث في غفلة منه، باعثا برسالة إليهم مفادها " ليس بإمكانكم إنجاز أي شئ بدوني، ولن أسمح لكم بتجاهل نصيبي من الهبات ....".

ثالثا: أدرك الرئيس أن حربه على الحوثيين صعبة الحسم، حيث شعر بمماطلة قادة الجيش في موضوع الحسم، كما شعر بأن الحرب لن تكسبه أي تعاطف دولي إن لم تؤد إلى إدراجه في قائمة يتصدرها الرئيس السوداني عمر البشير، وهذا يفسر التضامن المبالغ فيه مع البشير والتواصل الهاتفي معه، وإظهار الخوف من فتح صالون حلاقة دولي في لاهاي يتولى الحلاقة لعدد من الرؤساء العرب، وكان الزميل عبدالرحيم محسن أول من أشار إلى هذا التفسير، وكون الرئيس يخشى الخارج أكثر من خشيته شعبه فإن احتمال المساءلة الدولية عامل مهم لا يستبعد أنه أثر على نفسية الرئيس صالح ولكن ضمن العوامل الأخرى التي لا تقل عنه أهمية.

رابعا: أدرك الرئيس أنه بحاجة إلى الحوثيين في معركة قادمة يخطط لها لمواجهة تيار معين في حزب الإصلاح الإسلامي، ويعتقد الرئيس أنه يمكن أن يستقطب دعما دوليا في حربه القادمه ضد الإسلاميين بإسم الحرب على الإرهاب، وقد بدأ خطته الجهنمية هذه -كما سبق أن أشرت في مقال سابق- بتشجيع هيئة الفضيلة لخلق إنشقاق خطير في حزب الإصلاح، وفتح الباب لصحف المؤتمر لمهاجمة الهيئة، لإلهاء المجتمع بمشكلة جديدة قد تؤدي إلى حرب جديدة مع من يسميهم إعلام المؤتمر "جماعة الإخوان المسلمين في اليمن". وفي المواجهة القادمة لن يستهدف الرئيس الشيخ الزنداني صاحب مشروع الفضيلة، لأن الزنداني تحت السيطرة، ولكنه سوف يستهدف أولئك القادرين على الهروب إلى الخارج، وعلى رأسهم اللواء علي محسن الأحمر، بما لديه من شبكة تحالفات واسعة طالما استفاد الرئيس منها وسخرها لصالحه.

خامسا: وجد الحوثيون من جانبهم أن في مصلحتهم قبول عرض الرئيس بإيقاف الحرب لأن هذا هو مطلبهم في الأساس، وسواء كانت الهدنة دائمة أو مؤقتة فسيكون لديهم مجال للتنفس، واستعادة الروح، ورغم أن مطلبهم لم يتعد تطبيق اتفاق الدوحة بين علي محسن وصالح هبرة، إلا أنهم فوجئوا بوحدات الجيش تنسحب من مناطق شاسعة لم تدرج حتى في اتفاق الدوحة، وصارت مديريات بأكملها تحت سيطرتهم.

سادسا: بما أن النظام يصعب عليه الاستمرار بعيدا عن الفتن والقلاقل فإن عدوا جديدا يجري تجهيزه، وفتنة جديدة يجري طباختها، قد تبدأ بتشبيب الجيش وقص أجنحة القيادات القديمة قبل أن تنتهي بمواجهة عسكرية مع تيار في حزب الإصلاح، قد يكون هو التيار الليبرالي لتصفية حسابات محلية، وقد يكون هو التيار السلفي نفسه لتسهيل الحصول على مباركة دولية لاستهدافه قبل الانتخابات المزمع إجراؤها العام القادم إذا سمحت الظروف بإجراء الانتخابات.

سابعا: بعد إيراد العوامل المذكورة التي لا يمكن الجزم بأن أحدها لعب دورا أكبر من الآخر، لا بد من الإشارة إلى أن توقف حرب صعدة قد لا يكون نهائيا لأن هناك فرقاً بين التوقف والوقوف، ومن يريد معرفة الفرق بدقة عليه التأمل في لوحات المرور التي يقول بعضها "ممنوع التوقف"، والبعض الآخر "ممنوع الوقوف"، أي أن التوقف يكون عادة لوقت قصير، في حين أن الوقوف قد يكون دائما وليس مرحليا. ورغم أن إعلان الرئيس عن إيقاف حرب صعدة جاء مصحوبا بكلمة " للأبد" ، فهذا لا يعني أن الحرب لن تعود، لأن الرئيس معروف بتقلبه المستمر وتغيير قراراته، وتراجعه عن إعلاناته المصيرية. كما أن التطورات الراهنة في اليمن ليست منفصلة عن تطورات أخرى اقليمية ودولية، يلاحظ فيها وجود رغبة في التهدئة تشمل عدة جبهات في لبنان وفلسطين والعراق. ولعل إيران هي أكبر المستفيدين من التهدئة لأن الشهور الخمسة الأخيرة من رئاسة جورج بوش يجب أن تمر عليها بسلام، قبل أن تتمكن من التصعيد مرة أخرى في أكثر من جبهة على أمل التعامل مع حكومة أميركية جديدة لا تضمر للنظام الإيراني شرا، ولا تحبذ شن حرب على إيران. هذا لا يعني أن إيران لديها قدرة على توجيه الرئيس صالح لإيقاف الحرب، ولكن لديها قدرة على الإيعاز إلى الداعمين المفترضين لحركة الحوثي أن يخففوا من دعمهم المادي للحركة في وقت وصل فيه الحوثيون والجيش على حد سواء إلى درجة كبيرة من الإنهاك، وأصبحوا بحاجة إلى محطة استراحة أو توقف مؤقت للحرب استعدادا لجولة أخرى قادمة، لا ندري متى وكيف يمكن أن تتجدد.

نقاط أخيرة:

1. لمن يرغب في معرفة أكثر عمقا لأسباب توقف حرب صعدة أنصحه بقراءة مقال كتبه الشيخ المثقف علوي الباشا بن زبع في "مأرب برس" تحت عنوان:" تفجير صنعاء يخمد الحريق في صعدة".

2. قرأت في صحف المؤتمر الشعبي عن جائزة دولية للرئيس إلى جانب بيل كيلنتون ونيلسون مانديلا، واستغربت إدراج كلينتون إلى جانب مانديلا، كما استغربت أكثر تكريم الرئيس بسبب رعايته لمؤسسات المجتمع المدني، فهل هناك مجتمع مدني في اليمن أصلا؟! ورغم عدم علمي إن كانت المؤسسة المانحة للجائزة حقيقية أم مختلقة، فإني أدعو منتسبيها لزيارة سجون محافظة إب اليمنية (السجن المركزي والاحتياطي ) ففيهما قرابة 4000 سجين بينهم من لا يعلم ما هي قضيته، وبينهم شاب مسجون منذ ثلاثة اشهر لأنه سب عاقل قريته، وآخر مسجون منذ سنتين لانه سرق كرتون بيض، ولكن من يسرقون ثروات البلاد مازالوا طلقاء حتى هذه اللحظة.

3. أفراد الحرس الجمهوري بدأوا يخرجون إجازه من معسكراتهم (الاربعاء والخميس) وكل واحد يلتقي بأصحاب بلاده يحاولون تحسين سمعة القائد أحمد علي عبد الله صالح، مطلقين عليه صفات لم يطلقها سوى أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) عليه، ويقولون إن علي عبد الله صالح حاكم سيئ، وإن أحمد هو البديل الأفضل، أما علي محسن فهو تارة يدعم الحوثيين، وتارة أخرى أثبت أنه عاجز عن استئصالهم، وهذه المؤشرات تكفي للقول بأن تنبؤات الصديق اللسواس عن احتمال الانقلاب الكاذب لم تأت من فراغ وليست تعبيرا عن جنون، بل فكرة يدرسها الحاكم بالفعل حتى وإن لم يتم بلورتها لإخراجها إلى حيز الوجود.

4. أنصح أصحاب الفلل العامرة والسيارات الفارهة في صنعاء أن يتذكروا بأن محيط العاصمة من جميع الاتجاهات تقطنه قبائل جائعة، وهذه القبائل يحكمها مشائخ تربطهم مصالح بالرئيس، وحين لا يكون هناك رئيس ولا نظام، وصنعاء مليئة بما يشبع جوعهم سيهبون إليها، وقد حدث هذا أكثر من مرة في تاريخ اليمن.

* بالتزامن مع المصدر