مأرب برس – خاص

جلس بيننا : ثم روى هذه الحكاية : أنه حين جاء الرئيس الإيراني إلى اليمن وزار عدن قال للرئيس علي عبدالله صالح بأن إيران مستعدة بأن تنشئ لليمن محطات وقود نووية تساعدها على حل مشكلتها في الكهرباء شريطة أن تقوم اليمن بإغلاق باب المندب أمام الأمريكان .

من قال هذه الراوية هو شخص مبهور بالعنفوان الإيراني الصلب والذي يقف في وجه التكبر الأمريكي في المنطقة ، متناسيا أن إيران أكبر حليف لواشنطن في العراق وأنه ومن باب أولى أن يقوم الرئيس الإيراني بالدعوة للجهاد ومحاربة الاحتلال في العراق وخاصة أن من يحكم العراق الآن هم أتباع إيران بدءً من السيستاني ومرورا بأولاد الحكيم وحزب الدعوة وفيلق بدر حتى جيش المهدي وزعيمه مقتدى الصدر ، ولكن وعوضا عن ذلك لا نسمع من الإيرانيين إلا دعمهم المتواصل للعملية السياسية القائمة في ذلك البلد العربي المحتل، والذي تعني بأنه يجب التعاون مع الأمريكان وطاعتهم وعدم التصادم معهم وتنفيذ كل أجندتهم ماداموا هم على سدة الحكم .

لكن لو كان الأمر مجرد انبهار سطحي بالصوت الإيراني وأن هذا الانبهار هو من منطلق سياسي ، لكان الأمر مفهوما حتى وأن اختلفنا معه ، لكن المثير للاستغراب أنه من جلس يروى لنا هذه الحكاية يبدوا أنه تشيع وأعتنق المذهب الجعفري على الطريقة الإيرانية ، وهذه ليس المرة الأولى التي أصادف بها أشخاصا من هذا النوع ، بل أن ظاهرة التشيع في اليمن باتت مقلقة جدا ومؤثرة بشكل واضح على وحدة النسيج اليمني الذي هو أصلا يعاني من حالة شبه انهيار تامة في منظومته الأخلاقية والثقافية .

لا أملك أي نزعة طائفية تجاه المذاهب الإسلامية الأخرى ، وأنا أعتبر أن المذهب الشيعي هو أحد المذاهب الإسلامية وأن الخلاف فيما بين هذه المذاهب هو نوع من الإثراء الباذخ للثقافة الدينية التي تفتح آفاقا متنوعة للمهتمين بهذا النوع من البحث ، إلا أن وجه الخطورة وضرورة التنبيه من هذا التمدد الشيعي هو أنه مذهب فقد بريقه ليتحول إلى نوع من الأساليب السياسية ألتي استطاعت إيران أن تجنده كبند مهم في أجندتها ، وأن كان العالم يقف على قدم وساق محذرا من المشروع النووي الإيراني ، إلا أن المشروع الثقافي الذي بدء مع الثورة الخمينية بدء يجني ثماره الآن بشكل واضح ، وأصبح كل متشيع هو بالضرورة يدين بالولاء المطلق لإيران على حساب وطنه الأساسي ، وأن لم يفعل فهو ليس شيعيا صافي العقيدة ، وتحول التشيع الذي هو بالأساس عربي إلى فارسي المنهج والعرق .

عاش اليمنيون قرونا طويلة في حالة وئام فيما بينهم ، و رغم التعدد المذهبي إلا أنك لا تستطيع أبدا أن تلحظ تلك الفوارق لا في المساجد ولا في المدارس ولا في التجمعات المدنية والسياسية ، بل أن النبرة الطائفية لم تظهر إلا بعد أن أخترق الإيرانيين النسيج اليمني الذي كان من الطبيعي أن يكون متهالك جراء انهيار الدولة وفساد الرئيس اليمني بشكل كبير ، وأي مجتمع يعاني مما نعانيه في اليمن من السهل اختراقه وتبديل ثقافته ، لأن عوامل المناعة غير متوفرة فيه والذي هو أيضا مستعد أن يتنازل عن كثير من قيمه أن وجد من يمد يد العون والمساعدة له .

لكن ما هي المشكلة لو كان هذا التشيع فارسي مادام يستظل تحت المظلة الإسلامية ، المشكلة أن هذا التشيع يستمد ثقافته من النهج الصفوي الذي قام في إيران والذي أمتاز بدموية شديدة ضد كل ما هو عربي وسني .

والنهج الصفوي كما يعرفه المفكر الإيراني الدكتور على شريعتي هو : \"أنها قامت على مزيج من القومية الفارسية والمذهب الشيعي حيث تولدت آنذاك تيارات تدعو لإحياء التراث الوطني والاعتزاز بالهوية الإيرانية، وتفضيل العجم على العرب، وإشاعة اليأس من الإسلام، وفصل الإيرانيين عن تيار النهضة الإسلامية المندفع، وتمجيد الأكاسرة\".

 أن هذا النوع من التشيع يتمثل لنا في الوقت الحاضر بما يدور في العراق وكيف تتم التصفيات والقتل على الهوية وكيف يستغل الدين لمصادرة هوية البلد ، وأيضا مشكلة هذه النوع من التمذهب أنه قائم على مصلحة عرق واحد فقط في إيران لا يمثل أكثر من أربعين في المائة من تعداد سكانها إلا وهم الفرس على حساب الملايين من الشيعة في العالم ، ولنا في أخواننا الأهوازيين دليل كبير إذ لا يسمح لهم حتى بأن يتسموا بأسمائهم العربية ويجب عليهم أن يلتزموا بالأسماء الفارسية أو بأسماء آل البيت فقط ، وأنا إذ أكثر هذه الأشياء لا بد أن أفيد بأن الأهوازيين العرب هم على المذهب الشيعي ، لكنهم في نظر الفرس قومية أدنى منهم ولا يجب عليهم حتى أن يتعلموا بلغتهم الأم أو أن يتحدثوا بها ، لذا علقت لهم المشانق وفتحت السجون أبوابها وتم تهجيرهم من مناطقهم مقابل هجمة تفريس طويلة الأمد تقام ضد ثقافتهم وحضارتهم العربية .

وتكمن خطورة هذا المذهب على النسيج اليمني هو ميله المستمر نحو التشكيك في كل ما هو مسلم به لدى أتباع المذهب السني ، واعتقاده المطلق بأن كل إنسان سني هو مناصب العداء لآل البيت وهو أيضا شريك بشكل أو بآخر في مقتل الحسين في موقعة كربلاء ، الشيعي الصفوي لا يعيش حاضره بل أنه يتمرغ بالماضي الدموي ، باحثا للثأر من قتلة أئمته ، ومتى ما سنحت له الفرصة لن يتوانى أبدا من أخذ ما يعتقد أنه حق وتقربا لله ولآل بيت النبي .

نعرف أن تاريخنا ليس على ما يرام مثله مثل كل تواريخ الأمم الأخرى ، لكن لا يمكن محاكمة التاريخ من خلال أجيال متتالية لا علاقة لهم به ، وأيضا وأن كانت لهم مقدرة في نبش الماضي والطعن به ، فهنالك من هم بالطرف الآخر من لديه نفس المقدرة على التشكيك بوجودهم العقدي من أساسه ، مما يخلق حالة من الاستنفار الدائم والعداء المستمر ، وهذا الشيء بحد ذاته يهدد وحدة أي مجتمع مهما كانت صلابته .

قامت الثورة الخمينية على دماء أكثر من مليون قتيل ، واستمرت في بث الكراهية نحو كل ما هو مخالفا لها ، وأعلنت إيران أنها ستقوم بتصدير ثورتها إلى الجوار ليصبحوا أتباعا لها ، وإيران وحتى لحظة كتابة هذه المقالة يبدوا أنها نجحت في تحقيق الكثير من أهدافها معتقدة أن حالة الفوضى التي تمر بها المنطقة هي أرض خصبة لنشر أفكارها ، لكن التاريخ يخبرنا بأنه ومهما طال الزمن ثمة عواقب يجب أن يجينها المتطرف والمتعالي والأحمق ، ولعله من الخير للنظام الفارسي أن يتوجه إلى شعبه الذي يعاني من الفقر وتنتشر بين جميع فئاته حالة واسعة من التذمر بسبب هيمنة الملالي على مقدرات البلد، أن الشعوب في إيران تواقة إلى حريتها وتنتظر اليوم الذي تتخلص فيه من هذا النظام الطائفي العرقي الذي أنهكها طوال السنين الماضية ولم تجني من كل حروبه الخارجية سوى الدمار والبؤس مقابل أتساع ثروة الخامئني وبقية أفراد النظام الذين يتبادلون كرسي الحكم فيما بينهم بشكل مضحك مدعين أن ما يقومون به هو نوع من أنواع الديمقراطية .

نحن في اليمن لسنا بحاجة إلى مذهب قادم من إيران ، ولدينا من المذاهب ما يكفي حتى نتواصل مع الله ، وأيضا نحن في اليمن نمتلك حضارة ممتدة تؤهلنا لاستيعاب فكرة التعددية المذهبية دون محاولة إقصاء الآخر من خلال تهميشه أو التشكيك فيه ، إننا قوم يمانيون نجيد فن الاحترام ونفهم جيدا كيف أن كل صاحب مذهب أو دين مؤمن بما لديه وأنه لا يمكن لأحد أن يلغي الآخر ، وأن من يملك حق الفصل بين كل تلك المذاهب والأديان ليس الإنسان بل هو الله وحده ولا أحد سواه .

benziyazan@hotmail.com