قطاع الإرشاد يدشن برنامج دبلوم البناء الفكري للخطباء والدعاة في حضرموت مكتب المبعوث الأممي يلتقي بمؤتمر مأرب الجامع ويؤكد حرص الأمم المتحدة الاستماع إلى الأطراف الفاعلة مجلس القيادة يجتمع ويناقش عدة ملفات في مقدمتها سعر العملة والتصعيد الحوثي بالجبهات بترومسيلة بحضرموت تعلن نجاح تشغيل وحدة تكرير المازوت بمناسبة اليوم العالمي للجودة...جامعة إقليم سبأ تدشن فعاليات أسبوع الجودة اعتذار رسمي في ايطاليا بسبب القدس من هو ''أبو علي حيدر'' العقل الأمني لحزب الله الذي فشلت اسرائيل في اغتياله؟ رصد طائرات مسيرة ''مجهولة'' تحلق فوق 3 قواعد تستخدمها أميركا في بريطانيا صحيفة أميركية تتوقع أن يوجه ترمب ضربات تستهدف قادة الحوثيين وتُعيد الجماعة إلى قائمة الإرهاب مستجدات حادثة العثور على حاخام يهودي ''مقتولاً'' في الإمارات
لم يعد هناك أدنى شك أن الصحابي معاوية بن أبي سفيان كان سابقاً لعصره عندما تحدى الجميع، وفرض نظام الحكم الوراثي بحد السيف رغماً عن أنوف الكثيرين. ومنذ ذلك الحين والعديد من حكام العرب يحذون حذوه، ملكياً وجمهورياً. لكن الرجل لم يسلم يوماً من سهام "الديمقراطيين"، على اعتبار أنه نسف أحد أهم ركائز الديمقراطية، ألا وهو التداول على السلطة. فبموجب النظام الوراثي يصبح الحكام من سلالة واحدة، مما يحرم بقية شرائح المجتمع من التنافس على الوصول إلى رأس الدولة. لكن شعيرة معاوية، التي كلفت العالم الإسلامي الكثير من الاختلاف والشقاق والتناحر والانقسام، أصبحت، من سخرية القدر، مرشحة لأن تسود العالم بعدما انتقلت عدواها من العالمين العربي والإسلامي إلى بقية بلدان العالم، خاصة الدول الديمقراطية والاشتراكية المزعومة . لو عدنا عشر سنوات إلى الوراء فقط، لوجدنا أن أكثر ديمقراطية تطبل وتزمر لنفسها على وجه المعمورة، ألا وهي الديمقراطية الأمريكية، بدأت تميل باتجاه النظام الوراثي في الحكم، حتى لو تمت العملية بطريقة "ديمقراطية"..
فالفرق الوحيد بين الأسلوبين الغربي والشرقي في تسيير الأمور، هو أن الشرقي ينحو عادة إلى استخدام العنف لتمرير مشاريعه، بينما تحقق الديمقراطيات الغربية أهدافها في الغالب بأساليب أخرى، لكنها قد تكون ملتوية في أحيان كثيرة، مما يجعل الأسلوبين الغربي والشرقي مختلفين في الظاهر، لكنخكت متشابهان في الباطن.
لا يمكن بالطبع للديمقراطية الأمريكية أن ترفع سيفها على الملأ، كما فعل معاوية وأتباعه، لتفرض خليفة لهذا الرئيس أو ذاك. لكنها لن تعدم الوسيلة أبداً، فكما هو معلوم فإن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب، حسب الكثير من الكتب التي تؤرخ لمسيرة العائلة، كان مرتبطاً بعلاقات وثيقة جداً مع المؤسسات الأمريكية النافذة كالمجمّع الصناعي والعسكري والنفطي ووكالات الاستخبارات. وبفضل تلك العلاقات القوية جداً استطاع بوش الأب أن يدفع بنجليه جورج الصغير وجيب بوش إلى مراكز نافذة جداً في السلطة، فجورج أصبح رئيساً، أما أخوه جيب فهو حاكم ولاية فلوريدا. ويحدثونك عن الديمقراطية والتداول على السلطة.
هل كان الولدان جورج وجيب يحلمان بالرئاسة أو بالولاية لو لم يكن أبوهما من عظام رقبة المؤسسة الأمريكية الحاكمة، ولو لم يكن جدهما بريسكوت بوش والد الرئيس بوش الأب من النافذين في مجلس الشيوخ سابقاً؟ بالطبع لا. فالرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش الذي قد يتنطع البعض للقول بأنه جاء إلى الحكم في قطار الحزب الجمهوري، هو من أقل أعضاء الحزب كفاءة لتولي المنصب بشهادة كل الذين عرفوه منذ كان شاباً. وتذكر الكاتبة الأمريكية الشهيرة أيمي غودمان في كتابها ذائع الصيت "ديمقراطية النفط" أنه تم ترشيح جورج بوش الابن مرات ومرات ليكون عضو مجلس إدارة في شركة "كارلايل" الشهيرة، إلا أن رئيس الشركة كان يرفضه على الدوام لضحالة فكره. لكن في يوم من الأيام، وتحت ضغوط من جهات نافذة عدة، قبل رئيس الشركة بجورج بوش الابن عضواً في مجلس إدارة الشركة. ويروي رئيس الشركة أن بوش عمل معه لحوالي سنتين دون أن يفيد الشركة بفكرة مفيدة واحدة، مما حدا برئيس الشركة إلى طرده. ويضيف أنه أصيب لاحقاً بدهشة كبرى عندما علم أن بوش الابن أصبح مرشح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية.
وأضاف رئيس الشركة التي عمل فيها بوش: إنه لو طلبوا منه وضع قائمة مؤلفة من خمسة وعشرين ألف مرشح لاختيار مرشح منهم ليكون ممثل الحزب لخوض الانتخابات لما وضع اسم جورج بوش الابن في تلك القائمة الطويلة من المرشحين. ونحن نعلم عادة أن قوائم المرشحين لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية تحتوي بالكاد على خمسة مرشحين على أبعد تقدير بعد أن تتم عملية الغربلة، فما بالك إذا كانت تحتوي على خمسة وعشرين ألف مرشح، وهو رقم خيالي في قوائم الترشيح. بعبارة أخرى فقد كان حلم جورج بوش الابن بأن يكون على رأس الحزب الجمهوري ومن ثم على رأس أمريكا مثل حلم إبليس بالجنة لو اعتمد فقط على قدراته العقلية والسياسية الذاتية. لكن مع ذلك وبقدرة قادر، أو بالأحرى بقدرة عائلته ونفوذها الخطير في كواليس صنع القرار الأمريكي تمكن جورج بوش الابن من أن يكون مرشح الحزب الجمهوري. لا بل إنه فاز في انتخابات مشكوك فيها. وقد تحدثت التقارير وقتها أن أخاه جيب بوش حاكم ولاية فلوريدا ساعده بطرق ملتوية في ولايته على تحصيل أكبر عدد من الأصوات بعد أن أصر على أن يكون التصويت الكترونياً. وتتحدث أيمي غودمان في كتابها المذكور آنفاً أن عدد الأصوات التي أدلت بها إحدى القرى الأمريكية في انتخابات جورج بوش الابن وصلت إلى أكثر من ستمائة ألف صوت، مع العلم أن عدد سكان القرية لم يتجاوز عشرين ألف نسمة.
ولو ظلت لعبة التوريث "الديمقراطي" محصورة في الحزب الجمهوري الأمريكي لبلعنا الأمر على اعتبار أن بعض الجمهوريين في العالم انقلبوا إلى ملكيين، لكن الداء تسلل إلى الحزب الديمقراطي الأمريكي، فعلى ما يبدو أن زوجة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون استهوتها طريقة الوصول إلى السلطة وراثياً، "ما حدا أحسن من حدا"، فقد استفادت هيلاري من تجربة زوجها ودعمه لها في أن تكون مرشحة الحزب الديمقراطي. ولا ندري إذا ستفوز بترشيح الحزب لخوض الانتخابات الرئاسية، ومن ثم تفوز بها لتصبح رئيسة الولايات المتحدة.
ولا داعي لذكر اسم العائلات الأمريكية التي تتوارث امتلاك وسائل الإعلام، إذا لا يزيد عددها على أربع عائلات. ولا داعي أيضاً لذكر أسماء أولاد وبنات اللوردات ووجهاء بريطانيا الذين يمسكون بمفاصل الدولة البريطانية إعلامياً واقتصادياً وسياسياً على طريقة معاوية، لكن "الديمقراطية!! ويكفي قراءة كتاب جيرمي باكسمان الشهير "من يحكم بريطانيا" لنرى كيف أن نهج معاوية حي يُرزق في معاقل الديمقراطيات العتيدة.
هذا ولم تعد موضة توريث الحكم تقتصر على "الديمقراطيين"، بل تغلغلت في الوسط الاشتراكي، فقد اختار البرلمان الكوبي راؤول كاسترو ليحل محل شقيقه المتنحي فيديل كاسترو كرئيس جديد للبلاد، مع العلم أن كاسترو قد قال قبل تنحيه إنه يريد أن يعطي فرصة لجيل الشباب كي يحكم كوبا الاشتراكية. لكن الرئيس الجديد أخيه عجوز هرم. لما لا. ألم "يناضل" أحد المسؤولين العرب لوراثة الحكم في بلده بالرغم من أنه شبه مشلول جسدياً وعقلياً، ويصارع سكرات الموت؟
كم أنت مظلوم يا معاوية بن أبي سفيان، خاصة أن نهجك يكتسح الساحة العالمية في وقت غدت فيه مفردة "ديمقراطية" أكثر المفردات علكاً واستهلاكاً واجتراراً على موجات الأثير والسياسة العالمية! فنم قرير العين في ضريحك يا معاوية. إنك تحكم العالم من قبرك!!
* مدونة القاسم