بهدوء مع الجنرال علي محسن والغباري
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: 3 سنوات و أسبوعين و 3 أيام
السبت 06 نوفمبر-تشرين الثاني 2021 06:05 م
 

المقابلة الصحافية المتميزة التي أبدع إخراجها بأسلوبه الفخم العزيز الأستاذ (سام الغباري) مع نائب رئيس الجمهورية نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة استثنائية بكل معايير اللحظة السياسية الراهنة وتعقيداتها في اليمن, حيث تبدو السلطة ورجال الحكم في اليمن في شبه عزلة عن أحوال البلاد والعباد.

وجاءت الإجابة على السؤال الملحاح عن فراغ تركته ما يسميه البعض حكومة الفنادق ليصنع الغباري بِحِرَفِيَّة عالية مقابلته من غبار ميدان المعركة وغرفة عملياتها التي يشرف عليها نائب الرئيس من فوق الأرض, لتختلط المقابلة بدخان وفوهات المدافع وجثث ضحايا مشروع حكم السلالة الإيرانية البغيض وبذاكرة جنرال عنيد تخطى ال٧٥ عاماً يشعرك بكل فخر أن مقارعة واجتثاث الحكم السلالي العنصري مشروعه لوحده فقط. وبطاقة ذهنية وجسدية أخجلت زميلنا المثابر الأربعيني الشاب سام الغباري من مجاراة مَشْيَته وحركته التي لم تتوقف في أرجاء المكان كتعبير لا شعوري عن قلق وتفاعل الرجل مع وطيس مأرب حيث البأس الشديد لرجال الجنرال العنيد.

كشفت إجابات علي محسن الأحمر الكثير من غموض المواقف والأحداث بالنسبة لي شخصياً حول دواعي حرب صعدة الأولى لم تكن معروفة بل ومخفية, ومنها إن الحوثيين بدأوا بقتل ١٤ جندياً في مدرسة بمنطقة قريبة من جبل مرّان, وهذا كان سبباً رئيسياً لردود أفعال سلطة الرئيس صالح العسكرية وليست دوافع فكرية وسياسية فقط.. كان ذلك كفيلاً بتغيير قناعات كثيرين(وأنا منهم) حول مبررات الحل العسكري لمسألة قضية تبدو فكرية ثقافية أو حقوقية كما زعم الحوثيون حينها.. فظهر تصرف السلطة كأنه عدوان وليس إعادة اعتبار للدولة ورمزيتها ووجودها.

ويحمل قادة الدولة والإعلام الحكومي الرسمي حينها وزر تجاهل مقتل الجنود قبل تجريد الحملة العسكرية الكبرى للفرقة الأولى مدرع وكتيبة حرس جمهوري.

* حقيقة مصرع بدرالدين*

مصرع رأس الفتنة والخراب المقبور بدر الدين الحوثي بالفعل كما ذكر الجنرال محسن أنه قضى في الحرب الثانية أو الثالثة بحسب مقارنتي, وأُخفِيت المعلومة عمداً لتبقى جذوة اشتعال الفتنة وتأهيل الصبي عبدالملك لقيادة كباش القبائل الغبية إلى محارق شاخصة إلى اليوم, وبمرجعية قصاصة صغيرة حررها أخوه حسين الحوثي قبل مصرعه يوصي بتوليه قيادة الجماعة من بعده( من كنت مولاه...؟).

وسبب آخر لعدم إفشاء مصرع الكهل بدر الدين الحوثي هو الإبقاء على معنويات الأتباع عالية ومضللة لمعاودة الانقضاض.

والواضح إن سعادة الجنرال العنيد كان أكثر حماسة لاجتثاث نبتة الحوثيين البغيضة بفعل مجايلته المباشرة كشاب في الواقع لآخر حكام الأمامة الكهنوتية وليس مجرد رفض فكري وسياسي فقط لتوجهات الجماعة.

* مفتاح الصراع اليمني*

علي محسن ليس مجرد قائد عسكري كبير بل هو مهندس سياسي خطير ضمن منظومة حكم قرابة أربعين عاماً في السابق إلى ٢٠١٤ م وما بعدها إلى اليوم, ساهم في كل الأحداث الكبيرة في اليمن تقريباً وضمنها بصماته في صياغة السياسة والخارطة الحزبية بإقامة وتفكيك وإنشاء وتشجيع كيانات وأحزاب وشخصيات ربما لأنه كان يميل أكثر إلى خلق التوازنات التي تبقيه مؤثراً وصاحب سلطة نسبية في القرار بعكس أذعانه لنزعة الأنفراد والاستبداد الطاغية على ميول الرئيس علي صالح.

ولا يزال الرجل بحسب مقابلة الغباري معه يرى إن حل مشكلة الصراع على السلطة والرئاسة في اليمن عبر صناديق الاقتراع الانتخابية.

ويلمح بذلك دون التباس إلى دوافع انقلاب عصابة الحوثي الإيرانية على الحكم ونقطة ضعفها الانتخابية واستمراره الشخصي في مقاومة ومقارعة مشروع استحواذها على الحكم والثروة والسلطة بإيجاز مفحم حين يقول بالنص :(( يجب أن تسقط أوهام الحق الإلهي لأنه ليس نظاما أو قانوناً, ولن يقيم دولة, فمن يحتل صنعاء مجرد عصابة كسائر العصابات التي تحكمت بتلك الجغرافيا قديماً) ليكمل رؤيته البصيرة لمخاطر التحولات والمؤامرات على اليمن ومنطقة الجوار في إجابة أخرى : ما نواجهه في المعركة في إطار عسكرة الحوثي للمذهب وعَولمة الهادوية الزيدية والاثنى عشرية, وهو نسخة أكثر دموية عن ما واجهناه طويلاً في اليمن)).

وملاحظتي هو أن الجنرال العنيد يحكم على الزيدية من خلال مواقفها السابقة المتسرعة العاطفية من بداية انقلاب سبتمبر ٢٠١٤ م وليس من خلال ما يواجه اتباعها الحقيقيون اليوم أكثر من غيرهم في عقر دارهم وبعد ما قدموه من ضحايا وقرابين سخية مجانية من فلذات اكبادهم لتمكين مشروع حكم السلالة الحوثية الإيرانية.. فكما يقول أرباب السياسة عزيزي الجنرال العنيد كل شيء قد تغير بعد أن ضاقت دائرة الولاءات العنصرية طوال سبع سنوات لتختصر العصابة المذكورة المذهبية الهادوية والزيدية المناصب والتعيينات المربحة لهم وحدهم بالعائلة والأنساب والأصهار فقط, واستبدل عبده الحوثي مذهب الزيدية بالأثنى عشرية والجعفرية الإيرانية, فارتباطه الظاهري بالمذهب الزيدي أصبح من التاريخ فقط وليس

من الحاضر وواقع الممارسة الفاشية الاستئصالية التي وضعت الزيدي الرافض لاستبدادهم وغيره في سلة ومقصلة واحدة مع مسمى السنة والشوافع وغيرهم.

* التهمة والدفاع *

لم تغب معركة مأرب وتداعياتها عن محورية المقابلة فانبرى محسن لتبرئة ساحته من مآلات مواجهات الشهر الأخير ومسؤولية إحداث اختراقات حوثية في شبوة(بتواطؤ داخلي) مكنهم من التقدم المحدود فقط وليس حسم المعركة, لتتحول فرحة الانقلابيين العابرة بعدها في الجوبة والكسارة إلى نكسة مدموغة بآلاف النعوش وعويل الثكالى وكأن وطيس المعركة بدأ الآن فقط فيما يحسبها الانقلابيون معركتهم الأخيرة كما أسموها(النَّفَس الاخير).. وستكون كذلك على أيدي الأبطال بقطع الرئة الاصطناعية التي يتنفسون منها.

حمل تأكيد الجنرال علي محسن على معاقبة ٦ من القادة العسكريين المتقاعسين عن معركة بيحان-العين شبوة, حريب على إن بعض التواطؤ من قبل قادة صغار انتهازيين لم يعطوا ترقيات ومزايا أكبر من حجمهم مثل حال قائد الكتيبة الذي أعلن انضمامه للحوثيين بعد إقالته وزعم خيانة حزب الإصلاح.

وكان خطأ الجنرال هو منح أمثال هؤلاء أكبر من حجمهم لدواعي ترضيات(وحدوية) فطمعوا وصدقوا أنفسهم.. والبعض تخابر مع الانتقالي والحوثيين على الطريق لتسهيل الاجتياح, وتبادلوا معهم تغريدات علنية بالشكر الحميم المتبادل موثقة في وسائل التواصل الاجتماعي, والضيافات والاستقبالات الحارة في مديرية العين بالذات.

كانت فتنة بين أبناء شبوة أنفسهم وتشتت إرادتهم بين من يدافع عن الشرف العسكري ومن يطعن من الخلف لتسليمها للحوثي, حتى قال الانقلابيون أنهم فوجئوا ولم يتوقعوا دخول بعض مديريات شبوة بكل سهولة بعكس ضراوة دحرهم وطردهم منها قبل ثلاث سنوات.. لكن الحوثة كتموا أيضاً من تواطأ إلى وقت الفضيحة!!.

والآن تُركت شبوة لشأن أبنائها لتقرر أنها مع استعادة الكرامة والتحرير أم تنساق مع دعايات من يتاجر بمصيرها بمشروع استعادة دولة وهمي سلموا رقبتها مقدماً لعبدالملك الحوثي الذي يتظاهرون بعداوته.

وما قدمه الجنرال علي محسن الأحمر لصمود مشروع الدولة والجمهورية خلال سبع سنوات العاصفة في اليمن يغنيه كثيراً عن المبررات.. إلا إن إحساس الرجل بالمسؤولية وشجاعته وضعته في مواجهة تبيين الحقائق التي لو كشف تفاصيلها الخفية لخجل خصومه من أنفسهم إن كانت الدماء لا تزال في عروقهم.

* طارق وعمه الراحل*

كما لم يستجب الرئيس الراحل علي عبدالله صالح لنصائح الجنرال قبيل تصفيته في ٤ ديسمبر ٢٠١٧ م بحسب فحوى المقابلة يبدو أن ابن أخيه طارق محمد عبدالله صالح استفاد كثيراً من الدرس وبدا أقرب إلى خيار حتمية المواجهة ضد الحوثيين إلى النهاية والتقارب مع التيارات الوطنية في مواجهة مشروع الظلام الكهنوتي العنصري.

وترد إجابات علي محسن على اتهامات خذلانه الرئيس صالح في محنة ٢ ديسمبر بشفافية إن تقديرات قيادات المؤتمر في صنعاء عارضت فكرة دعمه العسكري من قبل الشرعية والتحالف التي سيوظفها الانقلابيون لإضعاف شعبيته بزعم التواطؤ مع ما يسمونه (العدوان).  

وعن مواقف طارق صالح الاخيرة فمن غير المنطقي التشكيك بمصداقية شخص على استعداد للموت في أي لحظة بصرف النظر عن تباينات الأفكار والمواقف المؤجلة معه , فتوجد شراكة وطنية عامة في المصير المشترك لكل مناهضي مشروع إيران التوسعي في المنطقة ومستقبل حكم الاستبداد في اليمن الذي لو تحقق لدُفِن اليمنيين كلهم في قاع سحيق من البؤس والعذاب والمهانة.

وكما قال سعادة الجنرال العنيد وهو محق في ذلك: طارق اليوم جزء من المقاومة الوطنية المشرفة ضد الحوثيين ومشروعهم الكريه المسيء للكرامة والإنسانية).

ومقام المقابلة الجزلة الضافية التي أجراها زميلنا النبيل الأستاذ (سام الغباري) مع الجنرال العنيد علي محسن الأحمر أكبر من أن يحاط بأفكارها في تناولة خاطفة ولا يزال غبارها طازجاً والجدل يصول ويجول في فضائها ومدارها.

فألف تحية وتقدير لسعادة الجنرال ولصاحب المقابلة والدعاء بالحفظ والنصر موصول للمقاتلين المرابطين في جبهات العزة والكرامة والصمود .

والحمد لله رب العالمين.