كهرباء الجاهلية ل أحمد غراب4
بقلم/ د.عبدالمنعم الشيباني
نشر منذ: 14 سنة و أسبوعين و يوم واحد
الخميس 11 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 04:40 م

هذه هي الحلقة الرابعة من "كهرباء الجاهليَّة" للكاتب أحمد غراب..شدني في هذا النص الإستعمال المبدع للغة وأعني به لغة النص كأداة تعبير أدبي، ثم لغة النص على ألسنة المتحاورَيْن، شخصيتي النص الرئيستين، أبي جهل وأبي لهب....مزج الكاتب -بجمال لا نظير له- بين لغة تكنولوجيا العصر الحديث ولغة عرب البادية قريش محققاً بذكاء وإبداع وتوظيف أغراض النقد للفساد السياسي المتجذر في عروق ودماء عرب اليوم في حكومة (طفِّي لصِّي(....

في هذه الحلقة سوف نعيش مع مشهد من (الكوميديا السوداء)أي الكوميديا المأساوية :مصطلح جديد في النقد..وسوف نعيش صراخاً وجلبةً وضجيجاَ ومهاترات بين الشخوص بسبب موضوع أزمة الغاز وأزمة الكهرباء في حكومة (طفِّي لصِّي(...أبرز خصائص النص في هذه الحلقة :

الكوميديا السوداء

أبو لهب: تبا لك يا أبا جهل! ألم تعلم أن سعر الغاز في كوريا أرخص من سعره في مضاربنا؟!

أبو جهل: ولماذا هو أرخص في كوريا؟

أبو لهب: لأنها تشتري المتر الغاز بثلاثة دولارات فقط، ومن مضاربنا

أبو جهل: ثكلتك أمك! ولماذا نشتريها بألف ومائتي ريال؟

أبو لهب: لأن بأسنا بيننا شديد

أبو جهل: أي بيعة هذه!

أبو لهب: بيعة سارق، بعيد عنك.

أبو جهل: ثكلتك أمك يا أبا لهب! وما حاجتك إلى الغاز وزوجتك حمالة الحطب!

نود ببساطة تعريف الكوميديا أولاً..ليس بالضرورة أن الكوميديا تعني الضحك فالضحك ضمناً في الكوميديا..الكوميديا ببساطة عكس المأساة فهي الملهاة ضد المأساة...والكوميديا تعني الحيوية والروح المرحة المنطلقة الى الحياة،هذا بإيجاز شديد وهذا هو التعريف الحقيقي للكوميديا...

موضوع هذا المشهد باختصار أن ابا جهل وأبالهب يتحاوران من أجل موضوع حيوي هام وهو الكهرباء والغاز ولكن المشاهد أو المستمع أو القارئ يضحك تارة ويتأزم تارة أخرى فهي ملهاة ممزوجة بمأساة.. طبيعة الحوار -أعلاه - بين البطلين فيه جلبة وصراخ وأخذ ورد يضحك القارئ مرة ويؤزمه ويقلقه مرة أخرى وهذه هي بالمصطلح النقدي الجديد الكوميديا السوداء.. أما الخاصية التالية فهي:

اسئلة للمحاكمة السياسية

عودوا معي أيها الجمهور الكريم الى طبيعة الأسئلة التي يسألها ابو جهل- كما في المثال أعلاه :

ولماذا هو أرخص في كوريا؟

ثكلتك أمك! ولماذا نشتريها بألف ومائتي ريال؟

أي بيعة هذه!

هنا الكاتب يحاكم –على لسان أبي جهل- رموز الفساد الذين اطفأوا اليمن وجعلوه في ظلام دامس وأناروا سماء كوريا الجنوبية ببيعهم الغاز لها من غير ثمن سوى رشوة الملايين التي قبضتها العصابة....محاكمة سياسية تدور في ثنايا النص وهذه أبرز سمات القوة في النص..

سوف نواصل هذه الحلقات -بعون الله- لنقف على جمالية إستعمال اللغة في النص وسنخصص الحلقة الأخيرة لسرد عيوب النص من وجهة نظر علمية نقدية موضوعية أيضاً..

***

النص

عمت صباحاً يا أبا لهب! إلى أين تمض يا أخا العرب؟

- سأذهب لجلب دبة غاز من كوريا الجنوبية.

- ويحك يا رجل! أصبأت عن غاز آبائنا وأجدادنا؟ تالله لأقلبن بعيرك بترولا بدلا من الغاز!

ـ تبا لك يا أبا جهل! ألم تعلم أن سعر الغاز في كوريا أرخص من سعره في مضاربنا؟!

ـ ولماذا هو أرخص في كوريا؟

ـ لأنها تشتري المتر الغاز بثلاثة دولارات فقط، ومن مضاربنا.

ـ ثكلتك أمك! ولماذا نشتريها بألف ومائتي ريال؟

ـ لأن بأسنا بيننا شديد.

ـ أي بيعة هذه!

ـ بيعة سارق، بعيد عنك.

ـ ثكلتك أمك يا أبا لهب! وما حاجتك إلى الغاز وزوجتك حمالة الحطب!

في ساحة قريش يخرج أبو الحكم على الملأ ويهتف بعلو صوته:

ـ يا قوم! لقد صبأت الكهرباء ورب الكعبة! بين كل هنيهة وهنيهة "طفي لصي"، حتى أحرقت غسالاتنا وثلاجاتنا وتلفزيوناتنا...

ـ إنه الماطور، إذن!

ـ وما الذي جلبك على الكهرباء وفواتيرها وسعر الكيلو الكهرباء قد بلغ مبلغه وديونك لخزاعة صاحب البقالة قد تجاوز كل حد بسبب الشموع.

ـ وماذا أفعل؟!

ـ ألست جارا لأبي لهب؟

ـ بلى.

ـ إذن، وفر على نفسك واربط سلكا من رأسه وولع ببلاش.

ـ ويحك يا شعتنة! ألم تعلم أن البلاش يجيب العمى والطراش!

ـ جل سادة القوم وكبرائهم يولعون ببلاش، وأنت واحد منهم.

يذهب أبو الحكم إلى دار أبي لهب ويطلب منه أن يربط له سلكا من رأسه، فيرد عليه أبو لهب:

- أكلتك أمك يا أبا الحكم! وكيف تريد أن أربط لك سلكا وأنت بلا "عداد"؟

ـ ويحك يا أبا لهب! أنسيت أننا نهرب الديزل معا، ومعنا محارب بن فهر؟!

ـ فلتصمت أيها الأحمق! وسأربط لك سلكا من الضغط العالي.

****

شاعر وناقد يمني

a.monim@gmail.com