الجنوب والشمال بين الامس واليوم
بقلم/ احمد صالح الدثني
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 27 يوماً
الأربعاء 28 مارس - آذار 2012 08:01 م

معظم شباب الفيس بوك لا يعرف كيف توحد الشمال بالجنوب ولماذا توحدوا وهل لأي منهم فضل على الاخر ام جناية عليه وكيف كان وضع البلدين قبل الوحدة, لذلك نحاول في موضوعنا تسليط الضوء على واقع الشمال والجنوب قبل الوحدة اجتماعيا وسياسيا لكي تتضح الصورة ويحكم القارئ على النتائج عن دراية متجاهلين الشعارات وتحريف التاريخ.

الجنوب قبل الوحدة:

بعد رحيل بريطانيا عن الجنوب استمر الصراع بين القوى السياسية واستمر الخلاف حول التوجه السياسي للدولة. فمنهم من يميل نحو القومية العربية وقد يكون ذلك هو الغالب وكان اول اجتماع للجبهة القومية في مدينة تعز على اساس قومي عربي, الا ان ذلك لم يدم طويلا حتى توجهوا الى المعسكر الشرقي تحت تأثير وتدخل وارشاد (الرفاق) الفلسطينيين فاصبح بعد ذلك اليمن الجنوبي هي البلد الوحيدة في الشرق الاوسط وجزيرة العرب الذي للنفوذ الروسي سطوته فيها وهي البلد التي انتهجت وطبقت النظام الاشتراكي السائر في طريقة نحو الطور الاخير وهو النظام الشيوعي المعمول به في جمهوريات السوفييت الاشتراكية آنذاك. هذا النفوذ والتبعية لنظام ماركس وانجلس جعلت من اليمن الجنوبي دولة يخشى منها ويحسب لها الحسبان كونها تعتمد اعتمادا كليا: سياسيا واقتصاديا وعسكريا، على الاتحاد السوفييتي, احد القوتين العظميتين في العالم. كما ان روسيا تتخذ من جنوب اليمن قاعدة عسكرية وبوابة للمد الشيوعي على الشرق الاوسط وجزيرة العرب تضاهي اسرائيل، التي تنتمي للمعسكر الغربي.

لم يأتي هذا الوجود والولاء المطلق لسياسات الروس ونهجهم الا من خلال ايمان نخبة من قيادات التنظيم السياسي الحاكم في جنوب اليمن بكل المبادي الماركسية الشيوعية حسبما قراؤوها او قرئت عليهم دون الرجوع للهوامش والحواشي ودون التفكير فيمن رسمها ولمن اعدت فتجاهلوا ثقافة المجتمع ودينة. لقد سعت تلك القيادات الماركسية جادة في الترويج للفكرة واغلاق كل النوافذ الشفافة المطلة على ما دون ما امنوا به حتى تم ترسيخ هذه المبادئ في كل قيادات البلد السياسية والعسكرية وهي التي تؤهل للعمل القيادي. هذا التطرف الاعماء والايمان المطلق وتحريم التفكير او طرح الراي جعل قيادة البلد تعيش في دائرة مغلقة تماما لا يوجد الامن والقبول الا في داخلها فاصبح جلب اي فكرة او راي لا ينبثق من مبادي النظم الاشتراكية كبيرة من الكبائر وخيانة عظما تؤدي بصاحبها الى التهلكة. اما بالنسبة للشخصيات الاجتماعية و الدينية التي لها ثقلها في المجتمع وقبولها فقد راءت القيادة السياسية في البلد ضرورة التخلص منهم ليأسهم من امكانية اقناعهم فقتل من قتل وتشردوا الكثيرين بعد ان كان يشار اليهم بالبنان فجثم الرعب والخوف في قلوب من بقوا حتى جعل من جنوب اليمن دولة يسير فيها القانون والنظام سير النسيم دون اي عراقيل ويطبق على الجميع بالتساوي. ان النهج الصريح والمعلن في الجنوب والذي كان يمارس بإخلاص وتفاني هيا ارض الجنوب ليصبح مسرح للاستخبارات الاجنبية وخصوصا من الشمال الذين لا يلزمهم الا نبذ نظمهم وابدا اعجابهم بنظام وسياسات الجنوب فتتاح امامهم فرصة التدرج في الحزب ومراتبه.

الشمال قبل الوحدة:

بعد انتصار ثورة 26 سبتمبر في الشمال ورحيل دولة الامامة التي وصل نفوذها وسلطتها الى جميع نواحي اليمن الشمالي رحلت برحيلها هيبة الدولة فأصبحت سلطة الجمهورية لا تكاد تتجاوز حدود المدن الرئيسية ويقتاتون على حساب نفقات السعودية ودول الخليج باعتبار الجمهورية العربية اليمنية هي حارس الجزيرة وخط الدفاع الاول ضد المد الشيوعي الشرقي المتمثل في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. فقد كان يظهر امام العالم عامة ودول الخليج والسعودية خاصة بانها هي خط دفاع المد الشيوعي القادم من الشرق. هذه المخاوف جعلت السعودية ودول الخليج تضخ الاموال الطائلة وبشكل دوري منتظم للجمهورية العربية اليمنية باعتبارها المقاومة للمد الشيوعي المتمثل في جنوب اليمن. لقد كانت ميزانية شمال اليمن تقع كليا على حساب تلك الدول. وما نلاحظه اليوم من ازدواج وظيفي مثنى وثلاث ورباع ما هو الا نتيجة احتساب واعتماد كل الكشوفات المرفوعة حينها من حكومة الشمال الى دول الخليج وخاصة السعودية حيث لا يقع على حكومة شمال اليمن الا رفع الكشوفات وارقامها مما يجعل الموظف الواحد يظهر في اكثر من كشف.

لقد كانت قيادة شمال اليمن تدرك جيدا حقيقة الخطر الجنوبي المزعوم ويظهر ذلك جليا من خلال القاء نظرة على جاهزية جيش الشمال والتي كانت رديئة جدا قد تصنف بانها لا تمتلك جيش نظامي بما تعنية الكلمة. وكان النظام المتبع في الشمال نظام متسامح ومستقر يتصرف بهدوء وثقة بالنفس بدون مبالغة او تكلف منفتح على مصراعيه ولو انه لا يكاد يتجاوز المدن الرئيسية تحكمه النظم القبلية والاعراف السائدة. هذه الطبيعة التساهلية البسيطة جعلت من الشمال محتضن وملجا او ممر لكل الفارين من الجنوب للبقا في الشمال او البحث عن هوية شمالية تمنحهم الاقامة الحرة في المملكة العربية السعودية. كما كانت قيادة الشمال تحتضن الفارين العسكريين والسياسيين من الجنوب عقب كل حرب اهلية دورية تحصل عادتا كل خمس الى ست سنوات. لقد استقبل الشمال قبل هؤلاء زعما القبائل الجنوبية الذين فروا عقب الاستقلال مباشرة باعتبارهم موالين للاستعمار البريطاني حسب رؤية النظام لهم وتصنيفه المعلن غير ان الواقع الذي ينطبق على الكثير منهم هو تخوف قيادة الجنوب من آراءهم المخالفة للنهج الشيوعي كونهم يحضون بقاعدة شعبية تجعل لصوتهم ورايهم صدا يخشى منه.

استغلال القوى:

كلأ الطرفين في الشمال وفي الجنوب وهم قيادة البلدين استغلوا واستثمروا القوة الروسية العظمى، ولكن كلا على شاكلته وفكره, فمنهم من اعتمد عليها كليا متخذ من فلسفتها ونهجها طريقا له ومغلقا بذلك كل الابواب الاخرى وملغي كل الخيارات الممكنة ومنهم من صنع منها فزاعة ليبتز بها جيرانه.

فتمادت وبالغت قيادة الجنوب في حفظ النظم الشيوعية ومراحل تطورها عن ظهر قلب حتى تكونت عندهم قناعات حقيقية واحرموا انفسهم وشعوبهم من كل مصادر التثقيف الاخرى فظنوا بانهم قوة لا تقهر وان نظامهم المعمول به نظام تحلم به كال شعوب الوطن العربي المغلوب على امرة خصوصا سكان شمال حسب ظنهم. لقد وصل الامر الى انه يمنع منعا باتا التفكير في غير ما قد تم تحفيضه ولو حتى التعديل البسيط في الافكار الشيوعية ومن يحاول ذلك يتهم بالرجعية والخيانة ويكون مصيره الموت هو ومن له علاقة سياسية او حتى اجتماعية به خشية انتشار العدواء. لقد شددوا على انفسهم حتى منهم في اعلى مراتب الحكم فلم يستطع اي منهم ان يطرح اية افكار تؤدي الى اصلاحات معينه او تخفف من حدة التشدد الاشتراكي الشيوعي ولو حاول احدهم سيلاقي نفس مصير الرئيس السابق سالم ربيع علي.

اما الشماليون فقد استغلوا النفوذ الروسي في الجنوب فصوروا انفسهم بانهم الحاجز المنيع للمد الشيوعي حتى حصلوا على الاموال اللازمة بصورة دائمة والتي ينالونها بفخر واعتزاز لما يقومون به من عمل نيابة عن بقية العرب. كل هذا السخاء والكرم وان وجد ما يبرره لم يستغل الاستغلال الامثل في تأسيس البنية التحتية او تأهيل المجتمع الشمالي. فقد لوحظ تخلف ابنا الشمال وعدم تفعيل القوانين طوال كل تلك الفترة . الا ان السعودية وبعض دول الخليج قد تعاملت وتتعامل مع بعض الشخصيات القبلية مباشرة فتمدها بالأموال وهي الاخرى لم تستخدمها الا للتقاتل فيما بينها.

شخصية وطبيعة الجنوبيين:

ان شخصية المواطن الشمالي تختلف اختلافا كليا عن المواطن الجنوبي فعندما ننظر الى شخصية الجنوبي اجتماعيا نجد انها شخصية يغلب عليها طابع الطيبة فسرعان ما يثق صاحبها بالغرباء فيقدمهم على نفسه وسرعان ما يتأثر الجنوبي بأبسط الكلمات فيستجاب ويقاد الا انها شخصية حقودة ودموية خصوصا فيما بينهم ومتطرفة الفكر فأما ان يكون محكوم مغلوب على امرة او حاكم متسلط سريع الغضب ومتقلب المزاج، تسيطر علية كبريا النفس وعزتها ولو كان ذلك على حساب مصالحه والتي تصبح ثانوية امام مباديه.

شخصية وطبيعة الشماليين:

اما شخصية المواطن الشمالي فقد بنيت على مبدا الفائدة والخسارة فيكون ذو شخصية متسامحة جدا متى ايقن بالفائدة المرجوة من تسامحه وتساهله وتظهر على شخصيته التجاهل وعدم المبالاة وقبول الاهانة متى ما ايقن ان من وراء ذلك مكسب. انه شعب صبور يمتاز برباطة الجأش حيث يخلو من صدورهم الحقد فيتعايشوا مع الآخر ويناقشوه ولو باذانا صما. الشمالي ايضا قوي الانتماء والولاء لقبيلته ولقيادته ويمتاز بعدم التفريط في عادات القبيلة والقرية السلبي منها والايجابي ولو سكن في لندن او باريس ولكنة تعيبه دناءة النفس من خلال حبة للمساعدة من الاخرين بالرغم من كرمة السخي في منزلة.

سقوط المعسكر الشرقي:

عند انتهى النظام الشيوعي وتفكك الاتحاد السوفيتي اصبح البلدين، شمال اليمن وجنوبه في امس الحاجة لبعضهما البعض، فقد ادرك الجنوبيين ان القوة التي يستندون اليها عسكريا وسياسا واقتصاديا قد اصبحت منهارة تحتظر. وادرك الشماليين ايضا ما آلت الية القوة العظمى التي كانوا يقتاتون بسببها. لقد تجلى للطرفين الوضع وخطورته وانه لا يمكن ان ينقذوا انفسهم ووجودهم الا من خلال توحيد اليمن. هذا الفكر وهذا الاستعداد السريع لإعادة الوحدة جاء من خلال الحاجة الملحة. فبالرغم ان الوحدة الشرعية لبلدين مستقلين لا تتم الا باستفتاء شعبي البلدين فقد لجاءوا الى تشريعها من خلال توقيع رئيسا البلدين لا دراك الطرفين ان تلك ليست الا وسيلة لسيطرة طرف على الاخر والمبنية على قناعات الماضي وأفكاره المترسخة عند كل منهما ضانا كل طرف ولا الشعب الآخر لنهجه ونظامه. لقد كانت القيادة الجنوبية تثق بان شعب الشمال سيرحبون بالنظام الجنوبي وبنهجه السياسي المتبع معتمدين على قناعات مغلوطة وعارية من الصحة رسختها شخصيات شمالية اظهرت ولاءها لنظام الحزب الاشتراكي اليمني منذ تأسيسه حتى تقلدت اعلا مناصب الدولة السياسية والادارية في الجنوب والتي بسببها اتهم رئيس وزرا الجنوب المهندس حيدر العطاس بانه انفصالي عندما تجرا وطلب فصل القيادات الشمالية من قيادة الحزب الذي يحكم شعب وانشاء لهم فرع مستقل. هذ1 العمى السياسي والاختراق الاستخباراتي جعل الجنوبيين يجهلون اثر الاسراب من القيادات العسكرية المطرودة والحقودة على من هزمهم وطردهم يوما من الايام. متناسين ايضا من يتألموا لفقدان ذويهم اغتيالا او من خلال الحروب الدورية ناهيك عن رؤوسا العشائر التي بادرت بالعودة لقراها محملة بالحقد والافكار المناقضة لا فكار قيادات الجنوب.

دمج البلدين:

ضلت نوايا الطرفين الاستعمارية هي الماثلة امام اعين القيادة ويظهر ذلك جليا من خلال تمركز اقوى الوحدات العسكرية لكل طرف حيث سعى كل منهما للتمركز بقواته في اهم المواقع الاستراتيجية للسيطرة على الاخر. وسعى الرئيس السابق علي عبدالله صالح لإعادة الجيش الجنوبي اللاجئ في الشمال الى قوات الجيش الموحد لا دراكه التام بولائهم له وبدورهم الجنوبيون سعوا لكسب رؤوسا القبائل الشمالية الذين اعتادوا ان لا يقولون \"لا\" ابدا مستثمرين المحتاج وبالمقابل تجاهلت قيادة الجنوب ابناء الجنوب باعتبارهم ذخيرة مضمونة. وخلال تلك الفترة بدأت التكتلات القبلية في الجنوب ومن ثم نبشت الثارات فتأجج الصراع بين قبائل الجنوب وبين الملاك والفلاحين. اما على الصعيد السياسي والايديولوجي فقد توحد الشماليون فدعموا قوى حزب الاصلاح الديني في الجنوب وتم جلب كثير من رجال الدين المصريين فسيطروا سيطرة تامة على منابر الجنوب مستغلين الجانب العقائدي الموحد في الجنوب فدمروا قاعدة الحزب الاشتراكي الهشة والمبنية على اساس علماني بحت يناقض ثقافة المجتمع وتاريخه. هذه المعطيات وغيرها جعلت الجو مهيا لخوض حرب صيف 94 التي انتصر فيها الشمال على الجنوب.