الحصانة في المنظورين الدولي العام والإقليمي المحلي
بقلم/ د. محمد أمين الكمالي
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 11 يوماً
الثلاثاء 10 يناير-كانون الثاني 2012 05:58 م

باسم السفير الأمريكي وباسم رغبات حكام بلاد النفط الجائرة أصحاب المبادرة يتم تمرير قانون الحصانة المعيب والمشئوم ووفقا للنص المسرب فإنهم إما يريدون أن يختبروا صبرنا كما فعل الطاغية حين راهن علي قوة احتمالنا وهو يتمادى في طغيانه آو أنهم يريدون أن يختبروا إنسانيتنا وكرامتنا بهذا الشكل الذي ينتهك ابسط واخفض حدود الآدمية كونه غطاء غير مقبول لتشريع وإباحة سفك دمائنا .

أتت الحصانة ومن قبلها المبادرة بعد سفر وسفريات في الخليج ومضايقه والاتجاه للشرق ومكائده والإنحاء للغرب ومخالبه ,, وقد تكون قوانين العفو التي يشرف عليها المجتمع الدولي مقبولة في حالات إخماد النزاعات وتصفية الحروب الأهلية ولمنع المزيد من سفك الدماء بدافع الانتقام الذي يؤدي للانجرار إلي مزيد من العنف , إلا انه حتى في هذه الحالات لا تشمل ارتكاب مجازر جماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحروب وفي سبيل ذلك يجب أن يتم تحديد الجرم بجلاء وتحميل المسؤولية القانونية والجنائية للمدانين ثم العفو بقانون في إطار عام ووطني بعد المحاكمة والمحاسبة ليأتي دور المسامحة و إسقاط العقوبة مع إجرائات كالحرمان من ممارسة العمل السياسي ,, أما أن يتم التعدي علي حقوق الضحايا بكشف الحقيقة والتحقيق فيما ارتكب ضدهم من جرائم و فظاعات فهذا غير مقبول لأنه يؤسس لبيئة وإطار يشجع القتل والإجرام وليس المصالحة والتسامح .

أما الحصانة والتي تمنح في حالات محدودة ولمدة معينة لأشخاص آو هيئات تعفيها من الملاحقات القانونية أو الوقوع تحت طائلة الجهاز العدلي في فترة لاحقة خلال مدة عملها أو أدائها لمهمة معينة وذلك لكي لا تحصل إعاقة بسبب تضارب بين الإجرائات القانونية وضرورة عدم عرقلة سير عمل ذلك الشخص أو المؤسسة وأدائها لمهمتها وعدم إلقاء القبض علي الشخص أو ملاحقته إلا وفق لضوابط معينة أو في حالة التلبس بالجرم المشهود ولمنع ارتكاب جريمة مع الاحتفاظ بالحق الكامل في مسائلة المعني بالحصانة عن أي جرائم أو مخالفات أو انتهاكات للقانون خلال تلك الفترة فور انتهاء الحصانة المرتبطة بطبيعة المهمة أو الوظيفة التي يؤديها ,, فالحصانة ليست شيك مفتوح أو تصريح لارتكاب الجرائم بدون ضابط أو مانع ولا تجعل حاملها فوق القانون إنما هي حماية من الإجراءات بافتراض البراءة وعدم المخالفة للقانون لحين توفر الظروف الملائمة والشروط اللازمة للبدء في تلك الإجراءات القانونية .

ولكن ما هو أمامنا بعد التأكيد علي الرفض الكامل لأساس فكرة الحصانة المنبثقة من المبادرة جملة وتفصيلا وشكلا وموضوعا إلا أن النص المسرب يعطي صورة تتعدى فكرة الحصانة أو قانون العفو ليعطي تصريح مفتوح للقتل والإجرام وذلك لكل من شارك في جرائم النظام , قبل الثورة أو بعدها , قبل التوقيع علي المبادرة أو بعده , قبل صدور القانون أو بعد صدوره , فحتى لو ارتكبت جريمة بعد صدور القانون وكان هناك أي جهد لملاحقة ومحاسبة مرتكبيها سيقف القانون فوق الدستوري وفوق الإنساني وفوق المنطقي المسمى قانون الحصانة أمام من يحاول ذلك وسوف يواجه الضحايا بمنطق عدم سفك المزيد من الدماء وتجنب الحرب الأهلية واحترام المبادرة الخليجية التي أصبحت مثل معاهدات السلام العربية مع العدو الصهيوني وقرارات مجلس الآمن التي لا تطبق إلا باتجاه واحد وعلي طرف واحد هم الضحايا بينما يتمتع الطرف الأخر بالحصانة الملعونة وفيتو المبادرة القاتل .

إن الطاغية لا يهتم فعلا بالمبادرة أو بقانون الحصانة الذي طلبه وأصر عليه كشرط تعجيزي ومحاولة منه لدفع المعارضة لرفض المبادرة بحيث يستطيع المجاهرة بحملة القتل والقمع التي يرتكبها ضد المدنيين كحرب شرعية للدولة ضد متمردين ,, في استمرار لأسلوبه الذي كشفت عنه وثائق ويكلكس باستخدامه أسلوب دفع المعارضين لتبنى الخيارات التي يريدها فيبدو قبوله بها تنازل منه وعندما استخدم الشروط التعجيزية في طوق نجاته المتمثل بالمبادرة وأمام الإصرار الرهيب علي تلك المبادرة من الأحزاب السياسية المعارضة لم يعد أمامه إلا أن يستخدم الحصانة كوسيلة إذلال لهم من خلال إحراز نصر معنوي وشكلي على الشهداء والثوار ووضع المعارضة في هذا الوضع المشين من خلال إقرارهم الحصانة .

إلا أن ما يؤمن به الطاغية فعلا ويعتمد عليه في الحصانة هو القوة التي يملكها علي الأرض وقد صرح بذلك عندما خاطب منتسبي الحرس الجمهوري في معسكرهم قائلا لهم انتم السلطة ولو تخلينا عن بعض الشكليات فلن نتخلى عنكم أي عن السلطة وهم الحصانة الحقيقية التي يحصن نفسه بها من خلال قدرته علي التحكم بهذه القوة النوعية التي رعتها الولايات المتحدة والتي ظل الطاغية يعدها منذ زمن لهواجس مثل هذه الأيام ولتكن أداة توريثه السلطة بوضعها في يد أبنائه ,, وهو لن يتردد بالهروب من مئازقه و أزماته بالحرب كعادته .

المصيبة في ما يفعله وزراء ونواب المعارضة بإقرار هكذا قانون أسواء من القتل لأنه سيكون تحليل وشرعنه وقوننة للقتل ( كمن يفتي بحلية المحرمات فيكون جرمه أسواء من مقترفها) بما يتناقض مع ابسط المسلمات البديهية والعقلية و الفقهية القانونية ونصيحة لكل نائب أو وزير أن يبراء إلي الله من المشاركة في مثل هذه الجريمة وليعودا لحقيقة عدم دستورية أو شرعية تمثيلهم للشعب كما فعل الراحل العظيم فيصل بن شملان رحمه الله عندما استقال احتجاجا علي تمديد المجلس بغير حق .

إن أسواء ما يمكن أن تفعله هذه التسوية هو الخطر بان يتم إعادة إنتاج النظام بوجوه مختلفة وان " الشهداء لهم الجنة " وعلى الشعب القبول بالواقع وبما هو موجود لأنه أفضل ما يمكن وبالتالي تكون الثورة خطيئة كبرى لأنها لم تفعل شيء سوى التسبب بسقوط ضحايا حسب منطقهم وأدت إلي تيتم الأطفال وثكل الآسر لأبنائها دون فائدة ونعود لنقطة تحت الصفر بكثير بعد أن أشبعت البلاد بآلاف الثارات والمشاكل الإضافية للتركة الثقيلة الموجودة أصلا وسندخل في مرحلة تفكك سياسي واجتماعي واقتصادي بسبب الثورة المضادة التي تحاول قتل الثورة من داخلها .

** ملاحظة : أسف علي الإطالة ولكن ,, لم تمر الأيام السبعة الأولى من الشهر الأول في العام الجديد إلا وقد فقدت اليمن عدد من الشخصيات من جيل الرواد منهم اثنين في القاهرة وما أحببت أن أشير إليه وبغض النظر عن سيرتهما الحافلة علي إلا أنهما اشتركا في صفة مميزة فالدكتور عبد الرحمن البيضاني احد أوائل الجامعيين والأكاديميين في تاريخ اليمن الحديث والصديق الطيب الدكتور عبد القدوس المضواحي هو احد أوائل الأطباء في اليمن فعليهما من الله الرحمة وعلي كل شهداء اليمن في كل الثورات .دد من الشخصيات من جيل الرواد منهم اثنين في القاهرة وما أحببت أن أشير إليه وبغض النظر عن سيرتهما الحافلة علي إلا أنهما اشتركا في صفة مميزة فالدكتور عبد الرحمن البيضاني احد أوائل الجامعيين والأكاديميين في تاريخ اليمن الحديث والصديق الطيب الدكتور عبد القدوس المضواحي هو احد أوائل الأطباء في اليمن فعليهما من الله الرحمة وعلي كل شهداء اليمن في كل الثورات .