الثورة الشبابية الشعبية والدولة المدنية الديمقراطية
بقلم/ د.صلاح ياسين المقطري
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 11 يوماً
السبت 07 يوليو-تموز 2012 05:39 م

هبت جميع فئات الشعب اليمني الى ساحات الحرية والتغيير منتفضة، ثائرة، ضد الحاكم الفاسد، ونظام حكمه، تواقة للحرية والعدالة والمساواة والبناء والتنمية بحثا عن وطن يحفظ أمنها ويصون كرامتها. فخلال سنوات حكم "علي صالح" تجسدت وتعمقت مشاعر الإحساس بالغبن والتمييز وتفاقمت التهديدات التي تقوض امن الإنسان اليمني، مثل الفقر وغياب الحكم الرشيد واللاتوازن الاجتماعي والتعصب المناطقي والمذهبي، والنزاعات الشخصية وانتهاكات حقوق الإنسان. أمن الإنسان لا يقتصر على مفهومه السطحي، بل بالأمن الإنساني بكافة جوانبه: الاقتصادي والصحي والغذائي والبيئي والسياسي والاجتماعي والشخصي وهذه الجوانب تتهددها، على التوالي، الفقر، وأشكال الأذى والأمراض، والجوع والمجاعة، والتلوث البيئي واستنضاب الموارد، والقمع السياسي، والنزاع الاجتماعي أو الطائفي أو الاثني، والجريمة والعنف . فكما تشير الأرقام: فـ60 % من اليمنيين يقعون تحت خط الفقر، واليمن من الدول الأكثر انتشارا للأمراض بما فيها السل والملاريا وكما ان العناية الطبية متدنية حيث يتوفر 8 أطباء لكل مائة الف مواطن فقط، وثلت السكان يعانون من الجوع، وتعاني البلد من تدهور بيئي متصاعد، أصبحت اليمن مرتعا للتخلص من النفايات ناهيك عن العشوائية في استخراج الموارد وإهدار الثروات، واتساع نطاق قمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان، فأرقامها تتصاعد باستمرار ناهيك عن تزايد اعداد المعتقلين، وتشهد البلاد تزايد للنزاع الطائفي، والمناطقي، وتجسد ذلك بانتشار ظاهرة الاقتتال في مناطق عدة في اليمن لأسباب مناطقية "مايحدث في الجنوب" ومذهبية " في صعدة" وارتفاع مستمر للجريمة والعنف، والنزاعات الشخصية. فعدم توفير الأمن الإنساني وتعميق العوامل التي تهدده ، تفسد لعقد الاجتماعي، مما يفقد الحاكم شرعيته حتى وان استولى على السلطة بوسائل شرعية. حيث لم يوفر الحاكم للمواطن موجبات "العقد"، في حدوده الدنيا والتي توفره "الدولة الرأسمالية الديكتاتورية :المتوحشة" من امن ودفاع وعدل. 

لذا كان من المنطقي ان تحصر أهداف الثورة، بهدفين أساسيين، الأول: إسقاط النظام العائلي بكافة رموزه ومكوناته ومحاكمتهم، باعتباره من زرع وكرس ووسع هذه التهديدات ليؤدي الى تلاشي وانعدام امن الإنسان اليمني، وتمثل الثاني في بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة قائمة على الحرية والعدالة والمساواة التي تضمن امن الإنسان اليمني لإعادة الاعتبار للمواطن وصيانة كرامته.

فالهدف المنشود و"النهائي" للشعب والثورة، بناء الدولة التي تخدم الإنسان وتجعله الغاية. فالدولة المدنية هي دولة القانون والمواطنة ودولة المؤسسات الدستورية الديمقراطية، تصاغ وفق دستور مدني يضمن ويحقق الارداة الشعبية "جان جاك روسو"، حيث يكون الشعب مالك السيادة والسلطات ومصدرها، ويجسد مبدأ فصل السلطات "مونتسكيو"، يكفل التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، ويحفظ الحريات العامة والحقوق المدنية، ويحمي حق الأقليات "ديمقراطية ليبرالية"، وتحقيق المواطنة المتساوية، وتنظيم رقابة فضائية يحدث الانسجام والتدرج في البناء القانوني ليضمن سيادة القانون، كما يسعى الى تحقيق العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والمساواة وتحقيق التوازن الاجتماعي بين أفراد المجتمع ليضمن العيش الكريم للمواطن.

وبمعنى اخر، فالدولة المدنية الديمقراطية هي الدولة التي تعارض طبيعة الحكم القائم على العشائرية أو المناطقية او المشيخية، او الدينية أو العسكرية. ولذلك فهي تعمل على تفكيك الروابط التقليدية بين الحاكم والمحكوم "بين الحاكم والشعب"، لتلغي الدكتاتورية والمحسوبية والوساطة والمناطقية والطائفية والمذهبية ولتلغي التمايز بين الأفراد. وارتبط تطورها وظهورها بظهور الدولة بمختلف أشكالها لتصل الى شكلها الحالي "المدني الديمقراطي الليبرالي" لتحمي حقوق الأقليات.

فالدولة المدنية، بحسب وجهة نظري، تتمحور حول ثلاثة قيم هي: الحرية، الحرية الشخصية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والعدالة، في تكافؤ الفرص، والمساواة، في الحقوق والحريات، لتمثل هذه الثلاثية اسسها ومبادئها وقيمها، كما تمثل الوسيلة والغاية التي يسعى اليها البشر ويناضل من اجلها، لتكون الضامن والحاضن والحامل لاستمرار الدولة والحافظ لديمومتها ولأمن الإنسان ولصيانة كرامته.

يتوجب على جميع اليمنيين انتهاز هذه الفرصة التاريخية "ربما الفرصة الأخيرة" لحقبة من الزمن، للدفع والسعي لتحقيق دولتهم المدنية التي تكفل إزالة تهديدات الأمن الإنساني بكل جوانبه وأشكاله عبر تجسيد نضالاتهم في تحقيق والدفاع عن هذه الثلاثية القيمية، ليحصلوا على حريتهم غير منقوصة بما يفضي الى حرية اختيار الشعب من يدير شؤنه بطريقة مثلى، وان يتساوى الجميع دون تمييز الا بمقدار قدرات الناس الذاتية والذهنية، وان نصل الى العدالة المنشودة وتكافؤ الفرص والمساواة، كافلة التوزيع العادل للثروة والسلطة بين جميع فئات المجتمع ويتحقق التوازن الاجتماعي وبذلك سنضمن "دولة النظام والقانون، ونحافظ على ديمومتها.