قمة دمشق وتحديات الراهن
بقلم/ حسان الحجاجي
نشر منذ: 16 سنة و 7 أشهر و 3 أيام
الجمعة 28 مارس - آذار 2008 02:45 م

لا شك أن الحضور الإيراني بالعراق عزز تحول العراق إلى منطلق لتمدد نفوذ الثورة الإيرانية التوسعية بعد ان كانت الدول العربية الخليجية منها على وجه التحديد قد راهنت عليه لعقود طويلة كدرع قوي يقف في وجهها ويدرأ الخطر الإيراني عنها في عهد الرئيس الشهيد صدام حسين وهو ما خلق مخاوف لدى النظام الإقليمي العربي من المشروع التوسعي لنظام الملا لي بطهران والذي زاد من هذه المخاوف تصميم إيران على مواصلة العمل في برنامجها لنووي وتخصيب اليورانيوم فضلا عن ان قضية المخاوف من تمديد نفوذ الثورة الإيرانية تعززت من خلال الأنشطة التي ظهرت وبوتيرة مرتفعة لبعض شيعة البحرين والذين ذهبوا في الآونة الأخيرة للمطالبة بمحاصصة طائفية في الحكم وكذا نجاحات حزب الله اللبناني في العدوان الصهيوني على لبنان في العام 2006م وعملية التمرد الحوثي في محافظة صعدة اليمنية وغيرها من أنشطة لخلايا شيعية في دول خليجية أخرى كل ذلك اوجد إحباط لدى الشارع العربي الذي وقف مذهولا أمام السباق المحموم بين المشروع الصهيواميركي والفارسي على المنطقة العربية في وقت غابت فيه أي ملامح لمشروع عربي موحد..!

وما كان من الممكن لمشروع التقنية النووية الإيرانية في مثل هذه الظروف أن يمر من دون أن يزيد من إحباط الدول العربية ومخاوفها. خاصة وأن ايران لم تقم بالجهد اللازم لتطمين هذه الدول، والخليجية منها بشكل خاص مسبقا ولا يكفي ترداد بعض المسئولين والمعلقين الصحفيين الإيرانيين فكرة أن القوة النووية الإيرانية لن تكون موجهة ضد جيرانها. واعتقاد البعض في الشارع العربي بأن حصول ايران على السلاح النووي ربما يشكل عنصرا ايجابيا في توازنات الشرق الأوسط تضعف من قوة التفوق والردع الإسرائيلية وتساهم في تقليص نفوذ التحالف الغربي في المنطقة لكن في ما وراء كل هذه الاعتبارات، لا شك أيضا في أن مشروع ايران النووي يشكل تحديا متعدد الأبعاد للدول العربية. فهو يهدد أولا، بقدر ما يساهم في الكشف عن ضعف الاختيارات الأمنية العربية وفراغ القوة القائم الذي نجم عن تهافت هذه الخيارات، بتعميق القطيعة بين النخب الحاكمة والشعوب، ويدفع إلى المزيد من انحسار الولاء لها وعدم قناعة الشعوب بصدقية الأنظمة نفسها وشرعيتها. وهو يفاقم من مخاطر تفكك المنظومة العربية وتعميق الشرخ الذي أصابها منذ غزو العراق وهو ما يعبر عنه منذ الآن نجاح ايران في اختراق المجال الجيوستراتيجي العربي وتكوين حلف خاضع لها يمكن أن يعمل كذراع قوية قادرة على استخدامها داخل هذا المجال لخدمة أغراضها القومية كما هو حاصل في لبنان والبحرين وصعدة وفي ظروف الانقسام العربي الراهن وغياب المشاريع الفيدرالية اذا جاز التعبير والتعاون الأمني والسياسي، يمكن لطهران النووية إذا نجحت في فرض خيارها النووي وهو ما يبدو ات لا محال أن تتحول إلى المحاور الوحيد للغرب حول شؤون المنطقة الشرق أوسطية وتقاس النفوذ مع واشنطن ولندن وتل أبيب شئنا ام أبينا، وأن تستعيد إلى حد كبيرالدور الذي كان يقوم به نظام الشاه في المنطقة في إطار عقيدة قومية فارسية وفي هذه الحالة سيكون بوسع إيران التي تملك علاقات قوية وثابتة مع روسيا والصين، أن تتفاوض مع الدول الغربية على تقاسم مناطق النفوذ والمصالح في المنطقة الشرق أوسطية، على حساب البلدان العربية. وليس هناك ما يمنع أن يكون ثمن هذا التفاهم، كما حصل مع العديد من الدول العربية غض النظر عما يحصل في فلسطين والتساهل وصرف النظر عن دعم القضية الفلسطينية بصورة عملية

ومما سبق الإشارة إليه هل يستشعر القادة العرب في قمتهم الاحد القادم بالعاصمة السورية دمشق المخاطر الايرانية بشكل جدي وتكون هذه القضية عنصرا هاما في اجندة القمة سيما في ظل الشعور المسيطر علينا كشعب عربي بفراغ القوة الإقليمية بعد إجهاض مشاريع الأمن العربي المشترك جميعا، وغياب أي سياسات أمنية مستقلة ويعمل القادة على بلورة مشروع عربي يحفظ كياننا ومقدراتنا وخيراتنا ويعيد لنا احترامنا لدى الآخر .. بعيدا عن المراهنة على الولايات المتحدة الأميركية والالتصاق بها والاعتماد الكامل عليها كما في نظر الكثيرين انه الخيار الوحيد القائم للدفاع عن المصالح الوطنية وضمان الأمن القومي العربي 


ثانيا وهو ما يجب ان يأخذه حكامنا اليوم في قمتهم هو انه ليس من الصحيح أن من المستحيل بناء إستراتيجية أمنية عربية مستقلة عن الإستراتيجية الأميركية حتى لو لم تكن معادية لها، كما يعتقد معظم القادة العرب اليوم. ولا ينبع الإيمان بإمكانية بلورة إستراتيجية أمنية بديلة ذات درجة من الاستقلال الاعتقاد بزوال السيطرة الأمريكية، ولا بضرورة مواجهة واشنطن والتمرد عليها إنه ينبع من واقع انحسار قوة الردع الأمريكية نفسها ونشوء فراغ لا تستطيع واشنطن نفسها ان تملأه او تدعي ملأه. وهي نفسها بحاجة إلى قوى اخرى حليفة أو غير معادية على الأقل تساعدها في الحفاظ على تراجعها والتغطية على المصاعب التي تواجهها والتي تجسد هذا التراجع أو الفشل في ضعف القوات الأميركية وعدم قدرتها على إسكات بنادق المقاومة العراقية وواشنطن تدرك أيضا أن ذلك قد حصل بسبب الأخطاء التي ارتكبتها ومحدودية الرؤية الإستراتيجية التي وجهتها وضيق أفقها. وهي نفسها تمر اليوم في مرحلة مراجعة لهذه الإستراتيجية ليس من المؤكد ان ينجم عنها شيء كثير طالما أنها مرتبطة بأجندة السياسة الأمريكية الداخلية نفسها سيما ببروز أزمة العقارات والتراجع الاقتصادي الذي يقض مضجع صقور البيت الأبيض باختصار إن ما كان مستحيلا البارحة أصبح ممكنا اليوم، إلى حد كبير، نظرا لما أصاب المواقع الأمريكية الإستراتيجية من تدهور في السنوات الثلاث الماضية والتناقضات التي ميزت خططها وتشوش أهدافها وتخبط تكتيكاتها، وهزائمها العسكرية المتتالية من أفغانستان إلى العراق إلى لبنان وفي النتيجة، إخفاقها في إقناع المجموعة الدولية بصحة اختياراتها. وهذا الانحسار المتفاقم في قوة الردع الأمريكية، وانعدام الثقة باختياراتها هو الذي يفسر دعوة العديد من المحللين والسياسيين الأمريكيين والغربيين واشنطن إلى العودة إلى أسلوب الحوار، بما في ذلك مع طهران، لتجنب كارثة قومية أمريكية في العراق، كما حصل في الماضي بفيتنام.

بل إن هذا الفراغ الأمني الذي ولده تهافت الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة هو الذي يفسر تنامي طموحات دولة مثل ايران واندفاعها لسده من خلال تطوير قدرتها العسكرية والتقنية وتغلغلها الواضح في المنطقة العربية، سياسيا وثقافيا ومذهبيا من هنا يجب أن يدرك زعماؤنا اليوم انه وبدلا من الاصطفاف وراء الولايات المتحدة لدعم خياراتها الخاسرة، وتعزيز موقفها تجاه طهران، ينبغي عليهم ان يعملوا العكس تماما والاستفادة من انحسار النفوذ والقوة الأمريكيتين من أجل توسيع هامش اختياراتهم المستقلة والعمل على تطوير سياسة أمنية عربية مستقلة والخروج بقرارات لا تكون اقلها التأكيد على بدأ إعداد مشروع عربي استراتيجي كفيل بمواجهة كافة التحديات التي تمر بها الأمة العربية.


* مدير تحرير صحيفة الشموع