تغريبة 26 سبتمبر
بقلم/ فتحي أبو النصر
نشر منذ: 7 سنوات و شهرين و 20 يوماً
الأحد 03 سبتمبر-أيلول 2017 08:58 م

سيظل وجداننا الوطني يمجد 26 سبتمبر الذي كرس مفهوم الذات اليمنية، إضافة إلى تمجيد 14 أكتوبر الذي وحد الجنوب؛ كما سيظل الشعب اليمني شمالا وجنوبا هو وحده صاحب الكلمة العليا في تحديد مستقبل اليمن.. ولا غيره.


ولكن كما قال البردوني "عقب ثورة 26 سبتمبر 1962 : كان لمؤتمر عمران ، وجه (أبي ذر) وقلب (أبي جهل)، لأنه في ظاهره، مؤتمر يقرر الشعب من خلاله مصيره، ولكنه في باطنه مؤامرة؛ شكلتها مختلف الجبهات كُلٍ لغرضها ".
وبرأي البردوني أيضاً "شكل الإنتهازيون من الجمهوريين متارس داخلية ضد الثوار الوطنيين، وألتقى الإنتهازيون والبائدون في نقطة واحدة: القضاء على الثوار المبدئيين".
وكان هذا التهادن بين الإنتهازيين الجمهوريين، وبين المتميلكين شبه تحالف ضد الثوريين لأنهم عقبة في وجه التصالح بينهم."


ولذلك كله حتما سيظل 26 سبتمبر، يبحث 26 سبتمبر ، إذ ليس من شيء حقيقي ظل يزدهر بعمق خلال 50 عاماً من عمر الثورة الأولى غير قوة سادة العقيدة الإمامية وعكفتهم شيوخ القبائل ومابينهما أسوأ ما انتجته مركزية الشمال من اصناف العسكر، بينما ظلت الجمهورية المفردة الشديدة السمية في الذهن الاصطفائي الخصب لهؤلاء.

 

فلقد ورث شيوخ القبائل حاكمية الأئمة مزيفين لوعي الجمهورية تماماً، كما سلب العسكر حلم الثورة الذي لم يكتمل بعد ، وهاقد عاد الأئمة عبر جلبة الحوثي يبحثون عن عرشهم الضائع محاولين ضرب ماتبقى من قيمة الجمهورية المهلهلة في الصميم .

فقط : وحده التصحيحي إبراهيم الحمدي من عرف جيداً ان مشكلة اليمن تكمن في السين والشين، ليغتاله حثالات العسكر باسم أهمية إعادة الصياغة العصبوية لإستمرار تحالفات هيمنة الاستبداد المركزي الذي ليس له مثيل.


وتاريخياً لم تتفق الهاشمية السياسية والقبلية السياسية في اليمن مع المملكة السعودية على شيء، مثل الاتفاق على إفراغ 26 سبتمبر الجبار من مضامينه الجمهورية.. وما الصراع الحاصل بين السعودية وصالح والحوثي، إلا بسبب دخول إيران الخمينية في الخط فقط، ما أثار استفزاز السعودية التي تخوض معها صراعا إقليميا طائفيا" رغم أن إيران الشاهنشاهية والسعودية وقفتا ضد الجمهورية في ستينيات الشمال معا ومولتا الملكيين ضد الجمهوريين ".


ثم مع كل التحولات فمازالت مشاعر المملكة المجاورة تجاه الجمهورية في اليمن كما هي للأسف..إنها تلك المشاعر المتوارثة والمتأففة من فعل التغيير والنهضة بالجوار، والمنطوية أيضا على مخاوف من إحتمالية حدوث تغيير تأثيري في السعودية يفضي إلى دولة ديمقراطية أو جمهورية، خصوصاً وأنها كانت مرحلة تغيير واسعة على إمتداد العالم العربي.

ولذلك أنفقت السعودية بسخاء لتقديم العون للقوى الملكية الإمامية طوال 8 سنوات من الحرب، بإعتبار النظام الجمهوري اليمني خطرا عليها كماترى.. وفي الحقيقة تمتد العلاقة الإمامية السعودية إلى ماقبل 34 مايعني عدم وجود طائفية بين الزيدية والوهابية أصلاً ، كما يؤكد هذا المسعى التاريخي الذي أفضى إثر تداعيات عديدة إلى مجابهة مصرية سعودية لاطائفية في اليمن، ثم انقلاب على أول رئيس للجمهورية، ثم مصالحة بين ما اصطلح على تسميته باليمين الجمهوري والملكيين برعاية سعودية عام70م واتفاقهم على دحر اليسار الجمهوري من المعادلة، رغم انه بطل فك حصار صنعاء بعد خروج المصريين.. ولقد كانت السعودية وبريطانيا آخر دولتين في العالم تعترفان بالجمهورية في الشمال للأسف!


ومذاك والسعودية استمرت تواصل إنفاقها على اللجنة الخاصة التي تحوي رجالاتها من الملكيين والجمهوريين المحافظين الذين لم تكن تهمهم لا دولة ولامواطنة، وإنما إبدال إمام بألف إمام تحت مظلة الجمهورية.. وهكذا.
وفي الواقع كان ملف الحدود أكثر ماتخشاه "الشقيقة" الكبرى، وفي 73م تم التوقيع على أن الحدود بين البلدين ثابتة ونهائية رغم أن معاهدة الطائف المعقودة في 34م بين حكومة الملك ابن سعود والإمام يحيى قد ذكرت أن اليمن وافق على وضع عسير ونجران وجيزان تحت إشراف السعودية. والواقع أن فترة المعاهدة كانت 20 سنة وفي عام 53م وافق أحمد ياجناة على تمديد مفعولها لعشرين سنة أخرى!


يمكن القول بالمقابل أيضاً أن من فوائد الوحدة اليمنية للسعودية عام 90 م هو محاولة إقناع الجنوب على ترسيم الحدود معها، بل إن من الأسباب الخفية لحرب 94م بين شركاء الوحدة هو أن تجديد الإتفاقية لم يتم في عام 93م كما كان مقرراً.


وأما علاقة السعودية بالجنوب اليمني بعد اندلاع ثورة 14 اكتوبر 63م فجوهره أن السعودية كانت ومازالت بحاجة إلى منفذ بحري عبر البحر العربي للمحيط الهندي، أما إشكالية السعودية فقد كانت حينها النظام اليساري الذي لايروقها في الجنوب قبل الوحدة، ولذلك احتضنت رابطة الجفري، ودعمت الأسر السلاطينية التي هربت إليها بعد توحيد النظام في الجنوب لأكثر من 20 سلطنة ومشيخة متناثرة في كيان سياسي اعتباري خارج التفكيك الاستعماري البريطاني البغيض.
ومذاك استمرت الاشتباكات الحدودية المتقطعة بين اليمن الجنوبي والسعودية. على أن الترسيم النهائي قد عمده صالح في العام 2000م.


في الحقيقة إذا كان هناك دولة ذات شخصية تفرض على السعودية تعزيز التعامل معها كدولة لا كمندوبة للجنة الخاصة، ثمة مصالح يمنية سعودية عليا يمكن أن تدار وتزدهر على نحو براجماتي ومعاهدات شفافة وفق إعتبارات تاريخية وجغرافية، تصحح كل المسارات الخاطئة، كما تزيل الهواجس السعودية المأزومة تجاه اليمن، وتستوعب المصالح المشتركة للشعبين والبلدين.

ولكن للأسف النخب السعودية مستمرة في التعامل مع اليمنيين بعقلية التابع، وبالمقابل فان النخب اليمنية غير ناضجة و تريد أن تتعامل مع النخب السعودية بعقلية المتبوع.


أما الآن ياعزيزي 26 ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ 1962 ﻡ فنحن بسبب الذين يكرهونك في الداخل والخارج :
أولاً: لم نتحرر ﻣﻦ ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﻭﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﻭﻣﺨﻠﻔﺎﺗﻬما
ولم نقم ﺣﻜماً ﺟﻤﻬﻮرياً ﻋﺎﺩلاً.. ولم نزِل ﺍﻟﻔﻮﺍﺭﻕ ﻭﺍﻻﻣﺘﻴﺎﺯﺍﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ.
ثانياً: لم نبن ﺟﻴشا وطنيا قويا ﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻭﺣﺮﺍﺳﺔ ﺍﻟﺜﻮﺭﺓ ﻭﻣﻜﺎﺳﺒﻬﺎ.
ثالثاً: لم نرﻓﻊ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺇﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺎً ﻭﺇﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺎً ﻭﺳﻴﺎﺳﻴﺎً ﻭﺛﻘﺎﻓﻴﺎً.
رابعاً: لم ننشئ ﻣﺠﺘمعاً ﺩﻳﻤﻘﺮﺍﻃياً ﺗﻌﺎﻭﻧياً ﻋﺎﺩلاً ﻣﺴﺘﻤﺪاً ﺃﻧﻈﻤﺘﻪ ﻣﻦ ﺭﻭﺡ ﺍﻻﺳﻼﻡ ﺍﻟﺤﻨﻴﻒ. "مع العلم أنه صار لدينا عدة إسلامات كلها تزعم الرشد لديها ومنها المتوحشة للأسف ".
خامساً: لم نعمل ﻋﻠﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﻓﻲ ﻧﻄﺎﻕ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺸﺎﻣﻠﺔ!
سادساً: لم نحترم ﻣﻮﺍﺛﻴﻖ ﺍﻻﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻭﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ولم نتمسك ﺑﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﺤﻴﺎﺩ ﺍﻻﻳﺠﺎﺑﻲ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻻﻧﺤﻴﺎﺯ كما لم نعمل ﻋﻠﻰ ﺇﻗﺮﺍﺭ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻭﺗﺪﻋﻴﻢ ﻣﺒﺪﺃ ﺍﻟﺘﻌﺎﻳﺶ ﺍﻟﺴﻠﻤﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻷﻣﻢ .

ولكن.. 26 سبتمبر هو كل هذه الأحلام العظيمة التي مازالت تعاند بعنف وبحب، بيأس وبأمل.. هو كل هذه الخيبات والانعتاقات.. وجع الخذلانات ومجد العنادات المهيبة.. يالجمال حزننا وتوقنا للنصر دائماً كشعب.