ثورة المؤسسات.. استمرار لروح الثورة
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 24 يوماً
الجمعة 30 ديسمبر-كانون الأول 2011 05:21 م

مرة أخرى تمتد أوردة الثورة وشرايينها لتصل إلى المستوى الأدنى مما تبقى من أجهزة الدولة المفترضة مطالبة باستئصال الفاسدين والعابثين وأصحاب السلوك المستهجن ممن ارتبطوا برأس الفساد والاستبداد في هذا البلد.

ومن غرائب الأمور أن كل المستهدفين بالاستئصال هم أولائك الذين صعدوا بالوسائل غير المشروعة من محاباة ومجاملة ومحسوبية ووساطة، وليس بالكفاءة والمؤهل والخبرة والسمعة الحسنة بين مرؤوسيهم.

ثورة المؤسسات تمثل بعدا جديدا في مسار الثورة اليمنية تستهدف نتائج السياسات المعوجة التي ظل رأس النظام يمارسها في إدارة البلاد، والقائمة على حشد الأنصار وتوطين الفساد وتحويل الوظيفة الحكومية إلى وسيلة لشراء الولاءات وتدريب قيادات المؤسسات على إتقان نهب الأموال وبناء أنفسهم وتوسيع ثرواتهم على حساب المال العام مقابل أخلاصهم لولي أمرهم وصانع نعمتهم فإذا كانت الثورة الأم قد تمكنت من إسقاط رأس النظام على طريق ترحيله النهائي في فبراير القادم (وعبر صندوق الاقتراع كما ظل يردد) فإن الثورة المؤسسية تستهدف استكمال ما تبقى من جذور النظام في المؤسسات وهي بذلك تزيد من أهمية استعادة المؤسسات التي حولها رأس النظام إلى أوكار لصناعة الفساد.

ما يميز ثورة المؤسسات أنها استوعبت الكثير من القوى التي ظلت محايدة تجاه الثورة وتنظر إليها في كثير من الحالات على أنها تعني السياسيين وحدهم، لكنها عندما أحست بأن الثورة تعني الحرية والكرامة واستعادة الحقوق المنهوبة وإنصاف ضحايا الظلم والسلب والنهب، ما لبثت أن احتلت موقعا الطبيعي في قلب الثورة وميدان حركتها.

وغالبا ما يسأل السائلون لماذا تأخرت هذه الثورة ولم تنطلق مع انطلاق الثورة الشبابية الأم؟ وهو سؤال مشروع وله ما يبرره، لكن الملفت للنظر أن هذه الثورة ارتبطت بذهاب رأس النظام واقتراب نهايته السياسية والمعنوية من واجهة اليمن السياسية، وهي تحمل مجموعة من الدلالات أهمها أن المستهدفين في هذه الثورة وهم في الغالب إما مدراء عموم المؤسسات التي تشهد هذه الثورة أو نوابهم أو مدراء الدوائر المالية، إن هؤلاء كانوا أقوياء طوال العقود التي مضت ولكن ليس بما يتمتعون به من حب المرؤوسين واقتناعهم بتلك القيادات، ولا بالقدرات الاستثنائية التي يتمتعون بها دون سواهم من الكفاءات، بل بما يتمتعون به من نفوذ وسطوة وفرهما لهم رأس النظام هذا النفوذ وتلك السطوة الذين انقشعا بمجرد ذهاب من كان يوفرهما وهو ما يعني أن الذين راهنوا على رأس هذا النظام في تكوين أنفسهم إنما ظلوا يتكئون على قوة ليست قوتهم ومشروعية ليست مشروعيتهم وحق لا يمتلكونه إنما كان مصدره طرف آخر لا سند له ولا حجة، وعندما تنحى ذلك المصدر وتكشفت الأمور اتضح أن هؤلاء أضعف من أن يتبوأوا تلك المكانة وأضيق من أن يملأوا كراسي المناصب التي يقعدون عليها.

وعندما يتعلق الأمر بسياسة الفساد والظلم والاستكبار التي ظل هؤلاء يمارسونها طيلة فترة إمساكهم بمقاليد الأمور في تلك المؤسسات، فإن المسألة تزداد بعدا وتبلغ من الجدية ما يجعل الثورة تنتقل من ساحة السياسة إلى ساحة الحقوق المصيرية للناس والقيم الأخلاقية للمجتمع وهو ما يجعل الثورة شعبية وطنية اجتماعية اقتصادية أخلاقية وتربوية بكل ما تتضمنه تلك المعاني والمفردات.

ثورة المؤسسات جزء أصيل من الثورة الأم ومواصلة لخطها ومسيرتها التي لن تتوقف حتى يبلغ كامل أهدافها، وهي إذ تبعث برسالة بليغة المضمون لكل أركان نظام صالح فإنها تقول لكل الفاسدين ممن اعتمدوا على رأس النظام في كل حياتهم العملية والوظيفية: لا تطمئنوا فالثورة ستصلكم أينما كنتم ومهما كان موقعكم السياسي والوظيفي.

برقيات :

*  ما يلفت النظر هو أن بعض المدراء ما يزالون يعتمدون البلطجة والسلوك السوقي في مقاومة إرادة العاملين المطالبين بحقوقهم، ولم يتعظ هؤلاء من تجربة كبيرهم الذي علمهم البلطجة حينما عجز عن الوقوف ضد إرادة الشعب.

* الزميل البرلماني أحمد صوفان، نائب رئيس الوزراء، وزير التنمية والتعاون الدولي قال أمام البرلمان ما معناه أن حكومة الوفاق الوطني إذا ما فشلت في مهمتها ستدخل التاريخ من أسوأ أبوابه، ونسي أن يقول لنا:من أي باب دخلت التاريخ تلك الحكومات المتعددة التي كان فيها وزيرا مهما لعدة سنوات؟

* قال الشاعر الفيلسوف أبو العلا المعري:

لا تفرَحنّ بفألٍ، إنْ ســــمعتَ به؛   ولا تَطَـــــــــيّرْ، إذا ما ناعِبٌ نعبا

فالخـــطبُ أفظعُ من سرّاءَ تأمُلها؛    والأمرُ أيسرُ من أن تُضْمِرَ الرُّعُبا

إذا تفـــــــــكّرتَ فكراً، لا يمازِجُهُ    فسادُ عقلٍ صحــيحٍ، هان ما صعبُا

فاللُّبُّ إن صَحّ أعطى النفس فَترتها   حتى تموت، وســـــــمّى جِدّها لَعبِا

زيادة الجـــــــسمِ عنَّت جسم حاملهِ إلى الــــــترابِ وزادت حافرا تعبا