الفوائد من تأخر الثورة اليمنية؟
بقلم/ د . بلال حميد الروحاني
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 23 يوماً
السبت 02 يوليو-تموز 2011 11:20 م

جاءت الثورات العربية وفاجئت العالم, وبدأ العالم يحسب لها كل الحسابات, أما شعوب الدول العربية فكل شعب أخذ العبرة من الدولة الأخرى, أما الحكّام فلا يتعظون من بعضهم البعض, لأن الله تعالى أعمى قلوبهم وأبصارهم, ولما جاءت الثورة اليمنية تميزت عن غيرها بميزات عديدة, فأذهلت الداخل والخارج وغيرت كثيراً من التصورات, وبلورت عدداً من الأطروحات, وأراد الله لها الخير الكثير للداخل والخارج, وتأخرت كثيراً حتى ظن البعض أن التأخير ليس في صالحها, ولكن كما قال الله تعالى (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء : 19]), فتأخر الثورة اليمنية له فوائد كثيرة منها:

1) إن التأخر في الثورة لملم الجراح وَوَحَّد الشعب اليمني جنوباً وشمالاً ضد النظام الفاسد وتحت راية واحدة هي إسقاط النظام, فحدد الجميع من هو السبب في الجراح, ومن هو السبب في إفشال الوحدة ومن هو السبب في زرع الفتنة ومن هو السبب في الخراب والدمار فاتحدوا جميعا على إسقاط النظام مع الحفاظ على الوحدة.

2) هناك أطراف تستخدم السلاح منذ فترة طويلة محاولة خرق هذا النظام, ولكنها فشلت وجاءت الثورة الجديدة بصورة سلمية, ولو أسقطت النظام في وقت قصير لقال صاحب السلاح أنا من هزَّ النظام ولم يبق له إلا القليل, وسيحاول أن يفرض نفسه, ولكن مع تأخر الثورة أيقن صاحب السلاح أن من أسقط النظام هو صاحب الثورة السلمية الصابر الصامد.

3) تأخُّر الثورة مدرسة تربوية لكل أطراف الشعب اليمني القبائل والمثقفين والأميين والأحزاب والمنظمات وكل الأطياف, آمن الجميع بالسلم طريقاً للتغيير وأنه لا فائدة من العنف, فالعنف الذي كان يتمسك به البعض تركه وآمن بالسلم.

4) تأخُّر الثورة أوصلها إلى كل بيت, وإلى كل فرد, فمن لم يؤمن بها أو كان لا يلقي لها بالاً, أصابه من دخنها وآمن الأغلب بالتغيير.

5) النظام في اليمن يجيد الدعاية الإعلامية فصور للشعب اليمني أنه الأفضل والأجدر في حكم البلاد, ولا فساد عنده بل وجعل الحاكم مقدساً, فجاءت الثورة فكشفت للناس حقيقة هذا النظام وأبدت كل عوراته, وأزالت تقديس الحاكم عن المجتمع اليمني, وأوضحت للناس الحقيقة الكاملة عنه.

7) لو نجحت الثورة سريعاً وتشكل نظام جديد, ولم يرق لمجموعة من الناس لنزلوا الشارع يطالبون بإسقاطها, وسيصبح الأمر مهزلة لكل صاحب هوى, وتأخُّر الثورة يجعل من إسقاط أي النظام ليس بتلك السهولة, ولكنه يحتاج إلى إرادة شعبية واسعة.

8) تأخُّر الثورة أوصل رسالة لكل الشعوب العربية الساعية لإسقاط أنظمتها المستبدة أن يصبروا ولو طال الزمن, ولا يايئسوا من تأخُّر ثوراتهم, ولا يبنون في تصورهم سرعة ثورتي مصر وتونس.

9) قال لي أحد الأخوة من إحدى الدول العربية أن أكثر شيء أذهله هو مشاركة المرأة اليمنية في الثورة بفاعلية مع الحفاظ على حجابها, والفصل التام بين الرجال والنساء, مما أعاد العزة للمرأة المسلمة أمام العالم, وأعاد الفخر بالحجاب وأنه ليس قيداً كما يتصوره بعض دعاة تحرير المرأة بل هو فخر للمرأة المسلمة, وتأخُّر الثورة يكرر المشهد بصورة يومية في العالم بأسره فينطبع ذلك في نفوسهم.

10) صوَّر النظام الشعب اليمني انه لا يعرف إلا العنف وأنه شعب متخلف وغير حضاري, فالثورة غيَّرت هذا المفهوم فأثبت على مدار أكثر من أربعة أشهر أنه شعب حكيم وحليم وصبور حضاري يؤمن بالسلم طريق للتغيير فأزال ما غرسه النظام عن الشعب اليمني.

11) تأخُّر الثورة ميَّزت كل الناس, فمن فيه خير من الحزب الحاكم أو مؤيديه انضم إلى الثورة ولم يبق في الغالب إلا الفاسد المؤيد للظالم.

12) تأخُّر الثورة بيَّن حقيقة النظام في تعامله مع شعبه على مدار سنوات, وعن الانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها, ولا يعلم بها الشعب اليمني. ليس هذا فحسب بل وبيَّن النية السيئة التي يحكم بها هذا النظام (إما أنا أو الدمار) وبيَّن أنه لا يمكن أن تكون عنده نية للقبول بالآخر وأنه لا يؤمن بالانتقال السلمي للسلطة وإن ذهبت البلاد إلى الجحيم.

13) تأخُّر الثورة أقنع الحاكم القادم أنه لا مجال للظلم ولا مجال لإقصاء الآخر ولا مجال للدكتاتورية ولا مجال لتقديس الحاكم مهما كان حسناً.

14) تأخر الثورة بيَّن حقيقة كل فرد من هو صاحب المصلحة ومن هو المخلص لوطنه ومن هو الساعي لإصلاحه بجدية, ومن هو المتقلب ذو الوجهين, ومن هو الذي يسعى لمصالحه ومآربه الشخصية.