نظرة على الأبعاد الآنية لقرارات هادي
بقلم/ عبد الرحمن تقيان
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 8 أيام
الأحد 15 إبريل-نيسان 2012 03:31 م
 

بعد سنوات من اليأس الشديد من إزالة من يتسببون بآلام البلاد، وفي ظرف بالغ الحرج والتأخر، أقدم رئيس الجمهورية على خطوة حذرة كانت مثار التخوف والتكهنات وهي "تدوير" مناصب رموز عليا للفساد وحماة ثقافة الأمر الواقع المتمنطقة بالغلبة الحزبية والتسليحية والقبلية، وهي خطوة يحلم كثيرون أن تكون فاتحة مؤقتة لمنحهم راحة طويلة إن أراد الرئيس منح البلاد صحوة طويلة. كثيرون آخرون يقللون من أهمية مثل تلك الإجراءات المهمة في "التغيير" بدلاً عن ما أسموه "التدوير". لكن الساسة يصرون على استراتيجية الخطوة بسبب فهمهم لصعوبة إجراء تغيير فوري أكثر جرأة قد يفجر الوضعٍ الذي عمل الرئيس والحكومة خلال الفترة الطويلة السابقة على التعامل معه بحكمة وتروي. لقد بدأ الرئيس هادي بتنفيذ الخطوة متسلحاً بالشرعية الشعبية والدولية ليبدي للكثيرين من المشككين والمستهزئين وذوي الثقافة التقليدية أن عدم وضع شوارب لا يمنع هادي من الجرأة على نزع شوارب ضخمة من "القطط السمان" ووضع جوارب ناعمة لمخالبها المتكالبة على جسد نحيل لوطن مسجى يحتضر من انتفاخ بطونها من دمائه وجروحه المثخنة. 

اليوم يبدو أن هادي قد قرر فعليأً الدخول بحذر في معركة "كسر العظم" مع القطط السمان لإدراكه عدم جدوى دخوله حلبات مكافحة الارهاب في الشمال والجنوب ومكافحة صانعي الظلام الدامس في الشرق والانهيار الملحوظ للخدمات والحالة المعيشية للمواطنين بشكل عام في الوقت الذي يدرك هادي، بحكم قربه من تلك القطط أنها هي من صنعت معظم تلك المآسي، وبالتالي فإن التخلص التدريجي والآمن منها سيصب في زاوية تحسين نتائج أداء الدولة والجيش وقطع قنوات دعم القطط للقوى المعادية.

تنوّع التكتيك

لقد نوّع الرئيس تكتيكاته في تغيير خارطة القوى العسكرية التي تهدد السلم الاجتماعي، ففي الوقت الذي بدأ باقالة عدد محدود من قيادات المؤسسات وإحلال نوابهم أومن فضله الموظفون مكانهم، اطمئن عدد من كبار القيادات العسكرية نسبياً باحلال نوابهم مكانهم لتبقى نفوذهم وخططهم قائمة، لكن اقتضت الحزمة الثانية من القرارات تدوير مواقع بعض أهم العسكريين إلى مواقع أقل أهمية، بينما يدور آخرين إلى تلمّس فراء المكاتب، وبالتالي فسيلاقي المستهدفين خلال الحزمة الثالثة وما بعدها صعوبة في التنبؤ بمواقعهم المقبلة.

أبعاد قرارات الرئيس

بالرغم من ضعفها وارتهانها للمداراة النسبية، انطلقت الحزمة الثانية والأقوى من قرارت هادي، أراد بها الرئيس التأكيد على جديته في تطبيق المبادرة الخليجية من ناحية، ومن ناحية أخرى نيته تغيير خارطة ولاءات القادة العسكريين الداعمة لسلفه. فقد قام بالسماح للجميع بمراقبة اختبار قوة شخصيته الجديدة عبر إصداره قرارات جريئة بمقياسنا التقليدي (وإن لم يدعمها بإجراءات إنفاذ بنفس القوة كما يُنتظر منه) مستخدمةً صلاحيات هادي القانونية كرئيس جمهورية وقائد أعلى للقوات المسلحة وأمين عام للمؤتمر الشعبي العام، إن لم يكن رئيس الحزب بحسب لائحته التنظيمية. وفي نفس الوقت أوصل رسالة لجميع مساعدي أقارب صالح العسكريين مفادها أن عليهم مراقبة التجربة ومن ثم اختيار وتحديد ولائهم إما له أو لصالح. واختيارهم بالطبع سيرسم مستقبلهم المهني خاصةً أن هادي كان واثقاً أن قراراته ستحظى بتأييد المجتمع الدولي والإعلام الرسمي بشكل سريع.

في الاتجاه المقابل، تعطي الإجراءات الجديدة أملاً جديداً للناس وتضع حداً للتشكيك في قدرة الرئيس الذي طالما وصف بعضهم موقفه بالضعف ووصفه آخرون بالمتفق والمتآمر مع صالح ضد المبادرة. كما تعمل أيضاً على تسريع إنهاء حلم قوى التشرذم والإرهاب عبر توحيد الخارطة العسكرية قريباً وتحسين وتنسيق الأداء الحكومي والعسكري .

إن الموقف الأخير للرئيس في صناعة القرار سيؤثر كثيراً في نفسية القطط السمان المستهدفة في الحزم القادمة والتي يتوقع أن تتلقى قراراتها ،أياً كانت طبيعتها، بنفسية مطيعة وهادئة ظهرت أولها في تأكيد العميد طارق صالح ولائه لهادي واستعداده إطاعة أوامره بعد أن اختبر خطورة غلطته السابقة بعصيان هادي وفتح بوابات دار الرئاسة الشرقية للرئيس السابق ليعقد اجتماعاً بمشائخ القبائل الى جوار صالة كان يجتمع فيها هادي مع وزيرين أوروبيين. وأظهر اختبار هادي الأخير لتلك القيادات نجاحاً مبكراً جعل عامل القلق والخوف الأول في البلاد أحمد صالح يدين بالولاء التام لهادي بعد يومين فقط من القرار. 

وكعادة الكثيرين في التشكيك بنتائج تطورات تنفيذ المبادرة، يبدو للبعض عدم تغير الوضع بسبب تدوير بعض المناصب، لكنهم لا يدركون أهمية تغير استراتيجية التموضع وتغير ولاءات أفراد الألوية الهامة التي تم تبديل قادتها في ظل قيادة عسكرية عليا مختلفة. في ذات الوقت يدرك الكثيرون أهمية تعامل الرئيس بطريقته تلك كونه الأكثر خبرة من الجميع بالعقليات التي يتعامل معها وبالتالي أنواع و حدَّة الضغوط التي يمكنه استخدامها.

المؤتمر لا يزال صالحياً 

قرارات الرئيس وضعت حزب المؤتمر الشعبي العام في زاوية الاحراج، فعدد من قياداته المسئولة وصفت الرئيس هادي بالضعيف الذي لا يملك القرار ويستخدمه الآخرون لتمرير مآربهم، فقد صرحوا باستغلاله من قبل وزير الدفاع الذي زعموا بأنه هو من أصدر هذه القرارات وأنه استخدم هادي لتمريرها. كما أنه في بداية الأمر صرح مصدر مسئول في الحزب إدانته قرارات الرئيس، ورفض الكشف عن اسمه. إلا أن غيظه من عدم تراجع هادي عن الاجراءات جعلت الحزب ينظم مؤتمراً صحفياً عبّر خلاله عن رفضه الرسمي والصريح لتلك الإجراءات بل والتهديد بإطاحة هادي عن سدة الرئاسة وتعيين لجنة رئاسية بدلاًُ عنه. وهنا تبدأ مرحلة كسر العظم العلنية داخل الحزب جاهرت فيها قيادته التقليدية بممارستها المخالفات الدستورية بتهديد أمينه العام ورئيس الجمهورية بالانقلاب على نظام الحكم الشرعي المتوافق عليه، كما كان ذلك اعترافاً ضمنياً بالتأثير المباشر للحزب على الجيش وهو أمر يرفضه الدستور بقوة.

القرارات القادمة

بهدف تطبيق روح المبادرة الخليجية في تجهيز المناخ تماماً من أجل انتخابات منصفة وهادئة يختار فيها الشعب حكامه بدون أي ضغوط فعلى الرئيس هادي الوصول للهدف بخلع كافة مخالب القطط السمان تماماً بقرارات أكثر حزماً وأكثر سرعة حتى يتمكن بعدها من التغلب على التحديات الراهنة والضخمة خلال الوقت المتبقي القصير. كما أن كل الخرائط التي يحاول هادي إعادة تشكيلها عبر قراراته المماثلة لا بد أن يلازمها دعم دولي وحكومي وشعبي قوي حتى تتحدد ملامح واضحة لخارطة الاتفاق الأشمل ولتزول ثقافة التفرق والتشكيك ببعضنا البعض من أجل منح آفاق أوسع لمشاركة كافة القوى وتمكين كافة الفئات من صنع وإنفاذ قرارها القائم على وضوح شروط العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكومين المرتكزة على الإنصاف والمشاركة.

اليوم وبعد أن ظهر لهادي نجاح الاختبار الذي وضع نفسه والجميع فيه وتحقيق نتائج مختلفة وعميقة كما تم ذكره أعلاه، فقد بات من الضروري أن يكمل ما بدأه بإصدار قرارات أكثر قوة وتوجيهات أكثر حسماً لإنفاذها حتى لا تتكرر جريمة قطع المطار ونهب المخازن العسكرية، ومن قبلها جريمة عصيان معياد بالاقتحامات المسلحة للمؤسسة الاقتصادية المجاورة لمقر وزارة الدفاع.