ذكرى 11 سبتمبر: الحرب على الإرهاب: حماية أم انتهاك لحقوق الإنسان
بقلم/ أحمد عبده الشرعبي
نشر منذ: 16 سنة و شهرين و 21 يوماً
الخميس 11 سبتمبر-أيلول 2008 12:15 ص

مأرب برس – خاص

إن موضوع الإرهاب ليس بالجديد على أجندا حقوق الإنسان، فعلى مدى السنوات الماضية أدت الأعمال الإرهابية إلى إزهاق أرواح الكثير من البشر وهددت الحريات الأساسية وأهدرت كرامة الإنسان. ومن الطبيعي أن تتحمل الدول مسؤولياتها وتتخذ عدداً من الإجراءات الضرورية لتجنب الأعمال الإرهابية بهدف حماية الحقوق الأساسية لكل من يقع تحت سلطاتها السياسية. ولكن هناك حاجة لضرب التوازن بين حماية حقوق المواطنين كضحايا محتملين للإرهاب وحماية حقوق المشتبه بهم في أعمال إرهابية كإرهابيين محتملين.

ولكن في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر تغيرت هذه الصورة وأصبحت أكثر تعقيداً. فالدعوة التي أطلقتها الوليات المتحدة لحملة عالمية لمحاربة الإرهاب أطلقت العنان للحكومات وفتحت الباب أمامها لاتخاذ المبادرات الخاصة بتشديد التشريعات الأمنية والتضييق على الحريات المدنية. ولذلك تولدت المخاطرة بان الحرب على الإرهاب أفضت إلى تحول خطير في التزامات الدول الخاصة بحماية حقوق البشر، ولذلك برز السؤال الهام: هل "الحرب على الإرهاب" حماية أم انتهاك لحقوق الإنسان؟

للإجابة عن هذا التساؤل لابد لنا من معرفة طبيعة هذه الحرب أولا.ً فقد اتخذت الحرب على الإرهاب صورتها الخاصة كحرب استباقية كما رسمتها الولايات المتحدة، وبالتالي فالحرب الاستباقية كما يشخصها ساسة البيت الأبيض وجنرالات البنتاجون قد تخلصت من كافة الحدود والمعايير التي تحكم استخدام القوة والتي يفرضها ميثاق الأمم المتحدة. وبذلك يمكن استخدام القوة بلا حدود وفي وجه أية دولة ودون الحاجة للحصول على تفويض من مجلس الأمن الدولي، وليس من الضرورة أن يسبق التدخل العسكري هجوم مسلح منسوب لأية دولة، لان الأنشطة الإرهابية المحتملة والتي تمنع وقوعها هذه الأعمال العسكرية (كما يقول أصحابها) يمكن أن تبنا دائماً على افتراضات وتقييمات قادتها – أي الأمريكان والغرب.

فضلاً عن ذلك، الحرب ضد الإرهاب غير تقليدية، فلا وجود لإقليم متنازع عليه ولا احتمال لعقد محادثات سلام، ويقاس التقدم في هذه الحرب بغياب الهجمات المسلحة والنجاح باستخدام الإجراءات المضادة بما فيها الاعتقال والاستجواب وتجميد الأموال. ويرى أرباب هذه الحرب أن بقا الأعمال العدائية مرهون باستمرار المخاوف من أن القاعدة ومن على نهجها لا يزالون يتمتمون بقدرة على توجيه ضرباتهم، وغياب الهجمات لفترة طويلة قد لا يدل على الأمان لان القاعدة تدير خلايا نائمة. وبالتالي فهذه الحرب قد لا تنتهي إلا عندما يقرر الأمريكان وحلفاؤهم ولكن على قاعدة غير معروفة.

إذن، هذه الحرب مستمرة ومعها تتراكم الانتهاكات لحقوق الإنسان، والراصد للأحداث المتعاقبة منذ الحادي عشر من سبتمبر سيجدها مليئة بالانتهاكات الصارخة. لقد أعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر موجة من الهجمات العنصرية الموجهه ضد العرب والمسلمين والقائمة على أساس المظهر. أضف إلى ذلك قيام عدد من الحكومات باعتقال عدد من مواطنيها ولأسباب سياسية، مستخدمةً الحرب على الإرهاب كأداة لقمع المعارضين السياسيين. كما استجابت عدد من الحكومات لتلك الحرب باتخاذ سلسلة من الإجراءات التشريعية بما فيها استصدار عدد من القوانين التي تحكم الجرائم الجديدة، حظر بعض المؤسسات والهيئات، تجميد الممتلكات، تقييد الحريات المدنية، وتخفيف الإجراءات العقابية لانتهاكات حقوق الإنسان.

علاوة على ذلك، تبنت الحكومات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لمبدأ جديد وهو التمييز ضد الغير مواطنين. المعلوم أن حقوق الإنسان هي حقوق عالمية ممنوحة لكل الشعوب ولكل البشر، بينما حقوق المواطنة هي حقوق ممنوحة من الحكومات لمواطنيها. وهذا يقودنا للتساؤل: ما هي الحقوق الخاصة بالإنسانية وما هي الحقوق الخاصة بالمواطنة؟ تمنع معاهدات حقوق الإنسان بشكل واضح التمييز القائم على أساس العنصر أو الدين او الجنسية أو العرق، لكنها لا تمنع بشكل واضح التمييز بين المواطنين والغير مواطنين. بيد أن سياسات الولايات المتحدة لما بعد الحادي عشر من سبتمبر تبنت قيود ظالمة على حقوق المقيمين أو الزائرين والتي لا يمكن أن تبررها المبادئ التقليدية للتمييز بين المواطن والأجنبي. رغم أن مواطني الولايات المتحدة لم يكونوا محصنين ضد بعض القيود على حقوقهم، غير أن تلك الإجراءات قيدت بشدة حقوق الغير أمريكيين. وفي الحقيقة، فقد ضحت الولايات المتحدة بشكل انتقائي بحريات الأجانب بينما تمسكت بحماية الحريات الأساسية لمواطنيها. وقد ظهرت هذه القيود والانتهاكات في مجالين من سياسة الولايات المتحدة، هما الهجرة والاحتجاز.

الأسوأ من ذلك، أن الولايات المتحدة لم تنتهج نظام تمييز ذو اتجاهين فحسب، بل انتهجت لسياسة التمييز بين الغير مواطنين أنفسهم على أساس العنصر والدين والجنسية بالإضافة للمواطنة. فبينما كان منفذي هجمات 11 سبتمبر ينتمون لمجموعة معينة من الدول، أخذت الولايات المتحدة تنظر لمواطني تلك البلدان العربية والإسلامية بمزيد من الشك، وشددت من الإجراءات التعسفية في حقهم. صحيح أن ألأجهزة الأمريكية لم تعتقل جميع العرب والمسلمين ، ولكن لا تزال أفعالها قائمة على أساس الصورة المغلوطة. 

من جانب أخر، برز في الغرب ما يعرف بالسجون السرية. فقد عرف عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إدارة عدد من السجون السرية - في بعض دول أوروبا الشرقية – وذلك للمشتبه بهم من إرهابيي العيار الثقيل. بالرغم من الإشارة إلى هذه السجون في وثائق بعض الحكومات الغربية "كمواقع سوداء" ( black sites )، لم يؤكد وجودها بصورة رسمية، ومواقعها سرية، ونزلائها في عزلة عن العالم، حتى جمعيات الصليب الأحمر الدولية لا علم لها بمواقعها أو هوية من يقبعون فيها. الأكثر من ذلك، ضم سجن جوانتانامو سيئ السمعة أكثر من 500 سجين عرضوا لمختلف ألوان التعذيب وجردوا من أبسط الحقوق بما فيها المحاكمة.

إذن، أنتجت الحرب على الإرهاب الكثير من الانتهاكات لحقوق الإنسان، وفي ظل هذه الانتهاكات برز سؤال هام : ما هو البديل لهذه الحرب؟

إن إنها أو إعادة النظر في هذه الحرب المنتهكة لحقوق بني الإنسان يتطلب عدد من الإجراءات البديلة، منها: أولاً، لا بد من معالجة الأسباب التي تغذي الإرهاب وفي مقدمتها وضع حل للصراع العربي الإسرائيلي، وضرورة إيقاف إسرائيل لإرهاب الدولة. ثانيا، إنها الاحتلال الأمريكي للعراق ومعالجة العواقب السلبية لغزو أفغانستان والتي خلقت موجة من المشاعر المناهضة للأمريكان وبالتالي شجعت العديد من الشباب للالتحاق بالجماعات المتطرفة.

ثالثاً، إن ضمان حقوق المحاربين والمدنيين في قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني أمر مطلق وغير قابل للنقاش. فتلك القوانين تدين الإجراءات الكيفية المضادة الموجهه ضد المدنيين الغير محاربين، وفي نفس الوقت تحرم على الحكومات معاملة المحاربين المقبوض عليهم كمجرمين، وهذا يشمل المشتبه بهم في أعمال إرهابية. وبالتالي، فالأمر يستدعي المراقبة التامة لمبادئ القانون الدولي في حال التعامل مع السجناء. كما يتطلب حماية حقوق الضحايا المحتملين للإجراءات المضادة للإرهاب، وتحريم التصنيف العنصري للمشتبه بهم، ومنع التسييس أو العسكرة لحملات مكافحة الإرهاب.

رابعاً، يتطلب أمر تحويل هذه الحرب المنتهكة لحقوق الإنسان إلى حرب ضد الإرهاب تعزيز مؤسسات الأمم المتحدة، وتطوير نظام قانوني للسيطرة ومعاقبة الإرهاب، بنوعيه إرهاب الجماعات و إرهاب الدول. خامساً، يتطلب الأمر ضرورة بناء أمن جماعي بين الحضارات والشعوب والذي لا يستثني العالم العربي والإسلامي، وذلك كإجراء لبنا الثقة.