حتى لا تنتحر حماس
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 7 أيام
السبت 16 يونيو-حزيران 2007 09:15 م

ولأن الشعوب العربية انقسمت إلى جهتين بعد أحداث فلسطين الأخيرة وصار الأمر أن أحد طرفي الصراع هو من يملك الحق بينما الطرف الآخر عميل لا يستحق الحياة ، وكان من الصعب بالنسبة لي أن أتصور بأننا إلى هذه الدرجة يمكن لنا أن نغوص بالتفاصيل مهملين الإطار أو العملية بشكلها المتكامل والعام .

أنا أرفض أن أسمي العربي بالإنسان العاطفي كما أرفض إطلاقا أن أعدها تهمة أو نقص به ، فالعاطفة هي سمة فطرية تتحلى بها وحوش الغابة فكيف بالإنسان ، كما أن العاطفة وأن كانت جياشة فهي لم تعد في هذا العصر تستطيع أن تلغي العقل في الحكم على الأمور ، ومن هذا المنطلق وأن أندفع العربي إلى حماس يمجدها أو لي فتح ينفخ في تاريخها فهو ولا محالة سيكون واضعا في الاعتبار أن هذا العمل لا تستفيد منه إلا إسرائيل وحدها وهذه النتيجة استخلصتها بعيدا كل البعد عن نظرية المؤامرة المسلطة علينا كتهمة أن فتحنا أفواهنا نحو المشروع الأمريكي أو الهمجية الصهيونية .

منذ قررت حماس خوض الانتخابات التشريعية الماضية في الأراضي المحتلة وأنا وضعت يدي على قلبي وتمتمت قائلا ربما هذه هي بداية النهاية لحركة نضالية قدمت الكثير من أجل قضيتها و لأن السياسية قذرة ولا بد أن تلوث يد من يتعامل معها وأيضا لأن حماس ترفع شعارا دينيا وهي بالضرورة ستخلطه بالسياسة مما سيجعل أي أمر تقوم به محل تصيد الآخرين لأنهم سيقيسون تصرفاتها من معيار ديني وأخيرا حماس مصنفة من قبل العالم المتحضر جدا بأنها جماعة إرهابية تقوم بقتل المدنيين بينما إسرائيل تنجو دائما من هذا التصنيف ، ولكل هذه الأسباب وغيرها الكثير كالتي يدعي البعض بارتباطها بإيران أو سوريا الدولتان اللتان يقوم الإعلام العربي المحسوب ضمن المشروع الأمريكي بشيطنتهم حاليا ، تجعل المتابع لتصرفات حماس وكأنها وقعت بالمصيدة من حيث لا تدري ، فلا أحد كان يستطيع أن يتصور بأن تقوم حماس بتحويل البندقية فجأة من العدو الإسرائيلي لتوجهه هكذا نحو غزة وتعلن سيطرتها عليها وتظهر الصور رجالها وهم يقومون بنصب أعلامهم والجلوس على مكاتب السلطة الفلسطينية بشكل يثير الاستفزاز ليس نخوة لفتح بل لما آل إليه الوضع وبهذا الشكل المهين .

بطبيعة الحال لم يكن أحد ينتظر من الجامعة العربية أن تفعل شيء ، لأنها جامعة هامدة لن تتحرك حتى وأن تحركت قصبة دكة الموتى على حد تعبير الشاعر مظفر النواب ، لكن هذا العجز المعروف للجامعة لم يكن مبررا أن تنحاز لطرف وتسميه بالشرعية دون الطرف الآخر والتي أتهمته ضمنيا بأنه خرج عن هذه المسماة بالشرعية ، فقرار مثل هذا قد يؤزم الوضع إلى حد الاختناق وكان الأجدر بها الوقوف بالمنتصف بين الطرفين المتنازعين ومن ثمة إرسال لجنة التقصي ، أما تقصي عن ماذا فلا أحد يعلم ، فالأمر لا يحتاج إلى مجهر وتحليل ، وكل ما حدث هو أن هنالك دولتان ستعلن عن وجودهما وهما تحت الاحتلال وأن قال خالد مشعل بأنه يعترف بشرعية أبو مازن فهذا لا يلغي حقيقة بأنهم انقلبوا عليه فعلا وحجة التطهير هي حجة لم يكن من المعقول أن تحل بهذه الطريقة التي آذت ملايين العرب وخدشت قلوبهم وكأن ما يحدث في لبنان والعراق والسودان أمر سياحي وترفيه بالنسبة لهم حتى تعطي حياتهم التعيسة شيء من هذه الإثارة .

أعلن الاتحاد الأوربي بأنه يقف بجوار شرعية منظمة التحرير الفلسطينية وقرر إرسال المساعدات المتوقفة منذ أكثر من سنة ، وأيضا أعلنت الولايات المتحدة وروسيا نفس الشيء ، وسبقتهم الجامعة العربية ، أما إسرائيل فقد أعلنت بأنها وخلال الأيام القادمة ستمنع الماء والكهرباء عن غزة ليموت جميع من في غزة وهي تعلن في نفس الوقت عدم مسئوليتها عما سيحدث هنالك .

هل كانت حماس تتوقع مثل هذه ردة الفعل ، فأنت كانت الإجابة نعم ومع ذلك قامت به ، فهي مغامرة آمل أن تكون محسوبة وتملك أدوات الخروج منها ، وأن كانت لم تتوقع مثل هذا التصرف السريع وكأن العالم أنتظر هذه الفرصة بفارغ الصبر فهنا حماس لم تنضج سياسيا كنضوجها عسكريا .

جميعنا أحب حماس ورأى بها الأنموذج الحقيقي والصحيح في المقاومة والنضال وبذل النفس لأجل أسمى قضية في الكون ، وجميعنا يتألم وهو يرى أن الخناق يشتدد على حماس يوما خلف يوم وصار الوضع وكأن حماس تقاتل العالم كله وتقف ضده بينما القضية الأهم تراجعت ولم تصير ضمن أولوياتها ، وما كان إصرار حماس على الحكومة وهي لا تمتلك أدوات إدارتها إلا مصيدة وقعت بها ، وانتهى بها المطاف بهذا العمل المتسرع والغير مبرر .

يجب أن تعيد حماس توجيه البندقية إلى الجهة الصحيحة ، وهذا يعني عليها أن تصحح كل ما قامت به في الأعوام الماضية ، وتبدأ بالتنازل عن الحكومة وتلقيها في وجه فتح غير مأسوف عليها وأن تعود للعمل تحت الأرض وأن لا تنشغل إلا بإشعال فتيل المعركة من جديد ضد العدو الذي يستخدم كل السبل حتى يذل الشعب الفلسطيني ويبقى محتلا له .

فحماس لا تملك أي نوع من الخيارات في الوقت الحالي ، والصراع من أجل السلطة والنفوذ في مكان لا يملك استقلاله ويقع تحت الاحتلال هو عمل جنوني لا يسعى أليه إلا أشخاص لا يملكون الكثير من المبادئ لتردعهم عن مثل هذه التصرفات ، وحماس ولا شك أكبر من هذه الأعمال وأسمى ، وبعد التحرير الذي ننتظره ، سنتفهم حينها لماذا تقاتل حماس فتح أو لماذا تحاول فتح أو تلغي حماس ، أقول سنتفهم وهذا لا يعني قبوله في كل الأحوال .

وتبقى أخيرا فلسطين وصمة عار في جبيننا كلنا من الخليج حتى المحيط، تبقى فضيحة تاريخية فكيف تعاونا وتهاونا وتنازلنا عنها وغضضنا أبصارنا ومضينا في حياتنا وكأن شيئا لم يكن !

benziyazan@hotmail.com