الحاكم الخطيئة وخطيئة القائد
بقلم/ عبدالقوي الشامي
نشر منذ: 13 سنة و أسبوع
الخميس 17 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 05:59 م

دراما خطاب عيدية الأضحى تقدمها علي وتأخرها علي, تنافستاها فضائية علي اليمنية وسهيل اليمانية في فضاء الـ(عربسات), فاوصلتا العيدية الى حجر كل مثكوله ومثكول, في الداخل والخارج, دراما بطلها (دوبلير) على النجم الآفل من جهة وعلي النجم الصاعد من الجهة الأخرى, الأول استولى على غلة ثورات الآباء والأجداد والثاني (يحاول) عمل شيء ما مع ثورة الأبناء والأحفاد, دراما خطابية تلبست مسوح المناسبة ودعت ابناء الشعب ان يكونوا قرابين اضحية لسلطة, دراما تلفزيونية تفوح منها رائحة تلميع مسّبق لعلي ولاحق لعلي بمسحة (ورنيش) الديمقراطية والوحدة (النصوحة).

علي وعلي الذان عايدا اليمنيين بمناسبة عيد الأضحى المبارك, بالطريقة التي يريدان هما المعايده بها, واقرا بما ارادا هما الاقرار به من الخطايا والكوارث, التي حاقت باليمن, بفعل تحالفهما الذي مثل قاطرة شدت الجميع الى اتون الهاوية, وسكبا من العضات والحث على العمل الصالح, وكل ما فاض من سيرتهما (الصالحة), فكانت عيدية غياب صورة الحاكم الخطيئة لاول مرة, وكانت عيدية اعتراف القائد بالخطيئة لأول مره, في الوقت بدل الضائع من زمن التحالف الذي تآكل بفعل غياب البرائة. 

عيدية الرئيس حاول من خلالها اعادة تعلمينا فضيلة التمسك بالألية التنفيذية (المزّمنة) لأتفاقية صندوق الفرجة الانتخابي, واتفاقية الوحدة وحتى بالاتفاقية الخليجية, التمسك ليس بالأتفاقية, فعهد الاتفاقيات عند علي النكوث, وانما التمسك بالأليات (المزّمنه) الى يوم الدين, كما وتعلمنا فضيلة توحيد الوطن مع الذات الرئاسية, واستحالة تصور الوطن دون علي على رأسه, علي الذي مازال يأمل ببلوغ الخلاص, بالحيل المستنفذه حتى وان لم يعد في جراب الحاوي ما ينسج خيوط الوهم للمره الالف, كما وتوصينا عيدية الرئيس بالحوار من اجل الحوار, فلا طريق للحوار الا من خلال الحوار .. قيل في الماضي الشطري: أن حوار اليمنيين من اجل الوحدة الذي تطاول لعشرين عام كان اطول حوار في التاريخ المعاصر ووصف بـ(المراثوني), الا ان الوقائع التي تلت تدحض ذاك الاستنتاج, فحوار الوحدة اليمنية بلغ من العمر عتيآ, 41عام حوار, لم يبارح جمل التهاني بالعيد وعبارات النوافل عند تفجر كل ازمة, مما يدل على فشل موضوع الوحدة في اقناع المتحاورين باهميتها.

اما عيدية قائد الفرقة (بكسر الفاء) يوم الفرقة (بظم الفاء) التي جاءت يوم الوقفة الكبرى, بمبرر فضح محاولة الاغتيال, عيدية القائد تلك, فيها من المقبلات ما يضاهي ويتحدى مهآبة الوجاهة الشكلية لخطابات علي الرئاسية, اكان من حيث الأختيار الزمني, عيد ديني وليس مناسبة عسكرية, او من حيث طريقة الاخراج, علم الجمهورية في الخلفية وليس علم الفرقة او القوات المسلحة, او من خلال اناقة البدلة المدنية وليس العسكرية للقائد العسكري, وحتى حديقة الورود وميكرفونات اخوات سهيل في الفضاء الثوري اعطت لعيدية القائد رونق وصبغة غير تلك العسكرية الخشنة, اما المضمون فيعلمنا القائد, فضيلة القبول بالخطيئة والتمسك بها الى يوم قيام الثورة, بل ويعلمنا كيف للأنسان ان يكون جزءآ من الخطيئة, متحملآ وخزات الضمير لثلث قرن فقط وليس مدى العمر, فتلك نعمة اخلاقية لم تكن من نصيب علي او معمر ولا حتى بشار, عيدية القائد الثانية وان كانت قفزة الى الاعلى الا انها سهلت للجنوبيين الحصول على اقرار رسمي: ان ما يحدث في الجنوب منذ العام 1994م لم يكن سوى استعمار, ان يأتي الاقرار متاخرآ 21 عام خيرآ من الا يأتي ابدآ, اما ما يقرب من 70 الف جندي شمالي جاثمين على صدور الجنوبيين باختلاف مسمياتهم العسكرية والامنية فلهم التحية والتقدير من العليين, اي اننا نحن الجنوبيون قد نحتاج لعيد ثاني وعلي ثالث كي يتبين لنا الخيط الابيض من الخيط الأسود وهل هؤلاء جنود احتلال ام جنود شرعنة الأستعمار!

دراما عيدية العليان كانت مأساوية فكل المؤشرات توحي بان منتجيها ومخرجيها في الفضائين الـ(عربساتي) يريدون القول: أن المشكلة التي بدأت عند علي, لا بد ان تنتهي عند علي, فعلي الذي اعتقد ان عبدربه يستطيع فعل ما لا يستطيع فعله سوى على أدرك صعوبة المطلوب من عبدربه كونه يستبطن زواله, وعلي ايضآ لا يريد ان يفهم ان الزمن هو زمن الفيس بوك والتويتر ولم يعد حكرآ على (قفي), وان الناس اصبحت تفهم علي اكثر من فهم علي لنفسه .. لذا من المجدي البحث في نقاط الخلاف بين علي وعلي اللذان حكما اليمن المشطور ومن ثم الموحد بالبركة لثلاثة عقود, بحث كهذا من الاهمية بمكان تفوق اهمية الحدث الثوري الراهن, وتحديدآ بعد جمعة الكرامة, لما يوفره من فرصة لفهم المقاربة الثورية التي اقدمت عليها بعض رموز النظام, في مارس الماضي, وفهمها في سياقها الطبيعي الذي يعكس ازمة النظام بعامة, فهم يحول دون تحميل تلك المقاربة اكثر مما تحتمل من الشراكة الثورية. 

غني عن القول ان ملف التوريث كان الصاعق الذي فجر الخلاف, فلو كانت خلفة على عبدالله صالح بنات, لعز على ساحة التغيير في صنعاء ان تجد اليوم من يحميها من بطش الجيش والأمن, ولكانت ساحة الحرية بتعز قد احتلت بالدبابات في 11 فبراير 2011م, مثلما سبق وان احتلت ساحة العروض بخورمكسر في30 نوفمبر 2007م, ولو كانت خلفة صالح بنات, لما تم احلال الحرس الجمهوري محل الجيش النظامي ولأنتفت الحاجة لتهميش الفرقة الاولى مدرع, ولو كان علي مثل بن علي بدون ابن ولا بنت, لما كان بحاجة لاطلاق ايادي انسابه واصهاره على كل المؤسسات والشركات على حساب اولاد شيخ المشائخ, الذين يرون الوطن امتداد للقبيلة ويعتقدون ان التجارة مشيخة, كما ويرون في انفسهم بعد عمر مديد, الأحق من فلذة الكبد في تسنم الكرسي.

 خلال حرب صيف 94م ساد استنتاج في الساحة الأعلامية الجنوبية من خلال مجريات الأمور في صنعاء بأن: علي محسن هو البديل لعلى عبدالله صالح, حينها كانا في اوج تفاهمهما, وكان اذا ظهر احدهما اختفى الاخر تجنبآ القوع في احداثيات سقوط صواريخ سام 7 التي اطلقت مع الاسف من الجنوب على القصر الجمهوري بصنعاء خلال حربهما على الجنوب, ولم يكن يخطر ببال احد منا في ذالك الوقت العصيب ان تنتهي العلاقة بين الرجلين بدراما (أكشن) على هذه الشاكلة التي يتقاذفا فيها جنوب صنعاء بشمالها وشمال العاصمة بجنوبها, بعد ان قذفا بكل سعارهما على الجنوب لما يربو على عقدين من الزمن, ولم يدر بخلد احد منا ان يأتي يوم تكون فيه احداثيات احدهما هدفآ لكل قذائف الأخر, ولكن وعلى حد تعبير الشاعر القدير: عبدالقادر الكاف "الزمن غدار والحكمة تقول كل شي معقول".