عيد الماما وموت البابا!
بقلم/ د. محمد حسين النظاري
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و يومين
الخميس 22 مارس - آذار 2012 06:56 م

تواصلت مع احد أصدقائي في مصر المحروسة، اثر رسالة تلقيتها منه والتي سألني فيها عن أحوال بلدي (اليمن)، وكيف تسير فيها الأمور بعد الانتخابات الرئاسية، وان بدا صديقي متحاملاً على الأوضاع التي آلت إليها "الثورة"، وان المبادرة الخليجية ابتلعتها، وان ما تحقق لا يعدوا حملاً كاذباً.

قلت لصديقي دعني بدوري أسألك طالما وأنت حصيف لهذه الدرجة بأمور اليمن، فستكون بلا ريب أكثر حصافة بأوضاع أم الدنيا، أم أن باب النجار مخلع؟ أجابني: ولا مخلغ ولا حاجة، اسأل بتلاقي الإجابات الشافية، فسألته كيف هي الأوضاع عندكم – كنا حينها في 18 من مارس الجاري- فأجابني: نحن بين عيد الماما وموت البابا، واندهشت لإجابته، واعدت عليه نفس السؤال وكرر ذات الإجابة.

صراحة لما افهم وبعد إلحاح مني عليه لتفسير كلامه، اخبرني أن الشارع المصري يشترك مع بقية الشعوب في الإعداد للاحتفال بعيد الماما (الأم) المصادف ل21 من مارس، غير انه ينفرد عن الباقين بأحزانه لموت البابا، ويقصد به البابا شنودة الثالث بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية، الذي توفى يوم السبت 17 مارس عن عمر يناهز 89 عاماً.

فقلت له يعني خلاص حليتم كل المشاكل وأصلحتم جميع الاختلالات حتى صارت أموركم مثلما تقولوا (مية مية)، ولم يبقى لكم إلا التفرغ للبابا والماما، فأجابني لا مش مية مية، بس إحنا أحسن منكم بكثير، مع أني لا افهم ما هو مجرى التحسن الذي يقصده؟، ولا في ماذا هم أحسن منا؟ إلا إذا كان يعني أن إقامة الأذان من احد نواب مجلس الشعب في إحدى جلساته، يعد انتصاراً مذهلاً لأنها سابقة فريدة من نوعها، أو صعود احد مرشحي حزب النور لذات المجلس بسبب انف مزيف، يمكن أن نطلق عليها الثورة الكاملة، أو أن الإفراج عن الجماعات الممولة أمريكيا بدون محاكمات يمكن أن نطلق عليه سيادة كاملة على التراب المصري.

وضعنا في اليمن لا يمكن أن نقيسه على دولة أخرى، ونحن لسنا مشغولين، لا بعيد الماما ولا البابا، مشكلتنا غير مشكلتكم، وبالتالي فالحل يختلف باختلاف السبب، مصر أم الدنيا على عيني وراسي بس اليمن اصل الدنيا، وما كان لدينا من تجارب ولو بسيطة في عالم الديمقراطيات الناشة، هو أفضل من الآخرين.

ما أريد قوله أن لكل بلد خصوصياته، ولا يمكن إسقاط الحلول على جميع البلدان، لأن مسببات التغيير فيها متعددة، وان اجتمعوا جميعاً في ضرورة تغيير رأس الدولة، إلا أن اجتثاث المؤسسات القائمة يعد كارثياً، ويخلق حالة من الفوضى العارمة، ولهذا فإن الحل اليمني جاء على قاعدة الخروج بأقل الخسائر، وان نبدأ من نصف الطريق خير من أن نعود إلى بدايته.

ولهذا فإننا في اليمن محظوظين بما وهبنا الله به من موقع استراتيجي مهم، يجعل العالم يفكر ملياً في استدامة الصراعات التي لن تنتهي لو توسعت، ومن اجل ذلك جاءت المبادرة الخليجية والياتها المزمنة لتوجد أرضية مناسبة يسير عليها الجميع ليبلغوا آخر الطريق الذي يحقق للجميع مراده.

المشكلة في الآخرين الذين يريدون أن نكون نسخة طبق الأصل فيما حل بهم، وهنا نتساءل لما لم ندعهم ليكونوا هم نسخة مماثلة لحلنا، لا لشيء إلا لإدراكنا أن ما يصلح لدينا ليس بالضرورة أن يصلح في مكان أخر.

بمناسبة عيد الأم، وهي عادة غريبة تجعل للام يوما واحدا نحتفل بها فيه، الأم التي حملتنا في بطنها 9 اشهر، نستبدلها بيوم واحد، الأم التي أرضعت حولين كاملين، نقابها بذكرى يوم فقط، الأم التي ربت سنين طويلة سهرت للمرض وخفق قلبها عن الامتحان، وزادت لوعتها عن الغياب، كل ذلك يريدنا البعض أن نجعله في يوم واحد.

أن كل أيامنا هي أعياد للام الحنونة الصبورة المجاهدة، فلأمي –يحفظها الله- ولكل أم كل يوم وأنت بصحة وعافية، وكل لحظة وأنت ترين ثمرة جهدك شجرة يانعة متمثلة في أبناء صالحين، يجعلون كل أيامك أعياداً وليس فقط في الحادي والعشرين من مارس.