مكتب المبعوث الأممي يلتقي بمؤتمر مأرب الجامع ويؤكد حرص الأمم المتحدة الاستماع إلى الأطراف الفاعلة مجلس القيادة يجتمع ويناقش عدة ملفات في مقدمتها سعر العملة والتصعيد الحوثي بالجبهات بترومسيلة بحضرموت تعلن نجاح تشغيل وحدة تكرير المازوت بمناسبة اليوم العالمي للجودة...جامعة إقليم سبأ تدشن فعاليات أسبوع الجودة اعتذار رسمي في ايطاليا بسبب القدس من هو ''أبو علي حيدر'' العقل الأمني لحزب الله الذي فشلت اسرائيل في اغتياله؟ رصد طائرات مسيرة ''مجهولة'' تحلق فوق 3 قواعد تستخدمها أميركا في بريطانيا صحيفة أميركية تتوقع أن يوجه ترمب ضربات تستهدف قادة الحوثيين وتُعيد الجماعة إلى قائمة الإرهاب مستجدات حادثة العثور على حاخام يهودي ''مقتولاً'' في الإمارات اليمن تسجل أول حالة إصابة بـ ''جدري الماء''.. ماذا نعرف عن هذا المرض؟
أكثر النماذج استغلالا للدين وجعله أداة تفرقة دائمة بين أبناء الأمة الواحدة هو النموذج الفارسي القائم في دولة إيران ، إذ أن هذه الدولة تجيد فن التكرار وبشكل دائم ومستمر لوقائع تاريخية لتخرج بنتيجة واحدة فقط ولا غير ألا وهي أن إيران هي من تملك الحقيقة وكل الحقيقة وأن الآخرين مجرد أمم لا تاريخ نظيف لهم ولا حضارة راقية ولا حتى دين صحيح يعتد به ، وإلا ما تفسير أن نرى وكل عام من شهر محرم هذه الحملة البائسة وعبر كل القنوات الفضائية التابعة لطهران وهي تشن حملتها المسعورة على تاريخ كبير وعريق وتحاول أن توصمه بشتى السلبيات والموبقات ، فتاريخ العرب في نظرهم وبعد وفاة النبي هو تاريخ ظالم وفاسد ومليء بالمؤامرات والأحقاد وبعيدين كل البعد عن ما أتي به محمد من رسالة سماوية سمحاء .
حتما تاريخنا ليس تاريخ ملائكي ، وذلك لأننا بشر ، ولكن أيضا تاريخنا ليس كله كما يريد أن يقنعنا به الفارسي الذي من احد خطوطه الحمراء في إيران عدم التطاول على الحضارة الساسانية واعتبارها من أعظم الحضارات البشرية ، وتاريخنا العربي لم يكن يمارس آليته بعيدا عن السياق السائد في عصره والذي كانت تحكمه أعراف وقوانين الكل يمضي عليها ، ومن السخف محاكمة ذاك الوقت بقوانين عصرنا الحالي ، إلا أن كانت هناك مآرب لم تعد تخفى على العين الحصيفة .
حتما هناك فرق بين النقد التاريخي الذي ينتهج خطا موضوعيا وبين الشماتة وجلد الذات بقصد خلق هزيمة ثقافية داخلية للإنسان العربي ، وإلا ما جدوى أن تظل كل تلك الأصوات تظهر في هذا الشهر لتخبرنا أن الحسين مظلوم وهو صاحب رسالة وأن يزيد وبالتالي كل الأمويين هم أفسق خلق الله وخارجون عن تعاليم الدين الصحيحة ، وأنه علينا أن نشق وبعد ألف وثمانمائة عام ثيابنا ونلطم صدورنا حسرة على تلك المعركة التاريخية وأن نُحمل نتائجها إلى أتباع مذهب آخر فتصير حالة الكراهية والعداء هي حالة دائمة ومتواصلة ومستعدة للوثوب في أي لحظة لأجل تصفية ثارات تاريخية .
في واقع الأمر وبعيدا عن التوصيف الطوباوي لمسألة الخير والشر ، فمجمل الأمر لما حدث في عاشوراء هي معركة في أساسها سياسية صرفة من أجل الحكم والخلافة والكرسي وأنه ولو شاءت الأقدار وأنتصر الحسين في تلك المعركة فهل كان سيختلف عن الأمويين في توريث الحكم لأنجاله إضافة إلى حالة القداسة التي سيتمتعون بها وعصمتهم من الخطأ وكلنا نتذكر ما فعله الحاكم بأمر الله في الدولة الفاطمية الذي أدعى الإلوهية دون أن يثير ضجة كبيرة وذلك لأن الناس اعتادوا على الهالة المقدسة التي يضفونها على أنفسهم بسبب انتسابهم لآل البيت .
لكن الغريب أن موضوع عاشوراء ولو سلمنا به بأنها معركة إلهية بين الخير الذي مثله الحسين وجنوده وبين الشر الذي مثله يزيد بن معاوية وجنوده ، أليس من الطبيعي أن تبقى عبر وعظات هذه الحادثة منحصرة عليها دون أن تنسحب على التاريخ العربي بأكلمة وعلى الدولة الأموية العربية ثم العباسية ، لنصل في نهاية شهر محرم وعبر كل الخطب الدينية والندوات واللطميات بأن العرب بلا تاريخ أو حضارة وأنهم وفي نهاية المطاف مجموعة أعراب حين يخرج المهدي المنتظر من سردابه سيقتل منهم مباشرة سبعون ألف انتقاما لمقتل جده الحسين !.
بات من الطبيعي أن هذه الطقوسية التي تقام كل سنة خرجت عن سياقها الديني المفترض إلى التحريض الدائم وبث الكراهية السوداء وتجيش المذهب لصالح ملالي قم لكي يستخدمونها وقت الحاجة كما فعلوا ونجحوا في العراق وكما يفعلون الآن في لبنان وأخيرا في البحرين ، فهيمنة إيران وتوسع نفوذها في المنطقة العربية كان داخل حصان طرواده المذهبي الصفوي الموغل في عرقيته وتطرفه ، فهناك حسابات تاريخية حتى الآن لم يستطيعوا الفرس أن يتجاوزها مع العرب أما شعاراتهم الكبرى من محاربة الشيطان الأكبر أمريكا ، فهي شعارات جوفاء سقطت كلها في التحالف الوطيد بينهم في العراق حيث أن الأمور تجري وبشكل سلس رغم أن الأمريكان لقمة سهلة وتحت أياديهم إلا أنهم وحتى الساعة يرفضون إعلان الجهاد ضدهم ويتعاونون معهم بشكل مبهر ضد المقاومة الشريفة التي تريد أن تحرر بلادها من الاحتلال ، مما يعطي انطباع بأنه سيأتي وقت وتعقد صفقة كبرى بين إيران والولايات الأمريكية المتحدة على حساب العرب .
هذا الكلام لا يعني بأن أمريكا خارجة عن كل ما يحدث هنا ، ولكن أمريكا عدو واضح ولديه أهدافه المعلنة وهي حتما المتسببة الأولى بكل ما يجري في المنطقة وهي أحد أهم أسباب تغول النفوذ الإيراني في المنطقة ، لكن تكمن خطورة الوجود الإيراني باستخدامه خطابا غير واضح المعالم ، فهو يدعي أنه يريد من العرب أن يقفوا معه تحت رآية الإسلام بينما هو يلتهم العراق بكل شراهة ويمارس بها أقذر أنواع التصفيات والقتل والتحريض المذهبي ويقف بقوة أمام أي محاولة للتصالح بين طوائف الشعب العراقي الذي لم يعرف وعبر كل تاريخه هذه الحالة الغريبة عليه ويتدخل في البحرين ويثير بها الفوضى ويتحدث عن لبنان وكأنها مقاطعة تقع في ضواحي طهران ، ثم يهيج العرب فيما بينهم كلما سنحت الفرصة بحجة " يا لثارات الحسين " وأيضا تكمن خطورة المد الفارسي بأنه مشروع ثقافي متكامل وليس منحصر بالقوة العسكرية أو النووية ، فهم يعملون على مشروعهم هذا منذ بداية ثورتهم والآن يحصدون كل ما عملوا من أجله .
لا أحرض طائفيا ولا أنحاز لمذهب ضد سواه ، وأذكر بأن التشيع هو عربي في المقام الأول فكيف سمحنا للفرس بمصادرته منا وتشويهه بهذا الشكل ، واذكر أيضا بأن الشيعة العرب هم في نهاية المطاف أقلية مذهبية بين بحر سني مترامي الأطراف وليس من مصلحتهم التخلي عن عروبتهم في أي وقت من الأوقات لأن إيران دولة عرقية في المقام الأول ولنا في أخواننا الأهواز عبرة لمن أراد أن يعتبر .
التمذهب أسوء ما أنتجته الثقافة الدينية وأكثر العوامل تمزيقا للحمة الوطنية بين أبناء الشعب الواحد لا يستفيد منها إلا قلة مما لا تهمهم سوى حصد " الخُمس " من الفقراء وتكديس الأموال من النذور والكفارات ، والتمذهب لا ينتج سوى ثقافة رجعية تجعلهم يعيشون منفصلين عن واقعهم وكأنهم ما غادروا أبدا أحداثا تاريخية ظلوا يكررونها كلما سنحت لهم الفرصة بشكل ممل وبائس وكئيب يرمز إلى المأزق الثقافي الذي تعيشه تلك العمائم التي لم تعد تستطيع أن تتنفس إلا حقد وضغينة وكراهية ، وهذا بالتأكيد مخالف للدين الإسلامي القائم على المحبة والتسامح والإخاء .