نحو رؤساء باليومية
بقلم/ جمال انعم
نشر منذ: 11 سنة و 4 أشهر و 14 يوماً
الأربعاء 10 يوليو-تموز 2013 10:59 م

في مصر بعد الآن لن يكون هناك مجال للحديث عن انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة سيغدو القول بالاحتكام إلى الصندوق كلاماً قديماً لا يعول عليه.

للثورة أحكامها وحكامها المتحكمون وحكمتها المنزلة والمنزهة وسحرتها المُلبْسون.

الاقتراع خيار ساقط انتهت مشروعيته بفوز من لم يرق للأقل حضورا وحظوظا والأكثر نقمة والأعلى صوتا امس خرج الشارع المصري على مبارك ونظامه واليوم يدفع للخروج ضد نفسه لإسقاط تجربته ولتقويض ثورته والنظام الذي انتخبه بإرادته.

الأطراف التي لم تحملها الديمقراطية إلى الحكم تعود من طريق آخر خطر لا يؤدي إلا إلى الهلكة تعود على ظهر خيانات وتواطؤات عديدة حاملة لواء التمرد على المشروعية التي خذلتها يوم الفرز هي الآن تتحدث عن مشروعية الحشد مغالطة وخداعا وتضليلا وتزييفا للوعي الحشد قوة دفع وضغط فعل احتجاج ورفض وإنكار عمل مناهض وسيلة نضالية سلمية ثورة ضد أو مع ينجم عنها تغيير وتحقيق لمطالب ما عبر آلية محددة متوافق عليها تتأكد من خلالها المشروعية، والتحشيد أمر مشروع وحق مكفول لكن القول انه المشروعية أمر لا يمكن التسليم والإقرار به عقلا ومنطقا.. ثمة قواعد وأسس للمشروعية تمنح الإرادة الشعبية معناها الحاكم.

المشروعية لا تقاس بالكثرة مقابل القلة هذا معيار كمي لا يصلح محددا أساسيا لإثبات المشروعية أو نفيها وهو منطق متعسف يشرع اللاعدالة واللامسؤولية ويبرر نوعا من ديكتاتورية انقلابية مختلطة متدثرة بمدنية زائفة تنفي ذاتها وتثبت نقيضها بعناد ومكابرة صارخة.. المشروعية تتأسس على قواعد معتبرة لها قوة إلزام وأصحاب الحق دائما قلة أو هكذا يبدأون وثورات الربيع العربي بدأها قليلون خرجوا في مواجهة حكم الأغلبية والغلبة كانوا قلة في واقع يموج بالأكثرية الصامتة ممن أخذوا وقتا كي يغادروا سلبيتهم ولامبالاتهم ورضوخهم المديد لشروط القهر.. كان تحشيد الجماهير ضد نفسها وضد التغيير دأب الحكام على السواء وقد اختبرنا هذا الحال وعشناه واقعا يسقط هذه الدعاوى التي تعطي الغوغائية اليوم كامل السيادة. أتساءل ما الذي يحكم هذا الصراع المتفجر وإلى أين يقود النزق والحمق مصر والمصريين؟ ما يحدث يتجاوز الإطاحة بالرئيس مرسي إلى التطويح بالثورة وبالشعب وبالدولة.وبالتجربة الديمقراطية الوليدة .

على مدى عام كامل والصراع في مصر يتجه بعيداً عن بناء الدولة وإرساء دعائم التجربة الديمقراطية الجديدة، بدا واضحاً أن أطرافاً عديدة في المعارضة قد أسقطت عن نفسها كل مسؤولية وطنية وقيمية في دعم وتكريس التحول السياسي المتمخض من قلب الثورة الشعبية السلمية ولو من خلال مناهضة ومجابهة جادة مبالغة ومفرطة في القسوة لكنها القسوة الحاضنة والحامية للمناخ الحر المتشكل ضمن ظروف وتحديات صعبة تستوجب الشعور العالي بالمسؤولية والحرص على رعاية وإسناد المرحلة باعتبارها تمثل توق الإرادة الوطنية العامة في هذا التاريخ الفارق من حياة الشعب المصري العريق.

كنا وطوال عام محتدم وضاج نبحث كصحفيين ومراقبين ومهتمين عن عدالة القضايا المطروحة في خطاب قوى سياسية عديدة معارضة تصدرت المشهد الصدامي منذ البدايات.

كان الطابع العام للخطاب سجالياً محتقناً يعكس أحقاداً وضغائن تاريخية ليست وليدة اللحظة، وأكثر ما كان صادماً وضوح النزعة الإنكارية والإقصائية وعدم الاعتراف بالآخر المختلف والمؤتلف.

كل الذين تشدقوا طويلاً بالحرية والعدالة وحقوق المواطنة المتساوية والمشاركة والتداول السلمي للسلطة والاحتكام بصناديق الانتخابات أسفروا فجأة عن وجه أخر هو طبعة ثانية للمستبد بل نسخة طبق الأصل منه وربما تتجاوزه في كثير من الطبائع المنكرة.

استحال إيمان الإسلاميين بالديمقراطية كفراً بها لدى الليبراليين وبدا في خطاب السحرة الزائف أن الفصيل الوطني الكبير الذي فاز في دورات انتخابية متعاقبة بعد ثورة 25 يناير مجرد أقلية سرقت الثورة واشترت صعودها " بدبة زيت "بحسب تصريحات سياسية وإعلانية معارضة في إهانة بالغة فجة للشعب المصري العظيم صانع الثورة والذي انتزع حريته وكرامته وقراه وخياره بأثمان باهظة تستعصي على التبخيس والانتقاص.

ما هو واضح أننا أمام لعبة كبيرة بدأت باكراً ومنذ اللحظة الأولى لصعود الإسلاميين، لعبة اشتركت فيها أطراف وقوى إقليمية ودولية بالإضافة لبقايا النظام السابق ومقامرى الداخل. ساءهم بقاؤهم معارضين وأحنقهم انكشاف حجمهم المتواضع على مستوى الشارع المصري وهم الأكثر ضجيجاً والأعلى صخباً، سادة المنابر أصحاب العراقة في التنظير والتبشير بقيم الحداثة والمدنية وهو ما دفعهم في لحظة يأس وشعور حاد بالخيبة وفقدان الرجاء لأن يكونوا جزءاً من هذا المشهد العبثي المنفلت والمفتوح على احتمالات كارثية تضع مصر في مهب الريح.

بدأ صراعاً على الأحقية في الحكم استخدمت فيه أدوات الثورة لضرب مخرجاتها ونسف قيمها ومبادئها ومبالغة في الإسفاف والاستخفاف عمد أولئك للمماهاة بين مرسي ومبارك وعلى نحو ينزع عن مرسي كل مباركةً ثورية وشعبية وشرعية محملاً إياه أوزار عقود من القهر والفساد والاستبداد . لا أحد ينكر أن هناك أخطاء حدثت خلال العام المنصرم لحكم مرسي، تم الاعتراف والتراجع عن كثير منها لكن ما يستوقفنا هذا التضخيم غير البريء لتلك الأخطاء ورفعها لدرجة الخيانة العظمى المسقطة للمشروعية، لكأننا في ما يتعلق بأخطاء ثورات عديدة ماضية نبدو بلا ذاكرة ما زال البعض يبررون بلا هوادة عنف تلك الثورات ويسوغون ولوغها في دم وشرف وكبرياء الشعوب.

أخشى أننا نساق إلى أكثر العروض الهزلية سخرية ومدعاةً للضحك والبكاء، أخشى أننا مقبلون على مطالبات أكثر تشدداً وتعنتاً تريد " رؤساء باليومية " بحسب تعليق متهكم بالغ الطرف والذكاء لسائق تاكسي شاب في قلب صنعاء.

ورمضان كريم

د.مروان الغفوريهيلين، صغيرتي ..
د.مروان الغفوري
مشاهدة المزيد