المهاتما صالح والزعيم الأخضر
بقلم/ عبدالله بن عامر
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 13 يوماً
الأربعاء 06 فبراير-شباط 2013 07:19 م

·لا جديد في مذكرات الزعيم سوى التأكيد كم كان هذا الشعب غبياً عندما قبل به وبأعوانه كحكام أبديين عليه:

·حاول الظهور كـ"مهاتما" يمني يحب الأشجار ويهتم بالأبقار ويمارس الرياضة ويجيد فن الطباخة ويلتقي بالبسطاء والكادحين

·الزعيم الذي يحب الأشجار كان أول من أوقف مشاريع الحمدي التشجيرية والزعيم الذي يلتقي بسطاء الناس كان يغلق بابه أمام الكادحين والزعيم الملتزم بوقته كان نظامه عبثياً في كل شيء..

ظهر علينا الزعيم كما يحلو لإعلامه إطلاقه عليه ليحدثنا عن الكثير من تفاصيل حياته الخاصة بعد عام من مغادرته للسلطة، تحدث متناقضاً عن الكثير مما يحلو له ويهواه ويمارسه بشكل إعتيادي ضمن جدولة اليومي لمجمل نشاطاته الحياتية على عكس ما كانت سياساته تتحدث به أو تعبر عنه خلال واقع مُر وصعب دام أكثر من ثلاثين عاماً مارس فيها الزعيم وعصاباته أبشع أنواع الانتهاكات التي استهدفت منظومة القيم المجتمعية وفق خطوط عريضة متشكلة بطريقة هندسية فائقة الدقة وطلامس قد لا يستطيع عشرات الكهنة والخبراء فكها فالسياسات العامة المنتهجة في عهده لم تكن وفق إستراتيجية معروفة أو خطة معدة مسبقاً فقد أسرف صالح ومن معه ممن حكموا البلاد بالتناقض القائم على فنية الخدع السينمائية أو بالأصح فنون التكتيك الزمني المتحول فلم يكن لدى صالح أي خطوط حمراء حتى يضعها كنصوص قرآنية لا يمكن له ولأتباعه تجاوزها أو التخلي عنها .

التناقض في مواقف وحياة الزعيم وإدعاءاته ليست نتيجة لشعره الأبيض أو لسنه الكبير لأن الرجل كما يعرفه الجميع هو ذاك القادر على التلون واقتناص الأدوار بطريقة بهلوانية وكأنه خبير سيرك عالمي يجيد فن رقص البالية تارة والبرع تارةً أخرى.

الكثير ممن تفحصوا ما قاله الزعيم في آخر ظهور إعلامي له سخروا وضحكوا وتمادوا في الضحك حتى أن الكثير منهم علق بالقول لو لم نكن نعرف الرجل لقلنا أنه تغير أو إن تجاعيد وجهه تحمل الكثير من علامات الصدق لكن تناقضات الواقع تؤكد أن الزعيم يمر بمرحلة يريد لها أن تكون مرحلة تشبع إيماني عبر التحول إلى "مهاتما" يمني بامتياز فالزعيم يمشي على الأرض ويخرج في الأسواق ويتحدث لعامة الناس ويستقبلهم في منزله وغير ذلك من الأنشطة اليومية ناهيك عن التزامه الصارم بجدول يومي محدد ومحكم بزمن معين فللرياضة وقتها وللأكل أيضاً وقته وهكذا يستمر الزعيم في نقل تفاصيل حياته الاستثنائية للشعب اليمني الذي عرف مؤخراً أن الزعيم يحب الأشجار في حين أن أول توجهات الزعيم خلال صعوده إلى السلطة هي إهمال مشروع التشجير الذي كان يحرص الشهيد الحمدي على المضي به قدماً حتى أن الكثير من الناس ممن عاشوا تلك الفترة أكدوا أن الطرق على مداخل صنعاء كانت مشجرة حتى جاء الزعيم فأصابها التصحر وكذلك هو الحال مع الكثير من مشاريع الزراعة والتشجير ولم يكتف "الزعيم الأخضر" كما تحاول "عكاظ السعودية" وصفة بذلك أو هكذا نفهم بإيقاف مشاريع التشجير بل وتسليم وزارة الزراعة بأكملها إلى مجموعة من النافذين والإقطاعيين ممن استولوا على كافة نفقات الحكومة للجانب الزراعي.

أما الزعيم الذي يحرص على أداء وممارسة الرياضة بشكل منتظم فقد عانت الرياضة اليمنية في عهده فساداً لا يطاق ولا يزال مستمراً حتى اللحظة وعند صعوده للسلطة كان يفاخر بشرب أجود أنواع السيجار الكوبي الفاخر وله علاقة وطيدة مع القات.

الزعيم يحرص على الوقت في حياته الشخصية لكنه في سنوات حكمه الطويلة عندما كان الرجل الأول في الدولة لم يكن يهمه أي وقت ولم يكن يلتزم هو وحكوماته بأي تعهدات أو تنفيذ أي برامج في أوقاتها المحددة فقد كان النظام عبثياً إلى حد كبير والزعيم الذي يحرص على اللقاء بمواطنيه الآن أين كان المواطنين عندما كان حاكماً يرفض استقبال إلا ذوي النخبة والخاصة وخاصة الخاصة من المشائخ والنافذين فليس له وقت أكثر لاستقبال بسطاء العامة ممن كانوا أول الأوفياء معه عندما تخلت الثعابين عنه وذهبت تبحث عن دور جديد في مرحلة ما بعد الثورة.

المهاتما اليمني أو الزعيم الأخضر يحاول إيصال العديد من الرسائل لقوى سياسية وأخرى جماهيرية لكنه يعلم جيداً أن الكثير يعي تماماً ما تبقى لدية ليقوله فذاكرته لم تعد تحمل سوى مذكرات سيئة لمراحل سوداوية مرت على اليمن قد لا تحتاج إلى كشف أكثر مما قيل وقال عن سنوات صالح قبل وبعد الوحدة فمذكرات الزعيم قد لا تحمل جديداً بالنسبة للشعب سوى إثبات كم كان هذا الشعب غبياً حين قبل به وأعوانه كحاكمين أبديين عليه ولهذا فعلى زعيم المؤتمر أن يغلق مذكراته وأن يتوقف عن كتابتها فقد تكون بمثابة إدانة حقيقة ضده لأنه المتهم الأول في كل ما وصلت إليه اليمن اليوم من تدهور في شتى المجالات ولو حاول صالح اتهام غيره بالوقوف خلف الأزمات والتدهور والفساد والنهب الذي انتشر في عهده فهذا لم يعد منطقياً فصالح كان الرجل الأول وبالتالي فهو المحاسب والمتهم الأول عن أي تقصير أو مخالفة ارتكبت في عهده فما بالنا بدوامات متتالية من الحروب وعمليات القتل والاغتيالات والأزمات والتدمير الممنهج لمنظومة القيم الاجتماعية بنشر ثقافة الفساد وتبريره حتى أن باجمال قال "من لم يغتني في عهد صالح فمتى سيتغتني؟" في إشارة منه إلى رعاية رئاسية كان يحظى بها الفاسدون والمفسدين بمختلف أنواعهم وأشكالهم.

وعلى ذكر المذكرات الصالحية التي لن يكون فيها أي جديد كما أسلفنا فكيف يدين الشخص نفسه ثم ماذا عن القضايا الكبرى وماذا سيقول صالح فيها ابتداءً من مقتل الحمدي وليس انتهاءً بقتل المعتصمين السلميين من شباب الثورة اليمنية في الساحات وهل سيمتلك صالح الشجاعة في كشف سر علاقته وتحالفه مع محسن وغيره من الملفات الشائكة التي إن أستطاع صالح ان يكشفها فبالتأكيد أنها لن تكشف إلا بعد موته وهنا يجيد الزعيم تقمص دور الواعظ الديني حين استخدم مصطلح الرفيق الأعلى ولم يذكر الموت وعلى ما يبدو ان صالح لم يتذكر الموت إلا بعد مغادرته للسلطة فلو كان الحكام ومن معهم ومن هم حولهم يعرفون الله ويدركون خواتيم أعمالهم ونهاية حياتهم بالتأكيد لن يقدموا على ارتكاب أي مخالفات وهنا لسنا بصدد الحكم عليهم فالله الكفيل بذلك لكن ما نحن واثقين منه هو أن حقوقنا المنتهكة لا يضيعها الله ونحن أحق بالعفو حتى من الله نفسه الذي ترك ما بين العبد والعبد ونأى بنفسه عن العفو في أكل حقوق الغير حتى يفصح هذا الغير ويعفو عمن أكل حقه وتجاوز حدوده وهنا نتحدث عن مئات الآلاف من أبناء شعبنا اليمني الذي لو سامح أغلبه وغفر لحكامه فبالـتأكيد لن يفعلها كل أبناء الشعب.

المهاتما اليمني بارع في تقمص الأدوار لكنه لم ينجح في إيصال ما يريد إلى الجميع فالوقت تغير والظروف كذلك تغيرت وما كان مقبولاً منه في وقت سابق لم يعد كذلك الآن مهما بدت عليه مظاهر الشفقة والرحمة وتمثل دور المحسن في زمن الأوغاد أو البريء بين مجاميع اللصوص فالذئاب لا يمكن لها أن تقبل إلا بذئب مثلها بل أمكر وأدهى منها ليقودها وهذا ما يجعلنا واثقين بأن صالح ليس بريئاً كما يحاول هو وأتباعه إيصاله إلى الناس وببساطة وبالعودة إلى لغة صالح نفسها نقول إنه لا يمكنك أن تقود الثعابين إلا إذا كنت ثعباناً ساماً بالطبع وما بقاء صالح ثلاثين عاماً متربعاً على عرش الثعابين إلا دليلاً على ذلك.