محكمة الجنائية الدولية تصدر أوامر اعتقال بحق نتنياهو وجالانت وتكشف عن أسبابها المنطقية عاجل: وزير الدفاع الأمريكي: سنعمل على انتزاع قدرات الحوثيين في اليمن مليشيا الحوثي تحول محافظة إب لقادتها ومشرفيها القادمين من صعدة وعمران عاجل:حريق هائل يلتهم هايبر شملان العاصمة صنعاء نقابة المعلمين اليمنيين تدين الاعتداء السافر على المعلمين في شبوة وتطالب بتحقيق عاجل ''أكد أنه لا أحد فوق القانون''.. أول مسئول كبير يحيله رئيس الحكومة للتحقيق بسبب قضايا فساد ومخالفات الحكومة اليمنية تتطلع إلى شراكات استثمارية وتنموية مع الصين حضرموت.. وزير الدفاع يشدد على مسئولية المنطقة الثانية في تأمين السواحل ومكافحة التهريب أوتشا باليمن: نحو 10 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات إنسانية حماس توافق على تشكيل لجنة لإدارة غزة بشرط واحد
بأقل مستوى من الصخب الإعلامي، مرّ يوم العاشر من ديسمبر، الذي يصادف الذكرى الأولى لتسلم الناشطة السياسية والحقوقية اليمنية البارزة توكل عبد السلام كرمان، جائزة نوبل للسلام، إلى حد سيبدو معه هذا المقال متأخراً كثيراً لجهة اتصاله بهذا الحدث، الذي أعاد في تقديري الاعتبار لبلاد (واق الواق)، وأحالها نقطة مضيئة في خارطة العالم.
لقد أثار اهتمامي هذا الصمت، الذي لفّ مناسبةً كان يُفترض أن تحظى باهتمام النخب السياسية والفعاليات الرسمية والإعلام اليمني، اهتماماً يليق بحجم الحدث، وبتأثيره وأبعاده وبتداعياته الإيجابية على اليمن.
لقد جاء الإعلان عن منح هذه الجائزة الدولية الرفيعة، ليشكل مفاجأة غير متوقعة، لكل اليمنيين، وأثار لديهم إحساساً استثنائياً بالنشوة، منح ثورتهم الشبابية الشعبية قيمةً مضافةً، بل ورسّخ أكثر فأكثر من قناعة المجتمع الدولي بضرورة مساندة اليمنيين في ثورة التغيير التي اجترحوها وسط كمٍ هائلٍ من التحديات والصعوبات.
في اعتقادي أن منح جائزة نوبل للشابة اليمنية، صاحبة الطموح والهمة العاليتين، توكل عبد السلام كرمان، قد جاء أيضاً بمثابة حدث موازٍ للثورة في المستوى والتأثير.. فعوضاً عن أنه كرس شخصية توكل باعتبارها أيقونة الثورة الشبابية، كان له كذلك الأثر ذاته في المزاج الخاص للعشرات من الناشطين والناشطات، خصوصاً في التيار المدني، وهو مزاج تراوح بين الرضا التام والصدمة والغضب، حتى أن بعض الناشطات لم يخف إحساساً بخيبة الأمل من اختيار توكل كرمان لنيل هذه الجائزة الدولية الرفيعة. وحتى لا يبدو موقف كهذا ضرباً من الحسد أو الحساسية الشخصية، ولإخراجه من دائرة الأنانية المفرطة، ووضعه في سياقٍ موضوعي، استدعى هذا البعض مبررات، أبرزها أن الجائزة جاءت كمكافأة للتيار الإسلامي المحافظ في اليمن، بهدف تطبيعه قبل أن يتولى القيادة في أكثر بلدان الربيع العربي تخلفاً، أكثر من أنها مكافأة لناشطة سياسية وحقوقية شابة من اليمن، ولأن حدثاً كهذا سيكون له تبعات خطيرة على مستقبل الثورة والتغيير في اليمن.
ولقد لاحظت خلال السنة التي مرت منذ تسلم توكل كرمان للجائزة، أن ثمة مواقف عدائية ممنهجة، معظمها آت من ناشطات في تيار المجتمع المدني، ويستهدف تحطيم الأيقونة التي مثلتها توكل من موقعها المؤثر والأكثر والأبهى حضوراً إبان الثورة الشبابية.
وشَفَّتْ بعضُ المقالات عن مراجل تغلي في نفوس عدد من الناشطين والناشطات اليمنيات، اللائي استكثرن، ربما على هذه الأنثى المصمتة المدثرة بالثياب السوداء، الأقل التزاماً بمعايير الانفتاح والتواصل الأريحي مع الخارج، نيل هذه الجائزة الرفيعة جداً وبلوغ هذا الشأو.
على أن كل ما شَفَّ عن مواقف الناشطات وبعض الناشطين أيضاً من مواقف معلنة أو مضمرة، ما كان له أن يوقف أو يحد من التأثير الهائل الذي أحدثته جائزة نوبل للسلام في شخصية توكل كرمان، وفي تكريسها أيقونة للثورة وللتغيير، وللنشاط الحقوقي المدني، على مستوى اليمن ، وكشخصية عربية وإسلامية وعالمية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى.
لقد جاءت جائزة نوبل للسلام إلى توكل كرمان، ولم تذهب هي إليها ، وكل ما استطاعت توكل أن تجترحه، هو أنها عبرت عن شخصيتها الطبيعية كما هي على الأرض قوية وعنيدة وصادمة ومقاتلة، منذ اللحظة الأولى التي قررت فيها الخوض في الشأن العام، بصفتها كاتبة وناشطة حقوقية يمنية.
ومنذ الوهلة الأولى قررت توكل أن تسلك خطاً متميزاً عن المنظومة الفكرية التي تنتمي إليها(حركة الإخوان المسلمين)، وتبلورت في مقالاتها الأولى كل معاني المواجهة مع النظام، وكانت وسيلتها للنشر صحيفة اليسار اليمني الأولى (الثوري)، وبدت بهذا النمط من المواجهة الفردية، كما لو كانت تستبق حزبها أو تنوب عنه، في التعبير عن الانفكاك وإنهاء عقود من التحالف العميق مع نظام الرئيس المخلوع صالح.
ومنذ تلك اللحظة شقَّتْ توكل كرمان طريقها دون كلل أو ملل، وصعَّدتْ من وتيرة معارضتها للنظام وفضح ممارساته، من خلال منظمتها( صحفيات بلا قيود) وهو الاسم المعدل من (صحفيات بلاحدود)، الذي استولت عليه منظمة أخرى مشابهة دفع بها النظام السابق.
وانتقلت توكل من الكتابة إلى النشاط الميداني المباشر، وأسست أول حركة احتجاج مدنية منظمة في اليمن، من خلال الاعتصام الأسبوعي التي كانت تنظمه في الساحة المقابلة لمبنى رئاسة الوزراء.
تلك الساحة التي اختارت لها هي نفسها، اسماً موفقاً هو(ساحة الحرية)، ما لبثت هذه الساحة أن كبرت لتسع الوطن بكامله، وما لبثت حركة الاحتجاج التي أطلقتها توكل أن ملأت جغرافيا اليمن بأكمله أيضاً، لتنهي لاحقاً عهد نظام صالح الديكتاتوري الأسري الذي أثقل كاهل اليمنيين لأكثر من ثلاثة عقود بكل أصناف المعاناة.
أتذكر أن رئيس مجلس الشورى الأستاذ عبد العزيز عبد الغني رحمه الله، الذي لم يكن يخفي إعجابه بتوكل، كان استطاع أن يعيد توظيف ساحة الحرية أمام رئاسة الوزراء، بما يخدم المرحلة والنظام، فكان يطرح لزواره من السفراء والوفود الأجنبية، أن ساحة الحرية هي مثال على عافية الديمقراطية في اليمن، وكان يحلو له أن يسمي تلك الساحة بـــ(هايدبارك اليمن).
على أن هذا الموقف الناضج من الأستاذ عبد العزيز عبد الغني، لم يتبلور إلا بعد حالة إرباك حقيقية سيطرت على قيادات الدولة والحكومة والمؤتمر الشعبي الحاكم آنذاك، بسبب نشاط توكل كرمان في الساحة، وكان لهذا الإرباك ما يبرره بالنسبة لرأس النظام، الذي بدأ يشعر بقلق حقيقي، من الصدى الذي أحدثته الاعتصامات الأسبوعية لدى البعثات الدبلوماسية.
حسناً لقد مضت توكل كرمان في طريقها، بذات القدر من الإرادة والتصميم والمثابرة والشجاعة والعناد، وتبنت قضايا حقوقية متعددة ومثيرة للجدل كقضية مهجري الجعاشن، وحشرت الرئيس كما حشرت حليفه الوثيق شيخ الجعاشن في زاوية ضيقة بالمعايير الحقوقية، ومضت في طريقها دون أن تلتفت لأحد، وبدت كل الاحتجاجات التي استضافتها ساحة الحرية أمام رئاسة الحكومة، باهتة بدون توكل كرمان، ولم تكن تأخذ أبعادها الكاملة من الاهتمام والتأثير إلا بحضور هذه الشابة الاستثنائية.
كان نشاط توكل كرمان أصيلاً ومتميزاً وصادماً للكثيرين، بمن فيهم أقرب الناس إليها في عائلتها، لكنها استمرت على ذات الوتيرة المتصاعدة من النشاط في حقل شائك ومملوء بالألغام والتحديات، واستطاعت أن تتجاوز الكثير من أقرانها، ووصِفتْ في كثير من الأحيان بأنها ذاتية وأنانية، ولكن هذا هو شأن كل شخصية عامة واستثنائية، عندما تقرر أن تسلك طريقاً مغايراً وتتبنى نهجاً جديداً في بلد يعيش تحت ركام هائل من التخلف الاجتماعي والحضاري.
هذا النشاط المثابر وليس غيره، هو الذي أهّل توكل كرمان، لنيل جائزة وزارة الخارجية الأمريكية للنساء الأشجع في العالم، عام 2010، وهي الجائزة التي استدعت لاحقاً جائزة نوبل للسلام، التي توجت نشاطاً استثنائياً لشابة يمنية استثنائية أثارت حولها الكثير من الجدل..
واليوم تشعر توكل كرمان ربما أن جائزة نوبل بقدر ما دفعتها إلى واجهة المشهد العالمي، فإنها قيّدَتْ حريتها أكثر من اللازم، ولم يعد بوسعها أن تقول ما تريد في الوقت الذي تريد، لقد أصبحت شخصية مسئولة ومؤثرة، وذات حضور عالمي، أكثر منها ثائرة، ويتعين عليها اليوم، أن تجترح طريقاً جديدة، وأسلوباً مختلفاً أيضاً تستطيع من خلالهما مواصلة نشاطها في خدمة بلدها وأمتها، وتبني القضايا التي نالت من أجلها جائزة نوبل للسلام.