مراجعات (الجهاديين) مستمرة
بقلم/ أ. د/أ.د.أحمد محمد الدغشي
نشر منذ: 16 سنة و 11 شهراً و 21 يوماً
الأحد 02 ديسمبر-كانون الأول 2007 06:06 م

مأرب برس – خاص

يبدو أن مظهراً جديدا من مظاهر سنة الله الكونية في الأنفس يتجلى هذه المرة في مراجعات شخصية بحجم الدكتور سيّد إمام عبد العزيز الشريف أمير تنظيم جماعة الجهاد في مصر حتى سنة 1993م. ويعدّ الشريف مع- الدكتور أيمن الظواهري: الرجل الثاني في تنظيم القاعدة- أول من قام بتأسيس خليّة المعادي : النواة الأولى لتنظيم الجهاد في مصر. كما هو صاحب أشهر مرجعين فكريين للتنظيمات الجهادية بعامة: أحدهما كتاب (العمدة في إعداد العدّة ) والآخر( الجامع لطلب العلم الشريف). 

وبعد المراجعات الشهيرة التي أقدمت عليها الجماعة الإسلامية هناك بداءً من العام 1996م مرورا بالكتب الأربعة الموسومة بسلسلة (تصحيح المفاهيم) وانتهاء بأكثر من عشرين كتابا أخرى في السياق ذاته؛ يأتي اليوم الدور على جماعة الجهاد التي راهن البعض أنّ مراجعة (الجماعة الإسلامية) لا تمثِّل (الجهاديين) ولن يأتي يوم يحذو فيه الجهاديون حذو الجماعة الإسلامية، مع العلم أن الجماعتين كانتا شيئا واحدا حتى عام 1981م، أي العام الذي قُتِل فيه الرئيس المصري الأسبق أنور السادات على يد أحد العناصر التي تردّد أنها تنتمي إلى (جماعة الجهاد). 

وفي 462007م تعلن السلطات الأمنية المصرية إفراجها عن 130 من كوادر جماعة الجهاد بعد توقيعهم على وثيقة المراجعات بشأن فكر الجماعة السابق وسلوكها، وذلك بناء على موافقة أبرز قياداتها وفي مقدّمتهم الدكتور سيّد إمام عبد العزيز الشريف وطارق الزمر وعبّود الزمر.

وبإعلان الدكتور الشريف وثيقة (ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم) يوم 18112007م؛ يصبح العمل الجهادي في مصر والعالم من الناحية التنظيمية جزءاً من تاريخ الجماعة وتراثها، لا يغيّر من ذلك إنكار أحد (المنظّرين) في شرق الدنيا أو غربها حدوث ذلك بناء على رغبة الشريف وقناعته!

وإذا كان الدكتور الشريف قد أعلن في هذه الوثيقة ذاتها أنّه لم يتعرّض لأي ضغط أو إغراء في سجنه دفعه لإعلان تلك الوثيقة، و إنما هي قناعته النابعة من دراسته المتعمّقة لما آل إليه مسار تنظيم الجهاد، ومن إعادة النظر في بعض ماورد في كتابيه المشار إليهما، إذ حمّلت بعض العبارات فوق ما تحتمل، وفهمت على غير الوجه الذي أراد؛ فإن أبلغ ردّ على أولئك المتكئين على أرائكهم في لندن أو جنيف أو غيرهما أن مراجعة الشريف بدأت عملياً منذ 1996م حين كان الشريف والظواهري وغيرهما من قيادات الجهاد في بيشاور بباكستان، وهل كان ثمّة ضغط أو إكراه حينذاك؟

إن موضوع الضغط أو الإكراه هما التكئة التي حاول بها بعض من لم ترق له هذه المراجعات حين بدأت مع الجماعة الإسلامية التشويش على جدّيتها واستمرارها ،وكأنه يفترض في كل من أعلن مراجعته أنه من الضعف في التقوى واللين في الدين بحيث إن أقرب طريق أمامه للخلاص مما يعانيه هو مداهنة السلطات أو مجاراتها في الحق وفي الباطل! ولئن صحّ ذلك في حق آحاد أفراد الجماعة أو حتى آحاد قياداتها فكيف يصحّ في حق كل قياداتها تقريباً وآخرهم سيد الشريف المرجع الأعلى للجهاديين داخل مصر وخارجها من الناحية العلمية والنظرية ؟!

إلى أولئك الين لا يزالون في غواية التشكيك يعيشون : كم كانت مراهناتكم خاطئة حين عمدتم في بداية الأمر إلى المراهنة على جدّية المراجعات واستمرارها، وهاهي ذي أقرّت من أعلى مرجعيات الجماعة الإسلامية بما فيها الدكتور الأسير عمر عبد الرحمن – فرّج الله كربته- وكرم زهدي الذي كان أمير الجماعة في السجن ، وقد قضى اثنين وعشرين عاما في سجنه ليخرج معلناً أن السادات بات شهيد الفتنة ولم يعد الخائن حلال الدمّ !!! إلى إطار (جماعة الجهاد) على أعلى مستوياتها بمن فيها الدكتور سيّد إمام الشريف وطارق الزمر وعبّود الزمر؟!

وإلى أولئك الحيارى في بعض أقطار عالمنا الإسلامي الذين تأثروا بالجماعة الإسلامية أو بالجهاد فإذا بهم يشاهدون مراجعات القيادات العليا تترى واحدا بعد الآخر : ماذا عساكم فاعلون مادامت المسألة مبنية على التقليد منذ بداياتها؟! هل تراكم الآن صرتم مجتهدين مستقلين؟ أليست القاعدة الأصولية شاهدة بأنه إذا سقط الأصل سقط الفرع؟ صحيح أن إرهاب الولايات المتحدة وبعض أجنحتها الأمنية في بعض تلك الأقطار يمنحكم (مشروعية) نفسية (سيكولوجية) أو منطقية ، لكنها ليست (مشروعية) شرعية ولا علمية. وأنتم خير من يعلم بأننا متعبّدون بالشرع والمنهج لا بردود الأفعال ومسلكيات الطغيان ؟

وإذا كانت هذه المراجعات لم تصل بعد إلى القيادات العليا لتنظيم القاعدة ممثلة في أبرز قياداتها: أسامة بن لادن و أيمن الظواهري فالأمر جدّ مختلف هنا . أولا لأن أولئك يعتقدون أنهم يواجهون قوّة عاتية طاغية هي الولايات المتحدة، ، وقد مردت على الإجرام والتدمير ولا تزال. لكن حين تسأل هل الأمر مقتصر على مقاومة الولايات المتحدة فقط؟ أم أن من أجندة القاعدة وأولوياتها مقاومة كل السلطات التي اشتهرت بالصراع بينها وبين التنظيمات الجهادية: قاعدية كانت أو غير ذات ارتباط بالضرورة بها؟ ناهيك عن استحلالهم دمّ كل مخالف بالظنّة وبأتفه الأسباب. وما خلافهم الشهير مع الجيش الإسلامي في العراق إلا آية شاهدة على ذلك؟ وحين تستمع إلى فتاوى الظواهري تحديدا تدفع لمقاتلة تلك الأنظمة والمضي في ذلك، واستحلال دم كل مخالف بالظنّة وبأتفه الأسباب ، بعيدا عن مراجعة الجماعة الإسلامية والجهاد، بل تلمس السخرية والتشكيك في كل تلك المراجعات فإنك ستستنتج البُعد النفسي في الموضوع- وليس المنطق الشرعي أو العلمي-. وذلك أن أمثال ابن لادن أو الظواهري ليستا شخصيتين عاديتين بالنسبة للولايات المتحدة –على وجه الخصوص- فحتى لو أعلن أيّ منهما أو كلاهما مراجعته أو تأييده لمراجعة الجماعة الإسلامية والجهاد فإن ذلك يعني – بنظرهما وبنظر الولايات المتحدة معاً – سقوط تنظيم القاعدة واستسلام رأسيهما الكبيرين، واقتيادهما- من ثمّ - صاغرين إلى أعواد المشنقة ! ودون ذلك – في اعتقاد ابن لادن والظواهري -خِرط القتاد!